الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإنسان في النظرة البرجوازية الغربية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2006 / 10 / 30
المجتمع المدني


نحن كبشر نعتبر بلا أدنى شك ّ كل كائن بشري ّ إنسانا ، طالما نشعر أنّنا بشر. وحين يجري الحديث عن الإنسان وحقوقه وقيمه نتصور أنه يجري عنّا أيضا، ويغمرنا بشجونه . ولكن هل هذا التصور الذي نتصوره يمكن أن يكون دوما صحيحا؟ فالجواب يكون بالنفي حينما نتمعن في لوائح حقوق الإنسان و عقود المجتمع المدني فيتبيّن لنا أن البرجوازية الغربية تعتبر الناس المتطورين و" المتحضرين" بنظرها فحسب بشرا، وأن الغربيين هم المتطورون وفق معاييرها الحضارية. لذلك رأت البرجوازية إبان صعودها خلال برامجها التنموية والحضارية والإستعمارية في ما يسمى بالعالم الثالث أراضي للإستثمار والإستغلال ومنابع للمواد الخام والمواد الأولية للتصنيع ، وفي شعوبها أيادي عاملة رخيصة أو مجانية ، أو في حالات غير قليلة عبيدا . وإن العالم بنظر البرجوازية الغربية لا يكون سوى العالم الأول ، عالمهم المتحضر المدني البرجوازي، وأن الإنسان هو المواطن الغربي ّ المقيم في هذا العالم الأول ، والذي سنّت قوانين حقوق الإنسان والمجتمع المني في سبيل راحته ورفاهه.

غالبا ما تكون بدع ُ عرّابي اللبراليّة و النظام العالمي الجديد مبنية على أسس عنصرية بغيضة لايمكن لأيّ إنسان ذي مشاعر إسانية القبول بها . فأنصار البوست مودرنيزم postmodernism" المابعد حداثية" والتعددوية الثقافية multiculturalism يدّعون أنّ حقوق الأفراد تتفاوت حسب الملّية والدين والثقافات . ويزعقون فرحين أن الحقوق الإنسانية لفرد من مواليد العراق أو الصومال أو ايران أو افغانستان تتميز عن حقوق الذي من مواليد امريكا ؛ كانادا؛ أو السويد .
فأدعياء هذه النظريات يدّعون أن جماهير العراق شعب على شاكلة القوى الطائفية والقومية التي تعيث في الأرض فسادا وتقتيلا ؛ وأنهّم اختاروا حكامهم لكي يبطشوا بهم و يدوسوا على أبسط حقوقهم الإنسانية .و ان هذا البلد حسب رأيهم خال من الفروق الطبقية , والنضالات والتضحيات الجسام من اجل حياة أفضل ؛ خالٍ من الشيوعيين والإشتراكيين والأحرار والمناضلين في سبيل الحرية .

فاذا كان الحكومات حقا تعكس مايليق بشعوبهاالمحكومة ؛ فماذا تعني الفاشستية الايطالية ،والنازية الألمانية، و الفرانكوية الإسبانية، وماذا تعني الإبادة الوحشية للهنود الحمر في أمريكا ؛وجرائم المستعمرين الأوروبيين في أفريقيا و...، قياسا بأوضاع العالم اليوم ؟ و هل كانت تلك الشعوب مستحقة كل تلك الجرائم بحقها ، و القوى الإستعمارية التي استغلتها ونهبت خيراتها ؟

لقد تراجعت البرجوازية اليوم عن قوانينها التي سنتها بنفسها ، بعد أن أمست برجوازية رجعية وعاجزة عن تحقيق أهداف مدنية واجتماعية في خدمة الإنسان ، أي ّ إنسان حتى الذي بمفهومها هو الإنسان فقط. ولتضليل الشرائح الإجتماعية المحرومة في الغرب في هذا العصر ، ولشرعنة التمييز العنصري ضد مواطني ما يسمى بالعالم الثالث وتكريس التخلف فيه، تسن البرجوازية المتعفنة نظريات ما بعد الحداثة .
إن ّ النظريات والمفاهيم المتعلقة بحقوق الإنسان لم تكن قد انقمست ْ إلى " شرقية" و " غربيّة" حتى أواسط العقد السابع من القرن الماضي، إذ كانت كلها عالمية وشاملة وغير مشترطة باختلافات الثقافات والأديان ، وكانت تستند إلى العلمانية وقوانينها وفصل الدين عن الدولة . و لكنّ بعد انحسار اليسار التقليدي وتموج المد ّاليميني بعد تلك الفترة ، أمست فكرة " الإمبريالية الثقافية" هي السائدة في العالم ، ويتبناها كثر ٌ من المفكرين والمثقفين الشرقيين في ما يسمى بالعالم الثالث، ويدعمها غير قليل من المفكرين في الغرب. فهذه الفكرة لها ظاهر تقدمي ّ يغلف سموم العنصرية و روح التفوق الغربي والمركزية الأوروبية ، وتستخدم سلاحا في النضال الشعبوي في المجتمعات التابعة في مواجهة الإمبريالية.
وإن ّالوقوف في وجه " الغزو الثقافي الإمبريالي" في الشرق الأوسط كان يعتبر عنصرا مهما في معاداة الإمبرالية الغربية. وكانت النساء والشباب أولى ضحايا هذا النضال ،إذ تم التخلي عن المفاح في سبيل إقامة مجتمع مدني و في سبيل الإشتراكية لصالح معاداة الإمبريالية ، وهذه المعاداة اقتضت تآلف الشيوعيين التقليديين واليسار القومي مع القوى الرجعية الوطنية والقومية . وقد حسب اليسار القوميّ والشيوعيون التقليديون أن مفاهيم حرية المرأة وتحررها هي مفاهيم غربية ، وغريبة عن مجتمعاتنا، ومن لا يتذكر محاربة موسيقى الروك والبوب ، وأغاني فرق الخنافس بحجة أنها تنشر الميوعة والأخلاق البرجوازية ؟ و قام عديد من مفكري اليسار القومي بالترحيب بسياسة آية الله الخميني الثقافية وتأييده والثناء عليها بعد نجاح الثورة على الشاه عام 1979. وعمليا أصبح اليسار الوطني البرجوازي يعمل في جبهة واحدة مع القوميين والإسلاميين والوطنيين من القوى البرجوازية والرجعية باهمال فكرة حرية المرأة وتحررها، ومحاربة حريات الشباب التي أطلقوا عليها ميوعة وبرجزة ، تحت ستار معاداة الإمبرالية والغزو الثقافي الغربي.
وقد تم طرح نظرية " الإمبريالية الثقافية" في الغرب كمشروع لإعادة النظر في فكرة عالمية حقوق الإنسان و المرأة وحريتها، وللتمهيد لنسف كل اللوائح والقوانين التي سنت لصالح العمال و النساء والمهاجرين، كما فرض صعود تيار الإسلام السياسي في نهاية السبعينات تراجعات كبيرة في حقوق الإنسان والمرأة الفردية والإجتماعية في بلدان الشرق الأوسط، و الجاليات الشرقية المهاجرة في الغرب ، وخلقت التراجعات تلك أرضية خصبة لنمو القوى الرجعية و العشائرية والطائفية ، فاصبحت مسألة حقوق المرأة في بلدان ما يسمى بالعالم الثالث مشروطة بعدم تعارضها مع التعاليم الدينية والثقافية التقليدية.
هذه النغمة الرجعية طبعت حقوق المرأة وفكرة مساواتها مع الرجل في الفكر والإيديولوجيا والثقافة ، ما عقد كثيرا النضال التقدمي للقوى الشيوعية والإشتراكية في الإشتراكية والتقدم الإجتماعي.
ومنذ تسعينيات القرن الماضي تحولت نظريات ما بعد الحداثة " البوست مودنيزم" وخاصة سياسة الهوية والتعددية الثقافية إلى بحث أساس وحامي في المراكز العلمية والأوساط الثقافية والمعرفية في الغرب والبلدان الإسلامية، وتقوم الحكومات الغربية بتمويل الأبحاث الجارية في قضايا الهوية والقومية والطائفية ، و الجمعيات والمراكز القائمة وفق هذا التقسيم.
كما قامت هذه النظريات المابعد الحداثية بتبرير الهجمات الوحشية للإسلام السياسي والثقافة التقليدية والأبوية على حرية المرأة والشباب وحقوق الإنسان عموما، تحت ستار نبذ الإستشراق والعنصرية والمركزية الأوروبية . و النتائج كانت عكسية دوما ، أي المزيد من العنصرية والمركزية الأوروبية في الثقافة ، وتهميش الجاليات المهاجرة في الغرب ، و تشديد نار التفرقة القومية والطائفية في الشرق الأوسط.
ظهرت نظريات ما بعد الحداثة في الثمانينيات من القرن الماضي ، في فترة صعود القوى المحافظة وفكرها من التاتشرية والريغانية ، والمحافظة الجديدة ، وغزو اقتصاد السوق الرأسمالية إبان انهيار الكتلة الشرقية والتطبيل لنهاية الشيوعية والتاريخ ، و في فترة صعود الاسلام السياسي واشتداده في إيران بعد الثورة الإسلامية ، و تحويل بلدان عديدة لإلى ميادين لأبشع الجرائم باسم الدين ، مثل الجزائر وباكستان وغيرهما. فهذه النظريات تركت ْ آثارا مخربة في الروح الإنسانية مثل القلق المدمر والشك والظلامية والرجعية و ارجاع المجتمعات القهقرى إلى وراء.

كما وضعت هذه النظريات كل المشاريع والقيم الإنسانية المنبثقة عنها موضع تساؤل وريبة في البلدان الفقيرة. وأفقدت فكرة الحقيقة والعقلانية والأممية اعتبارها وميعتها إلى حد كبير ، وذلك برفضها الرؤية الواحدية والعالمية للعالم والتاريخ و المجتمع والإنسان، وباتخاذها الإختلاف والانشقاق والفرقة أساسا لها. فالوضع المزري والمظلم للبلدان الفقيرة وفق هذه النظريات البوست مودرنية سببه أنها تختلف في قيمها وثقافتها عن المجتمعات الغربية ، و بالتالي لا بد لها أن تتخذ مسارا مختلفا في التطور والتقدم ، إذ أنها لا يمكن لها أن تتطور وفق النماذج الغربية صوب العلمانية والحداثة . وإنه مما يؤسف له أن هذه الفكرة ترقص لها القوى التقليدية واليسار الهامشي في بلدان الشرق بدعم اليسار القومي الغربي وفق نظرياته البوست مودرنية التي ليست إلا تلميعات لفكرة المركزية الأوروبية العنصرية . وإن التاريخ في رأي أصحاب النظريات البوست مودرنية قد انتهى و لم تعد ثمة حقيقة واحدة للعالم ، وان العلمانية والحداثة فشلتا في تحقيق أهدافها ، وغدت مجرد مصطلحات فارغة من أي ّ مضمون .
ومن عواقب الإيمان بنظريات الما بعد الحداثية و التعددية الثقافية ، سكوت الحركات الفيمنيستية واليسار القومي الأوروبي في الغرب عن انتهاك حقوق المرأة والإنسان في الشرق ، أو الجاليات المهاجرة في الغرب متخذة من الهوية والثقافة الومية والدين أغطية للتفرقة العنصرية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Cambodian climate activists convicted for plotting against


.. الأونروا: ما لدينا من تمويل يغطي عملياتنا بقطاع غزة لأغسطس ف




.. الأمم المتحدة تعلن توسيع خطتها لمساعدة اللاجئين السودانيين ا


.. كاميرا الجزيرة ترصد معاناة النازحين من داخل الخيام في شمال غ




.. قلق بين اللاجئين والأجانب المقيمين في مصر بعد انتهاء مهلة تق