الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ابتسامة جورج وسمير… وجميلتان!

فاطمة ناعوت

2023 / 6 / 4
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في شهر مايو تحلُّ ذكرتان: عيد ميلاد "جورج سيدهم"، وذكرى رحيل "سمير غانم". صديقان من كبار الموهوبين في صرحِ مصر الفنيّ الشاهق. التقيا على الفنّ مع صديق ثالث، "الضيف أحمد"، وتعاهدوا ثلاثتُهم على هدف نبيل وهو: “رسم البهجة على وجوه العبوسين”. كوّنوا معًا أشهرَ وأجملَ الفرق الكوميدية في تاريخ الفنّ، أطلقوا عليها: "ثلاثي أضواء المسرح"؛ أشرق وهجُها سنواتٍ في سماوات المسرح والسينما والإذاعة والتليفزيون مطلعَ الستينيات الماضية. ومع رحيل "الضيف أحمد" شابًّا عام ١٩٧٠، استمر الثنائي: “سمير وجورج" على عهد الكوميديا الراقية، فقدّما عددًا هائلا من المسرحيات والأفلام، مُجتمعيْن أو منفرديْن. والعجيبُ أن مصطلح "ثلاثي أضواء المسرح" مازال حيًّا في العقل الجمعي المصري والعربي حتى اليوم؛ ليس وحسب بعد انكسار المثلث وبقاء ضلعين فقط، بل حتى بعد رحيل "جورج" عام ٢٠٢٠، ثم "سمير" بعده بعام واحد.
منح اللهُ "سمير وجورج" زوجتين من أجمل سيدات هذا العالم وأرقاهنّ روحًا وطيبةً. “دلال عبد العزيز"، الفنانة الجميلة رفيقة درب "سمير غانم" التي ما كانت تترك فنانًا، مشهورًا كان أو مغمورًا، في أزمةٍ مادية أو وعكة صحية إلا وكانت صخرتَه. تساعدُ مَن يحتاج المساعدة في عوزه أو مرضه، وتواسي الفاقدين. فإن رحل راحلٌ، تكون هي مَن تستقبلُ العزاءَ فيه كأولى الأقربين. حتى أنني قلتُ لها يومًا في أحد واجبات العزاء: “هو مكتوب علينا بس نتقابل في سرادقات العزاءات يا دلال؟!” فقالت لي بابتسامتها الطيبة الحزينة: “الظاهر كده للأسف!” وحين رحلت الجميلة "دلال"، وكان "سمير" قد سبقها بشهرٍ حتى يكون في انتظارها في فردوس الله، اكتست وجوهُ الملايين بسحائب الحزن، واشتعلت صفحاتُ التواصل الاجتماعي رثاءً وتأبينًا لهذا الكوبل" الفني الجميل، وامتدت ملايين الأيادي لتحتضن ابنتيهما: "دنيا، وإيمي"، الفنانتين الجميلتين.
وأما زوجة "جورج سيدهم" فهي الصيدلانية الجميلة د. “ليندا مكرم" صديقتي التي أعتزُّ بها وكتبتُ فيها قصيدة عنوانها: “ثمنُها يفوق اللآلئ". لا تحبُّ الأضواء وتهربُ من الإعلام والملاحقات الصحفية، لأن رسالتها الشاقة في رعاية زوجها "جورج" طوال فترة مرضه التي امتدت ربعَ قرنٍ، كانت هي عالمها ودنياها التي من أجلها هجرت عملها كصيدلانية، وخاصمت جميع الأنشطة والواجبات الاجتماعية، لتسافر مع زوجها راقدًا على سريره في غيبوبة تامة إلى بلاد العالم تطاردُ أي بارقة أمل تظهر في عالم الطب وتعِدُ بعلاجه. وحدها دون معين إلا الَله الذي لا يُطلَبُ معه آخرُ. لم تلجأ إلى نقابة، ولا صديق. بل حملت، بكل رضًا وفرح، جبلَ المحنة وحدها، وكانت أهلا لها. لم أصادف في حياتي زوجةً أفنت حياتَها من أجل زوجها مثلما فعلت د. "ليندا”. لهذا صدّقتُ فيها قولَ "سليمان الحكيم": “امرأة فاضلة ثمنُها يفوقُ اللآلئ".
في إحدى زياراتي لهما، كان الجميلُ "جورج" يجلسُ على مقعد وثير جوار تمثال كبير للسيدة العذراء، عليها السلام، تمدُّ يدها البيضاءَ صوب قلبه الأبيض. يجاوره مقعدٌ آخرُ بالكاد تجلس عليه د. “ليندا”. فهي أغلبَ الوقت تُحوّم في الدار مثل عصفور لا يعرف الكسلَ ولا الركون منذ أقعد المرضُ زوجها وأفقده القدرة على الحركة وصار مثل طفلٍ يحتاج المتابعة والرعاية. شاركته سنوات تألقه على خشبات المسرح، ثم حملت معه محنةَ مرضه، رافضةً أن يحملَ معها التبعةَ الشاقّةَ أحدٌ. فهي الحبيبةُ والزوجةُ والأمُّ والابنة والشقيقة والصديقة، وهي الأهلُ والسندُ والأصدقاءُ، وهي الصخرةُ التي ارتكن إليها "جورج" حين تهالك ساقطًا في غيبوبة المرض، فكانت الحضنَ والسَّكن والدواء، ثم توكأ عليها رويدًا رويدًا، حتى اشتدّ عودُه ووقف على قدميه من جديد، وعادت مياه الحياة تسري في شرايينه، بعد يبوس. قصةٌ طويلة وهائلة تضيقُ عن سردها كتبٌ وقصائدُ وملاحمُ عشق. فهي، كما أسلفتُ، تجسيدٌ حرفيٌّ وجليّ لعبارة: "امرأةٌ فاضلة، مَن يجدها؟ لأن، ثمنَها يفوقُ اللآلئَ." لهذا؛ حين أهديتُ "جورج" أحدَ كتبي: "صانع الفرح"، كتبتُ على صفحته الأولى هذا الإهداء: (طوبى لكَ يا "جورج"، فها أنتَ قد وجدتَها. ) واخترتُ هذا الكتاب تحديدًا من بين كتبي لأهديه لهما لعدة أسباب: أولا عنوان الكتاب؛ لأن "جورج سيدهم" هو لا شك أحد "صنّاع الفرح" في حياتنا. وثانيًّا، لأن غلاف الكتاب عليه لوحةٌ جميلة رسمها ابني الفنان "عمر"، تمثل طفلا وطفلة يتزلجان على الجليد، ويمسك كلٌّ منهما بيد الآخر. فهل أدلُّ من تلك اللوحة على قصة الحب والحياة التي ربطت بين "جورج وليندا"؟! سافر إلى السماء "جورج وسمير"، ومن قبلهما "الضيف"، لكنهم تركوا لنا ابتساماتهم الآسرةُ كما عرفناها وسجّلتها الكاميرات؛ وكأن الزمانَ لا يمرّ. بصَفوها وعذوبتِها وطفولتها.
“جورج"، "سمير" كل سنة وأنتما طيبين لا تبرحان المكانة الرفيعة في قلوبنا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالة رائعة ومؤثرة جدا ليدى فاطمة ناعوت
Magdi ( 2023 / 6 / 4 - 13:15 )
كل يوم أبكى رحيل حبيبتى و رفيقة عمرى د.جوديت التى رحلت عن عالمنا فى 21 مارس 2020 - الفراق صعب لايحتمل .
خالص العزاء لأقارب وأصدقاء ثلاثي أضواء المسرح - اخبريهم أن ارواح الأحبة خالدة - لا تموت أبدا.
كتبت فى خلود الروح كثيرا .أنظر الرابط التالى تعليق رقم 27
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=793312
وطالبت من أدارة الحوار المتمدن الكريمة بأعادة نشره أنظر الرابط التالى تعليق رقم 37
https://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=793200
مع مودتى. مجدى سامى زكى
Magdi Sami Zaki


2 - شكرا للسيدة فاطمة ناعوت
وسام يوسف ( 2023 / 6 / 5 - 18:55 )
احلى استذكار لعباقرة الكوميديا سمير وجورج
مسرحيتهما الخالدة المتزوجون التي حفلت بحوارات ثنائية بين مسعود وحنفي كانت تجعلني ولازالت تجعلني اختنق من الضحك وكنت متاكدا ان معظم الافيهات فيها لم تأت من المؤلف بل ولدت من رحم الموهبة الجبارة للنجمين وقدرتهما على اضحاك الثكالى


3 - تكريم وتخليد الفنانين والمبدعين وظيفة تاريخية يجيد
المتابع ( 2023 / 6 / 5 - 21:35 )
يجيدها ادباء وشعراء ملئت قلوبهم وضمائرهم بحب الانسان والانسانية وحب وطنهم الحلو مصر الحبيبه كالكاتبة والشاعرة والام العاشقة لاولادها الاستاذة فاطمة ناعوت-لك كل الشكر والامتنان وانت تدونين باسمنا نحن الملايين الذين زرع جورج وسمير وكل الثلاثي المرح الانتسامه على شفاهنا بل غالبا وصول الضحك الحقيقي الى اعماقنا واحيانا مع دموع الفرح-تحياتي

اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah