الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإله المتوحش

سالار الناصري

2006 / 10 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


 الجبار المنتقم :
ليس هذا عنوان لفلم عن هولاكو ، ولا عن احد متوحشي الحروب ، ولا عن بربري لم تمسه الحضارة ، بل انه عن أسماء الله الحسنى ، الله الذي من المفروض ان يفجر ينابيع الرحمة والقيم الإنسانية في دواخلنا ،
ان يضمد جراح ارواحنا بالحب والجمال ،
ان يطمئننا ويؤنسنا ،،،
لكنه ليس كذلك ..
أنا لا اتهمه لكنه يصف نفسه بالمتوعد الذي يكاد يكسر أسنانه من كثر الصرير وهو يصرخ ( فويل للمصلين ) و( فويل للذين يكتبون الكتاب ..)
ثم يستخدم جبروته القاهر صارخا:
( سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب بما أشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا ومأواهم النار ) آل عمران 151.
الرعب في الدنيا والنار في الآخرة ، وهناك يعذبون على أيدي جلادين كلهم قسوة وحقد وانتقام ، واليك لقطة مما يحدث هناك
( ان الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نار كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلودا غيرها ليذوقوا العذاب ان الله كان عزيزا حكيما ) النساء 56.
ولكن لنتعرف على المجازر التي ارتكبها الله في هذه الدنيا كما يصور لنا ذلك القرآن ونفتتح ببيان رقم واحد :
( وان من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة او معذبوها عذابا شديدا )
الإسراء 55.
ولا ادري لماذا هذا الإفراط في التعذيب إذا كان القليل الإلهي يكفي منه ؟
إلا يقول في سورة الإسراء 33 ( ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل )
فلماذا يصدر الإسراف من الله ، ويبدو اننا نسينا نقطة مهمة وهي ( لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون ...)
لا احد يحاسب الله او يستطيع ان يتهمه لأنه حر يفعل ما يشاء من هنا نرى الدور الاستراتيجي الذي تلعبه نظرية الاستعباد في الفكر الديني الإسلامي .
فقرية لوط قرية فيها الأطفال والنساء والمستضعفين الذين ليس لديهم لا حول ولا قوة على تغيير المجتمع او الاستقلال بمصيرهم . لكن العذاب الإلهي النووي جاء شاملا:
( فلما جاء امرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود) هود 82
ويفصل الرسول الرحيم رواية القصة فيقول :
( ولقد سمع أهل السماء صياح ديكهم وبكاء صغارهم ...)
بلى هكذا قالوا عن الله يبعث ملائكة ملغمين واليوم يبعث رجال مفخخين ..
لان الله مسكون بعقدة نقص اسمها الطاعة كما تشير إليها الآية المقدسة :
( ولله يسجد ما في السماوات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ) النمل 49
ولكن لماذا ؟ هل هي طاعة النعمة ؟ طاعة الطمع بنعم أفضل ؟
كلا ..فالله ليس ثري من أثرياء باريس بل ملك من القرون الوسطى
ومن عهود الإمبراطوريات على الرعية ان تطيعه وهو يستعبدهم
( يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون ) النمل 50
والله يريدك ان تخافه ، ان تصاب بالرهاب من اسمه ،
ان ترتجف كما يصوره المتقين بين يديه ،
ان ترتعش وتبكي عند سماع كلامه
( وقال الله لا تتخذوا الهين اثنين إنما هو اله واحد وإياي فارهبون ) النحل 51
و إلا فالأمثلة تنذرك وترهبك في قساوتها وخرابها ...
( فكاين من قرية أهلكناها وهي ظالمة فهي خاوية على عروشها وبئر معطلة وقصر مشيد ) الحج 45
وتتقاطر في مخيلتك صورة القرية وهي تضج بالحياة وشباب وفتيات،
أطفال يلعبون
رجال يعملون
نساء يثرثرن حول بئر ،
فتى يمر على حصان والده ليجر وراءه نظرات الفتيات..
ويأتي الانتقام الالهي،
ثم هي خاوية مخربة ،
تصفق أبوابها الرياح و يجف في عروقها ماء الحياة وتظل أطلالها تومئ الى افتخار الله بقتل الجميع ،
والله هذا في القران كما هو حال الجيوش العظمى يمتلك وسائل متنوعة للتدمير
كما يقول معددا ( فكلا أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الارض ومنهم من أغرقنا ..) العنكبوت 40
فالغرق أصاب قوم نوح في القصة المشهورة
أما الريح فأصابت قوم عاد ( فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ..) فصلت 16
وأما ثمود فبالقصف الجوي ( فأخذتهم صاعقة العذاب الهون ..) فصلت 17
وهذا هو غيض من فيض من العقوبات الإلهية للقرى والشعوب والأقوام المعارضة
ولا ادري ان كان حكام الشرق الأوسط على الخصوص يقتدون بالأسلوب الإلهي في التعامل مع المعارضة من ارتباط ديني او لاشتراكهم جميعا في اضطرابات وأمراض نفسية ..
 الإله المتوحش :

الرب الذي منحني الحياة ووهب العالم الجمال ، وبث فيه روحه ولمسه بلطفه
الرب الذي منحني إرادة حرة ، وعقل فريد ، ونفس رغابة لا يمكنني ان أتصوره باحثا عن ملك ، رافعا سوطا، جامعا للعبيد ، متوعدا المعارضين، ومنتقما من العاصين. يتصرف بكل قسوة ووحشية وبربرية متناقضا في ذاته ،
متضادا في أحكامه ،
يعيش شيزوفرينيا شديدة بين هويته المعلنة كإله ورغباته المتحققة كبدوي مهمش ناقما على ذاته ومجتمعه ..
ثم إنني كانسان وكمتحضر أعيش في القرن الحادي والعشرين
ارثي لهذا الإله الجريح في كرامته ، المطعون في قيمته
ارثي لهذا الإله الجريح في كرامته ، المطعون في قيمته ،
ارثي لهذا الإله رغباته المريضة وسلوكه المضطرب
ارثي لهذا الإله جراح ذاته وسعيه القاصر على ان يكون إنسان سوي ،
وبالطبع لا ادري كيف أواسي من يتبعونه ومن ينطقون باسمه ومن يتاجرون ببورصة الحركات الدينية باسمه لا ادري ان كان سينجح المتنورون الإسلاميون في تهذيب هذا الإله ، وجعله أكثر قبولا لذاته وأكثر توافقا مع المجتمع الإنساني وقد يحلمون بجعله أكثر تحضرا ومدنية ؟
ولا ادري ان كانت أمواج السلفية والأصولية سوف تغرقهم بأمواجها العاتية ؟
إنني ارثي لكل أولئك الفقراء المساكين الطيبين الذين يؤمنون بهذا الإله ثم وحينما يزدادون إيمانا به بتحول أبناءهم الى قتلة وبناتهم علب قطنية مقفلة ،
وهم يزدادون تخلفا وفقرا وحرمانا في أغنى بقاع الأرض .
إنني ارثي لكل من يمسخ هذا الإله المتوحش طيبته وقيمه الإنسانية وفطرته ودوافعه في الحياة والحضارة والسعادة .
ولي أمل
أن أرى مدننا بلا ارهابين مفخخين تعيش بسلام تمارس الرياضة وتقيم المهرجانات .
أن أرى الضحكات والموسيقى والأغاني
أن تصبح الحياة فضاءنا لا ما بعد موتنا
أن نعيش بسلام بعضنا مع بعض دون إذلال أو تكفير أو تعصب
أن نؤمن بالرب على اقل تقدير كانسان طيب متحضر شريف وليس متوحش بربري ظالم . .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا


.. مسيحيو مصر يحتفلون بعيد القيامة في أجواء عائلية ودينية




.. نبض فرنسا: مسلمون يغادرون البلاد، ظاهرة عابرة أو واقع جديد؟