الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا قال كافكا في رسالته الى والده؟

داود السلمان

2023 / 6 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تسود معظم اعمال كافكا الكوابيس، والقضايا النفسية المزعجة، القلقة التي تنغص عليك عيشك، ولا غرابة، فإن هذا الأديب المتشائم، عاش حياة الضنك والبؤس، كذلك الشرود الفكري والذهني، فأنعكس الأمر سلبيا على حياته، وبات نزوح التشرد النفسي جزءًا كبيرًا من واقعه المؤلم. لذا لا نستغرب عندما نجد المرارة والسوداوية، تكسو جُل نتاجه الابداعي.     فمثلا في قصته الطويلة "المسخ" والتي استوحاها من الاديب الكبير دوستويفسكي، في روايته "في قبوي" وفي ترجمة أخرى "رسائل من تحت الارض" وفي ترجمة اخري، ايضا، "الإنسان الصرصار". المهم، كافكا يعيشنا في اجواء رعب، ونحن نقرأ ونتمعن في سطور هذه القصة، والتي للأسف إن بعض ضعاف النفوس، اصحاب دور النشر، كتب على غلافها بأنها رواية.
   المسخ تعني الانسان الذي يعيش هذا الوجود الضحل، يعيشه بكل تناقضاته ومجونه وترهاته، وهو لا يشعر بواقعه الحقيقي، فعاش الاستلاب الفكري والروحي، وغدى في بحبوحة من العيش، بل أنه يعيش كأي حيوان يدب على هذا الارض.
   في رسالته، هذه، التي خصصها كافكا الى والده، عبر فيها عن عن آلامه، اولا، كونه كان مصابا بمرض السل (التدرن) وهذا المرض بالنهاية انتصر عليه، فكان يؤرق ليله الطويل، فيئن تحت طائل هذا الداء اللعين، فلا من يسمع بث تألمه وشكواه، الا المربية وباقي الخدم، وهنّ مشغولات في قضاياهن الخاصة، واعمال البيت الموكلة اليهنّ. ثم يقول كلام يخص به والده، كلام اشبه بالمصارحة والعتب، كون والده قد اهمله تماما، فكان يغيب عنه اياما طويلة، في العمل ومشاكل العمل، حيث كانت طبيعة عمله تقتضي، ان يبيت الايام والليالي لتوفير العيش الرغيد، لم يكن قد دار في خلد الوالد، ان ابتعاده عن اسرته كان لها انعماسها السلبي، كما الايحابي.
   يبث كافكا شكواه الى والده، بكلمات تنم عن اسى دفين، وشجن مباغت لم يستطع كتمه، فراح ينثره على شكل حسرات جياشة. فيقول: منذ ان وعيت وأنا مهتم أشد الاهتمام بإثبات وجودي الفكري، بحيث كل شيء كان عندي سيان. لم يشغلني غير مشاغل نفسي، لكن هذا الانشغال كان بشتى الطرق مثلا انشغالي بصحتي. لقد بدأ بشكل مخيف. وقد تصاعد هذا التخوف بدرجات لا تحصى حتى انتهى في آخر المطاف الى مرض حقيقي. لكنني خلال ذلك لم اكن متأكدا من أي شيء، وكنت بحاجة الى اثبات جديد لوجودي في كل لحظة.
   كافكا كان يطلب، بل يترجى من أبيه أن يفهمه، او يحاول ذلك جاهدا، على اعتبار إن الاب بالنسبة للولد هو القدوة التي يقتدي بها، قائلا له: أنك لم تحافظ على الوصايا التي الزمتها نفسك، وفرضتها عليه، فلهذا، يقول كافكا أصبح العالم بالنسبة له مقسم الى ثلاثة عوالم:
   في العالم الاول، كنت أنا العبد، اعيش تحت قوانين وضعت لي وحدي، ولم أتمكن أبدا، فوق هذا من الاستجابة لها كلها، ولا أدري لماذا؟.
  وفي العالم الثاني، كان بعيدا عن عالمي لا نهاية له، وكنت أنت تعيش فيه مشغولا بالحكومة، وإصدار الأوامر، وبالغضب بسبب عدم الامتثال لهذه الأوامر.
   والعالم الثالث وهو العالم الأخير، حيث كان يعيش بقية الناس سُعداء محررين عن الأوامر وتنفيذها.
   وهنا كافكا كأنه يريد أن يتحرر من سلطة الأب، تحررا نهائيا، لأنه رأى ان عبودية الأب مسلطة عليه كالسيف الصارم، لا يستطيع ان يفلت منها حتى ينطلق الى عوالمه، حيث التفكير والانطلاق من اوامر صارمة، يشرف عليه الاب وهي ليس بما يطمح نحو السمو الذاتي، والتفرد بالقرارات التي تحدد مصيره، وتضمن له المستقبل المرجو.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو