الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدخل إلى المادية الجدلية والتاريخية (2) جوهر المسألة الفلسفية

عمر أبو رصاع

2006 / 10 / 30
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


جوهر المسألة الفلسفية : أيهما أسبق الوعي أم المادة؟
MATER OR CONSCIOUSNESS


يعتبر السؤال عن أولوية الوعي أو المادة سؤالا مركزيا في الفلسفة ، ولو أردنا ان نصوغه بطريقة سلسة ومبسطة لقلنا : أيهما يسبق الآخر هل يسبق الوعي المادة أم تسبق المادة الوعي؟ في واقع الامر أهمية هذا السؤال تنبع من التركيب الاكثر وضوحا وأهمية وهو : هل يوجد تفكير أو وعي خارج المادة وهل توجد مادة خارج الوعي وبدونه؟
للوهلة الاولى قد نتسرع بوضع إجابات اعتباطية تنزع إلى طبيعة التكوين الذاتي الثقافي لكل منا ، ولذا فنحن نحتاج لشيء من الصبر للحكم على الموضوعة أو اختيار إجابة.

قبل أن نتعرف على الخلاف في جذوره حول أولوية المادة أو الوعي علينا أولا أن نعي مقصود المادة ومقصود الوعي . أما في مقصود المادة فهناك أيضا أهمية لعملية التميز بين ما هي المادة؟ وكيف هي المادة؟ في الفلسفة المادية ؛ كتب روجيه غارودي نقلا عن لينين :
لقد ميز لينين بين مسألتين يُخلط بينهما باستمرار. فهناك مسألة ما هي المادة ؟ وتجيب المادية عن هذا السؤال بأنها الواقع الموضوعي المستقل عن الروح والتي لا تحتاج إلى روح لكي توجد . وهناك مسألة كيف هي المادة ؟ وتجيب المادية عن هذا السؤال : هذه هي مهمة العلم بأن يعطي عن المادة تمثيلا تقريبيا متزايد الكمال على الدوام (1)



إذن المادة هي الموجود المادي بكل ابعاده مستقلا عن الروح ومستغن عنها ، أو المادة هي الوجود الموضوعي المحكوم بعلقات المادة الخاصة قائما بذاته. أما كيف هي المادة؟ فهذا سؤال يجيبنا عليه العلم عن طبيعة المادة وخواصها ........الخ كلها تساؤلات العلم هو من يجيب عليها. الفلسفة المادية بجذورها الكلاسيكية منذ ديمقريطس سمتها الهيولا الكونية أي المادة الأصلية الأولى.

إذن ما هو الوعي الآن؟(2)

يتلخص الوعي فهما بكونه الإدراك ، والإدراك الموضوعي تحديدا ، لأن الإدراك الحسي المباشر ظاهرة توجد لدى الإنسان والحيوان على السواء بينما يتمزي الإنسان بإدراك موضوعي يؤهله للتفكير المنطقي أي القدرة على ربط الأسباب بالمسسبات ، أو التفكير المنتظم بلغة مهما بلغت درجة بدائية هذه اللغة.

اتخذت المادية إذن كفلسفة موقفا مبدئيا علميا من مسألة أولوية المادة ؛ ذلك أن عمليات الإدراك والتفكير وتكوين الوعي لا يمكن أن تتحقق إلا في بيئة مادية ، وبالتالي فوجود المادة شرط أساسي لا غنى عنه في عملية الوعي ، تدلنا القوانين العلمية الناظمة للوجود المادي على استحالة تكوين وعي بدون مادة ، أي أن الفرض القائل بإمكانية تحقق وعي بدون زمان أو مكان أو حركة فرض غير ممكن التحقق، فالوعي إذن مظهر من مظاهر المادة.

اتخذت الفلسفة المادية موقفا مبدئيا قائلا بأولوية المادة على الوعي لكون المادة شرط أساس من شروط الوعي ولا يمكن أن يتحقق وعي بدون مادة ، وهو ما يسمى بعدمية التفكير في الفراغ، بينما أتخذت الفلسفة المثالية موقفا مضادا للموقف المادي مقدمة الوعي على المادة ، أفلاطون مثلا أعتبر أن كل موجود ما هو إلا صورة ناقصة للمثال المطلق الموجود قبل الوجود المادي.


أهمية القول بأولوية المادة



تنبع أهمية القول بأولوية المادة من كونه تأسيس لموقف علمي في فهم الوجود ، ذلك أن القول بأولوية المادة معناه رفض كل أطروحات الفلسفة المثالية التي تحاول تفسير العالم والوجود الانساني انطلاقا من ما ورائيات أو أي وعي سبق المادة وبالتالي فهي دعوة لفهم واقع الانسان ووجوده إنطلاقا من وعي ما هو مادي ، ووعي ما هو مادي إنما يستند للعلم ، فالعلم هو الذي يجيبنا عن ماهية المادة كما سبق وبينا في الفرق بين سؤال ما المادة؟ وكيف هي المادة؟ ، وبالتالي فإن الفلسفة المادية إنما تبني مقولاتها كلها منطلقة من الوعي العلمي الذي يكون موضوعه الأساسي الوجود المادي للكون والإنسان ، إتخذ ماركس كما أشرنا سابقا موقفا أبعد من ذلك عندما طالب بإنتقال الفلسفة من تفسير العالم إلى تغيره ، جوهر هذا الكلام المطالبة بتوظيف القوانين المادية التي تحكم الوجود في تغيير الوجود نفسه ، وبالتالي إخضاع الوجود الموضوعي للإنسان وتمكينه من خلال فهمه المادي للوجود من تغيير هذا الوجود في مصلحته نحو واقع أكثر تطورا.

(يتبع)


(1) غارودي- روجيه: النظرية المادية في المعرفة ، ترجمة إبراهيم عريط ، دار دمشق ص 23 ، بدون تاريخ.

(2) لاحظ عزيزي القارئ إنك هنا تلج ميدان السؤال الفلسفي ؛ فالتساؤل عن واقع وجودي هو جوهر التفكير الفلسفي ، إنك عندما تطرح سؤالا عن الوجود نفسه فأنت هنا تفلسف مسألة الوجود ، إنك تحاول فهم الوجود وجعله موضوعا للتفكير ، إن ملكة التفكير الفلسفي هي بحق الملكة التي تمكن الانسان من تطوير معرفته ، عندما تقول أنا لا أطير فأنت تقرر واقع أوحقيقة ولكن عندما تتساءل لماذا أنا لا أطير فأنت تطرح سؤالا فلسفيا ، وقس على ذلك : أنا موجود - حقيقة ، أما لماذا أنا موجود ؟ فهذا سؤال فلسفي ، حاول أن تربط هذا بمقدمتنا حول مفهوم الفلسفة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غزة ..هل يستجيب نتنياهو لدعوة غانتس تحديد رؤية واضحة للحرب و


.. وزارة الدفاع الروسية: الجيش يواصل تقدمه ويسيطر على بلدة ستار




.. -الناس جعانة-.. وسط الدمار وتحت وابل القصف.. فلسطيني يصنع ال


.. لقاء أميركي إيراني غير مباشر لتجنب التصعيد.. فهل يمكن إقناع




.. نشرة إيجاز بلغة الإشارة - نحو 40 شهيدا في قصف إسرائيلي على غ