الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غياب دولة المؤسسة الثقافية

محمد محبوب

2006 / 10 / 30
المجتمع المدني


في دول الأتحاد الأوربي عموما تتوفر أمام المشروع الثقافي أمكانيات غير محدودة للتمويل وأن كانت هذه الأمكانيات تتفاوت من دولة الى أخرى ، المؤسسات الثقافية وصناديق التمويل التابعة للأتحاد الأوربي تدعم الكثير من المشاريع الثقافية ليس في البلدان الأوربية وأنما في الكثير من البلدان النامية والنائمة أيضا

كما تتولى وزارات الثقافة الأوربية وأدارات الثقافة المحلية في المدن والمئات من مؤسسات التمويل الثقافي دعم ألاف المشاريع الثقافية في كل عام ، ألمانيا مثلا لا تعد من البلدان الداعمة للمشروع الثقافي في المرتبة الأولى لكن تتوفر للمشروع الثقافي أكثر من أربعة ألاف مؤسسة تمويل تتوزع في أنحاء البلاد.

وتقوم لجان متخصصة بدراسة أوراق كل مشروع بصورة دقيقة حيث يركزون على أهمية الغرض من أقامة المشروع وأهدافه والمشاركين فيه والجمهور الذي ينبغي أن يتوجه أليه وآليات تنفيذه والنتائج المتوخاة منه وتفاصيل كثيرة يجري تمحيصها ومقابلات وأجراءات معقدة جدا وذلك من أجل قبول المشروعات الثقافية الأصيلة والقيمة التي يمكن أن تخدم الحركة الثقافية بعمق وصدق.

ونظرا لصعوبة وتعقيد الأجرءات المتبعة في تقويم المشاريع تستعين المؤسسات والجمعيات الثقافية بمكاتب أدارة ثقافية متخصصة ذات خبرة في هذا المجال لتتمكن من أقناع مؤسسات التمويل بدعم مشروعها وتتقاضى هذه المكاتب اجور عالية جدا لقاء خدماتها ، وفي هذا الصدد أذكر مثالا أعرفه عن قرب حيث أنفقت جمعية ثقافية حوالي واحد وعشرين ألف يورو من أجل أعداد ملف لمشروع ثقافي ( طلب ومرفقاته ) وتقدمت الى أكثر من مائة مؤسسة تمويل بهذا المشروع.

ولكن ماذا عن المشروع الثقافي العراقي !

بعد التغيير الذي حصل في العراق أنتعشت آمال المثقفين العراقيين في قيام دولة المؤسسة الثقافية التي تحرر المشروع الثقافي من السلطة وتمنح القرار الثقافي أستقلاليته بعيدا عن أرادة السياسي الذي أعتاد أن يوظف المشروع الثقافي لخدمة أغراضه السياسية ، ففي حقبة الدكتاتور صدام حسين كان يتم تسخير المشروع الثقافي لتمجيد شخص الدكتاتور ، ويتم التمويل بصيغة مكرمة من القائد أو راعي الثقافة الذي هو شخص الدكتاتور نفسه ، يتوجه عرابو المشاريع الثقافية بطلباتهم الشخصية منها والعامة التي غالبا ماتكون شفوية مشفوعة بالمديح والتوسل ودغدغة أوهام العظمة لدى الدكتاتور.

غير أن المثقف العراقي يشعر اليوم أن آماله تقوضت بعد أكثر من ثلاث أعوام حيث صارت دولة المؤسسة الثقافية محض سراب وتحولت وزارة الثقافة في العهد الجديد الى سلعة في سوق المحاصصات السياسية في ظل حكومة أسلامية تسيطر عليها الأحزاب الشيعية والسنية ، حكومة لا تؤمن بأهمية الثقافة الحرة في بناء المجتمع ، سياسيون جدد نهلوا ثقافتهم من الحسينية أو المسجد ، ثقافة دينية أيديولوجية لاتقيم للأبداع الأنساني وزنا وتعتبر الأبداع نوع من بلبلة الفكر لدى الفرد الذي يراد له أن ينصهر ويذوب تماما في ثقافة الحسينية والمسجد.

وأمام غياب دولة المؤسسات الثقافية يظل المشروع الثقافي يتيما يبحث عمن يأخذ بيده وسط تجاذبات حكومة رجال الدين من الشيعة والسنة الذين يعتبرون المشروع الثقافي خصما لهم ، في ظل هذا الخراب السياسي الذي يعلو فيه صوت البندقية على كل شيء ، يتعطل المشروع الثقافي ، ربما بأستثناء الزعيمين الكرديين الطالباني والبرزاني الذين يدعمان العديد من المشاريع الثقافية هنا وهناك وصار يتوجه أليهم الكثير من أصحاب المشاريع والحاجات من المثقفين العراقيين ، فأن قادة المشاريع السياسية في العراق من الأسلاميين والعلمانيين يعانون من قطيعة تامة مع الثقافة والمثقف.

وعندما كتبنا عن أسلوب بعض المثقفين العراقيين في تأمين التمويل اللازم لمشروعهم في عقد مؤتمر للمثقفين المغتربيين فأننا لم نكن نعني أدانة اشخاص هؤلاء المثقفين كما فهم البعض بل أدانة الحالة ، حالة غياب دولة المؤسسات الثقافية الأمر الذي يضطر هؤلاء وغيرهم الى التوجه دائما نحو مام جلال أو كاكة مسعود نظرا لمايتمتع به الزعيمان من تقدير لأهمية الثقافة والمثقفين ، في وقت تكاد تخلو فيه أبواب مسؤولين آخرين من المثقفين والعلماء.

المشروع الثقافي لازال واقفا عند أبواب السلطان مستجديا مكرمة من هنا ومرحمة من هناك ، الحسينية والمسجد صادرا دور المؤسسة الثقافية ، المثقف أخلى الساحة تماما لرجل الدين والأخير تحول الى سياسي وصار يهيمن على القرار السياسي والثقافي معا ، يتم ذلك كله في غياب دولة المؤسسة الثقافية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تفرج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين عند حاجز عوفر


.. الأونروا تحذر... المساعدات زادت ولكنها غير كافية| #غرفة_الأخ




.. الأمم المتحدة.. تدخل الشرطة في الجامعات الأميركية غير مناسب|


.. تهديد جاد.. مخاوف إسرائيلية من إصدار المحكمة الجنائية الدولي




.. سورية تكرس عملها لحماية النازحين واللاجئين من اعتداءات محتمل