الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المسرح بين الفاعل الفلسفي وجماليات التشويه

أبو الحسن سلام

2023 / 6 / 11
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


المسرح بين الفاعل الفلسفي
وجماليات التشويه

-كاليجولا - الفرافير -

أ.د آبو الحسن سلام


أ.د أبو الحسن سلام

مقدمة: نشطت الدعوة إلي البحث عن شكل عربي أفضل للمسرح تبناها عدد من كتاب المسرح بدء من مصر ( يوسف إدريس - توفيق الحكيم - جماعة مسرح السرادق - جماعة مسرح المقاهي - مسرح الجرن ) و في سوريا ( يعد الله ونوس ودعوته إلي خطاب مسرحي عربي مشتبك مع تراثنا ) ونشطت الدعوة نفسها في بعض البلاد المغاربية ( المغرب : الطيب الصديقي والشكل العربي للعرض المسرحي باستعادة فن المقامة العربية - عبد الكريم برشيد ( وجماعة المسرح الاحتفالي ) - تونس : عز الدين المدني وتجربة المسرح التراثي ) وفي الأردن ( جماعة الفوانيس )
ومن النصوص التي قوبلت تأليفًا وعرضًا نص الفرافير ليوسف إدريس .
تزامنت تلك الدعوة في ستينيات القرن العشرين مع صيحة سياسية ارتفعت في مصر الناصرية ترفع شعار القومية العربية . وقد وجهت تلك الدعوة مواجهات نقدية مثيرة حادة إلا من القيل من الكتابات المؤيدة .
ولأن القضايا الإشكالية هي المرتع الخصب للبحث فقد رأيت إعادة عرضها علي طلاب الدراسات العليازلمتطلبات مرحلة الدكتوراه ليراجعوا منهجيا مدي تحقق تلك الدعوة في العرض المسرحي ؛ بالتركيز علي نقطة بحث محددة مع اتخاذ عرض مسرحية الفرافير من تأليف د. يوسف إدريس وإخراج الأستاذ : كرم مطاوع وإنتاج فرقة المسرح القومي المصري بمؤسسة المسرح بوزارة الثقافة المصرية عام 1964؟
محتويات البحث

الفكرة الأساسية للنص :
الخطاب الدرامي للعرض بين الجبر والاختيار

نقطة البحث :
إئتلاف البنية الدرامية والبنية الجمالية
وإختلافها مع التأسيس النظري
مادة التطبيق : البيان التنظيري - النص- العرض

* المحور الإجرائي

•• نقطة البحث :
تتمحور نقطة البحث حول الدعوة إلي شكل عربي عربي للمسرح بين إئتلاف العرض أو إختلافه مع بيان مؤلفها د. يوسف إدريس ،. وما نظر له وكتب عنه توفيق الحكيم كتابه الشهير ( قالبنا المسرحي ) حول الدعوة نفسها ، كما تناولها الكاتب السوري سعد الله ونوس وطبق علي ضو ها مسرحيتيه ( مغامرة رأس المملوك جابر - الملك هو الملك ) وكتب حول هذا د . عبد الكريم برشيد فيما أطلق عليه ( المسرح الاحتفالي) وتابعت تلك الدعوة جماعة الفوانيس الأردنية وجربت تشخيص عروض حول تلك الدعوة فرقة مسرح الشارع وغيرها فصلا عن جهود نجيب سرور حول كتابة شكل مغاير للمسرحية دون مقدمات تنظيري .

•• إشكالية البحث :
توليد الدلالة البصرية والحوارية بين نسق
تأليف النص ونسق إخراج. عرض نص

المحور الثاني :
عرض مسرحية الفرافير بأسلوب الاختلاف .

•• أدوات البحث :
* بيان د. يوسف إدريس.
* نص الفرافير .
* عرض مسرحية الفرافير بإخراج : كرم مطاوع .
* الكتابات النقدية عن نص الفرافير.
* الكتابات النقدية عن عرض مسرحية الفرافير بإخراج أ. كرم مطاوع .

* المحور التطبيقي:
* تحليل بنية النص المسرحي استدلالا بأسس التنظير في بيان مؤلفه : د. .يوسف إدريس وصولا إلي جدلية الائتلاف والاختلاف بين البنية وأسس البيان التنظيري .
* تحليل عرض الفرافير تقنيا استنادا إلي بنية العرض نفسه وصولا إلي جدلية الائتلاف والاختلاف بين البنيات الثلاث : ( بنية البيان التنظيري للمؤلف وبنية نصه وبنية العرض المسرحي للمسرحية.
* خطاب النص وخطاب العرض ومدي التآلف والتحالف مع الذائقة الثقافية في المجتمع العربي .
* الإحالات الدلالية في الصورة المسرحية للعرض .
* النتائج .

•• ثبت المصادر والمراجع

+ البحث عن شكل عربي أفضل للمسرح :
* ملخص الحدث:

مع الصحوة العربية لفكرة القومية العربية التي أصبحت شعار انطلق من مصر في أوائل ستينيات القرن العشرين وراجت في البلاد العربية التي خرجت للتو من تحت احتلال استعماري أجنبي بريطاني وفرنسي وإيطالي سيطرت عشرات السنين علي االبلاد العربية
ولأن المسرح كان قد شهد صحوة فنية في تلك الفترة لذا تفاعل كتابه في مصر وفي سوريا مع شعار القومية العربية فأتجه بعض كتاب المسرح في مصر وفي سوريا إلي الاستلهام من التراث تركيزا علي بطولات عربية ورائدات عربية كان لها دور بطولي في تاريخنا العربي وأعادوا كتابته في نصوص مسرحية تعيد إحياء أمجاد مواقف عربية قومية قديمة من هنا واكبت دعوة القومية العربية ميلا عند عدد من مؤلفي المسرح في مصر وفي سوريا وفي المغرب وفي الأردن فكتب توفيق الحكيم في مصر كاتبا بعنوان ( قالبنا المسرحي ) افترح فيه شكلا للمسرح العربي يقوم علي عناصر الفرجة الشعبية لفنون ما قبل المسرح ( المداح - المقلداتي - القرداتي - الحكواتي - الراوي - المشخصاتي - المغنواتي ) لكنه لم يقرن دعوته تلك بكتابة نص مسرحي يوظف تلك العناصر الشعبية الأدائية التي أقترحها في بنية الشكل العربي الذي أقترحه ولكن الغريب أنه اقترح تفعيل تلك العناصر نفسها علي نصوص مثل أوديب ونص هاملت مع اقتصار تلك العروض علي أماكن منها الحقول في الريف والمصانع في المدن بعيدا عن دور المسارح علي يقدم الممثل المقلداتي أو المشخصاتي أو الحكواتي نفسه باسمه الحقيقي للجمهور ثم يقول لهم أنا سأشخصزلكم شخصية هاملت أو شخصية أوديب ، واشترط ألا تستخدم مؤثرات مسرحية لا إضاءة ولا صوتيات ولا حيل مسرحية 0. وقد واجه النقاد والمثقفون هذه الدعوة بالنقد الشديد . لذا ماتت دعوته إلي قالب مسرحي في مهدها .

المؤلف المسرحي المصري د. يوسف إدريس للبحث عن شكل عربي أفضل دعوة سياسية رفعتها ثورة يوليو 1952 في بداية الستينيات من القرن العشرين نحو القومية العربية ؛ ففي تلك الفترة دعا الرئيس المصري إلي وحدة الدول العربية تحت شعار ( قومية عربية واحدة ربية ) باعتبار أن العرب في كل الدول العربية يشتركون في لغة واحدة ودين واحد ومصير واحد في حدود متجاورة لأمة واحدة لم تفصل بينها حدود جغرافية إلا بفعل الاحتلال الاستعماري الغربي الذي قسم البلاد العربية إلي دول لكل منها حدود جغرافية .
صادفت هذه الدعوة قبولا غي نفوس أفراد الشعب العربي في كل الدول العربي ؛
ظهرت في تلك الفترة دعوة يوسف إدريس وحظيت باستقبال كبير تشيد بتلك الدعوة خاصة مع تحقيقه لدعوته تلك عمليا بكتابة نصه الشهير ( الفرافير) مستخدما عناصر فرجة شعبية في بنية درامية بإعادة الشخصية الأراجوز الشعبي بتجسيد بشري أطلق عليه ( الفرفور) ورسمه شخصية أراجوزية شعبية طويلة اللسان ناقدة لكل ما تصادف من سلبيات ، شخصية كاريكاتورية ساخرة وجعل لها شخصية ( السيد) ووضعهما وجها لوجه في حالة صراع حياتي كانت السيادة فيه لشخصية ( السيد) الذي لا يفعل شيئا سوي فرض إرادته علي الفرفور ؛. ومحاولة تسخيره في خدمة مطالبه ،. مع تمرد الفرفور في كل مرة ورجوعه خاضعا في كل مرة أيضا ملبيا أمر السيد بعد مراوغة وتملص ومشاغبة ؛. تنتهي بخضوعه وإذعانه لأمر السيد

يسأل الفرفور السيد ،،. لماذا لا يعمل ؟. فيجيب بأنه السيد والسيد لا يعمل وهنا يتجادلان حول ضرورة تقسيم العمل بينهما غير أن السيد يصر الي إنه سيد والسيد لا يعمل . يرصخ الفرفور لكل طلبات السيد مجبرا بعد مراوغة ومشاغبة .

يطلب السيد من الفرفور أن يبحث له من بين الجميلات في جمهور المتفرجين سيدة ( هانم- Lady) تليق به بوصفه السيد ويبحث له عن زوجة تناسب مستوي فرفور وهنا يبدأ البحث بين الجمهور والاختيار الذي لا يلقي القبول مرة بعد أخري إلي أن يشير إلي سيدة مظهرها يدل علي أنها هانم فيرضي بها السيد ويختار لنفسه فتاة لا تقبل به وتنتقص من هيئته وهكذا يعيد الاختيار لنفسه إلي أن تقبل به إحداهن زوجا وهنا ينتقل الصراع بين الزوجتين من ناحية وبين ضغوط السيد ومراوغة الفرفور الساخرة ،.
تنتهي المسرحية نهاية ميلودرامية تقوم علي المفاجأة ؛ حيث سئم كل منهما الحياة فقررا الانتحار بالوقوف معا علي كرسي فوقه حبل مشنقة متدلي من سقف المسرح ويضعا عقدة حبل المشنقة في عنقيهما معا وفي اللحظة نفسها يطفئ عامل المسرح النور ويعبر خشبة المسرح في الظلا فيصطدم بالكرسي الذي وقف علي السيد والفرفره ورقبة كل منهما في عقدة حبل المشنقة فيموتان ،
عند إضاء خشبة المسرح نري السيد يتحرك في محور دائرة صغير ة بينما الفرفور يتحرك في محور دائرة خارجية أكبر . لتعبر النهاية علي المغزي أو دلالة الخطاب الفكري الذي يريد المؤلف إيصاله للجمهور ؛ وهو أن الحياة في الآخرة لا تختلف عن حياته في الدنيا ( السيد في الدنيا سيد في الآخرة والفرفور في الدنيا فرفور في الآخرة ) .

* الشكل المسرحي في العرض. :
استخدم العرض أساليب فنية متعددة ؛ تنتمي عناصره في مجملها إلي عناصر المسرح التقليدي ؛ وإن حاول مخرج العرض تقريب وظيفتها من وظيفة عناصر الفرجة الشعبية قبل المسرحية منها .
في مقدمة نص الفرافير يقول المؤلف :
* مكان العرض : دار عرض المسرح القومي بالقاهرة
* جهة الإنتاج : فرقة المسرح القومي ، اهيئ المصرية العامة للإذاعة والمسرح والتليفزيون ، وزارة الثقافة والارشاد القومي ، 1964
* المؤلف : د. يوسف ا إدريس
* المخرج: كرم مطاوع
* تمثيل : عبد السلام محمد في دور فرفور
* توفيق الدقن في دور السيد
* سهير البابلي في دور زوجة السيد

" من قراءة المقالات الثلاث التي نشرتها في مجلة الكاتب لابد أن يحس القارئ أن مهمة خلق مسرح مصري وروايات مصرية أصيلة تتناول حياتنا بالأسلوب المسرحي الشعبي مطورا إلي المستوي الدوقي والجمالي والمفهومات الفنية العالمية - مهمة شاقة . والبحث عن شئ غير موجود وغير معروف أو كائن ،. دائما مهمة شاقة وعسيرة ،. وهو بحث أصناني علي مدي سبع سنوات منذ الفترة التي انتهيت فيها من كتابتي مسرحية اللحظة الحرجة وطويت في ذهني بعدها صفحة هذا النوع من المسرح والمسرحيات مصمما أن لا أعود للكتابة المسرحية إلا إذاعثرت علي المسرح والمشكلة المصرية المحلية العالمية الحديثة كما أتصورها .
ولو خيل لي أن نتيجة هذا البحث الدائب الطويل والتفكير المتصل والتأزمات التي استغرقت مني عامين بأكملهما ،. لو قيل لي إن هذا كله سينتهي فجأة ذات ليلة من ليالي سبتمبر 1963 لما صدقت . كنت قد عدت من إجازة متقطعة قضيتها في مصيف بورسعيد ، وشرعت بعد العودة مباشرة إلي إكمال مسرحية كنت قد بدأتها قبل الذهاب إلي بورسعيد ، واحدة أخري من أربع أو خمس تجارب كاملة لاتزال راقدة في درج مكتبي إلي الآن ، أبدأ الواحدة منها وأنا مدرك أنها ليست بالضبط ما أريد وطريقها ليس هو الطريق وأنتهيمنها لأقبرها بين الأوراق مهما بلغ مستواها ومهما أعجب بها الأصدقاء فلقد صممت ، وكنت غير مستعد أن آساوم تفسي وأن أقبل أنصاف الحلول . وذات ليلة وصل مشهد المسرحية إلي نقطة حوار معينة وحوار روحه قريبة الشبه حدا من روح ( الفرافير) ، ومرة واحدة وجدت الفرافير تخطر لي ، الفرافير المسرح والفرافرة المسرحية هكذا معا في لحظة واحدة. وقضيت أيامًا محمومةممتعة أكتب ،. حتي حين مرضت وأصر الأطباء علي دخولي المستشفي لإجراء عملية جراحية،. رفضت وأبقت أن أتحرك من حجرة المكتب إلا بعد إنتهائي تماما من الفرافير .
وقدمتها علي الفور للمسرح القومي ولكني كنت لا أزال غير مسارح تماما إلي وجود الفصل الثالث ،. معتقدا أني لو غيرت محاكمة فرفور الساخرة للفلسفة والفلاسفة وأوردتها ضمن الفصل الثاني علي ألسنة أصحاب الأدوار كلها و ( المتفرجين) وقمت بحذف بعض الأجزاء وإضافة أخري لتكامله وحدة العمل . ولقد شجعني الي هذا الاتجاه أنه كان نفس رأي الصديق الأستاذ أحمد رشدي صالح والأستاذ أحمد عباس صالح في حين عارض الأستاذ محمد عودة وأصر علي إبقاء الفصل الثالث . ولكن المسرحية بحجمها الأول كان تمثيلها يستغرق أكثر من أربع ساعات وكان لابد من إجراء التغيير ،. كل ما في الأمر أني دفعت للمسرح القومي بالنسخ كما هي لتوزيعها الي أعضاء لجنة القراءة وحجز مكان لها في الموسم واتخاذ بقية الاجراءات اللازمة لعرضها، وفي نفس الوقت عكفت علي إعادة كتابة الجزء الثاني بالطريقة المنشورة هنا وهي نفس الطريقة التي قدمت بها علي المسرح ، وقد كان في نيتي لدي نشر المسرحية أن أنشر الطريقتين معا تاركا للقارئ أن يفصل بينهما خاصة والأمر ليس بدعة . فبعض الكتاب الأوروبيين يفعلون الشئ نفسه وينشرون المسرحية بأكثر من صورة ،. ولكن حجم هذا الكتاب لا يكفي ، ومن ناحية إخري أنا أميل إلي تفضيل الشكل المدمج وهو نفس رأي مخرج العرض الأول الذي فضل الطريقة الثانية ونفذها الي المسرح . وهناك شئ آخر أحب أن أنبه إليه فلقد كتبت الفرافير ليس فقط علي أساس دمج خشبة المسرح بصالة المتفرجين وإحالة المسرح كله إلي وحدة واحدة تضم الممثلين والجمهور معا وأعتبره البعض شيئا غير جديد باعتبار أنه استعمل في المسرح الصيني والياباني وعند بريخت وبيرانديللو ، ولكن الفرافير مكتوبة علي أساس قاعدة أخري أشرت لها في " نمو مسرح مصري". رهي قاعدة التمساح بمعني أن حالة التمساح الكاملة في رأيي لابد لوجودها أن يساهم ويشترك كل فرد من الجماعة البشرية الموجودة مشاركة شخصية في اللحظة ،. فلو كانت حالة التمساح حالة رقص فلا بد أن يبدأ الاحتفال بأن يرقص الجميع ، يرقص كل (فرد) حتي تصل ( الجماعة ) إلي المد الأدني من النشوة ، تلك التي يستوي لديه عندها أن يرقص هو أو يتفرج علي رقص غيره ،. وقلت إن هذا ما يحدث في الغناء الشرقي الذي كان يبدأ بغناء جماعي من الكل حتي يصل الموجودون إ٪ي لحظة الحد الأدني من الانسجام والنشوة ،. تلك التي يحس فيها الإنسان قد أصبح علي اتصال تام بغيره وبالجماعة والطبيعة والكون ، حينئذ وعند هذه اللحظة لا يصبح ضروريا أن يغني المرء بنفسه كي يمضي قدما في طريق متعته الفنية ولكن لحظتها يستوي عنده أن يغني ( أي يرسل) أو يسمع ( أي يستقبل)هنا ، تسكت في العادة معظم الأصوات وينفرد بالأداء صوت واحد من المستحسن أن يكون أجملها جميعا بحيث ينتشي صاحبه لأنه يغني لهم ويرسل وينتشي الآخرون لأن متعتهم بالاستقبال قد أصبحت تعادل إن لم تتجاوز متعتهم بالإرسال . وقلت إن هذا في رأيي يعد التفسير الوحيد لظاهرة الكورس في الغناء الشرقي أو المسندتين أو غيرها .
قصدت إلي أن تحدث نفس حالة التمساح هذه في الفرافير بحيث لابد أن يشعر كل متفرج وممثل وكل حاضر أنه يساهم ويشترك بحرية في إيجاد حالة التمساح وشمولها ، ولهذا فمعظم حوار الأجزاء الأولي من الفرافير ،. بجانب أدائه لوظيفة النص في المسرحية يساهم من ناحية أخري في التمهيد لحالة التمساح ثم إيجادها وتطويرها . وبالنسبة لجمهور مسرح عام المهمة صعبة فهم مجموعة من الغرباء تلاقي لأول مرة وربنا لآخر مرة في مكان كهذا ، وقد جاءت لتتفرج علي رواية ما . لابد من إلغاء الرواية التي تعودوا عليها وإشعارهم إن الرواية تؤلف أمامهم وأنهم مكنهم أن يتدخلوا في تأليفها ويغيروا ويبدلوا منها . لابد من إلغاء التمثيل والتفرج والممثل والمتفرج ،. لابد للجميع أن يخلعوا ذواتهم الخارجية وتخرج طبيعتهم الانسانية المكنونة لتتجمع كلها وتكون الذات الجماعية الواحدة التي ستستمتع بالتمساح
علي هذا الأساس فهناك في النص عدد من الأدوار مكتوبة للمتفرجين أي مفروض فيهم أنهم متفرجون موجودون في الصالة ولكنهم سيتدخلون في أوقات معينة ويشتركون في الرواية : والحل الثاني كان أن يقوم بهذه الأدوار متفرجون حقيقيون قياما تلقائيا بلا كلام مكتوب أو توزيع أدوار ،. ولكنه حل للأسف ولألف اعتبار غير ممكن ، ولهذا كتبت هذه الأدوار لممثلين يجلسون في أماكن متفرقة من الصالة ويقومون بأدوار ( المتفرجين) . وهؤلاء المتفرجون يتدخلون بكلمات قليلة وتعليقات سريعة أول الأمر ،،. تلك التي يفشل عندها فرفور في إيجاد حل ويطلب من الحاضرين أن يشتركوا معه وأن يقترحوا عليه الحلول ،في تلك اللحظة ينتقل الحدث المسرحي إلي الصالة وتصبح عي خشبة مسرح كبيرة تضاء فيها الأنوار بينما تخفت الأضواء علي الخشبة الحقيقية كي تستحل إلي صالة ليس بها غير متفرجون هما فرفور وسيده ،. ومن مكانه في هذه الصالة يتولي فرفور مهمة الاشتراك في المؤتمر الكبير الذي ينعقد لاقتراح الحلول ويعلق عليها أو يفندها أو يسخر منها بمثل ما يفعل أي متفرج طويل اللسان .
هذا ما أردته وبنيت النص عليه ، ولكن المخرج مع احتفاظه بنفس كلمات النص فعل شيئا آخر ، جمع هؤلاء( المتفرجين) في كورس وآثر أن يجع
لهم يصعدوا خشبة المسرح باقتراحاتهم وحلولهم التي آثر أيضا أن يقولوها كمجموعة .
ولقد عارضت باعتبار أنه يلغي في هذا ركنا مهما من أركان حالة التمساح التي قصدت إليها ولكن لأني اعتبر الإخراج المسرحي فنا يجب أن تتوفر له وجهة النظر الخاصة تركت للمخرج حرية أن يطبق وجهة نظره تلك وأن يكون في نفس الوقت نسؤولا عنها ،. وهو ما حدث .
وصحيح أن الكورس كان بارعا في آًدائه ولافتا للنظر إلا أن نظرية التمساح لاتزال باقية جديدة غير مطروقة في إنتظار مخرج آخر يدركها ويحسها ويقدمها .
كذلك اقتضت عملية ضغط زمن الرواية اختصار أجزاء من حوار بعض المواقف . اختصارا تم في بهض الأحيان علي حساب المعني العام للرواية بحث أساء البعض فهم المضمون وافترضوا أشياء كثيرة حاسبوني عليها ،. والنص منها برئ بحيث أني أطلب ممن حضر العرض المسرحي وخرج بمفهوم ما أي مفهوم ، أن يعيد قراءة هذا النص الكامل فلربما غير من رأيه أو من مفهومه ، خاصة وقد اتضح لي في أثناء العرض ضرورة إجراء بعض التعديلات الطفيفة التي لا يمكن التبوء بها قبل رؤية العمل مجسدا ومعروضا وفي حضرة الجمهور .
بقيت كلمة تعتبر في رأيي جزءا لا ينفصل من هذه المسرحية ،. كلمة لابد أن أقولها لأصدق مع نفسي ومع الحقيقة وأنصف جنودا مجهولين لولاهم ، ودون أدني مبالغة ، لما كان هذا العمل ،. ولما كنت أنا نفسي، فلقد مرضت في أثناء كتابة الفرافير وبسببها إلي درجة الموت وليست فقط عليه حتي إنني كنت أترك لأخي كلمة أقول له فيها مايجب أن يفعله بالمسرحية إذا مت وأحيطت علما بالجزء الناقص منها وأحداثه وأسلوب كتبته وأحدد له اسم الصديق الذي يتولي التنفيذ ويكمل الفرافير . وإذا كنت لا أزال أحيا والحمد لله ، وإذا كانت الفرافير قد أنقذت هي الأخري فالفضل في هذا لزوجتي رفيقة العمر وزميلة ساعات الرعب ولأخي أحمد إدريس الذي ترك حياته كلها وتفرغ لي وللصديق الكبير الذي طرد شبح الموت من حجرتي للتربص له في حجرته وليغتاله في طرفة عين ، المرحوم الدكتور أنور المفتي الذي مات قبل أن يراها ، إليهم أهدي ، بتواضع وخجل من ضآلة هذا الع

ف1
المكان : أي مكان
الزمان : أي زمان

ف2 نفس المكان والزمان : بعد مرور أي زمن بعد أحداث الفصل الأول أو حتي قبل حدوثه

ملحوظة : ورغم هذا فالرواية يمكن أن تعرض عرضا مستمرا من بدايتها إلي نهايتها دون إسدال الستار وتقسيمها إلي أجزاء .

* بعض ملحوظات عن تمثيل الرواية :
* المسرح : هذه الرواية مكتوبة علي أساس إشتراك الجمهور مع الممثلين في تقديم العمل المسرحي باعتبارهم وحدة واحدة ولهذا فالجمهور هنا يعتبر جزءا من الممثلين والممثلون يعتبرون جزء ا من الجمهور ، وإذا كان المسرح الاغريقي ومن ثم الأوربي قد أصطلح علي تسويته بالخدعة المتفق عليها ،. لمسرحنا في رأيي هو الخدعة التي لم يتفق اليها ، الخدعة الكاملة المباشرة بلا آي محاولة لتخفيفها أو مواربتها .
* المسرح الأمثل في نظري لتمثيل هذه الرواية ليس هو المسرح العادي حيث الجمهور الذي يواجه الحائط الأول الذي تفرج عنه الستارة ،. ولكنه المسرح الدائري أوالحلقة التي تتكون نتيجة تجمع أي جماعة من الناس علي شرط أن تزود بالإضاءة الكافية ، ولا يحتاج الأمر إذا لأبواب دخول وخروج فباستطاعة الممثل أن يخترق الصفوف في طريقه إلي الدائرة المسرحية في الوسط وهو داخل ثم وهو خارج .
* ولكن ، نظرا لأن توفر هذا النوع من المسارح التلقائية غير مضمون الحدوث فيمكن تمثيل الرواية الي المسرح العادي بحيث تتخذ إجراءات ميكانيكية لإلغاء المسافة الكائنة بين خشبة المسرح وجمهور الصالة وهي المسافة التي تخصص للأوركسترا في الغالب ؛ إذ يمكن تغطيتها ، ومد الغطاء إلي مسافة ما في مشاية الصالة الرئيسية بحيث اصبح الصفوف الأولي في متناول مقرعة فرفور ، ومن ناحية أخري ممكن وضع كراسي للمتفرجين العاديين فوق المسرح من الخلف بحيث لايري المتفرج ستائر خلف الممثلين وإنما يجد جمهورا أيضا يكون شبه الدائرة المفروضة . وبالاختصار لابد من اقتراب الجمهور من الممثلين واقتراب الممثلين من الجمهور إلي درجة تلغي المسافة النفسية الكائنة بين من يؤدًي الدور ومن يشاهده
* 2- عن التمثيل :

نخلص مما نطًر له المؤلف يوسف إدريس في مقدمة نص المسرحية المنشور إلي الآتي:

* إن الأساس الذي أسس اليه دعوته إلي مسرح مصري آفضل هو تخليق شكل يحقق حالة تمسرح يتشارك فيها ممثلو العرض والجمهور ويتبادلون الأدوار والمكان .
* تداخل عناصر الفرجة الشعبية مع عناصر مسرحية تقليدية كشخصية الاراجوز البشري الساخر .
* عدم النص علي إتمام العرض المسرحي لنصه هذا خارج إطار دار المسرح التقليدي ( مسرح العلبة الايطالي)

بالنسبة لفرفور بالذات فقد آفردت له نقطة خاصة ، أما بالنسبة لبقية الشخصيات فإني مع إيماني الشديد بالمواهب الضخمة التي يتمتع بها ممثلونا المسرحيون بمختلف انتمائهم لمدارسهم إلا أني. شخصيا أميل إلي الطريقة التي لا تجعل الممثل يندمج إندماجا كاملا في الدور بحيث ينسي جمهوره تحت شعار ( الانفعال الحقيقي الصادق) ولست أيضا من أنصار أن يتحول الممثل إلي خطيب لا عمل له إلا هذا الجمهور ،. أني من أنصار مدرسة ". اين في الجنة وعين في النار " , ,،. اين الي الدور والموقف والانفعال وعين علي الجمهور ، ذلك لأن هذه الرواية بالذات والمسرح المصري كما أراها عموما لا يعتمد علي مخاطبة الشعور الفردي للكائن وسط الجماعة ولكنه يعتمد الي مخاطبة الشعور الكلي للجماعة المنبعث من بين أفرادها ،. ولمخاطبة هذا الشعور لابد من ". عين" حدسية وإحساسية للممثل تقيس مدي ودرجة مرارة التجاوب بحيث بناء الي الإشارات الواصلة إليها تتأتي أو تسرع أو تتوقف أو حتي تضيف كلمة ما إلي النص . ذلك لأني لا أومن أيضا بالدور المرسوم قبلها بالبرغل والمسطرة ، لأني أومن بالدور الذي يرسم كل ليلة بمسطرة وبرجل مستمدين من جمهور الحاضرين الجدد ومشاعرهم إن لشعبنا طريقته الخاصة في النظر إلي الأشياء ومحاولة الممثل أن يري مواقف لا بعينه وخده ولكن بعيون كل الجمهور المحتشد لمشاهدته تغيرا تغييرا كبيرا من طريقة التمثيل نفسها فلا تصبح خطابية رصينة كمونولوجان جورج أبيض المشهورة أو هامسة متهافتة كتلك يسمونها الطريقة الحديثة في الاحساس والتمثيل ، ولكنها تصبح همسا له وقع الخطب الرنانة ، وخطبا رنانة تتلقفها الأذن وكأنها همس .

3- عن الأقنعة : أشار علي أحد الأصدقاء الذين أتيح لهم أن يقرأوا هذه المسرحية أن أوصي باستخدام الأقنعة في تمثيلها ،. باعتبار أنها أنماط وشخصيات قناعية . ولكني لا أحبذ استعمال الأقنعة هنا فأنا شخصيا أكره التمثيل بالأقنعة ، وشعبنا يكرهها تمثيلا أو حقيقة ، وليس لدينا مناع أبدًا أن يلعب الماكيير بوجه الممثل كما يشاء ولكن فكرة القناع نفسها لا تعجبنا إلا في حلقات زورو ، فلمسرحنا تقاليد عريقة ربما أعرق من الكورس والقناع وقواعد أرسطو .

4- عن شخصية فرفور:
في تصوري للممثل الذي يقوم بدور فرفور قلت أن لا بد أن يكون خفيف الدم أصلا أو معروف عنه أن لسانه لاذع ، وكثيرون من الممثلين قد يضايقهم النص علي شئ كهذا فالممثل الأصيل في رأيهم باستطاعته أن يقوم بآي دور بشرط أن يحسه إحساسا كاملا ويهضم الشخصية ثم أن خفة الدم أو اللسان اللاذع في الحياة العادية قد تختفي تماما علي المسرح بينما الممثل الذي يبدو وقورا في حياته في استطاعته أن ينقلب إلي فرفور حقيقي علي المسرح وهذا كله قد يكون صحيحا إذا نظرنا إلي التمثيل باعتبار أنه فن التمثيل ولكنني أحس دائما أني ضد هذا الرأي ،. فالكتابة أيضا فن ولكن الكاتب لا يستطيع أن يكتب أي موضوع ولا أن يجيد تصوير أي شخصية فالكتابة فن وخبرة وإيمان معا ، وكذلك الموسيقي ليس باستطاعته ، إنه لا يكون موهوبا حينئذ ولكنه علي أحسن الفروض ". صنايعي" أو " حرفي". ذلك لأن التمثيل ليس مجرد فن وموهبة إنه يحتوي أيضا علي مثل وإيمان ورسالة ، وقد يكون هذا الرآي مخطئا في كثير من الحالات أو مبالغا فيه ،. ولكنتتهنا في شخصية فرفور كما حلمت بها دائما أريد لها ممثلا من ذلك النوع ، ممثل لا يمثل ولا يتصييًد الانفعال
قد








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت