الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خرافات المتأسلمين 51- خرافة كتاب الام للشافعي

زهير جمعة المالكي
باحث وناشط حقوقي

(Zuhair Al-maliki)

2023 / 6 / 12
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كتاب (الام ) هو خلاصة ما توصل اليه الفقه الشافعي بعد حِلِّهِ وترحاله بين الحجاز والعراق واستقراره بمصر وبالرغم من أهمية هذا الكتاب الذي هو العمود الفقري للمذهب الشافعي والعناية التي بذلها ويبذلها (المتأسلمون) في دراسة هذا الكتاب الا انهم لم ياتوا بدليل على ان هذا الكتاب قد كتبه أبو عبدالله محمد بن إدريس الشافعي بل انهم لم يتفقوا على كثير من الوقائع التي تتعلق بشخص محمد ابن ادريس الشافعي . وسنقوم بفحص ما اوردوه في كتبهم لمعرفة حقيقة الكتاب الذي اسموه (الام ) ونسبوه للشافعي ونبداء بمن هو الشافعي ؟
بحسب رواياتهم فقد اختلفوا في ولادته فقالوا انه ولد في آخر يوم من رجب سنة مائة وخمسين وُلِدَ الشافعي رحمه الله، وهي ذات السنة التي توفي فيها الإمام أبو حنيفة، وقيل: «ولد في اليوم الذي توفي فيه أبو حنيفة»، إلا أن ابن كثير قال: «ولا يكاد يصح هذا ويتعسر ثبوته جداً . كما اختلف المؤرخون في مكان ولادته على أربعة أقوال ذكرها ابن العماد في الشذرات، وأصحها أنه ولد في غزة وهي مدينة في فلسطين، وروي عنه بطريق صحيح أنه وُلد بعسقلان . روي عن الشافعي ثلاثُ روايات هي أنه وُلد بغزة، فعن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنه قال: قال لي محمد بن إدريس الشافعي رضي الله عنه: «ولدت بغزة سنة خمسين (يعني: خمسين ومائة)، وحُملت إلى مكة وأنا ابن سنتين . أنه وُلد بعسقلان، فعن عمرو بن سواد أنه قال: قال لي الشافعي رضيَ الله عنه: «ولدت بعسقلان، فلما أتى علي سنتان حملتني أمي إلى مكة، وكانت نهمتي في شيئين، في الرمي وطلب العلم، فنلت من الرمي حتى كنت أصيب من العشرة عشرة»، وسكتَ عن العلم، فقلت له: «أنت والله في العلم أكثر منك في الرمي. أنه وُلد باليمن، فعن عبد الرحمن بن أبي حاتم أنه قال: سمعت محمداً بن إدريس يقول: ولدت باليمن، فخافت أمي علي الضيعة، وقالت: «ألْحِقْ بأهلك فتكون مثلهم، فإني أخاف أن يُغلب على نسبك»، فجهزتني إلى مكة، فقدِمتها وأنا ابن عشر أو شبهِها
كما اختلفوا في نسبه اختلفوا في نسب امه ففيه قولان الأول: أنها أزدية يمنية، واسمها فاطمة بنت عبد الله الأزدية . والقول الثاني أنها قرشية علوية، أي من نسل علي بن أبي طالب، وهذه الرواية شاذةٌ تخالف الإجماع، وقد قال فخر الدين الرازي في هذا المقام: «وأما نسب الشافعي من جهة أمه ففيه قولان: الأول رواه الحاكم أبو عبد الله الحافظ، وهو أن أم الشافعي رضيَ الله تعالى عنه هي فاطمة بنت عبد الله بن الحسين بن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، والثاني المشهور أنها من الأزد) . اما الاختلاف في نسبه فيدعي اتباعه انه من نسل " هاشم بن المطلب بن عبد مناف القرشي " الا ان هذا النسب يطعن فيه اخرون ومنهم الجرجاني وهو واحد من فقهاء الحنفية في هذا النسب وقال: إن أصحاب مالك لا يسلمون أن نسب الشافعي من قريش، بل يزعمون أن شافعا كان مولى لأبي لهب فطلب من عمر أن يجعله من موالي قريش فامتنع، فطلب من عثمان ذلك ففعل، فعلى هذا التقدير يكون الشافعي من الموالي لا من قريش .
الخلاف في قرشية الشافعي معروف مشهور بين أهل العلم فالفقيه محمد بن يحيى الجرجاني الحنفي (ت398هـ)، يقول : (إن أصحاب مالك لا يسلمون أن نسب الشافعي من قريش، بل يزعمون: أن شافعًا كان مولى لأبي لهب، فطلب من عمر أن يجعله من موالي قريش، فامتنع، فطلب من عثمان ذلك ففعل، فعلى هذا التقرير، يكون الشافعي من الموالي، لا من قريش ( مناقب الإمام الشافعي» للفخر الرازي(ص24). كذلك مسعود بن شيبة السندي الحنفي ، وهذا نصه بلسان الكوثري "الشافعي، في عداد موالي عثمان كما في «التعليم» لمسعود بن شيبة " . اما محمد زاهد الكوثري الحنفي (ت1371هـ)، وهذا نصه عقب ذكره للموالي: «حتى أن الشافعي منهم عند أهل العلم»( 15)، وقال: «ومن تابع الشافعي قائلاً إنه قرشي، فله ذلك، لكن هذه الميزة لا توجب الرجحان في العلم، وفي «صحيح مسلم»: «من أبطأ به عمله لم يُسرع به نسبه»، على أن هناك من العلماء من هو قرشي بالاتفاق، فيُفضل على من في قرشيته خلاف لو كان هذا الأمر بالنسب (تأنيب الخطيب للكوثري ص11). يقول محمد زاهد الكوثري "لم نر أحداً قبل زكريا الساجي رفع نسب شافع إلى عبد مناف، و الساجي ممن تكلم فيهم الناس كما ذكره الجصاص و ابن القطان، و قد توارد الناس على سوق هذا النسب، إلا أن اختلاف الروايات في مسقط رأس الإمام الشافعي رحمه االله هل هو غزة أم عسقلان أم الرملة أم اليمن؟ و عدم ذكر ترجمة لوالديه و لا تاريخ لوفاتهما في كتب الثقات مما يدعو إلى التثبت في الأمر، و حديث الشافع في مجلس الرشيد مما لا يعول عليه لما في السند و المتن من الاضطراب و المآخذ، و عد شافع صحابياً أول من ذكره هو أبو الطيب الطبري - صديق أبي العلاء المعري - بدون سند، و في رواية إياس بن معاوية عند الحاكم ذكر ابن للسائب غير مسمى فجعله بعضهم شافعاً، و أول من عد السائب صحابياً من مسلمة بدر هو الخطيب في تاريخه بدون سند، و لم يذكرهما ابن عبد البر في الاستيعاب في عداد الصحابة " (إحقاق الحق بإبطال الباطل في مغیث الخلق للعلامة الشیخ محمد زاھد الكوثري) .
من المصائب الكبرى التي نسبوها للشافعي انه بقي في بطن امه أربعة سنين كما جاء في كتاب شرح العلامة خليل بن أيبك الصفدي على لامية العجم (الغيث الذي انسجم في شرح لامية العجم) للصفدي، المجلد 1-ص195 كتاب صاحب كتاب "وفيات الاعيان" وغيره من الكتب، وهو أيضا من تلاميذ ابن تيمية والسبكي أيضا، شخصية مشهورة معتمدة عندهم. وكتابه هذا "للطغرائي" فيأتي به بكثير من الفوائد وكثيرا من المعلومات وكثيرا من الروايات، فيقول في هذا الكتاب: "ومذهب الشافعية أن أكثر مدة الحمل أربع سنين وأقله ستة أشهر، وقد ولد الضحاك ابن مزاحم ستة عشر شهرا وشعبة ولد لسنتين وهرم ابن حيان ولد لأربع سنين ولذلك سمي هرما، ومالك ابن انس أكثر من ثلاث سنين والحجاج ابن يوسف ولد لثلاثين شهرا، يقال إنه كان يقول أذكر ليلة ميلادي. ويقال إن عبد الملك ابن مروان حمل به ستة أشهر والشافعي حمل به أربع سنين أو أقل، والحنفية يقولون للشافعية ما جسر أمامكم أن يظهر إلى الوجود حتى توفي إمامنا. ويجيبهم الشافعية بقولهم بل أمامكم ما ثبت لظهور إمامنا" .
في القرن الثاني الهجري كانت هناك مدرستين في الفقه هما مدرسة الراي ، ومدرسة الحديث ، نشأت المدرسة الاولى في العراق التي تؤكد على الاخذ بالرأي والبحث في علل الاحكام حين لا يوجد نص من كتاب الله او سنة رسوله وكان راس هذه المدرسة ابو حنيفة النعمان الذي فاق أقرانه وانتهت اليه رئاسة الفقه ، وتقلد زعامة مدرسة الرأي ، والتف حوله الراغبون في تعلم الفقه وبرز منهم تلاميذ على رأسهم ابو يوسف القاضي ، ومحمد بن الحسن ، وزفر والحسن بن زياد وغيرهم ،وعلى يد هؤلاء تبلورت طريقة مدرسة الرأي واستقر امرها ووضح منهجها . أما مدرسة الحديث فقد نشأت بالحجاز وكان يمثلها مالك بن انس . وتمتاز تلك المدرسة بالوقوف عند نصوص الكتاب والسنة ، فان لم تجد التمست اثار الصحابة ، ولم تلجئهم مستجدات الحوادث التي كانت قليلة في الحجاز الى التوسع في الاستنباط بخلاف ما كان عليه الحال في العراق .جاء الشافعي والجدل مشتعل بين المدرستين فأخذ موقفا وسطا ونتيجة لموقفه هذا طعن فيه اهل الجرح والتعديل . عندما شاهد الشافعي ان الخلافة المتمثلة بهارون وولده الأمين كانوا يقتربون من مذهب مالك ابن انس والامراء من فرس واتراك كانوا اقرب الى مذهب ابي حنيفة النعمان حاول التقرب من الامراء بذم ذوي البشرة السوداء أخرجه البيهقي في مناقب الشافعي (ج2/ص206) أخبرنا محمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أحمد بن محمد بن الحسين المُسَافِرِي والد أبي بكر قال: سمعت محمد بن المنذر يقول: سمعت الربيع ابن سليمان يقول: سمعت الشافعي يقول: ما نقص من أَثْمَان ------- إلا لضعف عقولهم، ولولا ذلك لكان لَوْناً من الألوان مِنَ الناس مَنْ يشتهيه ويفضّله على غيره. الا ان هذه الفتوى جرت عليه غضب الطرفين فاضطر الى مغادرة بغداد الى مكة ثم الى مصر . وبداء بكتابة كتبه ردا على مالك الذي كان اتباعه مسيطرين على مساجد مصر . قال البيهقي كما في توالي التأسيس ص 147 "إن الشافعي إنما وضع الكتب على مالك "أي في الرد على مالك) لأنه بلغه أن بالأندلس قلنسوة لمالك يُستسقى بها. وكان يقال لهم: "قال رسول الله". فيقولون: "قال مالك". فقال الشافعي: "إن مالكاً بَشَرٌ يخطئ". فدعاه ذلك إلى تصنيف الكتاب في اختلافه معه
فقد تكلم فيه يحيى بن معين امام الجرح والتعديل قال عنه شمس الدين الذهبي في سير اعلام النبلاء (هو الإمام الحافظ الجهبذ ، شيخ المحدثين) حيث قال يحيى ابن معين عن محمد ابن ادريس الشافعي "ليس بثقة" كما ورد في كتاب جامع بيان العلم وفضله ، تاليف ابن عبد البر ، يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر النمري القرطبي المالكي ، أبو عمر ، تحقيق أبو الاشبال الزهيري ، منشورات دار ابن الجوزي – الدمام ، سنة 1994 ، الصفحة 1114 . وقال ابن عبد البر (وقد صح عن ابن معين من طرق عدة انه تكلم في الشافعي) . قال الحافظ ابن الجنيد في سؤالاته ص-81- طبعة الفاروق - القاهرة : ( قلت ليحيى بن معين: ترى أن ينظر الرجل في شيء من الرأي؟ فقال: أي رأي؟ قلت: رأي الشافعي، وأبي حنيفة؟ فقال: ما أرى لمسلم أن ينظر في رأي الشافعي، ينظر في رأي أبي حنيفة أحب إلي من أن ينظر في رأي الشافعي ) وقال الحافظ إبن عبد البر رحمه الله في جامع بيان الفضل وعلمهِ : " وقد صح عن ابن معين من طرق انه كان يتكلم في الشافعي على ما قدمت لك حتى نهاه احمد بن حنبل" . وقد ندم الشافعي على اعماله عندما حضره الموت فيذكر أبو الفتوح الطائي في الأربعين (ص141) ومن طريقه السبكي في طبقات الشافعية الكبرى (ج1/ص295) أخبرنا الشيخ أبو القاسم إسماعيل بن محمد بن أحمد الهروي الزاهري، أخبرنا أبي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو عمرو [زاد السبكي: بن] السماك، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد بن البراء، عن المزني، قال: دخلت على الشافعي رضي الله عنه في مرضه الذي مات فيه فقلت: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت من الدنيا راحلا، ولإخواني مفارقا، ولسوء أفعالي ملاقيا، ولكأس المنية شاربا، وعلى الله عز وجل واردا، فوالله ما أدري أروحي إلى الجنة تصير فأهنيها، أو والي النار فأعزيها؟ ثم بكى.إسناده حسن صحيح .
توفي محمد ابن ادريس الشافعي سنة 204 هجرية . سبب مقتل الإمام الشافعي كما ذكر ياقوت في ترجمة الشافعي، (6/ 395) وكان الذي تصدى للرد على الشافعي فقيه من أتباع مالك يسمى فتيان بن أبي السمح المالكي المصري (ت 205هـ) فلما رأى تلاميذ فتيان ظهور الشافعي على شيخهم (هجموا عليه وضربوه ضربا موجعا، ضرب النذالة والحقد والوحشية، فحُمل إلى منزله، ولم يزل فيه عليلا حتى مات) وكان موته كما هو مشهور ليلة الجمعة بعد العشاء الآخرة، آخر يوم رجب، سنة (204هـ) وعمره (54) سنة. وقد أشار إلى هذه القصة أبو حيان الأندلسي في يائيته في (سيرة الشافعي) . قام اتباع مالك بقتل الشافعي حيث ورد في كتاب (حواشي تحفة المنهاج بشرح المنهاج) تاليف (ابن حجر الهيتمي؛ أحمد بن محمد بن علي بن حجر الهيتمي السعدي الأنصاري، شهاب الدين شيخ الإسلام، أبو العباس - عبد الحميد الشرواني - ابن قاسم العبادي) ، منشورات المكتبة التجارية الكبرى، سنة النشر: 1357 هـ - 1938 ، والهيثمي هو أحد تلامذة الشافعي بأن الشافعى مات من اثر الضرب فيقول "وَسَبَبُ مَوْتِهِ أَنَّهُ أَصَابَتْهُ ضَرْبَةٌ شَدِيدَةٌ فَمَرِضَ بِهَا أَيَّامًا ، ثُمَّ مَاتَ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ سَمِعْت أَشْهَبَ يَدْعُو عَلَى الشَّافِعِيِّ بِالْمَوْتِ فَكَانَ يَقُولُ اللَّهُمَّ أَمِتْ الشَّافِعِيَّ وَإِلَّا ذَهَبَ عِلْمُ مَالِكٍ " وذكر في نفس الصفحة "وزَادَ الْبُجَيْرِمِيُّ قِيلَ الضَّارِبُ لَهُ أَشْهَبُ حِينَ تَنَاظَرَ مَعَ الشَّافِعِيِّ فَأَفْحَمَهُ الشَّافِعِيُّ فَضَرَبَهُ قِيلَ بِكَلْيُونٍ وَقِيلَ بِمِفْتَاحٍ فِي جَبْهَتِهِ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ الضَّارِبَ لَهُ فَتَيَانِ الْمَغْرِبِيُّ .
بمجرد ان مات الشافعي اختلف تلاميذه على من يحل محله يروي الذهبي في سير اعلام النبلاء يقول " لما توفي الشافعي أراد الحميدي أن يتصدر موضعه ، فتنافس هو وابن عبد الحكم على ذلك ، وغلبه ابن عبد الحكم على مجلس الإمام ، ثم إن الحميدي رجع إلى مكة " . ولكن قبل رجوع الحميدي الى مكه عمل على الانتقام من ابن عبد الحكم . يروي الذهبي في سير اعلام النبلاء » الطبقة الرابعة عشر » محمد بن عبد الله بن عبد الحكم "قال لما مرض الشافعي ، رحمه الله ، جاء ابن عبد الحكم ينازع البويطي في مجلس الشافعي ، فقال البويطي : أنا أحق به منك . فجاء الحميدي ، وكان بمصر ، فقال : قال الشافعي : ليس أحد أحق بمجلسي من البويطي ، وليس أحد من أصحابي أعلم منه . فقال له ابن عبد الحكم : كذبت . فقال الحميدي : كذبت أنت وأبوك وأمك ، وغضب ابن عبد [ ص: 499 ] الحكم ، فترك مجلس الشافعي" . ويروي الذهبي نفسه في نفس الكتاب سير اعلام النبلاء الطبقة الثالثة عشر البويطي " قال ابن خزيمة : كان محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أعلم من رأيت بمذهب مالك ، فوقع بينه وبين البويطي عند موت الشافعي ، فحدثني أبو جعفر السكري قال : تنازع ابن عبد الحكم والبويطي مجلس الشافعي ، فقال البويطي : أنا أحق به منك ، وقال الآخر كذلك . فجاء الحميدي ، وكان بمصر ، فقال : قال الشافعي : ليس أحد أحق بمجلسي من يوسف ، ليس أحد من أصحابي أعلم منه . فقال ابن عبد الحكم : كذبت . قال : بل كذبت أنت وأبوك وأمك . وغضب ابن عبد الحكم . فجلس البويطي في مكان الشافعي ، وجلس ابن عبد الحكم في الطاق الثالث" . رغم ان الذهبي نفسه يروي في نفس المصدر " عن أبي إبراهيم المزني قال : نظر الشافعي إلى محمد بن عبد الله بن عبد الحكم وقد ركب دابته ، فأتبعه بصره ، وقال : وددت أن لي ولدا مثله ، وعلي ألف دينار لا أجد قضاءها ." . فلما توفي الشافعي إنقلب محمد بن الحكم عن مذهبه ورجع إلى المذهب المالكي كما كان والده عليه سابقا وعاد ودرس كتب مالك ، وآثر الويطي الزهد والكسل ورغب عن مجالسة الناس وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به ولكن الحقيقة هي أن البويطي هو الذي ألفه ولم يذكر نفسه فيه ولم ينسبه اليه فزاد الربيع فيه وتصرف كما يريد ويقول صاحب كتاب قوت القلوب: وأخمل البويطي نفسه واعتزل الناس وصنف كتاب الأم الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به وإنما هو جمع البويطي ولم يذكر نفسه .
بالنسبة لكتاب الام وصلتنا نسخ كثيرة من مخطوطات كتاب (الأم) ليس منها أي نسخة بخط الشافعي او البويطي او الربيع ابن سليمان بل ما وصل بعض أجزاء عتيقة بخط ابن النقيب، منقولة من نسخة بخط سراج الدين البلقيني، تفردت بزيادات مترجمة معزوة لبعض مؤلفات الشافعي رحمه الله، مثل كتاب (اختلاف الحديث) وكتاب (اختلاف مالك والشافعي) ونحوهما.
هناك نسخ وصلت قام بترتيبها الأمير سنجر الجالوي (ت 745هـ) وابن اللبان محمد بن أحمد (ت 749هـ) وسراج الدين البلقيني عمر بن رسلان (ت 805هـ)
قال ابن النديم في الفهرست في ترجمة الزعفراني: (وروى المبسوط عن الشافعي على ترتيب ما رواه الربيع، وفيه خلف يسير، وليس يرغب الناس فيه، ولا يعملون عليه، وإنما يعمل الفقهاء على ما رواه الربيع) انظر (أبو زهرة: الشافعي حياته وعصره/ ص 157). والمقصود بالربيع: أبو محمد الربيع بن سليمان بن عبد الجبار المرادي (بالولاء)
اعترف الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه (الشافعي حياته وعصره: ص179) بوجود اضطراب في الاقوال المنسوبه للشافعي في كتابه في المسألة الواحدة الا انه برر ذلك بتعارض الأقيسة) . وعقد فخر الدين الرازي في كتابه (مناقب الشافعي) فصلا لاختلاف الأقوال عند الشافعي ... وقسمها إلى خمسة أقسام ..إلخ).
كما انكر العديد من المتقدمين ان يكون الكتاب للشافعي ومنهم ما جاء في التهذيب لابن حجر: قال أبو الحسين الرازي: أخبرني علي بن محمد أبي حسان الزيادي بحمص قال: سمعت أبا يزيد القراطيسي يقول: (سماع الربيع بن سليمان من الشافعي ليس بالثبت، وإنما أخذ أكثر الكتاب من آل البويطي بعد موت البويطي). وفي "المؤتلف والمختلف " للدارقطني قوله :"... موسى بن جعفر بن قرين العثماني أبو الحسن كتبنا عنه عن الربيع بن سليمان كتاب البويطي وغيره. شكك أبو حامد الغزالي في كتاب الأم ، وقال أنه من تصنيف البويطي المتوفي عام 231 هـ، لكن الربيع بن سليمان نسبه لنفسه وإضاف وحذف من عنده كلام البويطي..(إحياء علوم الدين 2/188). ابن النديم في الفهرست قال أن الكتاب إسمه.."المبسوط من رواية الربيع"..وليس الأم..(الفهرست 1/260).. هذا يعني أن تسمية الأم منحولة.ابن النديم أيضاً قال أن الكتاب لم يرويه ابن الربيع فقط، ولكن رواه الزعفراني المتوفي عام 260 هـ، لكن الفقهاء لم يأخذوا برواية الزعفراني

في العصر الحديث انكر الدكتورة زكي مبارك نسبة كتاب الأم للشافعي، ووضع كتابا بعنوان (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي: كتاب الأم لم يؤلفه الشافعي) وقال في مقدمته (الغنيمة القيمة لطالب العلم هي أن يصحح غلطة تلبس ثوب الصواب، أو ينشئ نظرية، أو يوجه الناس إلى حق مجهول .... وملك الدنيا بأسرها لا يساوي عندي تصحيح هذه الغلطة التي درج عليها الناس منذ أجيال، وهي نسبة كتاب الأم إلى الشافعي، مع أن الشافعي لم يؤلف ذلك الكتاب، ولم يعرفه على الإطلاق). قال زكي مبارك في الصفحة 23: (وكنا نسمر في منزل الأستاذ الشيخ مصطفى عبد الرازق = شيخ الأزهر= في إحدى ليالي رمضان، وكان بالمجلس الأستاذ أحمد أمين، وجرى ذكر المعارك التي قامت حول رأينا .. فقال: هناك فروض ثلاثة: الأول أن يكون الشافعي جلس على (شلتة) وصنف كتاب الأم. والثاني: أن يكون جلس على دكة وأملاه كله في حلقة الدرس. والثالث: أن يكون كتب بعضه وأملى بعضه، ثم نظمه البويطي أو الربيع بن سليمان. ثم استبعد الفرض الأول والثاني ورجح الثالث).
اما الشيخ محمد أبو زهرة قال في صدد حديثه عن نسبة الكتاب إلى الشافعي: (إن للمسألة ثلاثة فروض: الفرض الأول أن الشافعي قد كتب هذا الكتاب أو أملاه.والفرض الثاني: أن يكون الشافعي قد دون مسائل مختلفة بقلمه وأملى بعضها بعبارته ... والفرض الثالث: أن يكون (الأم) ليس من تأليف الشافعي، بل هو جمع لأقواله المدونة التي كتبها أو أملاها بعبارته. جاء في كتاب (قوت القلوب) تاليف أبو طالب المكي المتوفى سنة 386هـ ما يفيد أن البويطي هو الذي صنف كتاب الأم وأعطاه الربيع. قال الغزالي في كتابه (الإحياء) في الحقل السابع من الباب الثاني من كتاب (آداب الأخوة والإلفة) وهو حق (الوفاء والإخلاص): (وآثر البويطي الزهد والخمول ولم يعجبه الجمع والجلوس في الحلقة واشتغل بالعبادة وصنف "كتاب الأم" الذي ينسب الآن إلى الربيع بن سليمان ويعرف به، وإنما صنفه البويطي ولكن لم يذكر نفسه فيه ولم ينسبه إلى نفسه، فزاد الربيع فيه وتصرف وأظهره).ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون الجزء الثاني الصفحة 1397 (كتاب الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي المتوفى سنة 204 أربع ومائتين جمعه البويطي ولم يذكر اسمه، وقد نسب إلى ربيع بن سليمان بوبه الإمام أبو محمد الربيع بن سليمان المرادي المؤذن بمصر فنسب إليه دون من صنفه وهو البويطي فإنه لم يذكر نفسه فيه ولا نسبه إلى نفسه كما قال الغزالي في الإحياء. قال في (المهمات) وهو نحو خمسة عشر مجلداً متوسطاً) .
إذا نظرنا الى محتوى كتاب (الام) نجد أن هناك إ ضطراب مرة يقول حدثنا أو أخبرنا الشافعي ومرة يقول أخبرنا الربيع بن سليمان قال : قال الشافعي و....و.....الخ على سبيل المثال (اخبرنا الربيع بن سليمان قال : قلت للشافعي ما تتقول في رجل يضرب إمراته الناشزة فتؤتى على يديه فتموت ) هنا يدل الحديث أن الربيع كان يملي على من يكتب هذا الكتاب ( الأم ) ومرة اخرى يقول الربيع سمعت الشافعي ومرة يقول رأينا الشافعي يفعل كذا ...وكذا وأحيانا ترد الرواية عن الشافعي دون إسناد لأحد ،( مثال ) قال الشافعي كذا . أفتى الشافعي بحليّة زواج الرجل من بنته من الزنا, ومن اخته, وبنت ابنه وبنت بنته, وبنت أخيه واخته من الزنا راجع المغني لابن قدامى ج7 ص485 فصل: يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا الخ حتى تغنّى الزمخشري واستنكر الفتوى قائلاً: فإنّ شافعياً قلتُ قالوا بأنني أبيح البنت والبنت تحرُمُ . أفتى الشافعي بحليّة زواج الرجل من بنته من الزنا, ومن اخته, وبنت ابنه وبنت بنته, وبنت أخيه واخته من الزنا… راجع المغني لابن قدامى ج7 ص485 فصل: يحرم على الرجل نكاح بنته من الزنا الخ الكتاب به كلمة .."صحيح"..عدد 107 مرة، بها 4 مرات فقط أدمجت مع كلمة حديث، وكلها من كلام الربيع غير منسوبة للشافعي. ورد في الكتاب كلمة.."يصح"..عدد 71 مرة، بها 3 مرات فقط أدمجت مع كلمة حديث، اثنان منها من كلام الربيع، وواحدة نسبها الربيع للشافعي. سابعاً: وردت كلمة.."تصح"..عدد ثماني مرات، لم تأتِ مطلقاً في سياق الحكم على رواية.وردت كلمة .."صحَّ"..عدد 41 مرة، مرتان فقط أدمجت مع كلمة حديث، أو جاءت في سياق الحكم على رواية، واحدة منسوبة للشافعي والثانية من كلام الربيع، هذا يعني أن الشافعي لم يكن يعرف مذهب التصحيح وإلا انشغل به ونقله التلاميذ في مئات الروايات. وردت كلمة.."أصحّ"..عدد 42 مرة، ثلاثة مرات فقط أدمجت مع كلمة حديث ، أو جاءت في سياق الحكم على رواية، واحدة منسوبة للشافعي، والاثنتان الأخريتان من كلام الربيع ، وعلى النقاط السابقة شرحه. الكتاب يعرض آراء الشافعية في القرن الخامس الهجري ومنهم.."الماوردي".. ، هذا يعني أن الكتاب أعيدت صياغته أكثر من مرة، بما يعني نسب آراء للشافعي لم يقلها بعد وفاته ب300 عام.

مما تقدم يتبين ان الكتاب المسمى كتاب (الام) والمنسوب لمحمد ابن ادريس الشافعي انما هو ما وضعه المنتسبون لمذهب الشافعي طيلة القرون الماضية ونسبوها الى الشافعي الذي لم يكتب فيها حرفا ولم يعلم بها








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج