الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السخصية المسرحية بين النموذج الصراعي والنموذج المقاوم

أبو الحسن سلام

2023 / 6 / 12
التربية والتعليم والبحث العلمي


ا

* سؤال التقنية في مناهج الإخراج

من المعارف المسرحية المستقرة أن الشخصية الدرامية لابد أن تكون شخصية صراعية في تكوينها الثقافي وفي فكرها وفي فعلها (سلوكها) محمولا على علاقاتها وعلى دوافعها . وقد يتخذ صراعها منحي التحويل التوتري على النحو الذي حدده فرويد بما أطلقت عليه ( النموذج الصراعي) نظريته "حيث يرى السلوك على أنه نتاج لسلسلة متتابعة من الصراعات "

وفي المسرحية الشكسبيرية الشهيرة ( عطيل) للشاعر المسرحي الإنجليزي الشهير " وليم شكسبير " نموذج للصراع يختلف عن النموذج الصراعي الذي حدده فرويد الذي يرى فيه إنه عندما " يستثار حافز ما فإن ذلك ينتج عنه توتر في نظام الشخصية ، حيث أن الفرد حينئذ يعمل على إشباع هذا الحافز بطريقة ما حتى يقضي على هذا التوتر . "ومع تكرار ذلك التوتر فإن نشاط تلك الحوافز ينتج عنه صراع بين الدوافع الداخلية والدوافع الاجتماعية "

فعطليل نموذج صراعي ثلاثي الأبعاد ؛ فهو في حالة غرامه الملتهب بديدمونة تلك الفتاة البيضاء إبنة عضو مجلس الشيوخ بإمارة البندقية يتشكل في هيئة الـ (هو) العاشقة لـ ( هوالآخر / ديدمونة) وهو مع نفسه يعيش حالة الـ (أنا / المكانة الاجتماعية والسياسية) بوصفه القائد العسكري لجيش البلاد وصاحب الانتصارات الحربية على أعداء البندقية ، هو الذي أحبته (ديدمونة) أجمل فتيات الإمارة وأكثرهن غنى وعراقة ؛ هو الذي اختارته هي ؛ دون غيره زوجا ، وبدون علم أبيها حتى أنها هربت معه من قصر أبيها ليلا وتزوجته سرا . وهذا الاختيار والتمييز على الرجال البيض من بني جلدتها ؛ وكانت قصدية اختيارها له دون غيره - وهو الأسود العنيف من أصول مغربية قبلية - قد ـحذت تنقر في رأس الأنا العرقية الأعلى عنده ؛ منذ أن تزوجته ؛ وتصاعد نقر بحثه في دوافع اختيارها له – دون سواه - ما بين وقت وآخر ؛ خاصة في كل مرة تصطدم فيها كل من الـ (أنا) العرقية - خاصته – بالــ (هو) العرقية البيضاء – خاصتها - عندما يفكر في كونه مغربي الأصول ، أسود اللون ، فيقارن ما بين : الـ (أنا) المغربية ، والـ (هو) الأوروبية لديدمونة ؛ على إثر مثير خارجي من الآخر الأبيض (ياجو) – ذلك المحرك الدرامي للصراع في الحدث المسرحي - هنا تقفز الغيرة من داخل عرقية تلك الـ (أنا الأعلى) فيتحول إلى كائن بدائي يشتعل بالغيرة التي تحرق في لحظة وبشكل فجائي كلا من الـ (أنا ) الرومنسية، والـ (هو) الساكنة بداخله ، وتظهر ( أناه العليا ) قناعا يواجه به كل ما تمثله ديدمونة بالنسبة له الـ ( هو/ الأنثي /المحبوبة) ، والـ (هو/الزوجة) فلا يرى منها سوى الـ (الأنا/ الأنثى/ البيضاء ، الاختيار الخطأ ) ، وعبثا يستطيع أن يخرج من الأنا الأعلى / العرقية ، تلك إلا بعد حالة صراع نفسي عنيف ؛ ما ينفك يعود إليها ؛ بإثارة جديدة من (ياجو/ ياوره السابق المعزول) الذي ينقم عليه بسبب عزله له وتعيين (كاسيو/ أحد المحاسبين ياورا بديلا عنه ) فضلا على شك ( ياجو ) نفسه ، أن ثمّة علاقة جنسية بين قائده المغربي (عطيل) وزوجة ياجو ( إميليا) : فكان بثه لروح الشك في نفس عطيل نحو إمرأته ديدمونة سبيله للإنتقام منه ؛ وهذا الشك كان المثير الذي يحول الأنا عند عطيل عن ال " هو" الخاصة به نحو انفراد الأنا الأعلى عنده بالفعل العرقي ؛ لتلك الأنا العليا القبيلية ؛ بحيث لا ترى أناه العرقية من حبيبته / زوجته _ الأنا التي أحبها فيها ، ولا ترى فيها الـ (هو / نموذج النبل الطبقي والعرقي) بل ترى فيها (الأنا الأنثى البيضاء) الأنا الاختيار الخطأ ، الأنا الإستثناء ، لأن الأصل أن تتوحد الأنا /البيضاء مع الأنا الذكر الأبيض ، فالـ :"هو" الطبقية العرقية عند ديدمونة كسرت القاعدة - قانون الطبقة - بهروبها معه والزواج به من وراء ظهر أبيها: هو الطبقة ؛ وتلك سقطة أوصلتها إليها رغبة دفينة في لاوعيها بالخيانة ، وجدت متنفسا في معاشرة قرين من جنسها (كاسيو) تصديقا لمثير خارجي _ بذرة الشك التي بذرها في نفسه ياجو – وقد توافقت نع رغبة مكبوتة في لاوعيه الطفولي – فغيرت سلوكه نحو ديدمونه من حبيبة إلى أنثى خائنة .

نحن إذن بإزاء نموذجين صراعيين The conflict Model عطيل الأنا – الـ"هو" الأنا الأعلى في مواجهة مثير تشكيك ياجو (الأنا – الـ " هو" : الصفة الوظيفية المنزوعة عنه ) تشكيكه في إخلاص زوحته ديدمونة له ، بحيث تمكن من تغيير سلوك الأنا عطيل ، والـ " هو" عطيل ، ليتصدر الأنا العليا العرقية عطيل المعربي القبلي قناعا في مواجهة الأنا ديدمونة الأنثقى البيضاء الاختيار الخاطئ الاستثنائي عن سوء نية مبيتة تنفيسا عن رغبة مكبوتة منذ الطفولة في الخيانة – وذلك تفسير الأنا العليا (العرقية) عنده ، الأمر الذي دفعه إلى قتلها ردا لشرفه ، بعد أن ظهر له دليل هو ( منديل أمه ) الذي سبق وأهداه لديدمونة ؛ فوجده مع (كاسيو) البرئ ، الذي لم يكن يعلم أن ياجو قد دسه في جيب سترته ، بعد أن سرقه من وراء إميليا زوجته وثيفة ديدمونة .

تتحول الأنا العرقية العليا لعطيل إلى الأنا عطيل بعد أن عرف بحقيقة خطيئة قتله لزوجه ديدمونة حبيبته البريئة الوفية المخلصة من إمليا وصيفتها ، لكن بعد فوات الأوان ، بعد أن أزهق روحها خنقا ، وهنا تنتفض الأنا العليا ( الضمير) عنده فيطعن نفسه بسيفه ، تطهيرا لروحه التي ارتكبت ذنبا لا يعتفر نتيجة مثير خارجي باعثه الحقد تاذي أصاب الأنا العليا لعطيل بحالة ارتباك متكررة ؛ نتيجة لتكرار المثير المربك (الشكوك التي يبذرها الشرير ياجو ردا على عزل عطيل له من وظيفته ياورا للقائد الأعلى لحيش البندقية / فينيسيا ، من ناحية ، وشكه في أن عطيل قد وطأ زوجته إميليا.

ومن الأمثلة الأخرى للنموذج الصراعي في المسرح ، شخصية العروس في مسرحية (لوركا) : ( عرس الدم) فالعروس تسلك مسلكا مرتبكا في ليلة عرسها ، نتيجة إثارة حبيبها السابق ( ليوناردو) الذي هجرها وتزوج بإبنة عمها وأنجب منها ، فلما خطبت لشاب من قبيلة لها ثأر عند قبيلته - قبيلة فيلكس ، ظل يحوم بحصانه ليلة بعد الأخرى حول بيت العروس الواقع في أحضان الجبل منعزلا عن عمران القرية ؛ موهما إيّاها بأن اهيب أشواق حبه القديم لها باتت تعاوده وتدفعه دفعا لمعاودة الإرتباط بها . !

وهذا الارتباك يحرك رغبة مكبوتة لديها في الهروب نحو حضن حبها الأول ( ليوناردو) تعويضا عن إحساس الأنا الأعلى عندها بالفقد ، خاصة وأنها فقدت أمها ، التي سبق وأن هربت من بيت زوحها : (أبيها ) إلى غير رجعة ، وهي حالة الفقد نفسها التي شعرت بها ديدمونة الفاقدة لأمها ، والتي كانت تعيش وحيدة مع أبيها الكونت ، تماما مثلما تعيش تلك العروس وحيدة مع أبيها منعزلة . فحالة هروب الأنا/ الذات متقنعة بقناع الأنا العليا (الأنا المكبوتة رغبتها في اللاوعي) عند كل من الأنا ديدمونة و الأنا ( العروس) في الزفاف الدامي / عرس الدم ) من الـ "هو" ابنة الكونت في ( عطيل) والـ "هو" ( العروس ) في ( عرس الدم) الأمر الذي ينتهي بمقتل كل من المرأتين ؛ الأولى قتلا ماديا حقيقيا والثانية قتلا معنويا بعد قتل كل من الحبيب القديم ليوناردو ، والخطيب ، كل منهما بيد الآخر . هكذا مع أنهما ( عروس الدم ، و ديدمونة بريئتان ، فلا ديدمونة خانت زوجها ، ولا كان هروب عروس الدم هروبا حقيقيا ، بل كان حالة هروب مراوغة استثنائيا هروب للأنا العليا (اللاواعية) من الـ "هو" العروس ، الواعية ، في ليلة الزفاف ، لبعض الوقت ؛ ظاهريا خارج البيت للترويح و وداخل الذات للتأمل المتروى في ما ستقدم عليه في حياتها الزوجية أو العشقية الشقية .

لقد مرت الشخصيتان ( ديدمونة وعروس الدم بسلسلة متعاقبة من حلقات صراع ، الذات ؛ انتهت بالأولى إلى موقف الدفاع عن نفسها ، دفاعا عن نقائها وطهارتها عبثا أمام ارتباك الأنا العليا /البدائية لزوجها الذي أخلصت في حبه من قبل هروبها معه من قصر ألبها الدوق فجرا - وانتهت يالثانية إلي موات العزلة المنقطعة عن ما هو الآخر خارح ذاتها .

وفي سؤال تقنية العرض .. هل يمكن معالجة نص عطيل أو نص عرس الدم من منظور منهج الإخراج .. وفق نظرية التغريب الملحمي ، علي نحو ما خطط له بريخت نظريا في مشروع إخراجه للمسرحية العبثية الشهيرة : ( في إنتظار جودو) ؟! - دون عرضها -

مع ملاحظة أن البنية الدرامية للنموذج الصراعي والنموذج المقاوم في كلتا المسرحيتين مسرحية عطيل شكسبير ومسرحية عريزالدم للوركا بنية إيهامية في الأساس !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -