الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2023 / 6 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


أطلق العرب على "الكيمياء" أسماء متعددة، بعضها راجع في أغلب الامر إلى طبيعة الموضوع وبعضها راجع إلى منهجهم في البحث أو أغراضهم التي استهدفوها منه.
فمن هذه الأسماء: علم الصنعة، صنعة الكيمياء، صنعة الاكسير، الحكمة، علم الحَجَر، علم التدبير، وعلم الميزان.
إن كل علم يشمل نظر وعمل، نظرية وممارسة عملية يُسمى صنعة، ويحتاج غير النظر إلى تدبير العمل في وقته وأوانه بحكمة واتقان. والحكمة حكمتان: واحدة نظرية وكنايتها "سارة" الزوجة القديمة لإبراهيم، والثانية حكمة عملية وكنايتها "هاجر" المصرية الزوجة الثانية الأحدث لإبراهيم. والحكمة النظرية تزيل العملية وتظهر على صورتها ممارسة عملية أو صنعة وتدبير تُظهر قوة الصانع في المادة المصنوعة وتُجلّي النظرية. يقول جابر بن حيان في كتاب "البحث": "إننا إذا سلكنا في طلبنا لهذه الصناعة طريق الوجود المنطقي فإنما نتشبث منها بالعلم فقط، ليس يكون طلب العلوم من ذوي الصناعات هو طلب العلم فقط، ولو كانت كل صناعة فلا بد من سبوق العلم في طلبها للعمل لأن العمل هو إبراز ما في العلم من قوة الصانع إلى المادة المصنوعة لا غير" (الكيمياء عند العرب)
"ولعل أهم ما كان يطبع الكيمياء الإسلامية هو اهتمامها بالناحية العملية وتأكيدها لأثر "الكيمياء" في حياة الافراد " (الكيمياء عند العرب) وهذا يدل على أن هذه الصنعة تدخل في باب الدين الباطني السري والدعوة التاريخية السياسية، والتحويل التاريخي. "لقد كان في كيمياء الاغريق جانب سرّي باطني يحيطه الغموض والرهبة. يستوجب استعمال التعاويذ والرقى التي ناصرها علماء الإسكندرية في العهد الأخير" (الكيمياء)
يقول خالد بن يزيد-وهو من أوائل الكيميائيين العرب-في شعر له:
هي الصنعة المضروب من دون نيلها من الرمز أسوار تشيب النواصيا
ولكنها أدنى إذا كان عالماً إلى المرء من حبل الوريد تدانيا
وهذا الغموض كشفه جابر وبين سياقه الدعوي الديني القائم على نظرية متينة قائمة على العلم الاجتماعي التاريخي وممارسة عملية سياسية قوامها التجربة الفعلية والخبرة العملية. يقول جابر: "لكن يا بني إياك أن تجرب أو تعمل حتى تعلم ويحق لك أن تعرف البيان من أوله إلى آخره بجميع تنقيته وعلله ثم تقصد لتجرب فيكون في التجربة كمال العلم. وأن كل صناعة لا بد لها من سبوق العلم في طلبها للعمل لأنه (العمل) إنما هو إبراز ما في العلم من قوة الصانع إلى المادة المصنوعة لا غير" (الكيمياء.) وفي كتاب "الايضاح" يثبت رأيه في أصل المعادن (النفوس) وإمكان تحويلها بالتدبير، يقول في مقدمته: "وقد سميناه كتاب الايضاح لأنا نريد ان نوضح فيه ما رمّزه الحكماء من قبلنا وأكثروا من ذكره في كتبهم بالأسماء المختلفة والصفات المدهشة التي راموا بها تضليل الجهال عن هذا العلم الشريف وادهاشهم عنه" (الكيمياء) وادهاشهم يعني تعميتهم بالدهشة!
وقد فرّق جابر معانيه في كتبه ليضلل الفضوليين والمسترقين، يقول: إن من لم يقرأ كتبي كلها بكل ما فيها من تفصيلات وتعليقات مكتفياً ببعضها دون بعضها الاخر قمين أن يكون فكرة خاطئة، فمن قرأ كتابين من كل فن من فنون كتبي هو أعلم مما قرأ كتاباً واحداً من كل منه" (الكيمياء). وكان جابر يلجأ إلى الإلْغاز والسرية فيما يكتبه، كونه داعية عَلَويّ مطارد من قبل الخلفاء العباسيين. ولكن ليست "التقية السياسية" هي الوازع الوحيد لحجب علمه عن غير أهله، بل هناك وازع "التقية المعرفية"، وهو حجب العلم عن المسترقين الذين يسيؤون استخدام المعارف والعلوم. يقول: ولولا أنني أُمرت بإعطاء الناس بقدر استحقاقهم لكشفت من نور الحكمة ما يكون معه الشفاء الأقصى، ولكن أُمرت بذلك لما فيه من الحكمة، لأن العلم يا أخي لا يحمله الانسان إلا على قدر طاقته وإلا أحرقه". وهنا يشير إلى مسألة الاحتراق، فمعادن النفوس على قدر استطاعتها في تحمل النار دون أن تحترق، فمزيد من الكشف يمكن أن يحرق النفوس الضعيفة فلا تقوم لها بعد ذلك قيامة. يقول جابر حسب رواية الجلدكي: وأعلم أن من المفترض علينا كتمان هذا العلم وتحريم إذاعته لغير المستحق من بني نوعنا وألا نكتمه عن أهله لأن وضع الأشياء في محالها من الأمور الواجبة ولأن في اذاعته خراب العالم، وفي كتمانه عن أهله تضييع لهم. وقد رأينا أن الحكمة صارت في زماننا مهدمة للبنيان لا سيما وأن طلبة هذا الزمان من أجهل الحيوان قد اجتمعوا على المحال فإنهم ما بين سوقة وباعة وأصحاب دهاء ومشعوذين لا يدركون ما يقولون فأخذوا يتذاكرون الفقر ويذكرون أن في "الكيمياء" غناء الدهر ويأتون على ذلك بزخارف الحكايات ومع ذلك لا يجتمع أحد منهم مع الاخر على رأي واحد." (الكيمياء)
يقول د. لبيب عبد الغني معلقاً على رأي جابر: الخطأ في أن يحيط العلماء علمهم بسياج من الاحتكار الذي لا تبرره سوى فروق طبقية وتقسيم للأفراد والجماعات إلى أنماط وعقول على نحو ما شاع في البيئة اليونانية الاغريقية وما صاحب كثيرا من دعوى العنصرية في أوروبا في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر" (الكيمياء) فطبقة المواطنين الاحرار في المدينة-الدولة (بوليس) اليونانية القائمة على طبقة العبيد البيض والسود تعتبر العبيد خارج دائرة الإنسانية. أقول والقول لي: في العصر الحديث مع سيادة البورجوازية اختلف الأمر، خاصة وأن البورجوازية الحديثة قد فتحت كل منافذ العلم وهي طبقة مفتوحة لجميع الطبقات الأخرى، والبروليتاريا بحاجة لكافة العلوم كي تشكل وعيها وتنظيمها القادر على تجاوز البورجوازية، خاصة وأنهما كلاهما طبقتان مفتوحتان ومربيتان تحاول كل منهما نشر التعليم العام وتعميم ايدولوجيتهما على أوسع فئات السكان. يقول غرامشي: "أما الطبقة البورجوازية فقد قدمت نفسها باعتبارها الكائن الدائب الحركة ، القادرة على استيعاب المجتمع كله والارتقاء به إلى مستواها الثقافي والاقتصادي . لقد تغيرت وظيفة الدولة بأكملها، أصبحت الدولة مربياً an “educator”" " (كراسات السجن)
يقول برتلو مشيداً بمؤلفات جابر: بهذه المؤلفات وما حوته أصبح جابر بن حيان في "الكيمياء" ما لأرسطو في "المنطق".
وتأكيدا منا على تصنيف جابر لصنعة الكيمياء ضمن علوم الدين لا علوم الدنيا، هو تفريقه بين الصنعة والصنائع، فالأولى خاصة بالدين الباطني ودعوته السرية لصناعة الدعاة والثانية خاصة بمستلزمات الدعوة من أدوات ووسائل وأموال. ننقل تصنيفه للعلوم، العلوم قسمان: علوم الدين وعلوم الدنيا. علوم الدين: علم شريف (علوم الصنعة) وهو قسمان: مراد لنفسه (الاكسير التام الصبغ) وهو أشبه بالتثقيف الذاتي للعالِم لإتمام علمه، جاء في سورة البقرة: (صِبْغَةَ اللَّهِ ۖ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً ۖ وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ) [البقرة: 138]. ومراد لغيره (عقاقير وتدابير) ومهمتها تسهيل تحول المريد إلى داعية سريّ للدين الباطني. أما علم الدنيا: علم وضيع (علم الصنائع)، يقسم إلى قسمين: صنائع محتاج إليها في الصنعة (وسائل مصنوعة يحتاجها الدعاة)، وصنائع محتاج إليها في الكفاية والانفاق على الصنعة (احتياجات مالية للدعوة) ويلاحظ أن الصنائع عند جابر مجيّرة لمصلحة الصنعة والدعوة السريّة. (الكيمياء) وبناء على درجة التشبُّع بالصبغة يصنف جابر المواد الكيماوية إلى ثلاث: الأجساد والارواح والاجسام. أما معدن المريد المُجَسَّد فهو المشبع صبغاً. والارواح هي التي لا تثبت على النار، أما الأجسام فهي التي اختلطت في معادنها من الأرواح والاجساد على غير مزاج (باعتباط) فهي التي تطير وتثبت لأن الطيار منها أرواحها والحالّ (المتحلل) منها أجسادها. والاجسام هي ما ذاب في النار وانطرق وكان له بصيص ولم يكن أخرس" أي أنها لم تصمد أمام التعذيب بالنار فلم تكتم الاسرار.
وعلم الكيمياء في نظر جابر لا يتم لنا تحصيله ولا إدراك غايته إلا بعد تحصيل علوم عدة ، فهو يأتي بعد علم الطبيعيات لأن الظاهر(البارز) في هذه الصناعة (الكيمياء والدعوة) يجب أن يكون أيضاً ذكيا شديد التصور لأحوال الحساب الذي هو الارثماطيقي وأيضاً بالهندسة وتام الإدارة في صناعة النجوم (السياسة الدولية) وكاملا في علم التأليف (الكتب والمقالات) لاضطراره إلى ذلك في هذه الصناعة وقد يحتاج إلى علم الطبائع (طبائع الافراد) وأحوال "الطبيعيات" (طبائع النفوس) كلها لما تدعو إليه هذه الصناعة لتمام هذا العلم (علم الدعوة التاريخية السياسية والتنظيم الثوري) لأجل الإحاطة بالأنواع التي يتم فيها وبها العمل" (الكيمياء) والطريف في الامر أن مؤلف كتاب "الكيمياء عند العرب" د. مصطفى لبيب عبد الغني، على اجتهاده وإخلاصه لروح البحث، إلا أنه تفوته التفاتات غاية في الأهمية، فهو يعتبر "كيمياء جابر علماً طبيعياً" مع أنه ينقل عن جابر تصنيف علمه على أنه علم ديني! يقول المؤلف: وبفضل نظرة جابر هذه إلى الكيمياء كعلم حقيقي معترف به درج المؤلفون ومصنفو العلوم عند العرب ، بعد ذلك على اعتبار الكيمياء أحد فروع "الحكمة الطبيعية" السبعة" (الكيمياء ص 62 ) وإذا صححنا هذا القول قلنا: بفضل نظرة جابر هذه إلى الكيمياء كعلم ديني باطني دعوي سري، درج مصنفو العلوم عند العرب، بعد ذلك على اعتبار الكيمياء أحد فروع "علم النفوس" ودراسة طباعها وطبيعتها. وهذا لا يقلل من شأن منهج جابر العلمي الاجتماعي التاريخي في تطبيقه على العلوم "الطبيعية" الجزئية التجريبية الحديثة.
إن ما قدمه جابر هو الانتقال من نظرية رمزية كنائية في التنظيم السري والدعوة السرية كالتي قال بها هرامسة الإسكندرية ومنهم زوسيموس في القرن الرابع الميلادي المتأثرين بفلسفة أفلاطون وفيثاغورَس، إلى نظرية في التنظيم الثوري واضحة المعالم. يقول المستشرق "كارا دي فو" نقلا عن المؤلف: "أما الكيمياء فإن جابر يخالف فيها كل ما وصل إلينا من كيمياء القدماء، ذلك أنه يستغني عن التشبيهات (الكنايات) الهرمسية التي ترجع في آخر أمرها إلى علوم المصريين القدماء والتي ترد في كتب زوسيموس وغيره من مؤلفي (مصر)-اليونان وهي الرموز التي أحياها في الإسلام معظم أصحاب الكيمياء من أمثال ابن أميل وصاحب جماعة مصحف الفلاسفة والطغرائي والجلدكي وغيرهم" ومرد هذا الوضوح أن "كيمياء جابر علم تجريبي قائم على نظرية فلسفية مأخوذة في معظمها من طبيعيات أرسطو" خاصة كتابه "في النفس". وقد درس جابر خواص النفس النباتية والحيوانية والنفس الإنسانية الناطقة. "الكيمياء كما عرفها جابر هي ذلك النوع من الدراسة "الطبيعية" الذي يبحث في خواص المواد المعدنية والنباتية والحيوانية وطرق تولدها وانتقال بعضها إلى بعض بطريق الصنعة و "التدبير" أي الاعداد والتدريب والتنشئة واستخدام الوسائل المؤدية إلى ذلك من مناهج وأدوات وعمليات ضرورية" (الكيمياء) بالطبع لا يريد جابر بالكيمياء تحويل الأسد إلى إنسان، لكنه يستطيع تحويل الغضب في النفس الإنسانية الناطقة كعنصر حيواني إلى حلم وحكمة ورجاحة عقل عند التأهيل والاعداد للمريد. ومهمة جابر في التدبير هي إخراج ما في نفوس الافراد المريدين من القوة إلى الفعل. وهذا عين عمل "العقل الفعّال" أو الوحي. الذي ذكره أرسطو في "كتاب النفس". فموقع العقل الفعّال من العقول الفردية كموقع ضوء الشمس من الموجودات، فهو يخرجها من الوجود المرئي بالقوة إلى الوجود المرئي بالفعل.
وبسطنا لكم
كيف يفيض نور "العقل الفعّال"
كما يفيض ضوء الشمس
على الموجودات
فيجعلها مرئية فعلاً
بعد أن كانت مرئية
بالقوّة والإمكان"
(آحاديث اليوم الآخر)
المعادن حسب جابر جوهرها واحد هو زئبق؛ بقول آخر النفوس من معدن واحد يُكنّى عنها بالزئبق. هي قابلة للتشكل بأي شكل، وذلك حسب "الكبريت" الذي يخالطها. إن الأجساد؛ أي النفوس المصبوغة بالدعوة الجديدة، كلها في الجوهر زئبق انعقد بكبريت المعدن المرتفع إليه في بخار الأرض وإنما اختلفت لاختلاف أعراضها، (أي ما عرض لها من العلم والدربة). واختلاف أعراضها لاختلاف كباريتها. واختلاف كباريتها لاختلاف تربها ومواضعها من حرارة الشمس الواصلة إليها عند ترددها في دورها (تربة النشأة ومقدار تعرضها لضوء العقل الفعّال عند دورات إاعدادها)، فكان ألطف تلك الكباريت وأصفاها وأعدلها الكبريت الذهبي، فلذلك انعقد به الزئبق عقداً محكماً معتدلاً (من دون تعصّب) ولاعتداله قاوم النار وثبت فلم تقدر على إحراقه كقدرتها على احراق سائر الأجساد. وهذا الكبريت الذهبي، وهذا العقد المحكم المعتدل، هو كبريت النبي إبراهيم، و (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء: 69]
ومهمة "الكيميائي" عند جابر كمهمة الماركسي الثوري؛ أن يُتمّ في زمن قصير ما تفعله الطبيعة في أزمان طويلة. وهذه هي مهمة الثورة الاجتماعية حسب قول للينين.
يقول جابر: فمن قدر أن يتلطف في تدبير الكبريت الذهبي حتى يستخرج منه الجوهر الصابغ المستحسن فيه حتى يتعذر صبغه وتتضاعف قوته وتظهر خاصيته فقد وقف على سر الحكماء."
يقول هولميارد مستشعراً أن الكلام عن الكبريت والزئبق مجرد كنايات عن أشياء أخرى أبعد: "والحقيقة أنه لا يسعنا أن نفهم نظرية تكون المعادن عند جابر بن حيان على حقيقتها تماماً لو ظننا أنه يقصد بكلامه ظاهراً حرفياً، إذ أن جابر يعلم تماما أن الكبريت والزئبق المعروفين ينتج عن اتحادهما الزنجفر(Cinnabar) (كبريت الزئبق، بينما أكسيد الزئبق مسحوق أحمر نقي) وعلى هذا فالكبريت والزئبق المكونان لأصل المعدن ليسا بالكبريت والزئبق الشائعين وإنما هما أقرب إلى ان يكونا مادتين افتراضيتين " أي كنايتين. بالطبع لم يخطر ببال هولميارد رغم دقة ملاحظته أن جابر صاحب دعوة سرية وأن الزئبق كناية نفس المريد والكبريت هو دعوته أو صبغته (صبغة الله) التي يريد صبغ نفس المريد بها، بحيث يتم تحويله إلى نفس داعية تكون قادرة على مواجهة تهديد الطغاة ووعيدهم بالتعذيب والحرق بالنار كما فعلت محاكم التفتيش المسيحية في العصور الوسطى في أوروبا مع جوردانو برونو وهددت غاليليو غاليلي.
وتعد نظرية "الميزان" من الجوانب الهامة في علم جابر، وهي التي تعتبر فيما يرى كراوس أساسا تعليمياً عنده. أي كيف يزن المريد المتعلم الأمور ويقدرها ويقارنها، وما هي المعايير والأدوات.
وجابر سمي جابراً لأنه جبر العلم؛ أي أعاد تنظيمه" (زكي نجيب محمود: جابر)
والظاهر أن ما قد دعا جابر للإقامة في الكوفة زمناً (كونه علويا فاراً من بطش العباسيين)؛ فراره من خطر محدق به في عهد هارون الرشيد. يقول الجلدكي: "وقد أفضى بأسرار صناعته إلى هارون الرشيد وإلى يحي البرمكي وابنيه: الفضل وجعفر، فلما ساورت الرشيد الشكوك في البرامكة، وعرف أن غرضهم هو نقل الخلافة إلى العلويين، مستعينين على ذلك بمالهم وجاههم ، قتلهم عن آخرهم ، فاضطر جابر بن حيان أن يهرب إلى الكوفة خوفا على حياته ، حتى ظل مختبئاً حتى أيام المأمون، فظهر بعد احتجابه " (جابر ص 14) يذكر أن لجابر "كتاب الكمال": وهو الثالث إلى البرامكة" وكتاب القمر (الفضة) وكتاب الشمس (الذهب).. ورسالة في الكلمات الثلاثة [عين، ميم، سين] يعد كتاب "السموم ودفع مضارها" من أروع المؤلفات يمثل الصلة الوثيقة بين الكيمياء والطب في تاريخ العلم العربي [بين نسج الخرقة وترقيعها] (الكيمياء)
أما "كتاب المائة والاثنا عشر" فهي مقالات أشبه بتلخيصات لمعارف القدماء، هي مقالات في صناعة الكيمياء لا رابط بينها فيها إشارات كثيرة إلى كيمياء القدماء أمثال هرمس، زوسيموس، وديموقريطس، وأغاثوديمون وغيرهم. يزعم البعض أن هذه المجموعة مأخوذة عن مدرسة الإسكندرية." كتاب الموازين "المائة والاربعة والاربعون" وهي تتناول بوجه عام الأسس النظرية للكيمياء كما تعرض لتطور الكيمياء من فيثاغورس حتى جابر". يضاف إلى كتبه هذه مجموعات صغيرة تتناول إلى جانب الكيمياء شروحاً لأرسطو وأفلاطون ثم رسائل في الفلسفة وعلم الهيئة (الاجرام السماوية) والتنجيم والرياضيات والموسيقى. أما مجموعة "المصطلحات العشر" ففيها وصف للكيمياء القديمة عند فيثاغورس وسقراط وغيرهم" (الكيمياء)
وكما يهاجر النحل لتأمين رزقه كذلك المناضلين الذين أجبروا على هجر أوطانهم وديارهم ومنهم جابر، هرباً من التعذيب والموت، نقرأ في سورة النحل: (وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي اللَّهِ مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ۖ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ ۚ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) [النحل: 41]
أما الاكسير؛ فهو "مادة" كان يعتقد أنها تضاف إلى الفضة (الورقاء) فتحولها إلى ذهب خالص اصفر فاقع لونه يسر الناظرين كبقرة (بارا) بني اسرائيل. جاء في سورة البقرة قوله (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَّوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ) [البقرة: 69]. والجدير ذكره أن التلمود يحتوي على باب كامل تحت اسم بارا (البقرة) يتحدث عن طقوس الطهاره؛ (طهارة النفس) بتقديم وحرق القرابين من البقر.
والاكسير هو شراب الحياة من يأخذه يضمن الخلود. وهو "خلاصة اعمال القلوب من مدارج السالكين". والاكسير "مادة" مركبة كان الاقدمون يعتقدون أنها تحوّل النحاس المصهور إلى ذهب. وهذا الشراب هو "العقل الفعّال" أو "الوحي" الذي يتم تسلمه من جيل إلى جيل ومن المعلم إلى المريد أو التلميذ في مُسارّة "سارّة" وتلقين شفوي.
والوُرقة، وحمامة ورقاء؛ هي حمامة ابن سينا رمادية، وهي كناية النفس.
قال الشيخ الرئيس في عينيته:
هبطت إليك من المحل الارفعِ ورقاء ذات تعزّز وتمنّعِ (عيون الانباء)
وهي نقود أهل الكهف، لأن الورق هو المال. قال: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَٰذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا) [الكهف: 19]
والكيمياء الصوفية هي علم التدبير والميزان، أي تدبير التلاميذ والكوادر والمريدين والتقدير الدقيق ووزن الأمور بدقة وحذق لحساسية الموقف ولسرية الدعوة، فأي خطأ يقود إلى كارثة محققة.
(كم) في العربية يدل على غشاء وغطاء (ستر) ومنه الكمّامة على الانف والفم، وكم الافواه أي حرمان الدعاة من نشر دعوتهم جهارا، وعدم التفوّه بأسرار الدعوة، فإفشاء الاسرار يقود في الزمن المعوجّ إلى الإعدام، كما هو حال المنصور الحلّاج.
وفي إشارة إلى التنشئة والاعداد وتدبير وصناعة الدعاة السريين تقول العربية في كناية رائعة: كُمّ الفسيل: إذا أُشفق عليه فسُتر حتى يقوى" وهي كناية على إخفاء أمر الدعاة والمريدين في دين باطني أو دعوة سرية حتى يكتمل إعداده في اليوم الأربعين، كما يتم الحمل في تسعة أشهر وهو مستور بالرحم. والأكاميم: أغطية النَّور. والكُمّة: القلنسوة. غطاء الرأس وكلها تقود كناية إلى التغطية والستر للدعوة الجديدة.
و"كتاب الإكسير؛ خلاصة أعمال القلوب من مدارج السالكين" لأبن القيّم الجوزية. وفي نبذة عنه اعتبر كتاب "مدارج السالكين" من أمثل الكتب في الرقائق وإصلاح النفوس.
يورد بلوتارك في كتابه "إيزيس وأوزوريس" أن المصريين القدماء كانوا يسمون بلادهم كِم (خِم)(Khem) أي "التربة السوداء" (طمي النيل الأسود والتربة الخصبة) كما استعمل اليونانيون فيما بعد هذا اللفظ على عهد البطالمة ليدلّوا به على صناعة المصريين القدماء.
يقول ف. ج مور ويشاركه كثير من مؤرخي الكيمياء أمثال هولميارد وبارتنجتن وسارتون: "أطلق العرب على أرض مصر لفظة الكِم Alkem " وقد كانت تسمى قديماً (Khem) ومن المحتمل أن يكون هذا هو أصل اشتقاق لفظة (ألكمِي) Alchemy التي تطورت فيما بعد إلى كيمياء. (الكيمياء)
أما المؤلفون العرب فقد تناولوا اللفظ بطريقة أخرى تظهر أنها مختلفة ظاهرياً لكنها تلتقي مع الكلام السابق الذكر. فقد ذهب أبو عبد الله يوسف الخوارزمي إلى أن هذا اللفظ عربي أصيل مشتق من الفعل كمى يكمي: يدل على خفاء شيء ، ويقال كمى الشهادة أي سترها وأخفاها، على حين أن الصفدي في شرحه للامية العجم يقول: "هذه اللفظة معربة من اللفظ العبراني وأصله "كيم يه" معناه أنه (العلم) من الله" (الكيمياء) أي انه "عقل فعّال" ووحي يتم تسلمه من السلف العالم العارف. يقول د. زكي نجيب محمود: العلم ،حسب قول جابر بن حيان، على البديهة حين لا يكون الموروث بالطبع إلا استعداداً فقط، وعلى هذا الاستعداد تأتي المؤثرات من خارج؛ وإن جابرا ليختار من هذه المذاهب الثلاثة مذهبا، وهو هذا الذي يجمع بين الاستعداد والتلقين ، مؤكداً ان "النفس لا تكون عالمة أولا بالضرورة " أي أنها محال عليها ان تولد مزودة بالعلم كاملا ، لكنها مستعدة للتقبل بطبيعتها ، "فهي قادرة فاعلة جاهلة" أول الامر، ثم تراض بعد ذلك بفضل قدرتها وفاعليتها ، فيتحول الجهل علما." (جابر بن حيان) ومصدر التلقين عند جابر ؛ أي مصدر وحيه وعلمه هو "النبي وهو علي وهو جعفر الصادق وما بين هؤلاء جميعاً من الابناء" فهو يقول: "تأخذ من كتبي علم النبي وعلي وسيدي (جعفر الصادق) وما بينهم من الأولاد منقولا نقلا مما كان وهو كائن وما يكون من بعد إلى ان تقوم الساعة" ومؤداه أن مصدر التلقين هو الوحي ينزل على النبي ثم يتوارثه الأوصياء الخلفاء من بعده ، العلم تنزيل من السماء (تلقين من خارج الفرد) ، وعلى ضوء هذا نفهم اسم "الكيميا" ولماذا اطلق على مثل هذه الأبحاث التي قام بها جابر، فهي معربة من اللفظ العبراني وأصله (كيم يه) ومعناه أنه من الله" (جابر بن حيان)
يقول د. زكي نجيب محمود: لهذا كان للأستاذ الذي ينقل العلم للمتعلم منزلة مقدسة عند جابر، وقد كتب مقالة عن العلاقة بين الأستاذ والتلميذ (المقالة الأولى من كتاب "البحث" من مختارات كراوس) نعتقد انها من الروائع في مجال التربية." (جابر بن حيان) وعلاقة المعلم بالمريد.
ومن أطرف العبارات وأشدها تألقاً قول جابر بخصوص منهجه العلمي: وقد عَلِمْتُه بيدي وعقلي من قبل وبحثتُ عنه حتى صح وامتحنته فيما كذب" فإذا وضعنا على الالف شدة مفتوحة تحول القول إلى المريد والتلميذ بدلا عن المنهج العلمي. فيصير: وقد عَلَّمتُه بيدي وعقلي من قبل، الخ .." وهذا تأكيد على أهمية الفرض النظري أو الإعداد النظري قبل التجريب واثناءه. كان يقول دائماً: أنظر واعلم ثم اعمل. وفي تحديده لمفهوم العلم، يحدد الحد أولا بالقول: الحد هو الإحاطة بجوهر المحدود على الحقيقة حتى لا يخرج منه ما هو فيه ولا يدخل فيه ما ليس منه ولذلك صار لا يحتمل زيادة أو نقصاناً" ثم ينتقل لتحديد مفهوم العلم وفق "مبدأ الحصر" فيقول: والحد العلمي هو القول الوجيز الدال على كنه المحدود دلالة حاصره لا تخرج عن المحدود شيئاً ولا تزيده شيئاً" والمحدود محدود بنفسه وبشرطه (الكيمياء) ويؤكد على الدربة والمران فيقول: الصانع الدرب يحذق وغير الدرب يعطل" كما يرفض الاحكام المسبقة عن قوم من الاقوام حين نشر الدعوة بينهم يقول في كتاب الخواص الكبير ، المقالة الاولى: إننا نذكر في هذا الكتاب خواص ما رأيناه فقط، دون ما سمعناه أو قيل لنا وقرأناه ، بعد أن امتحناه وجربناه فما صح أوردناه وما بطل رفضناه ، وما استخرجناه نحن قايسناه على أحوال هؤلاء القوم" (الكيمياء) فبأي كيمياء ربكما تكذبان، فعن أي "عالم طبيعي" يتحدث المؤلف!؟ يقول جابر: على المشتغل بالكيمياء أن يكون له أصدقاء مخلصون يركن إليهم ويجب ان يكون صبورا ومثابراً لا تخدعه الظواهر فيعجل في استنباط النتائج" (الكيمياء) ويلح على الدربة والانخراط في التجربة فيقول: "كم من عالم دارس إذا بلغ إلى العمل وقف، فيكون أضعف أصحاب الصناعة (الصنايعي) أنفذ في ذلك الامر من العالم الفائق"
في القرن الرابع الميلادي كتب زوسيموس الشديد الشبه بجابر بن حيان مقطوعات اقتطفها جورجياس سينكيلاس بيّن فيها كيف أن أول كتاب عن فنون العلم كان اسمه (Chemae) ومنه اشتق زوسيموس الاصطلاح (chemeia)" (الكيمياء) وزوسيموس هذا من بانابوليس أو أخميم بصعيد مصر حيث ازدهرت مدرسة أخميم في القرن الرابع الميلادي. ومن أخميم خرج هيبا بطل رواية "عزازيل" في "سياحة" إلى انطاكية السورية شمال غرب حلب حيث قابل هناك القس نسطور.
الغرض الأكبر للخيمياء أو الكيمياء الصوفية الغنوصية هو "التحويل" كحقيقة لا نزاع فيها. لكن تحويل المعادن ما هو إلا كناية عن تحويل النفوس المريدة المتتلمذة. يقول جابر: "ما افتخرت الحكماء بكثرة العقاقير وإنما افتخرت بجودة التدبير. فعليك بالرفق والتأني وترك العجلة". والاهمية كل الأهمية ليست في الاعداد فحسب، بل في الوقت المناسب والمعاناة الحقة (الكيمياء).
وفي آراء ابن سينا الكيميائية التي نطالعها في كتاب الشفاء (1022 م) يذهب إلى أن المعادن أنواع مختلفة لجنس واحد، ولما كان من المستحيل تحويل نوع من الكائنات إلى نوع آخر، كتحويل نوع من الحيوانات إلى غيره، فكذلك يستحيل (على الحقيقة) تحويل الرصاص إلى الذهب أو الفضة. ويحتفظ كل معدن بصفاته الذاتية التي تميزه عن غيره من المعادن. يقول ابن سينا عن الفلزات: إن لكل منه تركيباً خاصاً لا يمكن أن يتغير بطرق التحويل المعروفة وإنما المستطاع هو تغيير ظاهري في شكل الفلز وصورته وصبغ النحاس بلون أبيض فيبدو كالفضة، والفضة بلون أحمر فتظهر كالذهب. وقد يصل هذا التغيير حداً من الاتقان يظن معه أن الفلز قد تحول إلى غيره. ولكن الصبغ في حقيقته (لا في مجازه) لا يحول فلزاً إلى غيره" (الكيمياء). إن "العقلانية الطبيعية" الاستدلالية المشائية الأرسطيّة التي صبغت فكر ابن سينا وفلسفته جعلته يرمي جانباً بمجاز وكناية جابر ابن حيان، وينظر إلى الكيمياء الصوفية كعلم طبيعي تجريبي لا علم ديني ودعوة باطنية سرية. وقد تولى الطغرائي (ت 1121 م) في "حقائق الإشهادات" الرد على ابن سينا فيما ذهب إليه من استحالة تحويل المعادن إلى الذهب وحاول الطغرائي أن يثبت فيه (الكتاب) أن ذلك الامر ممكن" واهتم الطغرائي بالكيمياء ودافع بحماس عن فكرة تدبير الذهب من المعادن الرخيصة بطريقة نظرية خالية من التدليل العلمي" (الكيمياء) يقول ابن خلدون في المقدمة: بعد أن ذكر مذهب ابن سينا في إنكار الصنْعة واستحالة التحويل (إنكار نظرية التنظيم الثوري) وغلّطه الطغرائي، من أكابر هذه الصناعة ، في هذا القول ورد عليه بأن التدبير والعلاج ليس سوى تخليق الفصيل بما يأتي من بعد الاعداد من لدن خالقه وبارئه كما يفيض النور على الاجسام بالصقل والمهارة ولا حاجة بنا في ذلك إلى تصوره ومعرفته" (الكيمياء) وواضح من عبارة الطغرائي أنه يعتبر الكيمياء الصوفية علماً شريفا دينياً لا علماً طبيعياً تجريبياً. هنا يبرز "المجاز والكناية" في مواجهة الحقيقة "الطبيعية" والاستدلال الطبيعي والعبارة "الحقيقية" الحَرْفية.
لعبت مدرسة الإسكندرية دوراً رئيسياً في تاريخ الكيمياء. وفي الإسكندرية التقى الفن المصري بالعلم اليوناني التقاءً حاسماً" (الكيمياء). وهذا معناه التقاء الدين المصري الباطني بالفلسفة اليونانية خاصة الفلاسفة المتألهَين فيثاغورس وأفلاطون. وكان لا بد من تنظيم أخويات سرية للتلقين تعتمد الخيمياء وتحويل النفوس الخسيسة إلى نفوس الهية شريفة عن طريق التلقين.
"بوسعنا القول بأن الكيمياء قد بدأت في الإسكندرية حقاً إلا انها نشأت في أغلب الامر خلال فلسفتين متطورتين: الفلسفة الهرمسية الغنوصية التي كان من أشهر الكيميائيين فيها زوسيموس، والافلاطونية المحدثة أو الأفلوطينية التي كان من أعلامها أفلوطين (204-270) وفرفوريوس تلميذه وكاتب سيرته وناشر كتابه "التاسوعات" (233-304 م)، ويامبليخوس الخلقيسي السوري من آفاميا على العاصي (القرن الرابع الميلادي) أو يمليخا حيث التقت أعداد فيثاغورث بفيض أفلوطين. ويملخيا تعني الكهف، وقد يكون يامبليخوس أو يمليخا واحداً من أصحاب الكهف والرقيم الذين ذكرهم القران في سورة الكهف، (أَمۡ حَسِبۡتَ أَنَّ أَصۡحَٰبَ ٱلۡكَهۡفِ وَٱلرَّقِيمِ كَانُواْ مِنۡ ءَايَٰتِنَا عَجَبًا(9) نَّحۡنُ نَقُصُّ عَلَيۡكَ نَبَأَهُم بِٱلۡحَقِّۚ إِنَّهُمۡ فِتۡيَةٌ ءَامَنُواْ برَبِّهِمۡ وَزِدۡنَٰهُمۡ هُدٗى(13)). ذهب الصناع المصريون، أصحاب الدين المصري التوحيدي الباطني، عبر الأفلاطونية المحدثة والفيثاغورية الجديدة والغنوصية السكندرية بما فيها الهرمسية في آخر الامر إلى تطبيق نظريات سرية غامضة تدور حول صناعة الذهب وطبيعة المعادن والاحجار، أي طبيعة الأفكار المتبلورة والعقائد الراسخة رسوخ الأحجار. وقبِل علماء تلك الفترة مسألة "التحويل " كحقيقة لا نزاع فيها.
إن أهم موضوعات الكيمياء التي شغلت الصينيين في تلك الفترة هو تدبير "إكسير الحياة المقدس" الذي أسموه التان (Tan) وهو شراب التحويل أو مادته. ومن المؤكد وجود شبه قريب بين كيمياء الصين والكيمياء العربية الإسلامية. والفضل للتجارة والفتوحات.
أما الشخصية الرئيسية في الكيمياء الصينية فهو (كوهانغ)، حيث ظهرت كتبه في القرن الرابع الميلادي بالتزامن مع زوسيموس. كتب كوهانج (281-361 م) رسالة هامة عن فلسفة التاو (الطاو) والكيمياء وقسمها قسمين كبيرين جعل الأول من عشرين فصلاً كلها تعالج تحويل المعادن، واكسير الحياة، وقواعد إطالة الحياة وسبل تحقيق الخلود. في الفصل الرابع والحادي عشر والسادس عشر فصّل كوهانج كيفية تحضير اكسير أبيض وأصفر لتحويل المعادن الرخيصة إلى الذهب والفضة. والهدف من تعليم الكيمياء يجمله كوهانج فيما يلي: تحضير الذهب الخالص من المعادن الرخيصة والذي يكسب من يتعاطاها خلودا " (الكيمياء) أي تحويل النفوس الخسيسة إلى نفوس شريفة عبر تقنية التلقين لمعاني العقيدة السرية الباطنية. وهذا هو عين كيمياء جابر وزوسيموس وكيمياء الهرامسة في الإسكندرية القرن الثاني الميلادي قبيل ظهور أفلوطين في القرن الميلادي الثالث.
إنه لأمر موح وذي مغزى أن يكون عنوان الكتاب الثاني للمجموعة الهرمسية "خطاب التلقين أو أسكليبيوس" (هرمس مثلث العظمة)
والرسائل المنسوبة إلى هرمس المثلث العظمة في مصر القديمة، فقد تمثلت غاية البحث فيها في الحصول على الاكسير و "حجر الفلاسفة" الذي يحفظ للشباب حيويته وخلوده ويحيل المعادن ذهبا، خاصة النحاس المصهور والزئبق كناية النفس البكر، بقرة (بارا) "عِجْلة لم يُشد إلى عنقها نير". (أوفيد: التحولات)
وقد عثر فيما بعد على اثنين وأربعين كتابا في مصر منسوبة إليه (هرمس مثلث العظمة) بعضها في الكيمياء. لم يبق الآن من هذا الكتب سوى شذرات اقتطفها زوسيموس"
مراجع:
1-الكيمياء عند العرب، تأليف د. مصطفى لبيب عبد الغني
2-جابر بن حيان، بقلم الدكتور زكي نجيب محمود
3-معجم مقاييس اللغة لأحمد بن فارس بن زكريا (ت 395)
4-هرمس المثلث العظمة أو النبي إدريس، تأليف لويس مينار ترجمة عبد الهادي عباس
5-نايف سلوم: ديوان (آحاديث اليوم الاخر).
6-أوفيد: كتاب التحولات، ترجمة أدونيس.
7-عيون الانباء في طبقات الأطباء لابن أبي أُصيبعة.
8-أنطونيو غرامشي: كراسات السجن ترجمة عادل غنيم 1994








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اجتهاد الألمان في العمل.. حقيقة أم صورة نمطية؟ | يوروماكس


.. كاميرا CNN داخل قاعات مخبّأة منذ فترة طويلة في -القصر الكبير




.. ما معنى الانتقال الطاقي العادل وكيف تختلف فرص الدول العربية


.. إسرائيل .. استمرار سياسة الاغتيالات في لبنان




.. تفاؤل أميركي بـ-زخم جديد- في مفاوضات غزة.. و-حماس- تدرس رد ت