الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الإسرائيليات التاريخية في صدر الإسلام (2)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 6 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


من يجيد التقنع هو من يجيد النفاق أي التظاهر بعكس ما بداخله.. وهذه حرفة اليهود ‏على مدار تاريخهم.. وتاريخهم مع المسيحية هو تاريخهم مع الإسلام ومع كل الأديان والمذاهب. ‏حاربوا الإسلام في البدء، كما حاربوا المسيحية، حتى إذا فشلوا ارتدوا يسالمون سلاماً أكثر ‏شراً عليه من حربه الظاهرة. أسلم منهم الكثير في عهد النبي والخلفاء الراشدين... وعلى كل ‏حال، لن نتهم أحد بالعمالة ولا بالنفاق، إنما سنتناول شخص واحد فقط تولى دوراً حيوياً ‏مفاجئاً في الدولة العربية عقب رحيل النبي محمد مباشرة. هذا الشخص كتب عنه الشيخ/ ‏محمود أبو رية مقالاً لمجلة الرسالة في عددها رقم 665 بتاريخ 1/4 / 1946م تحت ‏عنوان:"كعب الأحبار هو الصهيوني الأول‎" ‎‏... ‏

وكان هذا اليهودي المقنّع بالإسلام يفسر القرآن ويروي الأخبار، يأوي إلى ركنٍ من ‏المسجد ليلقي بعلومه ومعارفه إلى المسلمين العرب الذين انبهروا كثيراً بحكاياته العذبة ‏عن الأنبياء والرسل السابقين، وسار كثير من اليهود بعده على سيرته، ولم نجد مسيحي واحد ‏قام بمثل هذا العمل في أي وقت على مدار التاريخ كله حتى ممن اعتنق الإسلام بعد ‏المسيحية، ولذلك ظهر ما عُرف فيما بعد بالإسرائيليات وهو ما انتقل من قصص وحكايات من ‏كتب التوراة إلى التراث الإسلامي. ولنعلم بداية أن علاقة جمهورية إيجبت الحالية بالقرآن ‏الكريم تنحصر في التفسير الذي أوردته الإسرائيليات فقط لأنه كما بينّا كان اسمها إيجبت ‏وقت نزول القرآن .‏

أعلن هذا الكاهن إسلامه - كعادة كل العملاء - في عهد عمر ابن الخطاب، ووضع ‏لإسلامه سبباً عجيباً، فقد أخرج ابن سعد عن سعيد بن المسيّب قال: قال العباس ما منعك أن ‏تسلم في عهد النبي وأبى بكر؟ فقال إن أبي كتب لي كتاباً من التوراة فقال اعمل بهذا وختم ‏على سائر كتبه، وأخذ عليّ بحق الوالد على الولد أن لا أفضي الختم عنها، فلما رأيت ظهور ‏الإسلام، قلت لعل أبي غيّب عني علماً، ففتحتها فإذا صفة محمد وأمته فجئت الآن مسلماً " ‏‎!‎‏ (ابن ‏حجر - الإصابة ( 323/5)) قال ذلك رداً على الصحابة لأنه عاصر النبي ولم يسلم، وعاصر أبي بكر ‏ولم يسلم رغم أنه مقيم باليمن وقد ذهب علي ابن أبي طالب ومعاذ ابن جبل وأبو موسى ‏الأشعري إلى اليمن للدعوة هناك، وأسلم كثير من عرب اليمن، وكان كعب يأتي ذهاباً ‏وإياباً من اليمن إلى الشام في رحلاته ماراً عبر الحجاز، ومع ذلك تأخر إسلامه إلى عهد عمر!‏

وروى عبد الله بن عمر أن رجلاً من أهل اليمن جاء إلى كعب فقال له: إن فلاناً الحبر ‏اليهودي أرسلني إليك برسالة! فقال كعب هاتها، فقال له الرجل: إنه يقول لك ألم تكن سيداً ‏شريفاً مُطاعاً؟! فما الذي أخرجك من دينك إلى أمة محمد؟ فقال له كعب أتراك راجعاً إليه؟ ‏قال نعم، قال فإن رجعت إليه فخذ بطرف ثوبه لئلا يفر منك! وقل له: يقول لك، أسألك بالذي ‏فلق البحر لموسى، وأسألك بالله الذي ألقى الألواح إلى موسى بن عمران فيها كل شيء! ألست ‏تجد في كلمات الله تعالى أن أمة محمد ثلاث أثلاث: فثلث يدخلون الجنة بغير حساب، ‏وثلث يحاسبون حساباً يسيراً ثم يدخلون الجنة، وثلث يدخلون الجنة بشفاعة أحمد!! فإنه ‏سيقول لك نعم! فقل له يقول لك كعب: اجعلني في أي الأثلاث شئت‎!‎

في الواقع هناك ثلاثة أحبار من اليهود اندسوا وسط العرب لإفساد دينهم، وهم (كعب ‏الأحبار - عبد الله ابن سبأ - ووهب ابن منبه)، وهناك غيرهم، لكن هؤلاء هم رؤوس الأقلام التي ‏ابتدأت صفحة الإسرائيليات في الإسلام، كانوا عبارة عنا مجلس تنفيذي للسندريون، فقد ‏أتبع هؤلاء الأحبار طرقاً عجيبة لكي يستحوذوا على عقول المسلمين.‏

يقول الشيخ أبو رية:" وأنى للصحابة أن يفطنوا لتمييز الصدق من الكذب من ‏كلامهم.. وهم من ناحية لا يعرفون العبرانية وهي لغة كتبهم.. ومن جهة أخرى فإنهم لا ‏يجارونهم في دهائهم ومكرهم‎ .. ‎وبذلك كان الصحابة ومن تبعهم يأخذون كل ما يبثه ‏هؤلاء الدهاة بغير بحث ولا نقد معتبرين أنه صحيح لا ريب فيه‎...‎‏ ونحن هنا نلم بطرف صغير ‏من تاريخ زعيم هؤلاء الدهاة وشيخهم وهو كعب الأحبار .‏‎..‎‏ وقد اصطفاه معاوية وجعله من ‏مستشاريه لكثرة علمه... وقد اغتر به الصحابة ومن بعدهم فرووا عنه وسمعوا منه.. وكان ‏أكثر من روى عنه من الصحابة أبو هريرة الذي كان كذلك أكثر تحديثا عن النبي.. ذلك ‏بأن هذا الكاهن سلط عليه قوة دهائه لكي يستحوذ عليه وينميه ليلقنه كل ما يريد‎..‎‏."‏

ولما افتتحت إيلياء وأرضها على يد عمر في ربيع الآخر سنة 18هـ ودخل عمر بيت المقدس ‏دعا عمر كعب الأحبار وقال له: أين ترى أن نجعل المصلى؟! فقال كعب: إلى الصخرة. فقال له ‏عمر: يا ابن اليهودية، ضاهيت والله اليهود، وفي رواية أخرى خالطتك يهودية! وقد رأيتُك ‏وخَلعَك نَعليك‎!‎‏ ولما أخذوا في تنظيف بيت المقدس من الكناسة التي كانت الروم قد دفنته بها ‏سمع التكبير من خلفه فقال ما هذا؟ فقالوا كبّر كعب وكبر الناس بتكبيره! فقال عليَّ به ‏فأتىَ به فقال يا أمير المؤمنين: أنه قد تنبأ على ما صنعت اليوم نبي منذ خمسمائة سنة! قال ‏وكيف؟ فقال إن الروم قد أغاروا على بني إسرائيل فأديلوا عليهم فدفنوه! إلى أن وليت فبعث الله ‏نبياً على الكناسة فقال ابشري، أورى شلم، عليك الفاروق ينقيك مما فيك! (الطبري ص 160 وما ‏بعدها ج‍ 4‏‎.‎‏) . وهكذا يلعب بعقول المسلمين‏‎ ‎‏. وقال كعب مرة: (إن الله قال للصخرة أنت عرشي ‏الأدنى وأنها موضع قدم الرحمن). وقد وضع كعب وإخوانه في فضائل بيت المقدس وغيره من ‏البقاع التي في الشام أكاذيب كثيرة ملأت مؤلفات‎.‎‏ ‏

وأخرج الخطيب عن مالك، أن عمر دخل على زوجته أم كلثوم بنت علي فوجدها ‏تبكي، فقال ما يبكيك؟ قالت هذا (اليهودي) أي كعب يقول أنك باب من أبواب جهنم! فقال ‏عمر ما شاء الله! ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ‏ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة! فقال ما هذا! مرة في الجنة! ومرة في النار! فقال: إنا ‏لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا‎!‎‏ ‏‏... وقد برت يمينه فقد قُتل عمر في ذي الحجة سنة 23هـ

وما يقطع الشك باليقين في أمر كعب بشأن عمر هو ما ذكره المسوّر بن مخرمة أن عمر ‏لما أنصرف إلى منزله بعد أن أوعد أبو لؤلؤة جاءه كعب الأحبار فقال يا أمير المؤمنين (أعهد) ‏فأنت ميت في ثلاث ليال (رواية الطبري في ثلاث أيام) قال وما يدريك؟ قال أجده في كتاب ‏التوراة! قال عمر: أتجد عمر بن الخطاب في التوراة؟ قال اللهم لا، ولكن أجد حليتك وصفتك، ‏وأنت قد فني أجلك! قال ذلك وعمر لا يحس وجعاً، فلما كان الغد جاءه كعب، فقال بقي ‏يومان! فلما كان الغد جاءه وقال: مضى يومان وبقي يوم! وهي لك إلى صبيحتها، فلما أصبح ‏خرج عمر إلى الصلاة وكان يوكل بالصفوف رجالاً فإذا استوت كّبر، ودخل أبو لؤلؤة في ‏الناس وبيده خنجره فضرب عمر ست ضربات إحداهن تحت سرته وهي التي قتلته. ودخل عليه ‏كعب وقال له: ألم أقل لك أنك لا تموت إلا شهيداً وأنك تقول من أين وإني في جزيرة العرب؟ ‏وفي رواية أخرى: لما دخل كعب على عمر قال له: ﴿الحق من ربك فلا تكونن من الممترين﴾.‏

وقد اتهم الشيخ محمد رشيد رضا في مقدمة تفسيره، اتهم كعب الأحبار بإفساد الدين، ‏بعد أن ذكر كلاماً لابن تيمية في شأن ما يُروَى من الإسرائيليات عن كعب ووهب، يقول ما ‏نصه:" فأنت ترى أن هذا الإمام المحقق - يريد ابن تيمية - جزم بالوقف عن تصديق جميع ما ‏عُرِف أنه من رواة الإسرائيليات. وهذا في غير ما يقوم الدليل على بطلانه في نفسه، وصرَّح في ‏هذا المقام بروايات كعب الأحبار ووهب بن منبِّه، مع أن قدماء رجال الجرح والتعديل اغتروا ‏بهما وعدَّلوهما، فكيف لو تبين له ما تبين لنا من كذب كعب ووهب وعزوهما إلى التوراة ‏وغيرها من كتب الرسل ما ليس فيها شيء منه ولا حوَّمت حوله‎".‎‏... ولو تساءلنا عما قدمه ‏كعب الأحبار فعلياً للإسلام فلن نجد شيء إطلاقاً، لأن القصص والحكايات التي رواها عن ‏الأنبياء من كتب التوراة، هي أصلاً موجودة في الكتب وفي كل أسفار التوراة، وكل ما في ‏الأمر أنه نقله للناس بأسلوب حكائي، وكأنه صار بذلك علماً من أعلام الأمة الإسلامية ! ‏وذلك يعود فقط لجهل العرب المسلمين الذين لا يعرفون القراءة والكتابة ولم يفكر أحدهم ‏بتعلم اللغة العبرية أو حتى قراءة ترجمة التوراة العربية، فصاروا ينقلون عن حكايات ‏كعب التي ألقاها في المساجد شفوياً، ثم يختلفون في التوثيق، ويبحثون في السند، فلان نقل ‏عن فلان عن فلان نقل عن فلان ابن علان الذي سمع كعب يروي كذا وكذا ..إلخ، وهل ‏كان النقل دقيقاً أميناً أم شابه تحريف نتيجة ضعف الذاكرة أو التدليس ! وجاءوا بعد مائتي ‏عام ليوثقوا هذه الروايات الشفوية، ولم يكلفوا أنفسهم بقراءة كتب التوراة بذاتها، وكأن ‏كعب هذا كان هو مصدر هذا العلم ! ‏

وذلك فقط نابع من مستوى الجهل الذي عاش فيه العرب المسلمون ما سمح لكعب مثل هذا ‏أن يدغدغ عقولهم بحثاً وراءه وعن رواياته وتوثيقها، لدرجة أن كثير منهم نقل عنه ‏واستحى أن يذكر اسم كعب كمصدر للرواية كونه يهودياً ومشكوك في إسلامه... ‏فتلاميذ ابن عباس، وأبي هريرة، تجاوزوا كعب الأحبار ونسبوها إلى أساتذتهم، وصولاً إلى ابن ‏جرير الطبري الذي يمتلئ تفسيره وتاريخه بالروايات الإسرائيلية دون الإشارة إلى كعب ‏الأحبار، نتيجة الحساسية من ذكر السند ذي الأصل اليهودي عند رواة الحديث، وكان ‏كعب يقول عن أبي هريرة أنه أعلم الناس بالتوراة دون أن يقرأها ! أي أنه يتلقى رواياته عن ‏كعب، لكن كعب لا يريد أن يظهر في الصورة، ويريد في ذات الوقت أن يحافظ على ‏وجاهة أبي هريرة في المجتمع الإسلامي كي يظل قناة صالحة يضخ من خلالها كعب ‏سمومه، ونقل تلاميذ أبي هريرة هذه الروايات دون إسنادها لكعب مما أحدث خلطاً بين ‏روايات كعب التوراتية وأحاديث النبي محمد، حتى أننا نجد أغلب تفسيرات القرآن (فيما ‏يخص حكايات أنبياء بني إسرائيل) جاءت نقلاً عن ابن عباس! وكأن ابن عباس نفسه كان ‏حبراً وكاهناً عالماً بالتوراة قبل الإسلام، مع أن ابن عباس هذا كان طفلاً في العاشرة من عمره ‏عند رحيل النبي، ما يعني أنه مولود مسلم، فكيف نقل كل هذه الروايات التوراتية، هل كان ‏يقرأ اللغة السريانية؟ أو العبرية المكتوبة بها التوراة؟ وهل كان يترك الفقه الإسلامي ‏ليعتكف على أسفار التوراة؟! بالطبع لا ولكنه نقل شفاهة عن كعب، وربما نُسب إليه ‏النقل زعماً فقط من أجل صبغ المصداقية على الروايات التوراتية... وبالطبع فهذا الوضع ‏يؤكد أن هذا الكعب استطاع بجدارة أن يوجه عقول العرب ببوصلته ودون عناء، فقط ‏لأنهم لا يقرؤون مصادره واعتبروه هو المصدر ! ومن ثم صاروا يبحثون فقط في مصداقية من ‏نقل عنه !‏

قال كعب: (إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله) (كنز العمال ج 43, ص ‏‏143) ... هكذا كان كعب يلفت نظر المسلمين عن مكة المكرمة إلى الشام ويحاول ‏إقناعهم بأنها الأكثر قدسية، وهي محاولة لتقعيد أورشليم بدلاً من مكة، برغم أنه لم ‏يوضح مصدر استناده لهذه القدسية على الإطلاق، إلا أنه كان يسعى لتوطين الفكر ‏اليهودي بأن فلسطين هي قبلة اليهود ولا بد أن تكون كذلك للمسلمين، وهذا الفصل ‏سنتناوله بالتفصيل في الصفحات الأخيرة من هذا الكتاب بشأن موقع بيت المقدس وهل هو في ‏الشام أو في جزيرة العرب... ‏

وروى ابن عساكر: إن عمر بن الخطاب سأل كعب الأحبار عن سبب عدم رغبته في ‏السكن في المدينة بعد إعلان إسلامه؟ والمدينة موطن هجرة النبي وقبره ومسجده، ومقر ‏صحابته ومقر الخلافة! فقال كعب: إني وجدت في كتاب الله المنزل أن الشام كنز الله من ‏أرضه فيها كنز من عباده، وقال كذلك: أحب البلاد إلى الله الشام وأحب الشام إلى الله ‏القدس. (تاريخ دمشق ج1 , ص110, كنز العمال ج14, ص 143‏‎.‎‏) . هكذا يتغلب كعب على عقيدة ‏المسلمين وعلى القرآن ذاته حيث قال الله أن مكة هي الأرض المباركة، وهي أقدس بقاع ‏الأرض، وبها بيت الله الحرام، ونطق اسمها علماً بارزاً واضحاً.‏

إن الحبر اليهودي كعب يحدث المسلمين بالتوراة في مسجد النبي رغما عن تحذيرات النبي ‏‏(ص) للمسلمين بقوله: (لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا ‏أنفسهم)، ويقول النبي كذلك: عن جابر بن عبد الله أنه قال ( أن عمر بن الخطاب أتى النبي ‏بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب، فقرأه النبي - فغضب فقال: أمتهوكون فيها يا ابن ‏الخطاب، والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم ‏بحق فتكذِّبوا به، أو بباطل فتصدقوا به، والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه ‏إلا أن يتبعني) (مسند أحمد بن حنبل) ... فقد تنبأ بذلك النبي محمد ص عندما قال: ( لتتبعن سنن ‏من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع، حتى لو سلكوا جحر ضبٍ لسلكتموه) فقال السامعون: ‏‏(يا رسول الله اليهود والنصارى؟ فقال النبي: فمن؟ (راجع الحديث عند البخاري ومسلم) .‏

روى الدارمي عن كعب من مفترياته عن صفة النبي محمد (ص) في التوراة قال: (في ‏السطر الأول محمد رسول الله عبده المختار مولده مكة ومهاجره طيبة وملكه بالشام (راجع ‏د. إسرائيل ولفنسون في كتابه " كعب الأحبار") وقوله (ملكه بالشام) كناية عن دولة أموية تحت ‏حكم صاحبه معاوية، وكانت هذه مجاملة لمعاوية كي يزيد من كرمه لليهود، وفي ذات ‏الوقت تقديس للشام أكثر من مكة كما تنص العقيدة التوراتية المزورة. ‏

وقال كعب: إن الكعبة تسجد لبيت المقدس في كل غداة (الدر المنثور للسيوطي ج1 ص136) ‏‏! يفسر العلامة الطائي نوايا كعب فيقول: (وعلى أثر طلب الخليفة عمر من كعب البقاء في ‏المدينة ورغبة كعب في تحريف الحديث وتفسير القرآن فقد بقي في المدينة. وفي المدينة ‏أفصح كعب عن أهدافه ونواياه. فقد حث عمر على زيارة الشام وترك زيارة العراق، واستجاب ‏عمر لذلك، ثم بدأ في قص القصص في مسجد النبي (ص) وأظهر زيفاً فضل الشام وأهلها وفضل ‏قبة الصخرة والتوراة على الكعبة والقرآن. وأشار كعب إلى رغبته في الانتقام من النصارى ‏الروم الذين هجّروا اليهود (تاريخ الطبري ج4 ص 160) والذي عنده قدرة على إقناع عمر بعدم ‏زيارة العراق وحثه على زيارة الشام ومرافقة عمر في سفره، عنده القدرة أيضاً على حث عمر ‏على ترحيل اليهود إلى الشام. ولكن لماذا لم يسكن كعب في الشام قرب معاوية في بداية ‏إسلامه؟ ‏

الجواب: إن إسلام كعب الظاهري كان من أجل فلسطين، وفي سبيل تحطيم الإسلام ‏وإعلاء دين اليهود، لذا كان ناويا السكن فيها، ولكن عمر طلب منه السكن في المدينة. ‏ولما مات عمر التحق كعب بالشام فسكن فيها إلى جنب اليهود المُرحلين إليها وإلى جنب ‏معاوية كي يستزيد من المكتسبات السياسية... فتحققت غاية كعب في سكن فلسطين ‏مع اليهود وفي ظل حكومة ابن أبي سفيان ! فأصبح اليهود في ظل حكومة معاوية أسياد ‏الأرض والمالكين لها، بعد أن كانوا عمالاً في أرض خيبر يعملون بها على نصف الحاصل في ‏أرض أصبحت مملوكة للمسلمين. وحصول كعب على مكانة المشاور الديني والسياسي ‏للخليفة هو الذي دعاه للبقاء في المدينة في زمن عمر (كتاب فضائح يهود للدكتور نجاح الطائي) . ‏

ومن الواضح أن الكعب لم يكن يقصد هذا المعنى الهزلي الساذج الذي يصور الكعبة ‏تسجد لبيت المقدس، إنما كان يقصد تركيع العقيدة العربية الإسلامية للعقيدة ‏اليهودية، وذلك من خلال الهيمنة الخفية للفكر اليهودي على الفكر العربي الساذج ومن ‏ثم التوجيه بالاستشعار عن بعد، فلا تعود هناك حاجة للتدخل مرة أخرى، لأن اليهود وصل ‏بهم الدهاء إلى التفكير في غرس بذور فكرية يمكنها أن تنمو في رحم العرب وتعمر آلاف ‏السنين وتنتعش، لأن العقلية العربية عقلية أدبية سطحية طائشة، بينما سلالة بني إسرائيل ‏مختلفون في طريقة تفكيرهم عن العرب فهم يغرسون عيونهم في عمق الزمن كما المسبار ‏يصل إلى آلاف السنين في الماضي ويرى آلاف السنين في المستقبل، ويأتي بأفكار من عمق ‏الزمن الماضي ليربطها مع أفكار ستعيش في أفق الزمن المستقبلي آلاف السنين، وذلك من خلال ‏تضفير الأفكار كما المغزل، بينما العرب الجهلاء برعوا في تضفير المعاني الشعرية بأسلوب ‏سطحي ومؤقت، محوره بلاغة التصوير والتعبير والمجاز، وليس محوره العمق الفكري أو ‏الدهاء والمكر كما الإسرائيليين.‏

وهذا كله يتضح ليس فقط في ملامح الفكر العربي والفكر الإسرائيلي والتاريخ ‏العربي والتاريخ الإسرائيلي، بل في ثنايا اللغة ذاتها، لأن العقل العربي كانت لغته في ‏البداية 16 ألف جذر لغوي فقط واستطاع تطويع هذه الجذور وليها وطيها وثنيها ومطها ‏وعجنها وخبزها وتقطيعها حتى وصلت 12 مليون كلمة عربية الآن !... وهذا ما يعني بجلاء ‏أن كل إمكانات العقل العربي هذا تتركز في الفكر الأدبي السطحي المؤقت السائل ‏الطائش. وهو كان بذلك صيد سمين للعقل الإسرائيلي المغزلي المسباري، فهناك فروق شاسعة ‏ما بين تضفير الأفكار وتضفير الكلمات . فلا نجد بيتاً شعرياً في اللغة العبرية يبارع أشعار ‏ومعلقات العرب، لأن الإسرائيليين عقلية مختلفة عن العرب وليست حرفتهم الشعر وليست ‏صنعتهم البلاغة، ولا عندهم وقت يضيعونه في الشعر والبلاغة، بل إن أسلوبهم في الكتابة ‏ركيك ومتدنٍ للغاية مقارنة بالبلاغة العربية، لكن بالتأكيد لديهم ميزة منافسة وهي ‏الخبث والمكر والدهاء ... فهاتان العشيرتان من جنس واحد وقدراتهم الذهنية متكافئة ‏ومتوازية. ‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ):‏‎
https://archive.org/details/1-._20230602
https://archive.org/details/2-._20230604
https://archive.org/details/3-._20230605

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -