الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إسرائيل تستثمر الجريمة للسيطرة على فلسطينيي الداخل

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 6 / 14
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نهاد أبو غوش
في الثامن من حزيران، فُجع فلسطينيو المناطق المحتلة عام 1948 بالجريمة المروّعة التي نفذتها عصابات الإجرام المنظم في قرية يافة الناصرة قرب مدينة الناصرة عاصمة الجليل، وراح ضحيتها خمسة مواطنين بينهم أطفال، ليصل عدد ضحايا هذه الجرائم المتواصلة في صفوف فلسطينيي الداخل إلى أكثر من مئة قتيل قبل ان ينتصف العام 2023.
الجريمة أخرجت الدوائر الحكومية الصهيونية عن صمتها المعهود، لتتذكر بعد طول تجاهل وإهمال مسؤوليتها الرسمية تجاه استفحال هذه الظاهرة، فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو طلع بتصريح مُسجّل ادعى فيه أن حكومته مصممة على وقف سلسلة جرائم القتل، ليس فقط من خلال تعزيز دور الشرطة ولكن أيضا بمساعدة جهاز المخابرات الداخلية المعروف ب"الشاباك". نتنياهو كان يرد بذلك على اتهامات منتشرة بأن حكومته لا تفعل شيئا للحد من هذه الجريمة، بل إن يد "الشاباك الطويلة" مسؤولة إلى درجة كبيرة عن نشوء هذه الظاهرة وتفاقمها.
القيادات والمؤسسات العربية في الداخل تتهم السلطات الصهيونية الحاكمة بكامل المسؤولية عن ارتفاع معدلات الجريمة في الوسط العربي الفلسطيني، وقد نظمت هذه الهيئات وابرزها لجنة المتابعة العليا التي تضم جميع التشكيلات والقوى الفاعلة في صفوف فلسطينيي الداخل، عديد الفاليات الاحتجاجية ومن خلالها حمّلت الجهات الرسمية كامل المسؤولية إن بسبب تقاعس الشرطة وتغاضيها عن جرائم القتل وعصابات الإجرام، ولمعرفة الجميع أن السلاح المستخدم في هذه الجرائم يتسرب من مخازن الجيش الإسرائيلي، (وبالتالي فإن تتبعه ومعرفة أماكن وجوده هو أمر يسير مع انتشار المجسات الأليكترونية المستخدمة في تتبع الهواتف الخليوية والمركبات)، أو بسبب ضلوع الشرطة المباشر كما اعترف بذلك المراقب العام لجهاز الشرطة يعقوب شبتاي خلال جلسة تقييم مهنية عقدتها قيادة الشرطة في حزيران 2021، وكان الغرض من ذلك التقييم حينئذ فحص مدى خطورة انتشار السلاح في أوساط العرب في إسرائيل خشية انتقال هذه الأسلحة لأيدي منظمات المقاومة. السر الذي كشفه شبطاي كان معروفا للقاصي والداني حيث أقر في تلك الجلسة التي نقلت وقائعها القناة 12 العبرية، بأن معظم المسؤولين عن الجرائم الخطيرة في الوسط العربي هم من العملاء المتعاونين مع جهاز الشاباك، وأن ايدي الشرطة مكبلة في التعامل مه هؤلاء لأنهم يتمتعون بنوع من الحصانة.
وقد اعترف عضو كنيست يميني يدعى ألموغ كوهين في تصريحات بثتها مؤخرا عدد من القنوات العبرية، أن السلطات الأمنية الإسرائيلية تتغاضى عن جرائم حيازة وتوزيع المخدرات التي يقوم بها بعض المجرمين في حال قبولهم بالتجسس على المواطنين العرب وتقديم معلومات أمنية للشاباك.
سيطر تنامي ظاهرة الجريمة على اهتمامات الناس ووسائل الإعلام والنخب والأحزاب السياسية العاملة في صفوف العرب، بل استخدمت ذريعة محاربة الجريمة لتبرير انضمام قائمة الجناح الجنوبي للحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس لما أسمي حكومة التغيير برئاسة الثلاثي بينيت- لابيد- غانتس بين يونيو 2021 وحتى سبتمبر 2022، وبالطبع لم يتحقق أي إنجاز ذي معنى خلال عهد هذه الحكومة وظل مؤشر جرائم القتل في تصاعد مستمر حيث سجلت في العام 2022 مئة وتسع جرائم، ومئة وإحدى عشرة جريمة في العام 2021، ومئة جريمة في العام 2020، وثلاث وتسعون جريمة في العام 2019، وهكذا فإن استمرار الأمور على حالها يمكن أن يؤدي إلى قفزات نوعية أخرى في معدلات الجريمة.
تفكيك المجتمع لتسهيل السيطرة
وترى أوساط سياسية وأكاديمية أن دولة إسرائيل تسعى إلى تفكيك المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل لإبقائه أسيرا لتناقضاته الداخلية ولتسهيل السيطرة عليه، ومنع تطور وعي الفلسطينيين بأنفسهم كاقلية قومية، وخشية تحولهم إلى قوة مؤثرة لصالح شعبهم في معادلة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
تعددت الدراسات والأبحاث الأكاديمية المتخصصة لتتبع مشكلات تنامي الجريمة في المجتمع العربي الفلسطيني في الداخل المحتل عام 1948 والذي فرضت على مواطنيه الجنسية الإسرائيلية، ويجمع الباحثون على أن واقع التهميش والتمييز السلبي الذي يتعرض له العرب مسؤول عن تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وذلك ما يشكل بيئة خصبة للجريمة، مع ارتفاع نسب الفقر وتدني مستوى الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية. وتشير دائرة الإحصاءات الإسرائيلية إلى أن نسبة الفقر في أوساط المواطنين العرب هي ضعف مثيلتها لدى اليهود (35.8% مقابل 17.7% علما بأن هذه النسبة الأخيرة تتركز لدى الجماعات الدينية المتزمتة – الحريديم).
هذا الواقع المتردي يتمثل في غياب وتراجع المؤسسات التي تقدم الخدمات النشاطية والرياضية والترفيهية للشبيبة، وارتفاع نسب البطالة وكذلك نسب الإعالة، وزيادة المتسربين من المدارس، والاكتظاظ السكاني مع تقليص مساحات الخرائط الهيكلية للبلدات العربية، وغياب أي خطط لبناء بلدات عربية جديدة باستثناء ما يخطط لبدو النقب الذي يأتي في سياق السعي لانتزاع أراضيهم.
وعلى عكس كثير من الشائعات المنتشرة والانطباعات المضللة عن ارتفاع نسبة التعليم في الوسط العربي، فقد أظهر بحث مفصل أجراه مركز "أهارون" للسياسات الاقتصادية التابع لجامعة آيخمان بمشاركة الباحثة العربية – الشركية ماريان تحاوخو، أن 70% من الطلاب العرب لا يستكملون درساتهم الثانوية، وأن 40% منهم لا يعملون ولا يتعلمون. كما أظهرت الدراسة أن 16% فقط من العرب يلتحقون بالتعليم الجامعي، مقابل 50% من اليهود.
في مواجهة الاتهامات المتكررة من قبل المواطنين العرب وممثليهم للسلطة الاسرائيلية وأجهزتها بالمسؤولية عن الجريمة، ينحصر رد الحكومة وأجهزتها في خيارين: الأول ذو طابع عنصري تمييزي ويقوم على اعتبار الجريمة في صفوف العرب أمرا طبيعيا ناشئا عن ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم، وكثيرا ما يردد ضباط الشرطة والمسؤولون "الأمر لا يعدو كونه أن العرب يقتلون بعضهم بعضا"، ويذهب بعضهم إلى أعماق التاريخ العربي الجاهلي ليخلص أن ظواهر العنف والقتل وبخاصة ما يسمى القتل على خلفية الشرف والثأر هي ظواهر متاصلة في عقلية العربي وثقافته الصحراوية البدوية، بل إن هذه الخلاصة وردت في تقرير لجنة رسمية شكلها رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو عام 2019 برئاسة مدير مكتبه رونين بيرتس، حيث جاء في مقدمة التقرير أن هناك "من يعزو اسباب العنف والجريمة إلى العادات الثقافية للمجتمع العربي، وإلى العرف والسلوك الاجتماعي الراسخ منذ سنوات طويلة والذي يفضل التصرف بمعزل عن القانون".
يرد العرب على هذه الادعاءات بالإحصائيات والأرقام بأن معدلات الجريمة في أوساط عرب الداخل أعلى من مثيلاتها لدى مجتمعات عربية قريبة ومشابهة مثل الضفة الغربية وقطاع غزة والأردن ولبنان بأكثر من ثلاثة أضعاف، وأن ذلك لم يكن ليتم لولا السياسات الرسمية التي تكتفي بالتغاضي عن الجريمة بل تشجعها.
الخيار الإسرائيلي الثاني يقوم على المقاربة الأمنية، أي عبر نشر مزيد من نقاط الشرطة والقيام بعمليات الدهم وحملات المطاردة والتفتيش والاعتقالات الاحترازية، وتعزيز سلطة ضباط الشرطة في اعتقال المشبوهين بدون أوامر قضائية، وتشديد الرقابة الأليكترونية، وتشكيل وحداث للمستعربين، وتكثيف اشكال التجسس والتنصت على المواطنين، وتقديم حوافز للوشاة وغير ذلك من وسائل تُجمع الفعاليات العربية على أنها لن تؤدي إلا إلى مزيد من معاناة المواطنين ولن تسهم في معالجة مشكلة الجريمة.
سبق أن شهدت المدن اليهودية انتشار ظواهر الجرائم المنظمة، وحروب الشوارع والتصفيات بين أجنحة العصابات المتصارعة، وقد نجحت حكومة أرييل شارون عام 2005 في القضاء على مراكز هذه الجريمة من خلال حزمة من الإجراءات الشرطية والاجتماعية والقانونية، فكان أن انتقلت مراكز هذه العصابات ببساطة من المراكز اليهودية للمراكز العربية.
يلخص النائب السابق وأستاذ القانون يوسف جبارين المسألة بأن موضوع الجريمة لم يكن يوما على جدول أعمال الحكومات الإسرائيلية، ويقول" إذا تعرض يهودي لهجوم من عربي فلا يستغرق الأمر في الغالب سوى ساعات ليتم العثور على المهاجم، بينما في 520 حالة إطلاق نار في أم الفحم ( وهي مدينة جبارين وثاني كبريات المدن العربية في الداخل) لم يتم تقديم لوائح اتهام إلا في 6 حالات!
وسبق للمفكر العربي عزمي بشارة أن لخص تعاطي الدولة الإسرائيلية مع المواطن العربي في كتابه "من يهودية الدولة إلى شارون: دراسة في تناقض الديمقراطية الإسرائلية" الصادر عام 2005، بالقول أن العلاقة التي تربط دولة إسرائيل بالفلسطيني هي علاقة أمنية بحتة، بحيث يكون الانشغال الإسرائيلي بالعربي انشغالا أمنيا تحكمه عقيدة أمنية ترى في العربي خطرا وتهديدا دائما للدولة ووجودها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فولكسفاغن على خطى كوداك؟| الأخبار


.. هل ينجح الرئيس الأميركي القادم في إنهاء حروب العالم؟ | #بزنس




.. الإعلام الإسرائيلي يناقش الخسائر التي تكبدها الجيش خلال الحر


.. نافذة من أمريكا.. أيام قليلة قبل تحديد هوية الساكن الجديد لل




.. مواجهة قوية في قرعة ربع نهائي كأس الرابطة الإنكليزية