الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عيد ميلاد -المصري اليوم- … طيارة ورق

فاطمة ناعوت

2023 / 6 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


شمعةٌ جديدة أشعلها الزمانُ في كعكة "المصري اليوم". الشمعة التاسعة عشر من عمْر الجريدة الجميلة التي وُلِدتْ بدرًا في يونيو ٢٠٠٤، لتصير خلال سنوات قليلة دُرّةَ في تاج الصحف المصرية والعربية المستقلة. وأفخرُ أنني ضمن كوكبة رفيعة من الأساتذة كُتّاب الرأي في "المصري اليوم"، التي أعتبرُها بيتي وسكناي. 
وأقولُ اليوم كلمةَ حقٍّ يُرادُ بها حقٌّ: إن حرفًا واحدًا لم يُحذف لي في مقال كتبتُه خلال تلك السنوات الطوال منذ انضممتُ إلى فريق محرريها قبل ستة عشر عامًا. جريدة قوية لا حساباتٍ لها إلا صالحُ الوطن العزيز، وقِيَم الحق والخير والجمال والعدالة والإصلاح. جريدةٌ وطنية لا تعرف العنصريات ولا الطائفيات تفتحُ أبوابها لجميع أبناء هذا الوطن، الجميل بتنوعه وتعدد رؤاه وتباين مشاربه. هكذا كانت "المصري اليوم" منذ ميلادها، وسوف تظلُّ إلى المُنتهى، بإذن الله.  
ولا أنسى كيف بدأتُ الكتابة في “المصري اليوم”. كنتُ أجلس مع صغيري "مازن" وهو يقرأ عمودي الأسبوعي بجريدة "الوقت" البحرينية. عنوان المقال: (القطار … والطيارة الورق )، وكنتُ أقارنُ فيه بين القطار، والطيارة الورقية، من وجهة نظري. "القطارُ" يسيرُ على قضبان حديدية محددة مرسومة له سلفًا. لا يحقُّ له الخروجُ عنها. لو قرّرَ القطارُ أن يُبدعَ و"يفكرَ خارج الصندوق"، وخرج عن حدود القضبان الحديدية، سوف تحدثُ كارثةٌ وتُزهقُ أرواحٌ، ويُشبَّعُ الفضاءُ برائحة الدم. ذاك هو "قانونُ القطار" ذو النظام الجامد. أما "الطيارةُ الورقية"، فلها قانونٌ مختلف. قانونُها هو الحريةُ والانطلاقُ والألوانُ المنثورة في فضاء الكون. ليس للطيارة الورقية مسارٌ مرسومٌ سَلفًا، لتسيرَ عليه. إنما هي قصاصاتُ ورقٍ ملون وعصواتٌ نحيلةٌ مشبوكٌ في طرفها خيطٌ نهايتُه معقودةٌ في كفّ طفلة صغيرة تركضُ في الحدائق أو على رمال الشاطئ؛ فتحلّقُ الطيارةُ فوق الزهور وعلى رؤوس الأمواج، تطيرُ وتُحلِّق وترقصُ ما شاء لها الرقصُ والتحليق. قانونُ الطيارة الورقية دائمًا غيرُ متوقّع ومن خارج الصندوق. إبداعُها مرهونٌ بتحرّرها من قيود قضبان الحديد. لكنها في نهاية الأمر تحترمُ قانونَ الطفلة التي تمسكُ بمقودها. حريتُها غيرُ مطلقة، لأن الحريةَ المطلقةَ عبثٌ وعدمية وضياعٌ وفوضى. 
سألتُ ابني الصغير: (أيهما تُفضّلُ، القطار ... أم الطيارة الورق؟ تحب تكون قطر واللا طيارة ورق يا مازن؟) كان شاردًا يفكّر، وقال: (المقال جميل قوي يا ماما. بس خسارة مش منشور في مصر! ليه مش بتكتبي في مصر؟! ) ابتسمتُ وقبل أن أجيب، رنَّ هاتفي. وفوجئت بالمتحدث يقول: “أنا مجدي الجلاد، رئيس تحرير المصري اليوم، عاوزينك تكتبي معانا. نوعية المقالات اللي بتكتبيها في "الوقت" البحرينية ناقصانا في الجريدة بتاعتنا.” كان ذلك عام ٢٠٠٧. ومن يومها وحتى اليوم، أتشرّفُ بكتابة مقالين أسبوعيًّا يومي: الإثنين والخميس. 
وأشهدُ أن "المصري اليوم" كانت دائما "الطيارة الورقية" التي تُحلّق  طوال الوقت بعيدًا عن القضبان الجامدة، ولكن، في حرية مسؤولة تبني ولا تهدم. تنطلقُ من صالح الوطن، وتنتهي عند صالح الوطن. لم  تجامل، ولم تتطاول. السياسة التحريرية في بلاط "المصري اليوم" واضحةٌ وحاسمة وقاطعة، على تبدّل رؤساء تحريرها: “اِنتقدْ، ولا تتطاول". “عارضْ بتحضّر، ولا تسِفّ بالقول ولا تتدنَّ بالحديث.” وهذا نهجي منذ بدأتُ الكتابة؛ فأنا ابنةُ نجيبة لآبائي الروحيين: "طه حسين، زكي نجيب محمود، محمود أمين العالم، رجاء النقاش" وغيرهم ممن تكوّن وعيي على حروفهم. وكأنما "وافقَ شِنٌّ طبقَه”. فلسفة جريدتي الحبيبة "المصري اليوم" هي أن ننتقد الخطأ المجتمعي في رقيّ وتحضر، دون شخصنة ولا تجريح، منذ رئيس تحريرها الأول "مجدي مهنى"، وحتى رئيس تحريرها الحالي د."عبد اللطيف المناوي" مرورًا بعديد رؤساء التحرير الأكفاء. 
ابتكرتِ "المصري اليوم" حقلا تُدوّنُ فيه أحلامَ المصريين الجميلة "المؤجلة" في زاوية: "خبر غير صحيح"، انتظارًا لأن يغدو صحيحًا يومًا ما. تستقصي الأخبارَ بالدليل من مصادرَ موثوقة، ولا تسعى للفرقعات المفبركة التي تفتقرُ إلى دليل. لكل هذه الأسباب وغيرها، يعتزُّ ويفخرُ كلُّ من يكتبُ أو كتب فيها، بأن له مِدادًا وقلمًا على أوراق هذه الصحيفة. في "منتدى المصري اليوم الاقتصادي الأول" العام الماضي، تم الإعلان عن عودة "صالون المصري اليوم" الذي دشّنه  الأديب "محمد سلماوي" قبل سنوات، وتوقف بسبب الجائحة. وكلنا شغفٌ لإحياء ظاهرة الصالونات الفكرية التي شكّلت وعي المصريين حتى منتصف القرن الماضي، وبغيابها اضمحلتِ الثقافة وضاع صوتُ الفكر وسط ضجيج الشارع. 
اليومَ، كُبر ابني "مازن" ابني، وصار مهندسًا معماريًّا موهوبًا، واحتفلنا قبل أيام بمناقشته رسالة الماجستير في كلية الهندس جامعة القاهرة حول تأثير الألوان على سيكولوجية الطلاب في الأبنية التعليمية. واختار أن يكون "طيارة ورق". كل سنة و"المصري اليوم" "طيارة ورق" ملونة وحرّة في سماء الصحافة. 
 








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah