الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كم تكلف ماليزيا ؟ كم تكلفنا جميعا كعرب؟

أمنية طلعت

2006 / 10 / 31
المجتمع المدني


عندما اتخذت قرارا بزيارة دولة ماليزيا في إجازة العيد لم أضع في حسباني سوى أنني سأزور بلدا جديدة من بلاد العالم أستمتع بمعالمها السياحية والأثرية، لم أتخيل أبدا أنني سأذهب في زيارة تعليمية. ولا أقصد بكلمة تعليمية هنا الالتحاق بأكاديمية ودراسة كورس علمي ولكن أقصد أنني تعلمت أخلاق لم يكن في حسباني أنني سأتعلمها.
ربما تعودنا أن نتعلم من أساتذة كبار ورجال دين وغيره من قطاع رجال العلم والمعرفة ولكننا لم نتعود أن نتعلم دروسا هامة في حياتنا من أشخاص ربما لم يتلقوا الكثير من العلم في المدارس والجامعات، وربما هم أنفسهم لم يقصدوا أن يقدموا درسا أخلاقيا لأحد، هم فقط يعبرون عما هو كامن في أعماق أنفسهم ومؤمنين تمام الإيمان به.
ماليزيا بلد آثرة بكل ما فيها، بشعبها البسيط الذي يكاد أن يكون أكثر بساطة من شعوبنا العربية، وعفوي أكثر منا ومحب لدينه ومنتمي له بشكل حقيقي لا يحتوي على الكثير من المظاهر التي نعشق الالتصاق بها دون أن نبحث عن ما هو داخلنا ويخرج ببساطة في تصرفاتنا، لن أتحدث عن ما رأيته هناك من أماكن سياحية وآثار فهناك كثيرون كتبوا عنها، ولن أتحدث عن الطفرة الاقتصادية الهائلة التي حققوها في زمن قياسي لم نستطع نحن في ضعفه أن نحقق نصفه، لن أتحدث عن التسامح الديني بين طوائف ماليزيا التي تكاد تجمع كل ديانات الأرض، الإسلام والمسيحية واليهودية والهندوسية والبوزية، وعن تكاتف الجميع من أجل الصالح العام وتعاونهم وحبهم لبعضهم البعض رغم انتمائهم لثلاثة أعراق هي المالية والصينية والهندية ...لن أتحدث عن شئ من هذا ولكني سأقص عليكم قصة واحدة يتلخص فيها السبب الرئيسي وراء نهضة ماليزيا (كما اعتقدت)التي كانت منذ خمسة وعشرين عاما مضت فقط دولة فقيرة ومعدمة ومتخلفة علميا واقتصاديا عن بلادنا.
القصة تتلخص في الآتي ... أثناء زيارتنا لجزيرة لانكاوي اصطحبت ابني وابنتي لمزرعة صغيرة للأرانب، يقوم الأطفال والكبار فيها بالتمتع بصحبة الأرانب وإطعامها بحبوب مخصصة نشتريها من المزارع الذي يرعى الحديقة وأرانبها، اشتريت كيسين من هذا الطعام لطفلي وأخذا يطعمان الأرانب في سعادة غامرة، بينما استغرقت أنا في مشاهدة الطبيعة الخلابة من حولي ولم أهتم كثيرا بإطعام الأرانب لأنني أكاد أكون قد أمضيت طفولتي كلها وسط حيوانات المزارع في بلدتي الفشن التابعة لمحافظة بني سويف بمصر، بعد فترة فوجئت بهذا المزارع قادما نحوي يحمل في يده بعض من أوراق الشجر، وفي أدب شديد قال لي ( مدام ابنتك قطعت هذه الأوراق من الشجرة لإطعام الأرانب، هل تعلمين كم تكلف هذه الشجرة ماليزيا لزراعتها؟) بالطبع أخذني السؤال ولم أدر ما الذي يجب أن أقوله فما قلت سوى (كم؟) فقال لي (إنها تكلف ماليزيا 3500 رينجت) والرينجت هو عملة ماليزيا، لم يكن في وسعي سوى الاعتذار وأخبرته لما وجدته فيه من أدب واحترام أن أسأله إن كان هناك غرامة يجب أن أدفعها فقال بأدب أيضا (لا إنها طفلة صغيرة ولذلك أخبرتك أنت حتى تعلميها) ... يا الله ! ..بسرعة شديدة عقدت مقارنة في رأسي بين موقف هذا المزارع البسيط الذي يرعى بضع أشجار وحشائش وأرانب وبين ما يمكن أن يحدث من واحد في نفس مركزه، مزارع من مصر مثلا يحرس حديقة ..بداية لن يكون على علم بتكلفة الشجرة، ثانيا لن يهتم إن قطع أحد الأطفال أوراقها، ثالثا إن اهتم فهو سينهر الطفل بأسلوب فظ ومهين ولن يفكر لحظة في البحث عن الأب والأم ليحدثهما بشأن ما فعله الطفل، وإن بحث عن الوالدين لن يتحدث معهم بهذا الأدب والمنطق في الكلام، رابعا وهو الأهم لن يتذكر مصر أبدا في كل الموضوع ولن يعتقد للحظة أن خسارة شجرة على أرض مصرية تعني خسارة لمصر وشعبها كله بالطبع.
من علم هذا البستاني كل هذه الحكمة، من زرع في قلبه كل هذا العشق لماليزيا وممتلكاتها، ومن دربه على هذا التحمل الشديد للمسئولية رغم أنه كما جميعنا يؤمن في بلادنا (حتة جنايني لا راح ولا جه) ...أين الخطأ عندنا كي نكون جميعا بداية من أقل مهنة إلى أهم مهنة نحمل كل هذا التسيب واللا انتماء واللا منطق والللاعلم واللا حب لبلادنا؟ ...إن ما قام به هذا البستاني جعلني أتساءل (هل تدهور أوضاعنا الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والثقافية سببها فعلا كما دأبنا على القول هو وجود مؤامرة غربية علينا تحاول تقويد أي محاولة للإصلاح؟ أم أنه بكل بساطة العيب فينا؟
إن مهاتير محمد لم يكن ليستطع أن يبني نهضة ماليزيا الحديثة بدون أن يكون لديه شعب مثل هذا البستاني البسيط ..واللهي إنه لم يكن بقادر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. العربية ويكند | الأمم المتحدة تنشر نصائح للحماية من المتحرشي


.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو




.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع


.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة




.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون