الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فقرٌ وموتٌ… وتنمّر: الحرب ضد الشياطين - جزء 1 (مقدمة)

هاني عضاضة

2023 / 6 / 16
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفرد المتنمر، هو مجرد قطٍ صغير، يفتقر إلى الشعور بالأمان ويحاول الظهور بمظهر الأسد.

أما المجموعات المتنمرة، فهي كقطعانٍ من الضباع. كل ضبعٍ بمفرده يبحث عن فريسةٍ أصغر منه حجمًا وقوةً كي ينقض عليها. ولكن عندما تلتحم الضباع في مجموعات تختار فريسةً أكبر حجمًا. ويمكن للضباع المرقّطة تحديدًا أن تشكّل قبيلةً وليس مجرد قطيعٍ صغير، قبيلة تصل في العدد إلى رقم الـ 100. وفي تلك القبيلة نشهد تسلسلًا هرميًا اجتماعيًا، تخضع فيه الضباع الأصغر والأضعف لنظيرتها الأكبر حجمًا وقوة، من دون اعتراض أو مقاومة، ليبدأ عندئذ العمل الجماعي للانقضاض على فرائس أكثر أو أكبر حجمًا، وعندما ينتهي "الصيد"، يعود الضباع إلى العيش فرادى، أو في مجموعاتٍ أصغر بكثير، قبل إعادة التجمع مجددًا، وهكذا دواليك.

أعلم بالطبع أن المقارنة بين سلوك المجموعات المتنمرة وقطعان الضباع، مجحفٌ بحق حيوانات لا خيار لديها سوى اتباع غرائزها الطبيعية، وهي لا تسعى، في أي لحظة من اللحظات، عن سابق تصورٍ وتصميم، للهجوم على الإنسان الذي تخاف منه، إلا في حالة الشعور بالخطر الشديد، أو تعرضها للمحاصرة حيث لا تستطيع الهروب أو تفادي الأخطار المحتملة. المقارنة هنا ليست بين ضباعٍ ومتنمرين، بل بين بنيتين اجتماعيتين واضحتين في تشابههما.

عادةً ما يكون لأي مجموعة من المتنمرين، مهما بلغت في العدد، قائدًا أو قائدةً أو مجموعة من القادة، يُشرِعون شخصيًا في التنمّر (التنمر الجماعي! ولنا في هذه النقطة بالذات، وفي التمييز بين تنمر الأفراد ضد أفراد آخرين وبين الهجمات الجماعية على أفراد لا حول لهم ولا قوة، ولا هم بشخصيات عامة تخضع إلى نفس الأساليب من التدقيق والمساءلة أو "التوبيخ"، صولات وجولات في مقالات لاحقة)، ويحدّدون في الخطوة الأولى الأسلوب الذي يجب أن يعتمده المتنمرون الأقل رتبةً في التسلسل الهرمي الذي يتشكل تلقائيًا دون الحاجة إلى أي تخطيطٍ أو تفكير. وكما في قبيلة الضباع المرقّطة، حيث يخاف الضباع الأقل حجمًا وقوة من الضباع الأكبر، فعلاقات القوة تلك تتماثل مع أي مجموعة من المتنمرين، حيث يخاف المتنمرون الأصغر قادة المجموعة الذين هم أكثر عدوانية أو قدرةً على التلاعب والهيمنة، فلا يشككون في سلوكهم وقراراتهم مهما بلغت من السوء، ويوافقون على كل سلوك جماعي تمارسه المجموعة بشكلٍ تلقائي. حتى في حالة الرفض في سرّه، فإن المتنمّر الصغير يهاب التعبير عن اعتراضه، متجنبًا "الانتقام" الحتمي. وفي الكثير من الأحيان يحاول المتنمرّون الصغار إثبات وجودهم وجدواهم عبر اختيار أو اكتشاف فرائس جديدة بأنفسهم يسعدون بإيذائها.

أقوم بكتابة هذه المقدمة الصغيرة اليوم تأكيدًا على الإصرار على المواجهة ضد مجموعات، بل مجتمعٍ من المتنمرين، ممن يتلطّون خلف أساليب معينة من الكوميديا أو التعبير على وسائل التواصل الاجتماعي تحديدًا، كالفكاهة السوداء، على سبيل المثال لا الحصر، لتمرير رسائل سامّة وأذية متعمدة، لا تمتّ للكوميديا السوداء ولا لغيرها بصلة. وهذه المقدمة ستكون افتتاحية لسلسلة طويلة من المقالات القصيرة (حتى لا تُهمل قراءتها من قبل من يودّون القراءة) سأنشرها تباعًا، وسأحاول فيها التذكير بماهية التنمر ولماذا تم تجريمه، والتمييز بين التنمر والسخرية، والتنمر والكوميديا السوداء (والـ shitposting)، والتنمر والتنمر الجماعي، كما تحديد الجذور الحقيقية لعوامل تشكّل تلك المجموعات، أو قل "مجتمع المتنمرين"، والآثار التي تنتج عن هذه العملية، وعلى وجه التحديد في السياسة، لأن المسألة برمّتها، ومنذ البدء، سياسية. بالإضافة إلى توضيح وظائفها الفعلية "اللامرئية"، والتي لا يمكن تفسيرها بغير تحليلٍ بالغ الدقة، فحتى المتنمّرون أنفسهم، يخضعون لتلك الوظائف من دون فهمٍ لها، وتلك الوظائف ليست "أخلاقية" سوى بالمعنى السياسي للكلمة، وهنا سأتحدث أيضًا عن "الشرطة الأخلاقية" الفعلية وكيف تُفرَض الرقابة الذاتية على المجتمع والأفراد، و"شرطة الأخلاق" شعارٌ لا يتردّد في التكرار المملّ والببغائي له حفنة من المتنمّرين كلما شعروا بأنهم محاطون وعاجزون عن الحركة والمناورة. سأكتب بعد مراقبةٍ طالت لسنوات، حيث أتيح لي التفكير بالعديد من الأسئلة، سواء عبر التجارب التنظيمية التي خضتها - ولا أزال -، أو عبر التصفح اليومي لمواقع التواصل الاجتماعي، أو القراءة، أو مشاهدة البلد الذي أعيش فيه، لبنان، يتعرّض لانهيار شاملٍ متكامل على جميع الصعد ومن دون قدرةٍ على رسم حدود الحضيض الذي يمكن أن يصل إليه. وأعلن قبل الانتهاء من كتابة هذه الافتتاحية، بأنني سأكتب بصفتي كائنًا منزوع العاطفة. لن أكتب حقدًا على أحد ولا حبًا بغيره، حتى ولو كانت المواجهة الفعلية قد بدأت من خلال الاحتكاك المباشر – والمتعمّد أيضًا – بعدة أفرادٍ من ذلك "المجتمع"، وقد تعمّدت الاستهداف "العنيف" بسلوك "شوارعي" لمن هم في بلاد "الاغتراب" التي لجأوا إليها، هاربين من جحيمٍ لا يزالون يشاركون في تأجيج نيرانه، عبر تسميمهم أرواح وعقول من لم يتمكّنوا من الهرب، بدل تخفيف وطأة ما يحصل عن كاهلهم. فليس كل متنمرٍ في دوافعه سواء، وليس كل متنمّر في العزم على إحداث الأذية متساويًا، ولو أنهم في النهاية يحدثون القدر نفسه من الضرر. وأولئك المتنمّرون الذين لجأوا إلى بلدانٍ أوروبية "متقدّمة" حيث يحصلون على قدرٍ لا نحلم به هنا من التقدير للكرامة والحياة الإنسانية مهما بلغ من التفاهة في نظرهم، يتفننون في اختيار ضحايا تنمرّهم الجماعي اليومية، من قلب الجحيم اللبناني، وعادةً ما يكون ضحاياهم طلابًا أو عمالًا أو أشخاصًا يعبّرون عن فقدان أملهم في أي مستقبلٍ مختلف، أو أشخاصًا يعبّرون عن آمالٍ صارت "مبتذلة" في نظر المتنمّرين. إنهم أعداء مطلقون. أعداء لا حياد ولا مساومة ولا مشاعر ولا تعاطف معهم بأي شكلٍ من الأشكال. ولكني ها قد خلعتُ ثوبَ البلطجي الذي قررت ارتداءه بكامل إرادتي في لحظة محددة، للغوص في وحول مجموعات المتنمرين على مواقع التواصل الاجتماعي حتى أتمكن من تحديد خطوط التماس وقواعد الاشتباك معهم كما أريد تمامًا، والآن قد حان وقت الغوص في مكانٍ أتمكّن فيه من تحديد أدوات تفكيك "مجتمعهم" السقيم، وفي أسوأ الحالات، تحجيمه وتقزيمه وإعادته إلى ما كان عليه قبل سنوات قليلة فقط، حيث لم تكن في ذلك الحين حرية التعبير والرأي في خطرٍ أكثر مما كانت عليه اليوم - خاصة في ظل الهجمة على حريات النقابيين، وبالأخص المحامين منهم -، في حين أن تلك المجموعات تنادي بحرية التنمّر حصرًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -أسلحة الناتو أصبحت خردة-.. معرض روسي لـ-غنائم- حرب أوكرانيا


.. تهجير الفلسطينيين.. حلم إسرائيلي لا يتوقف وهاجس فلسطيني وعرب




.. زيارة بلينكن لإسرائيل تفشل في تغيير موقف نتنياهو حيال رفح |


.. مصدر فلسطيني يكشف.. ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق ل




.. الحوثيون يوجهون رسالة للسعودية بشأن -التباطؤ- في مسار التفاو