الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في تحولات أنماط التدين

عزالدين عفوس

2023 / 6 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في كتاب له بعنوان: "الدين والإعلام في سوسيولوجيا التحولات الدينية" توصل الباحث رشيد جرموني إلى النتائج التالية:
_إننا نعيش في عصر تم فيه نزع القداسة عن المؤسسات الدينية الرسمية وغير الرسمية؛
_تم تجاوز الإسلام السياسي إلى أشكال أخرى من التدين تتماشى مع متطلبات السوق وتركز على الاخلاق والقيم الناعمة "السائلة"؛
_ظهور نمط التدين الفردي، حيث تم الانتقال من المطلق الذي تمثله الجماعة والقبيلة والثوابت العامة المتفق حولها، إلى النسبي والمتغير الذي يستجيب لمتطلبات العصر وتغيرات المجتمع وما تريده السوق؛

يمكن تفسير النتائج التي توصل إليها الباحث بشكل مقتضب من خلال النقط التالية:
1- عودة التدين الفردي: في اعتقادي يجب ربطه بالسياق العام الذي يعيشه مجتمعنا والعالم بصفة عامة، والمتمثل في النزعة الفردية التي قامت عليها الحداثة، وتشجيعها من قبل النيولبرالية لتنفرد بالأفراد، وبالتالي سهولة استغلالهم وتشييئهم، و"تسييل" قيمهم بما يتماشى مع قيم السوق، القائمة على الاستهلاك والخضوع للمؤسسات..
2_ تجاوز الإسلام السياسي أي الحركات الإسلامية و السلفيات، وكل تلك المؤسسات والتنظيمات، وظهور أخرى :
إن هذه الأشكال من التنظيمات الإسلامية ظهرت مع الحداثة، فهي خاضعة لمنطق الحداثة، ومتقاطعة مع الحداثة في كثير من الأمور (أهمها النسبية، والسيولة، والتفكيك) فهي أداة استعملتها الحداثة لاجتياح المنطقة التي كانت تسيطر عليها الشريعة، بعد تفكيك "مؤسسات" الإسلام التقليدية (هنا المؤسسات ليس بمعناها الحداثي)، وهذا التفكيك ساهمت فيه تلك التنظيمات الإسلامية التي حاولت تجاوز كل القواعد والضوابط و"المؤسسات" الإسلامية التي وجدت منذ القرن الثاني الهجري، بل وقبله، و كان هدفها محاولة إيجاد توافق مع الحداثة والدولة الحداثية ومؤسساتها، فكانت الغاية إما "أسلمة الحداثة" أو"تحديث الإسلام" ، وكلاهما فشل فشلا ذريعا، لأن أصول الحداثة متعارضة مع أصول الشريعة، فلا يمكن الجمع بينهما، والنتيجة هي ما رأيناه من المنتجات المسخة التي لا ملامح لها،
ما جعل الشباب التابع لهذه التنظيمات الهلامية يفقد الثقة في خطاباتها، فهي لم تف بوعودها له منذ قرن وكيف من الزمن، ولا يجد فيها غير التلون والسيولة.
3_ القول في الإعلام "الإسلامي" مثل القول في التنظيمات الإسلامية، ذلك أنها تسيطر عليه سيطرة شبه مطلقة.
4_ الفتوى الصادرة عن هذه التنظيمات وشيوخها، يغلب عليها طابع التشدد أو الميوعة أو التسرع في أحسن الأحوال، لأنها لا تخضع لقوانين وضوابط وأخلاقيات وأعراف "مؤسسات" الإسلام التي حمت الشريعة لقرون وقرون، (وأخص هنا الفقه المذهبي، وعلم الكلام، والأصول، والفتوى...)، فتكون فتوى شاذة ولا تبالي بالمآلات ولا تراعي أحوال المجتمع العامة، وتخلق الصراع والتفرقة فيه، هذه التفرقة والتفريخ الذي يولد مزيدا من التنظيمات والجماعات والطوائف التي لا تكاد تهتدي لضابط يضبطها، ولا أصل تابث لها، تنتج فقط التشدد والتطرف والتفكيك الذي طال حتى المؤسسات الحداثية التي اعتقد في وقت معين أنها ستكون عوضا عن مؤسسات الإسلام التقليدية.
كما لابد من إدراك أهم فرق بين النوعين من المؤسسات، ف"المؤسسات" التقليدية تتمحور حول الجماعة، ولها هدف متعال يتجاوز الفرد ويتغيى الحفاظ عليه وسط الجماعة، في حين أن المؤسسات الحداثية تمثل سلطة الدولة، وتتمحور حول الفرد بهدف تحقيق مصالحه وحقوقه التي يمنحها له القانون الوضعي.
هذا في نظري هو تفسير ما توصل إليه الباحث من نزوع نحو التدين الفردي وتجاوز الإسلام السياسي (الحداثي) ومؤسساته (التي في نهاية المطاف هي مؤسسات حداثية)، وأرى أن هناك رجوعا للإسلام التقليدي وإعادة بناء مؤسساته (الفقه المذهبي، الأصول ، علم الكلام، الفتوى ...) ولو جزئيا، لأن عودة مؤسسات كهذه ستصطدم مع الدولة الحداثية ومؤسساتها، ولا يمكن الجمع بينهما، فلا أدري كيف سيكون الأمر؟
فإذا كانت الحداثة من قبل أعملت آلية التفكيك في كل التنظيمات "ما قبل الدولة الحداثية" ، وآل الأمر إلى كثير من الفوضى، فما الذي تخبئه لنا مابعد الحداثة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط


.. 102-Al-Baqarah




.. 103-Al-Baqarah