الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تاريخ فرنسا 31 – شارل العاشر ولويس فيليب

محمد زكريا توفيق

2023 / 6 / 17
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الفصل الثالث والأربعون

شارل العاشر، 1824-1830


كان شارل العاشر، كونت أرتوا الشاب قبل الثورة، مليئا بالحيوية والنشاط. وكان يلعب مع زوجة أخيه، ماري أنطوانيت، في تلك الأيام المشرقة السعيدة.

بعد قيام الثورة ونفيه وتجواله، بات في شيخوخته متدينا جدا. لكن تنقصه الحكمة. لأنه كان يأخذ تعليماته من البابا وعدد قليل من رجال الدين، الذين كانوا يبغون عودة الأمور إلى سابق عهدها قبل الثورة.

كان الأمر نفسه بالنسبة للدولة. فالوزراء كانوا يحاولون استعادة القوة القديمة للتاج. مما جعل الشعب ساخطا، بالرغم من تحقيق انتصاريين كبير لفرنسا في ذلك الوقت.

الأول في عام 1828، تم نيابة عن الإغريق، الذين كانوا يحاولون التخلص من نير حكم الأتراك منذ فترة طويلة. عندما انضمت أساطيل فرنسا وبروسيا وإنجلترا، لهزيمة الأتراك وأسطول محمد على باشا في معركة نفارين. بعد ذلك، تمكنت اليونان من أن تصبح دولة مستقلة.

الانتصار الآخر، تم في عام 1830، بعد أن اتحد الأسطول الفرنسي مع الأسطول الإنجليزي، لتطهير البحر الأبيض المتوسط من القراصنة.

الذين يأتون من الموانئ الأفريقية، ليهاجموا السفن التجارية، ويستولون على البضائع، ويأسرون الطاقم والركاب، لبيعهم في سوق النخاسة. فلم تكن سواحل فرنسا وإسبانيا وإيطاليا آمنة في ذلك الوقت.

لكن لم يكن أحد سعيدا بهذه الانتصارات، لأن أفعال الملك ووزرائه قد أغضبت العامة. كما أن الصحف كانت تبين أخطاءهم، وتتهمهم بكل أنواع الأخطاء والموبقات.

لذلك، في 26 يوليو1830 ، أصدر الملك مرسوما يضع حدا لحرية الصحافة، وإحكام الرقابة الحكومية. كما صدرت بعض القوانين الأخرى، التي أضرت بالناس وأشاعت الخوف العام بين الأفراد.

كل واحد كان يتوسل للملك كي يغير رأيه، ويقوم بسحب تلك المراسيم والقوانين الجائرة. لكنه اعتقد أن إظهار الضعف والامتثال لرغبات الجماهير، هي سمة دمرت شقيقه لويس السادس عشر، وأرسلته للمقصلة.

لا أحد أمكنه إقناعه بتغيير رأيه، برفع الرقابة، وإفساح المجال لحرية التعبير، إلى أن فات الأوان، واندلع القتال في جميع أنحاء باريس، وهزيمة قواته على أيدي الحرس الوطني، فيما يسمى بأيام يوليو الثلاثة.

ثم وافق شارل أخيرا مجبرا. لكن الناس لم تكن راضية، بل كانت مصرة على إزاحته. فاضطر لمغادرة فرنسا مرة أخرى. آخذا معه ابنه وولي العهد، وزوجة ابنه، وحفيده، هنري الصغير. ذهبوا جميعا إلى اسكتلندا، ثم انتقلوا إلى إيطاليا ثم ألمانيا.

بعد وفاته، تم تنصيب حفيده، هنري الخامس، كما كان يلقب دائما، كأحد الملوك الحقيقيين لفرنسا.

ماركيز دي لافاييت، كان واحدا من أوائل المحركين للثورة القديمة، الذين عاشوا وساعدوا في ثورة1830 ، ضد شارل العاشر، والتي كانت أقل دموية وإيذاء بكثير من الثورة الأم.

بعض الفرنسيين أرادوا تطبيق النظام الجمهوري في الحكم مثل الولايات المتحدة. لكن الغالبية كانت ترغب في تجربة الملكية المحدودة، مثل ملكية إنجلترا. أي، ملك على رأس الدولة، لكنه لا يستطيع فعل أي شيء دون موافقة ممثلي الشعب.

فقرر الفرنسيون أن يضعوا على رأس السلطة، دوق أورليانز. وهو من دم بوربون ملكي، لأنه ينحدر من سلالة شقيق لويس الرابع عشر. وقريب الوصي الشرير لطفولة لويس الخامس عشر.

بعد هذين الدوقين، كان هناك اثنان آخران، لم يلاحظهما الكثيرون، ولكن الدوق الخامس، كان شديدا بالنسبة لقضية الثورة. فقام بالتخلي عن لقبه ك"دوق أورليانز"، وأطلق على نفسه اسم المواطن فيليب إجاليت، ويعني المساواة.

وكان قد صوت بالموافقة على إعدام لويس السادس عشر. ولكن، في عهد الإرهاب، كل من ثبت أنه من طبقة النبلاء أو الأكابر، كان يرسل للمقصلة، فتم إعدامه هو أيضا.

كان ابنه الأكبر، هو لويس فيليب. نشأ في رعاية مربية ذكية جدا، السيدة دي جينليس، التي كتبت "حكايات القلعة"، والعديد من كتب أخرى للأطفال.

قامت بتعليمه وتهذيبه بالعديد من العادات المفيدة، التي جعلته فوق كل الأمراء. خدم في الجيش الفرنسي، إلى أن تم سجن والده ووالدته وإخوته الأصغر سنا. فاضطر للعمل كمدرس لكسب عيشه.

بعد ذلك جاء إلى إنجلترا، حيث انضم إليه أخويه. لكن، مات كلاهما، واحد في إنجلترا، والآخر في مالطا. بعد ذلك سافر إلى أمريكا، وهناك، عندما سقط بشكل سيء من عربته في مستوطنة معزولة، قام بعلاج نفسه ببراعة، لدرجة أن توسل إليه الناس كي يبقى ويكون طبيبهم.

ثم ذهب إلى فرنسا، مع زوجته ماري أميلي، ابنة ملك نابولي، وأخته أديلايد، كل منهما امرأة جيدة وذكية. أحضرا عائلتيهما الكبيرتان إلى القصر الملكي. وكانوا أناس طيبين وعقلانيين.

عندما هرب شارل العاشر، وافق قادة الأمة جميعا على منح التاج لدوق أورليانز. الملك الآن لا يحكم بالوراثة، كما هو الحال في العهود السابقة.

فهو لم يعد الآن ملك فرنسا، وإنما ملك الفرنسيين. ولم يعد اسمه، لويس التاسع عشر، وإنما "لويس فيليب الأول". وابنه الأكبر، لم يعد يحمل لقب "دوفين"، أي وريث التاج، ولكن دوق أورليانز. وكانت سلطته مقيدة من قبل الحكومة والنواب، مثل ملك إنجلترا. هذه هي ثورة الثلاثة أيام من يوليو 1830.


الفصل الرابع والأربعون

لويس فيليب، 1830-1848.


بدأ عهد لويس فيليب مزدهرا. كان يدعى الملك المواطن، واستخدم العلم ثلاثي الألوان للثورة الفرنسية، بدلا من علم البوربون القديم، لإظهار أنه يحكم، ليس باعتباره ابن العائلة المالكة، ولكن باختيار الشعب.

كان هناك مجلس الأعيان، وآخر مجلس النواب، ونظام الحكم دستوري مع ملكية محدودة.

بذل جهد كبير لإرضاء الناس، وجعل بلده مزدهرة. أنشأ السكك الحديدية والقوارب البخارية. وبدأت الصناعة تزدهر. بالأخص، نسج الحرير في ليون.

بالرغم من أن الفرنسيين لم يقيموا صناعات ثقيلة وهامة مثل الإنجليز، إلا أنهم كانوا يهتمون بالذوق الرفيع والرقة والزخرفة، وكل ما هو مبهج وجميل. وأضحت باريس مركزا لموضة الأثاث والملابس الفاخرة في العالم كله.

فقدت فرنسا تقريبا جميع مستعمراتها، منذ زمن لويس الرابع عشر، في الحروب. واعتقد لويس فيليب أنه يستطيع استرجاعها من جديد. فأعاد ترتيب البحرية، وبدأ باستعمار الجزائر.

لكنه تسبب في حرب طويلة وشرسة مع عرب شمال أفريقيا، استمرت طوال عهده تقريبا. فما أن يتم الاستيلاء على قطعة أرض، يقوم الجزائريون أثناء الليل بالهجوم وحرق كل شيء عليها، وقتل الجنود الفرنسيين، الذين كانوا يفرون إلى الحصون على الحدود. فالجزائريون كانوا شجعانا، يقودهم الأمير عبد القادر الجزائري.

لقد كان عبد القادر يحارب على جبهتين في آن واحد. من جهة كان يحارب فرنسا، ومن جهة كان يحارب القبائل المتمردة ضده.

لكن، بعد سنوات من القتال والخيانة في نهاية الأمر، اضطر عبد القادر إلى تسليم نفسه سجينا عام 1848، فتم نقله إلى فرنسا. حدث ذلك بالقرب من نهاية عهد لويس فيليب.

حاول الفرنسيون أيضا إقامة مستوطنات في جزر المحيط الهادئ، ولا سيما كاليدونيا الجديدة، وجزيرة تاهيتي. ولم يكونوا موضع ترحيب على الإطلاق في الأخير، لأن الملكة الأصلية، بوماري، التي تم تعليمها عن طريق الإنجليز، لم تكن ترغب في الحماية الفرنسية، أو التعاليم الكاثوليكية.

إلا أن الفرنسيين كانوا هم الأقوى، فقاموا بالسيطرة على الجزيرة، بالرغم من أن أهلها كانوا يدعون أنهم لايزالون تحت سلطة حكومتهم الخاصة.

بذل لويس فيليب قصارى جهده للحفاظ على الروح العالية للباريسيين، وكان يعلم أنه لا يستطيع أن يحكم إلا برضاهم. لقد تم نسيان بؤس الحروب القديمة. الفرنسيون الآن لا يتذكرون سوى انتصارات نابليون، فهو في نظرهم بطل الأبطال.

لذلك طالب لويس الإنجليز بالسماح له بإحضار جثة الامبراطور الراحل نابليون إلى فرنسا من جزيرة سانت هيلانة. ودفنها في كنيسة انفالديز.

تم إحضار الجثة إلى باريس في موكب جنائزي، سار خلفه لويس فيليب وأبنائه. وتم تجهيز مدفن رائع بالرخام، لدفن عائلة بونابرت. فقد مات ابن نابليون الصغير، لكن شقيقه لويس، كان قد ترك ابنا، يعيش في المنفى في إنجلترا أو ألمانيا.

لم يستطع لويس فيليب محو قدر كبير من العداء بين المؤيدين لبونابارت من ناحية، والذين ينادون بالجمهورية من ناحية أخرى. الانتعاش التجاري، جعل الأثرياء يفخرون بثرائهم، والفقراء يشعرون بمرارة تفاوت الطبقات.

العمال بدأوا ينادون بالمساواة في الممتلكات. وكانوا يستخدمون اللون الأحمر فقط، بدلا من الألوان الثلاثة للثورة لشاراتهم.

مؤامرة فظيعة قام بها بعض البؤساء. رئيسهم كان يدعى فيشي، لقتل لويس أثناء مروره في موكبه. فقامت فرقة كاملة بإطلاق النار عليه في آن واحد.

لم يصب الملك بأذى، ولكن قتل في الحادث أربعة عشر شخصا، منهم مارشال قديم لنابليون. الرجال تم تعقبهم والقبض عليهم، وإعدام رئيسهم فيشي.

كانت الملكة ماري أميلي، من نابولي، واحدة من أفضل النساء. فعلت كل ما في وسعها لتعزيز الخير ونشر التقوى.

كذلك فعل رئيس وزراء الملك، م. جيزوت، الذي كان من عائلة هوجونوت قديمة. وكان الجمهوريون يكرهون تدريس الدين في المدارس، بدعوى أن الدين يعوق تقدم المجتمع.

كان هناك عدد كبير من غير المؤمنين، والعديد من الأحزاب. وكان هناك الشرعيون، الذين أيدوا أولا شارل العاشر، ثم حفيده، هنري الخامس، وكان يوجد أيضا كونت شامبورد، الذي رفض أن يتولى أي منصب تحت لويس فيليب، وكان هناك أتباع بونابارت، والجمهوريون الحمر، فضلا عن المعتدلين الذين يؤيدون الملك.

كان للملك خمسة أبناء، أكبرهم، دوق أورليانز، الذي كان محبوبا للغاية. تزوج من الأميرة هيلين، من مكلنبورج شفيرين، وكان لديهما ولدان صغيران، قبل أن يقتل، عندما قفز من عربته المفتوحة، بينما كانت الخيول تركض بأقصى سرعتها.

الملك، فرديناند السابع، الذي احتفظ به نابليون لفترة طويلة في السجن، ترك ابنتين صغيرتين. وبينما هما يكبران، كان لويس فيليب يتولى أمر زيجاتهما، بطريقة تسببت في الكثير من الاستياء.

كان بإمكانه اختيار الابنة الأصغر لابنه، دوق مونتبنسير. لكنه كان يعتقد أن ابنه سوف يرث التاج من بعده. ومثل هذا الزواج لا يناسبه.

بعد ذلك بقليل، روع أحد النبلاء، دوق دي براسلين، كل أوروبا بقتل زوجته. حكم عليه بالإعدام، لكنه وضع حدا لحياته في السجن. وتخيل الجمهوريون الحمر أن الأمر كان مدبرا، حتى لا يكون هناك إعدام علني لأحد النبلاء. هذا أضاف إلى السخط والكراهية المتزايدة بسبب التفرقة في المعاملة بين الفقراء والأغنياء.

أخيرا، في فبراير1848 ، بعد أن رفض مجلس النواب بعض التدابير التي يرغب فيها الناس كثيرا، تصاعد الغضب وثار الناس في جميع أنحاء باريس.

جاءت قوات الجيش والحرس الوطني. لكن عندما حان الوقت، رفض الحرس الوطني إطلاق النار، وانضم إلى الناس. وكان بإمكان الجيش وحده إخماد الثورة، لكن لم يرغب لويس فيليب في إسالة الدماء، وتحمل مسؤولية قتل الناس.

فبعث برسالة يتنازل فيها عن العرش لصالح حفيده الصغير، كونت باريس، مع والدته، دوقة أورليانز، كوصية. ثم غادر تويلري على انفراد، تحت اسم وليام سميث، ووصل إلى إنجلترا بأمان.

تقدمت دوقة أورليانز بشجاعة للناس مع ولديها، لكن لم يكن هناك صراخ في وجهها، فقط نظرات غاضبة، ورأى أصدقاؤها أن كل شيء صار عبثيا، فسارعوا بها بعيدا بأسرع ما يمكن.

هرب كل أفراد العائلة بوسائل مختلفة، واحدا تلو الآخر، إلى إنجلترا. حيث استقبلتهم الملكة وشعبها بلطف زائد وقلوب دافئة. ثم خصص قصر كليرمونت لهم كمسكن مؤقت. هناك، قضى لويس فيليب وزوجته الطيبة ما تبقى من حياتهما. توفى لويس عام 1849، وأميلي بعده ببضع سنوات.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استشهاد فلسطينيين اثنين برصاص الاحتلال غرب جنين بالضفة الغرب


.. إدارة جامعة جورج واشنطن الأمريكية تهدد بفض الاعتصام المؤيد ل




.. صحيفة تلغراف: الهجوم على رفح سيضغط على حماس لكنه لن يقضي علي


.. الجيش الروسي يستهدف قطارا في -دونيتسك- ينقل أسلحة غربية




.. جامعة نورث إيسترن في بوسطن الأمريكية تغلق أبوابها ونائب رئيس