الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأستاذ أحمد شبشوب مؤسس علوم التربية وتعلّمية المواد في المدارس التونسية خلال الثمانينات من القرن الماضي.

منوّر نصري

2023 / 6 / 18
التربية والتعليم والبحث العلمي


قبل وصول الأستاذ أحمد شبشوب إلى الفضاء المدرسي في الثمانينيات من القرن الماضي ، كان الحديث فقط عن التدريس عند ذكر العلاقة بين المعلم والتلميذ. خلال ذلك الوقت ، كنت أدرّس في مدرسة ابتدائية وأحضر أيامًا بيداغوجية مع جميع معلمي الفرنسية الذين يقومون بتدريس نفس المستوى الدراسي. لم يكن هناك مقياس اختيار لحضور هذه الأيام البيداغوجية. المتفقدون الذين لم يتلقوا تكوينا محددًا كانوا معلمين قدامى تم قبولهم في مناظرة وطنية انتقائية للغاية على ما يبدو. لذلك كانوا يعتمدون كثيرا على البرامج الرسمية والكتب المدرسية. كانت الثقافة البيداغوجية المهيمنة هي ثقافة هذه الوثائق. لذلك كان الحديث عن تدريس مادة يستند إلى توصيات البرامج الرسمية والكتاب المدرسي. في المناقشات التي كانت تثيرها الدروس النموذجية ، كان هناك حديث عن التدريس ولم يكن يُذكَر التّعلم. فقط بعد وصول الأستاذ أحمد شبشوب إلى ISEFC (المعهد العالي للتربية والتكوين المستمر) الواقع في باردو وتخرّج الدفعة الأولى من المتفقدين الجدد الذين تم تكوينهم في ISEFC في علوم التربية ، من قبل الأستاذ أحمد شبشوب ، تغير الخطاب وبدأ الحديث عن علم اجتماع التربية واقتصاديات التربية ، والعلاقة التربوية ، والمثلث البيداغوجي، وتعليم-تعلّم مادّة معيّنة والعديد من المفاهيم الأخرى الراجعة بالنظر لعلوم التربية وتعلّمية المواد.
سأناقش في هذا النص الأسئلة التالية:
كيف كانت حصّة التعليم قبل وصول الأستاذ أحمد شبشوب إلى الفضاء المدرسي التونسي؟
ما الذي يميز حصة تعليم-تعلم enseignement-apprentissage راجع بالنظر لتعلمية المواد؟
ما هي علوم التربية في الكتاب الصادر بالعربية حول علوم التربية للأستاذ أحمد شبشوب؟
كيف يمكن أن نعتبر أن الأستاذ أحمد شبشوب أسس علوم التربية في تونس؟
ماذا فعل الأستاذ أحمد شبشوب ليمكن القول إنه حوّل التعليم إلى تعليم-تعلم؟
هل يمكننا التحدث عن ثورة صامتة صغيرة (أو تجديد متعدد) في التربية؟

حصة تعليم مقدمة في درس نموذجي خلال يوم بيداغوجي؟
كان الحديث يقتصر عن المعلم وما يفعله مع تلاميذه خلال أيام التكوين التي أحضرها مع جميع معلمي السادسة للغة الفرنسية. لم يكن يتخذ أي إجراء على مستوى دائرة التفقد لاختيار المعلمين. كانوا يعتبرون جميعًا بحاجة إلى نفس التدريب. لذلك كنا نلتقي جميعًا ، المبتدئين مع كبار السن ، وذوي الخبرة مع أولئك الذين كانوا يدرسون باللغة الفرنسية أو السنة السادسة لأول مرة. بعد الدرس النموذجي الذي أعده جيدا المعلم المكلف بتقديمه ، نبدأ مناقشة ما فعله المعلم أو المعلمة للتقدم في درسه. لم يكن يذكر التقييم التشخيصي الأولي ، وأخذ المعرفة المكتسبة للتلاميذ في الاعتبار ، والتفاعلات الأفقية ، والأنشطة في مجموعات ، وممارسة ما وراء المعرفة ، والتقييم التكويني أثناء الدرس ، وممارسات التمييز وفقًا لصعوبات الطلاب ، وتقييم مدى تملك الدرس ، إلخ. كان حديثنا يقتصر عن الأنشطة التعليمية وعما إذا كان التلاميذ أقوياء أو متوسطين أو ضعفاء وما هو الانطباع الذي يمكننا الاحتفاظ به عن الفصل بشكل عام. لا أحد يهتم بالصعوبات التي يواجهها هذا التلميذ أو ذاك. لم يكن أحد يتساءل عن علاقة هذا التلميذ بالمدرس وبرفاقه وبالانضباط. ظل التلميذ الذي يعاني من صعوبات يساء فهمه ويحكم عليه خطأً أنه لا يعمل أو أنه لا يهتم بالدرس أو أنه ضعيف ، دون أن يسأل أحد عن الأسباب ، كأنه قضاء وقدر.

ما الذي يميز حصة تعليم-تعلم في إطار تعلمية المواد؟
مع وجود المتفقدين الجدد الذين تكونوا في علوم التربية خلال الثمانينات في ISEFC من قبل الأستاذ أحمد شبشوب ، تغير الخطاب التربوي خلال الأيام البيداغوجية وأثناء زيارات الفصول. هناك رؤية جديدة للنشاط المدرسي وللعمل التربوي ككل. المتفقدون الجدد الذين استفادوا من التعليم العالي في علوم التربية لدى أستاذ ذائع الصيت يتحدثون بشكل مختلف عن التعليم والعلاقة بين المعلم والتلميذ في الفصل. لم يعد المعلم هو المصدر الوحيد للمعرفة والفاعل الرئيسي فيما يحدث في الفصل. أصبح التلميذ أيضًا عنصرا رئيسيًا وبفضله يتم بناء محتوى الدرس. هناك مشاركة حقيقية في الأنشطة المختلفة واهتمام مستمر من جانب المعلم بصعوبات التلاميذ. عندما يتعطل واحد أو أكثر منهم ويفشل في فهم مفهوم أو إنجاز تمرين ، يحاول المعلم فهم السبب أو الأسباب وإجراء تحليل تشخيصي يتبعه علاج. وغالبا ما يفضي ذلك إلى تجاوز الصعوبة والعودة إلى النسق العادي للدرس. فيما يتعلق ببناء محتوى الدرس ، فإن التلاميذ ، بمشاركتهم ، سواء كانوا يعملون بشكل فردي أو في مجموعات ، هم الذين يقومون بذلك تدريجياً. يتدخل المعلم لبدء المناقشة ، وتنظيم المداخلات ، وبناء المجموعات ، وتوزيع المهام ... باختصار ، لم يعد دوره نقل محتوى أجنبي إلى التلاميذ الذين يتلقونه دون أن يشاركوا في إنتاجه. يصبح ميسرًا لتعلم تلاميذه.
حرص الأستاذ أحمد شبشوب على إعطاء مرجع في هذا العلم الجديد كتبه بنفسه ونشره على حسابه الخاص ، للمتفقدين الجدد والمعلمين ، ويتعلق ذلك بكتابه الذي نشره باللغة العربية وعنوانه "تعلمية المواد" وهو عبارة عن مجموعة دروس أعطاها لطلابه المتفقدين. تأثر محتوى الكتاب بكبار المهتمين بالتعلمية didactique مثل جيرارد فيرغنو Gérard Vergnaud وإيف شوفالارد Yves Chevallard ، المهتمين بتعلمية الرياضيات ، أندريه جيوردان André Giordan ، المهتم بتعلمية علم الأحياء ، مع العودة المستمرة إلى علم النفس الوراثي psychologie génétique لجان بياجيه Jean Piaget وذلك لتبرير المجلوبات حول الطفل.
لتوزيع الكتاب الذي كان ضخمًا نسبيا (أكثر من 300 صفحة) وكان سعره منخفضًا (5 دنانير) ، اعتمد الأستاذ أحمد شبشوب على المتفقدين الذين كونهم ، فأرسل لمن قبل منهم أن يقدم له خدمة ، عن طريق سيارة أجرة ، علبة تحتوي عادة على مائة نسخة يبيعونها للمعلمين. شخصيا ، أهداني نسخة من الكتاب في الصندوق الذي أرسله لي.

ما هي علوم التربية في الكتاب الصادر بالعربية حول علوم التربية للأستاذ أحمد شبشوب؟
عند الحديث عن الكتاب الذي نُشر باللغة العربية بعنوان "علوم التربية" في الثمانينيات من القرن الماضي ، أتذكر حدثًا مهمًا للغاية بالنسبة لي. لقد سجلت لأول مرة في مناظرة انتداب تلامذة متفقدين. بدت هذه المناظرة مثيرة للاهتمام بالنسبة لي لأنها تسمح لي ، إذا نجحت ، بالذهاب إلى تونس للدراسة لمدة ثلاث سنوات في علوم التربية لإعدادي لممارسة مهام متفقد المدارس الابتدائية. علاوة على ذلك ، سأحصل على راتبي كالمعتاد. لم أكن أستطيع الاستغناء عن الراتب لأنني كنت متزوجا وكان لدي طفلان في ذلك الوقت بدآ بعد يذهبان إلى المدرسة.
سعى الأستاذ أحمد شبشوب ، لا أعرف بأي وسيلة وعرف أسماء وعناوين المترشحين للمناظرة. أرسل لي رسالة لحثي على شراء الكتاب الذي نشره للتو على نفقته الخاصة والذي ، على حد علمي ، كان أول كتاب له حتى قبل "La didactique des disciplines" الذي كان إصداره الثاني.
اكتشفت في الكتاب لأول مرة مقاربات جديدة للفعل التربوي متعلقة بعلوم التربية المختلفة. أحببت الكتاب حقًا وشغفت بإجراء دراسات عليا في علوم التربية. كان التمتع بالتعليم العالي في اختصاص يستهويني والوضع الإداري كمستفيد من التكوين المستمر يثيران اهتمامي أكثر من أن أصبح متفقدًا للمدارس الابتدائية.
وبما أنني كنت أمارس الكتابة الأدبية في القصص القصيرة والنصوص النقدية والقصائد ، تم قبولي وتعرفت على الأستاذ أحمد شبشوب.
في كتابه ، مثل غاستون ميالاريت Gaston Mialaret في مؤلفه عن علوم التربية ، الذي تأثر به ، يجعلنا الأستاذ أحمد شبشوب نكتشف علوم التربية المختلفة ، وقد أرفق كلامه بنصوص توضيحية مأخوذة من كتب كتبها مؤلفون مشهورون في الفرع العلمي المعني.

كيف يمكن أن نعتبر أن الأستاذ أحمد شبشوب أسس علوم التربية في تونس؟
قبل وصول الأستاذ أحمد شبشوب إلى الفضاء المدرسي من خلال المتفقدين الذين كونهم والكتب التي نشرها على نفقته الخاصة ووضعها في أيدي المعلمين بتكلفة منخفضة ، فضل الخطاب البيداغوجي التعليم والمعلم على حساب التلميذ الذي كان ينظر إليه على أنه متلق للمحتوى الذي يقدمه المعلم. في الدراسات والبحوث ، تدرس العوامل المتعلقة بالتعليم والمعلم: التمشيات والنواتج processus-produits ، والعوامل التي تتنبأ بالتدريس الجيد facteurs de présage d un bon enseignement ، إلخ.
في تونس ، تغيرت صورة التلميذ والعلاقة التربوية بين المعلمين والتلاميذ مع الأستاذ أحمد شبشوب ، أولاً بفضل المتفقدين الجدد الذين كونهم في علوم التربية ، ثم بفضل كتب الأستاذ في علوم التربية التي توالت والتي وضعها دائمًا في أيدي المعلمين في جميع أنحاء تونس وبسعر منخفض.
الحجة التي تبدو مهمة بالنسبة لي في اعتبار الأستاذ أحمد شبشوب مؤسس علوم التربية في تونس تكمن في حقيقة أن النصوص التربوية كانت غير متمايزة. كانت تنتمي جميعها إلى فئة البيداغوجيا. ولم يكن يقع التفريق بينها. لكن بعد وصوله إلى الفضاء التربوي من خلال المتفقدين الذين كونهم ، ونشر كتابه عن علوم التربية ، والثقافة التربوية التي بدأت تنتشر بين المعلمين خاصة بفضل العوامل المذكورة ، تم التمييز بين النصوص التربوية وأصبحت تنقسم إلى عدة فئات ، كل منها يمثل علما من علوم التربية.
بالإضافة إلى ذلك ، قدم إصلاح التربية والتعليم ، سنة 1991 ، لمحمد الشرفي وزير التربية في ذلك الوقت ، خدمة للأستاذ أحمد شبشوب الذي دافع علميًا عن نفس القيم ونشر في كتبه وتدريسه في ISEFC نفس المفاهيم الراجعة بالنظر لعلوم التربية والحداثة.

ماذا فعل الأستاذ أحمد شبشوب ليمكن القول إنه حوّل التعليم إلى تعليم-تعلم؟
منذ وصول المتفقدين الجدد المكونين في علوم التربية والتعلمية من قبل الأستاذ أحمد شبشوب خلال الثمانينات ، تغيرت الممارسات البيداغوجية ووضع التلميذ في الأقسام. قام المعلمون تدريجياً ببناء هوية مهنية جديدة تمنح التلميذ الحق في المناقشة ، وطرح الأسئلة على أقرانه أو إلى المعلم ، والعمل في مجموعات ، والبحث الوثائقي في المنزل ، واستغلال مختلف الوسائط النصية والرقمية ، والألعاب المنظمة والمسرح والفنون بشكل عام ... لم يعد التلميذ يحضر إلى القسم لتلقي محتوى لم يشارك في بنائه. يجب على المعلم أن يبذل قصارى جهده لتطوير الاستقلالية لدى التلاميذ. إنها تعدهم لحياة تتطلب الاستقلالية حتى يكونوا قادرين على التصرف بإيجابية في أحداث الحياة.

هل يمكننا التحدث عن ثورة صامتة صغيرة (أو تجديد متعدد) في التربية؟
من المؤكد أن الأستاذ أحمد شبشوب ، بكل منجزاته الإيجابية في المدرسة العمومية التونسية ، كان لديه مشروع نفذه بسلاسة ودون ضجة كبيرة لتجنب الرقابة السياسية. هو ، الذي كان معروفًا بـ "عدم التسيس" ، كان يعلم أن أفكاره لم تكن مناسبة جدًا للسلطة السياسية للحصول على "بطاقة مرور" بسهولة. لذلك اختار أن يكون "غير مسيس" وأن يتجنب الضوضاء لتنفيذ مشروعه التجديدي الذي يتمثل في تحديث المدرسة التونسية وجعل التلاميذ مستقلين ومسؤولين عن تعلمهم.

خاتمة
أعتقد أنه في الختام ، سيكون من الجيد إبلاغ الأستاذ أحمد شبشوب في السماء أن مشروعه التجديدي للمدرسة التونسية قد تم تنفيذه بنجاح ، وأنه إذا كان هناك الآن انتكاس للمدرسة التونسية ، فهذا يرجع لأسباب خارجة عن نطاقه. مشروعه الخاص تم تنفيذه كما يشاء. وقد كانت تونس تتمتع بسمعة طيبة في مجال التربية خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي.

جوان 2023








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شيرو وشهد مع فراس وراند.. مين بيحب التاني أكتر؟ | خلينا نحكي


.. الصين تستضيف محادثات بين فتح وحماس...لماذا؟ • فرانس 24 / FRA




.. تكثيف الضغوط على حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لوقف إطلاق النا


.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف إطلاق النار في قطاع غز




.. هل يقترب إعلان نهاية الحرب في غزة مع عودة المفاوضات في القاه