الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المدخل إلى المادية الجدلية والتاريخية (4) تعريف المادية الجدلية

عمر أبو رصاع

2006 / 11 / 1
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


تعريف المادية الجدلية (Dialectic materialism)
يميل البعض لإطلاق إسم الماركسية على المادية الجدلية والمادية التاريخية نسبة إلى الفيلسوف الااقتصادي الألماني كارل ماركس* الذي عاش في القرن التاسع عشر في ألمانيا والذي أصدر وزميله فردريك إنجلز* دعائم النظرية وأطلقا البيان الشيوعي الشهير(1) ، إلا أني لا أتفق مطلقا مع التسمية ليس فقط لأن فيها قصر لكل منجزات من أسهم في هذه الفلسفة رغم أن لماركس الفضل الاكبر ولكن أيضا لأنها تسمية لا علمية ولا تتوافق وروح النظرية نفسها ، على ذلك فإن الكثير من المراجع عمدت لإطلاق إسم ماركسية على المادية الجدلية والمادية التاريخية ، في التعريف نجد مثلا:
الماركسية هي القوانين الطبيعية التي تتحكم في حركة المجتمع منذ نشوء اول مجتمع انساني وفي مختلف مراحل تطور المجتمعات البشرية وستبقى تعمل طالما وجدت مجتمعات بشرية على الارض (2)

إن الماركسية نظرة علمية للعالم، وهي النظرة الوحيدة العلمية أي التي تتفق مع العلوم الاخرى التي تخبرنا أن الكون حقيقة مادية، وأن الإنسان ليس غريبا على هذه الحقيقة، وأنه يمكنه معرفتها، ومن ثم تغييرها كما تدل على ذلك النتائج العملية التي توصلت إليها مختلف العلوم.
وليست المادية الماركسية مماثلة للعلوم لأنها لا تتخصص في جانب معينا من جوانب الواقع كما تفعل العلوم بل هي تسعى لفهم العالم. (3)

التعريفات المقتضبة السابقة بتقديرنا تنصرف إلى التوظيف الذي قام به ماركس للمادية الديالكتيكية في دراسة التاريخ أي المادية التاريخية كما هي عند ماركس ، وهنا يقتضي التنويه إلى جواز استعمال وصف الماركسية للدلالة على نتاج تطبيق ماركس للمادية الديالكتيكية في فهمه للتاريخ وهذا بوجه أكثر خصوصية ينصرف إلى عمله الموسوعي الهام كتاب رأس المال وعليه فإن يقول شخص ما أنه ماركسي فهذا معناه على وجه الخصوص أنه مقتنع برؤوية ماركس للتاريخ وتطوره التي تضمنها على وجه الخصوص عمله هذا.

لذا فإنه ليس كل مادي ديالكتيكي ماركسي ولكن كل ماركسي هو مادي ديالكتيكي بالضرورة ؛ المادية الديالكتيكية تقوم على أسس علمية مستقاة من التطور والفهم العلمي للوجود المادي بعامته وهي القراءة الواعية إذن لقوانين التطور أي قوانين الجدل أما المادية التاريخية فهي تطبيق ذلك العلم الفلسفي في فهم تطور التاريخ.

هناك سؤال ملح هنا نتركه مفتوحا للقارئ هل يمكن تقديم تصور مادي ديالكتيكي للتاريخ غير التصور الذي قدمه ماركس؟ أو لنقل على الأقل هل المادية التاريخية مغلقة على التصور الماركسي فقط؟

قبل البدء في شرح قوانين الجدل المادي علينا أولا ان نميز بين تركيبة الجدل المثالي كما هو عند هيغل والجدل المادي كما هو عند ماركس وانجلز، وكنا سابقا أشرنا إلى أن عمل ماركس وانجلز الأساسي تمثل في إجلاس هرم الديالكتيك على قاعدته بعد أن كان واقفا على رأسه عند هيغل ، وأشرنا سابقا لجوهر المسألة الفلسفية أولوية الوعي أم المادة وبينا في حينه أن المادية كفلسفة تنطلق من القول بأولوية المادة ، نعود هنا لهذا الجوهر للمسألة الفلسفية نلتمس عند الماديين الجدليين تصورهم له قبل أن نلج منه إلى قوانين الجدل المادي وشرحها ، والتي تميز المادية الجدلية عن الماديات الطوباوية* السابقة لها أو اللاحقة على حد سواء ، ذلك أن المادية الجدلية على حد تعبير لينين :
سميت المادية بالجدلية لأن طريقتها في اعتبار الظواهر الطبيعة ومنهجها في البحث والمعرفة جدليان، كما أن تفسيرها لظواهر الطبيعة ونظرتها إلى هذه الظواهر ماديان.

بالمقابل هناك جدلية أخرى مثالية* ، إذن الفارق الجوهري
هو في الموقف الأساسي من جوهر المسألة الفلسفية أولوية الوعي أم المادة ، لذا فإن
الديالكتيك كما هو عند ماركس أيضا يختلف كليا عنه عند هيغل * كتب ماركس :

يقول ماركس: ان اسلوبي الديالكتيكي لا يختلف عن الديالكتيك الهيغلي وحسب، بل هو نقيضه المباشر. فهيغل يحول عملية التفكير، التي يطلق عليها اسم الفكرة حتى إلى ذات مستقلة، انها خالق العالم الحقيقي، ويجعل العالم الحقيقي مجرد شكل خارجي ظواهري ُللفكرةُ. اما بالنسبة لي، فعلى العكس من ذلك، ليس المثال سوى العالم المادي الذي يعكسه الدماغ الانساني ويترجمه إلى اشكال من الفكر. (4)

كما نلحظ ؛ جوهر المسألة الفلسفية يتمظهر وباستمرار في توظيف أي منهج ؛ فالمحرك الذي يدفع الجدلية عند هيغل هو أولوية الوعي على المادة ، هكذا فالمسألة تتخذ وضوحا ابستميا * عندما تتمظهر لنا إذا وفقط إذا حددنا منطلقها وجوهر موقفها من ناحية ومنهج إثباتها من ناحية أخرى.

تحاول المادية الجدلية أن تتوحد مع العلم تماما في نظرتها للوجود ، وعليه فهي تنطلق من حركية المادة الحقيقة العلمية المثبتة ضدا على مثالية القول بالمحرك الماورائي أو الروح الكونية عند هيغل وفلاسفة المثالية.

"وان الترابط المتبادل والاعتماد المتبادل للظواهر الذي يحققه الاسلوب الديالكتيكي، هو قانون تطور المادة المتحركة. وان العالم يتطور وفقا لقوانين حركة المادة بلا حاجة إلى "روح كونية"(5)

لذا تعرف المادية الجدلية في بعض المراجع على النحو التالي:

المادية الجدلية : نستطيع القول انها قوانين ومبادئ ومقولات تعمل في جانبين ، جانب المعرفة العلمية ( العلوم المختلفة ) ، والجانب الآخر هو الحركة المجتمعية وتطور المجتمع تبعا لهذه القوانين . أي أنها تطبق في العلوم المعرفية وعلم الاجتماع على حد سواء .(6)

ولعل التكثيف الأبرز لمحاولة تطابق المادية الديالكتيكية مع العلم لحد يجعلها هي ذاته علمنة للفلسفة يأتي في نقد انجلز لفيورباخ :

ان النظرية المادية العالمية هي ببساطة ادراك الطبيعة كما هي، بدون اي تحفظ (7)

إذن يمكننا القول المادية الجدلية هي ذلك العلم الفلسفي الذي ينطلق من أولوية المادة مستخدما قوانين الجدل المادي لفهم الوجود وتطوره.طبعا ليس بمقدورنا أن نقف على المعنى المراد في التعريف المتقدم إلا عندما نقف على قوانين الجدل المادي ونفهمها جيدا ، إلا أن الإنطلاق من دقيق التعريف الذي سنعود لفهمه بدقة أكبر مع فهمنا لقوانين الجدل يوفر لنا مساحة التفاعل الجدلي ايضا مع التعريف نفسه وبالتأكيد سنجد أنفسنا ونحن نعود إليه نعيد صياغته أو فهمه بشكل اكثر نضجا .


ملحوظة: الحلقات موجودة في ارشيفي في الحوار المتمدن تباعا


(يتبع)
---------------------------------------------------------------------------------------------------
(*) ماركس ، كارل : (Karl Marx) ولد في ألمانيا على حدود لوكسمبورغ في مدينة ترير في 5 أيار- مايو عام 1818 ، كان والده محام يهودي ، درس كارل ماركس القانون في كل من بون وبرلين وكان مولعا بالفلسفة وبخاصة الهيغلية منها كما تأثر بمؤلفات الفيلسوف الألماني فيورباخ ، عام 1842 صار رئيس تحرير صحيفة الراين التي ما لبثت الحكومة الألمانية أن أغلقتها لأنها كانت تهاجمها بعنف . تزوج ماركس عام 1843 وانتقل إلى باريس وأصدر هناك في نفس العام "الحوليات الالمانية الفرنسية" وأشرف على إصدار صحيفة إلى الأمام في العام التالي ، لينتقل إلى بروكسل عام 1845 بعد طرده من باريس لتبدأ صداقته الحميمية الفكرية هناك مع فردريك انجلز.
عمل الاثنين على إعادة تأسيس العصبة الشيوعية التي كان اجتماعها في لندن 1847 ، حيث أصدر البيان الشيوعي بعدها عام 1848 وعلى أثره طرد ماركس من بروكسل فعاد إلى ألمانيا وانغمس في الصراع السياسي هناك ومنها غادر إلى لندن عام 1849.
عاش في لندن فقرا شديدا متقعا في الأحياء البائسة اللندنية ولولا ما كان يصله من مساعدات رفيقه انجلز و فردينند لا سال لهلك وأسرته جوعا وتسبب الفقر الشديد في فقده لولديه وابنته لدرجة انه لم يستطع دفع نفقات دفن ابنته فرتسكا .
اسهم في تأسيس الأميمة الاولى عام 1864 واصل نضاله الفكري والسياسي لآخر حياته واهبا اياه كل ما يستطيع توفيت زوجته عام 1881 ولحق بها بعد عامين 1883.
http://www.marxists.org/arabic/archive/lenin/1914-marx/01.htm للمزيد أنظر


(*) انجلز ، فردريك : ترجمة حياته أنظر http://www.alanbaaalalamia.com/ssa.htm
(1) أنظر http://www.iraqcp.org/fakri/mar12.htm

(2) هارمن، كريس ، كيف تعمل الماركسية ، مركز دراسات وأبحاث الماركسية واليسار .

(3) بوليتزر-ج، و بيس- ج، و كافين-م، (ط 1992) ، أصول الفلسفة الماركسية اللينينية - المادية ، دار الفارابي.

(*) طوباوي : حالم غير منظم وعلمي ، جنيني أو فطري، أو بدائي.

(*) مثالية : في الفلسفة كل نظرية تقول أو تنطلق من أولوية الوعي على المادة هي نظرية أو فلسفة مثالية.

(*) هبغل: جورج ويلهم فريدريك هيغل (Georg Wilhem Fridrich Hegel) فيلسوف نمساوي مثالي من أهم فلاسفة القرن الثامن عشر والتاريخ الانساني برمته توفي بمرض الكوليرا سنة 1831 وأصدرت الكنيسة الانجيلية عام 1832 بيانا اعتبره خطر على الدين ولم يسمح بإلقاء التحية على ضريحة عندما مات ، هو واضع قواعد الجدل وأهم مؤلفاته "موسوعة العلوم الفلسفية" و "ظاهريات الروح" و"المنطق" و" فلسفة القانون"، يرتبط ارتباطا مهما بحركة الفلسفة المثالية ولذا يمكن ان نعتبره الامتداد الطبيعي لخط كانت - فشته - شلنج وصولا إلى هيغل ، وأبرز ملامح التقاطع تتمثل في التصور المثالي للواقع و التنظيم العقلي للتجربة أو الرؤية المنظمة لوجود انتجه عقل.

(4) ماركس ، كارل ، رأس المال ج1 ، الطبعة الإنجليزية ص 30.

(*) ابستمي : نسبة مشتقة من ابستمولوجي : علم المعرفة ؛ اختصارا معرفي.

أنصح جادا كل دارس أو مهتم دوما أن يبدأ قراءته للعمل الفكري أيا كان هذا العمل من تحديد المحرك الأساسي ، فقراءة أي عمل فكري لا تتم بشكلها الصحيح إلا بتحديد محرك الباحث من ناحية ومنهجية البحث من ناحية أخرى، وهذا ما يجعلني دوما انبه لما هو ابعد من ذلك ضدا على القراءات البنيوية النقدية إلى أهمية الربط بين الباحث والثقافة والظروف الزمكانية التي يعيشها ودورها في تكوين وعيه من ناحية وبين أعماله الفكرية من الناحية الاخرى.
وإذا كان المنهج هو طريقة البحث المؤدية للنتيجة فإن علينا كذلك أن نتحلى بروح نقد المناهج البحثية ، وغياب هذا العامل أي روح نقد المنهج لدى القارئ ستكون نتيجته تسليمه المسبق بمنهج الباحث وبالتالي فإن نقده سينصرف إلى أمانة الباحث ودقة تطبيقه لمنهجه هو في عملية البحث وبالتالي سيصل معه حتما إلى نتائج خاطئة ويسلم معه بها إذا كان المنهج الذي انطلق منه الباحث ابتداء خاطئ ، وعليه فإن عملية نقد المنهج هي أهم خطوة على الإطلاق في نقد العمل الفكري أيا كان وتتباين عملية نقد المنهج من دارس لآخر تبعا لتقيمه الذاتي والموضوعي للمناهج وابتداء مسلماته البحثية ، الإنسان المنحاز للعلم مثلا يعتبر أنه كلما إزداد المنهج إرتباطا بالعلم وقواعده ونظريته كلما كان المنهج أصح والنتائج أسلم بينما الإنسان المنحاز للتسليم بفكرة مثالية مثلا يعتبر المنهج أسلم وأدق استنتاجا كلما كان أكثر إستنادا للفكرة المثالية التي ينطلق منها وهكذا دواليك.

(5) ستالين، جوزيف ، (1938)، كراس المادية الديالكتيكية والمادية التاريخية ، إصدارات دار التقدم ،ص 11.

(6) كيف تعمل الماركسية ، سبق ذكره.

(7) إنجلز، فريدريك ، لودفيغ فيورباخ ونهاية الفلسفة الكلاسيكية الألمانية ، سبق ذكره.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة