الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النكروفيليا في الخطاب التيارات الإسلامية الجهاد والشهادة

فراس الجندي

2023 / 6 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لقد أشار سيغموند فرويد إلى الجرح النرجسي الذي أصيب به الإنسان عندما كشف كوبرنيكوس أن الكرة الأرضية ليست هي مركز الكون ،وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس، وليس الشمس هي التي تدور حول الأرض. هذا الجرح جعل الإنسان الغربي يعود إلى ذاته من أجل بناء حضارته والتي أصبح الغربي يراها مركز الكون. أما الإنسان في المجتمعات العربية الإسلامية مازال يعاني من الإذلال النرجسي الناتج عن الجرح الذي أحدثته الثورة المعرفية والعلمية في العالم. فبدلا أن يتجاوز إذلالاه النرجسي ويعود إلى فهم التغيرات التي طرأت في العالم، والعمل على بناء نهضة معرفية علمية تقوم على القطع المعرفي مع الماضي الذي يقوم على تكريس خطاب الخرافة والأسطورة وقتل العقل. لجأ الإنسان العربي في المجتمعات الإسلامية على تكريس خطاب يتعلق بالماضي ومعالجة أحداث سقيفة بني ساعدة، وأن العرب ليسوا بحاجة إلى المعرفة فلديهم القرآن، وصحيح بخاري، وكتابات السيد قطب، وحسن البنا، التي تغنيهم عن مصادر المعرفة الأخرى. وبالتالي أصبح العقل ذابلاً وتعطلت عملية التفكير، وأصبحت المدارس والجامعات مراكز للتلقين والحفظ بعيدة عما يسمى البحث العملي وسلوك إحكام العقل. وتحولت أجهزة الإعلام التي تخضع للسلطة السياسية وبإشرافها تدعم الخطابات الدينية وتخصص برامج يومية للشيوخ ورجال الدين ، من أجل تكريس منهج التلقين ونسف عملية استخدام العقل في تفسير الظواهر ،هذه الخطابات والنصوص التي يقدمها رجال الدين تهدف إلى جعل البشر عبارة عن قطيع يُساق للذبح في خدمة السلطة، أي كانت هذه السلطة سياسية أو دينية ، ويرتكز رجال الدين على نصوص تُعتبر مقدسة في نظر عامة البشر في صوغ خطاباتهم ،هذه الخطابات لا تخلو من أيديولوجيا غوغائية وظيفتها تحويل الناس إلى بسطاء في الطاقة العقلية ،كي تسيطر عليهم السلطة الدينية وتحولهم إلى أدوات في يدها ومشروعها السياسي. لذلك لم يكن غريبا أو مفاجئا في الزمن الحاضر أن يهرب رجال الدين الذين ساهموا في تكريس التخلف وإلغاء العقل في تفسير ما هو الجهاد وماذا تعني الشهادة. الجهاد في سبيل الله هذه العبارة تحمل دلالة على كيفية توظيف رجال الدين هذه العبارة في خدمة مصالحهم السياسية واعتبار أن الجهاد سنة وواجب على كل مسلم، ولكن لم يقل لنا رجال الدين الجهاد ضد من. وهل يحتاج الله إلى البشر في نشر تعاليمه وحمايته، وهل هناك خوف على دين الله إذا كان الله هو من أنزل الدين فلماذا يحتاج الله إلى البشر في نشر تعاليمه. إن الجهاد في حقيقة الأمر دعوة للكراهية وتحريض ضد الآخر، والحط من قيمة الآخر المختلف كونه غير مسلم، وبالتالي هذا الآخر هو كافر ويجب قتله، وهذا يستلزم حشد الطاقات البشرية من أجل الحرب ضد الآخر تحت ذريعة الجهاد في سبيل الله، وبالتالي تصبح الأيديولوجيا الإسلامية هي السائدة في العالم. وأن الجهاد والموت في سبيل الله هو شهادة، والشهيد يدخل الجنة ويحظى بالحوريات وأنهار العسل والسلوى. (ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً، بل أحياء عند ربهم يرزقون) إن الشهادة والجهاد وحب الموت في سبيل الله يندرج ضمن إطار انحراف نفسي يسمى النكروفيليا وهو شكل من أشكال العنف المتقدمة. والنكروفيليا تعني حرفيا حب الموت أو الرغبة القاتلة بالتواجد مع جسد الميت. أن الشخصية النكروفيلية لها علاقة ارتباط بالشخصية السادية الشرجية التي تحدث عنها سيغموند فرويد. بينما يرى إريك فروم أن الشخصية النكروفيلي هو شخص منجذب نحو كل ما ليس حياً كل ما هو ميت، والشخص النكروفيلي هو شخص مفتون بالتدمير ورائحة الموت. فالنكروفيلي يعيش في الماضي ولا يجد له طريق في المستقبل، حيث المستقبل مجهول ومرتبط بالقدر، ويتغذون على ذاكرة الأحاسيس التي تتعلق بالماضي. (فروم.2011)
وهذا ما تؤكده كتابات وخطابات وأحاديث رجال الدين كل يوم، فهم دائما يسترجعون الماضي والحديث عن بطولات الصحابة والأحداث التي جرت في تلك الحقبة الزمنية، فالمسلم المعاصر يحيا بجسده في الحاضر وعقله وعواطفه في الماضي، هذه الذاكرة التي يعيش بها النكروفيلي لا يستطيع أن يتصالح مع الواقع ولا يستطع إيجاد حلول لمشاكله، وبالتالي يعود إلى سلطة السلف والتراث واعتماد نصوصهم بوصفها نصوص تتمتع بذات قدسية يحاول من خلالها إيجاد حل لمشكلة الاغتراب، ولكنه يغرق أكثر ويتستر على مشكلاته الواقعية. والنكروفيلي شخصية تلتزم بالقوانين وملتزم بالمعايير والأعراف الدينية، لأنه هو عبد الله وهو قربان يقدم على مذبح الله، هو لا يعيش من أجل الحياة، بل يعيش من أجل الموت، الموت هو الغاية التي ترضيه. والشخصية النكروفيلية تعشق القوة والسعي نحو امتلاك القوة ، هذه القوة هي التي تحول الآخر إلى جثة والقدرة على القتل، والنكروفيلي حين لا يقتل إنساناً يسعى إلى تجريده من حريته وتبخيسه وإذلاله كي يتمتع بمشاهدة الآخر ذليل يطلب الرحمة ،أن التماهي بالقوة والشخصيات التاريخية والأسطورية التي تتمتع بالقوة لها حضور في ذاكرة النكروفيلي مثلاّ عند المذهب الشيعي نجد قصص وروايات حول بطولات علي بن أبي طالب الخارقة الذي استطاع وحده خلع باب خبير، فالشخصية النكروفيلية شخصية تشق عبوديتها وتفاخر بقربها من السلطة ، فالنكروفيلي شخصية تقف موقف العداء من الحرية ،لأن الحرية هي إسقاط لصك العبودية. أن استغلال رجال الدين للدين ليس إلا عملية سياسية متفق عليها مع السلطة السياسية كي يبقى الناس في حالة من الجمود والتخلف وتكريس العنصرية ، وسوق الناس نحو الموت المجاني تحت شعارات واهية الدفاع عن الله وعن الدين.
المراجع:

فروم، أريك (2011) جوهر الإنسان، ترجمة سلام خيربك، دار الحوار للنشر








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها