الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بلدٌ في مهب الريح: البلد المجهل المالك

محمد حاذور

2023 / 6 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


بلدٌ في مهب الريح: البلد المجهول المالك.!


في الوقت الذي سقطت فيه بغداد على يد الاحتلال الأمريكي وإلى يومنا هذا، ما زالت الأحزاب ورجالاتها المتنفذة في مفاصل الدولة والمسيطرة على مقدرات البلاد والمتحكمة بمصيره، تعمل وفق غطاء ديني حوزوي يسمح لها بنهب وسرقة المال العام لكونه "مجهول المالك" دون أي رادع أو مانع مادي متمثل بسلطة وجيش وقوات ومعنوي بصورة أخلاقية أو دينية. وأغلب مراجع الشيعة في النجف وغيرها، في رسائلها العملية، ثمة حضور لهذه الفتوى.

وانطلاق هذا الحكم جاء من كون الحكومة لا تحكم باسم محمد وعلي. بمعنى، لا شرعية لهذه الحكومة في إداراتها للبلد. إذن، الأموال المتواجدة في بنوك الدولة ومؤسساتها والثروات الطبيعية، هي غنائم. ومن بمقدوره الاغتنام بها، لن يردعه احد، بل ثمة غطاء وأمن لمن يسرق وتشريع وتحريض على نهب المال العام، لأنه مجهول المالك. وإذا شئنا الدقة والفحص بتتبع هذه الفتوى ومراجعة الرسائل العملية للمرجعيات الدينية وتقليب أوراقها، ستكون النتيجة غامضة ومبهمة. كل مرجع له تأصيل فقهي وتخريجة مختلفة يشذ بها عن غيره من المراجع. بمعنى، أن هذه الفتوى مثل سمكة لا يمكن الإمساك بها. فتوى مثل المرآة، تعطيك الشكل الذي تريده منها.

فتوى ناسبت ولائمت كل الأحزاب المهيمنة. كل حزب يتسلح بمرجعية تصمم له فتاوى مناسبة وضامنة لسرقات نظيفة ولا غبار عليها. وللأمانة، كل مرجعية تضع ضوابط وشروط للتعامل مع المال المجهول المالك. ثمة مثل في اللهجة العراقية الدارجة، يدل على لا مسؤولية أو عناية بالمال العام. يقول المثل: "مال عمَّك ما يْهِمَّك". بمعنى أن الأشياء التي لا نحوز على ملكيتها بصورة شخصية، لا ننطوي على تقديرها والحفاظ عليها.

وعلى هذه الأرض برمتها لا توجد حكومات محظوظة بخيرات وثروات تسرقها وتنهبها وتتنعم بها دون وجود من يردعها سواء شعب أو جهة معارضة، مثل الحكومات التي تسلطت على العراق طول عقدين من الزمن المر السحيق. إذن، طالت السرقة كل ما تستطع الأحزاب ورجالاتها سرقته ونهبه. نحن نتحدث عن بلد من أغنى البلدان. نفط وصناعة وتجارة وزراعة ومياه وغيرها من الثروات المكنوزة فوق أرضه وتحته.

أصبح نقل أخبار السرقات والنهب من الأخبار المألوفة على شاشات التلفاز وعلى منصات ومواقع التواصل الاجتماعي. موازنات تقدر بمليارات الدولارات تختفي. مليارات الدنانير تنهب. سرقة الأراضي والبساتين والاستيلاء على ملكيتها وكتم صوت من يملكها بطرق إرهابية. سرقة قوت الناس ومرتباتها ومعيشتها وأعمارها. اعتاد الفرد العراقي على تقبل واستمراء فعل السرقة. لم يعد هذا الفعل مشينا مرفوض الإقدام عليه. وبطبيعة الحال مرفوض بالمطلق، الإقدام على فعل السرقة، في حواضر المجتمع المدني وما فيه من ديانات وأعراف وتقاليد، لا تتساهل مع السارق. ثمة سرقة، لا تتجاوز حدود العوز والحاجة من أجل البقاء والصراع من أجل الاستمرار بالعيش، وهذه جريمة ينبغي محاسبة المجتمع الذي تحصل فيه مثل هذه الحالات وليس معاقبة السارق قوت يومه.

هذا المشهد المتكرر لفترة زمنية ليست بالقليلة، وليس من قبيل المبالغة نعتها بفترة "تربية المجتمع على السرقة والنهب بأساليب متعددة"، لا ينطوي المجتمع العراقي على مصدات ثقافية وأخلاقية ودينية واجتماعية، تقف بوجه فعل السرقة التي أشاعته الحكومات المتعاقبة على البلاد، دون الوقوع والاشتراك بممارسته، وإن كانت الممارسة بطرق كثيرة ولن يحسبها الفرد الممارس له سرقة. إذن، ثمة بلد منفتح  جداً على الدمار والخراب، بلد يرزح تحت حكم الاحتلال وإن كان عبر وكلاء، بلد تحكمه المافيات والعصابات وفصائل المقاومة، بلد منهوب من الألف إلى الياء، تلعب به الفتاوى والمراجع والأحزاب والأمريكان والمتأمركين.

من هذه المشاهد اليومية وطوال عقدين من الزمن التي تشبع بها الفرد العراقي، تسرب إليه، إلى حياته وتفكيره ومنطلقاته مفهوم "المال مجهول المالك". صارت الناس تستغل أدنى الفرص من أجل الظفر بغنيمة من هذا المال المنهوب. فئة تسرق عبر الرشاوي وابتزاز الناس. فئة عبر طرق والتواءات وتحايل تستلم أكثر من مرتب دون أي حياء أو رادع. فئة لا تعمل طيلة الشهر، ومقابل ذلك، يعطي نصف راتبه للسمسار المسؤول عن السماح له بالتغيب عن العمل.

وهذه الفئة المتغيبة عن العمل، تتواجد بصورة كبيرة في المؤسسات الأمنية والعسكرية، المؤسسات المعنية بحفظ حياة الناس وأمنهم وفرضه وتطبيقه. موظفون في دوائر الوزارات ومؤسسات الدولة ومرافق وجامعات وحوزات ومدارس ومستشفيات وغيرها، تسرق وتنهب بالأموال وبحياة الناس وأعمارها، والرادع غائب، بل متغيب بإرادته، إن شئنا الدقة الواقعية الملموسة من الحياة اليومية.

وبالمجمل، دخل الشعب العراقي-بنسبة كبيرة منه، دون التعميم-بدرس وتربية استمرتا لفترة طويلة تعلم فيها كل أنواع الجريمة وبأساليب وحيل جديدة ومبتكرة، يحتال بها الفرد على الحق العام والمنطق الإنساني والقانون المدني بما في ذلك من أخلاق ودين وأعراف اجتماعية ترفض سلبيات الأفعال وتنهى عنها. صاحب الدرس والتربية، هي الحكومة وأحزابها ورجالاتها والمراجع والحوزات التي مكّنت اللصوص والقتلة من التربع على مصير البلاد وأحوالها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأردن في مرمى تهديدات إيران وحماس والإخوان | #التاسعة


.. د. جمال شقرة أستاذ التاريخ المعاصر والحديث:كانت هناك مقترحات




.. الأردن في مواجهة الخطر الإيراني الذي يهدد سيادته عبر-الإخوان


.. مخططات إيرانية لتهريب السلاح إلى تنظيم الإخوان في الأردن| #ا




.. 138-Al-Baqarah