الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جيوسياسة الانقسامات الدينية – الحلقة الأخيرة -

مرزوق الحلالي
صحفي متقاعد وكاتب

(Marzouk Hallali)

2023 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تكرارات وأوجه تشابه للثورات التي نفذت باسم القرآن

تقدم الجماعات الجهادية الحالية نفسها على أنها خلفاء أسلافهم المرموقين: إن "بوكو حرام" تعتبر إعادة إحياء "عثمان دان فوديو (1) . بل والأهم من ذلك ، تعتقد أنها تجسد "الثورات الإسلامية" كاحتجاج اجتماعي مناهض للنخبة الحاكمة والماسكة بمقاليد الحكم وصنع القرار في البلاد. وهذا يتضح من العديد من الأمثلة الحاصلة في إفريقيا جنوب الصحراء، وأيضا في المغرب العربي.
----------------------------------
(1) - مجدد وعالم دين نيجيري ( 1169 - 1232هـ، 1754 - 1817 م). كان مالكي المذهب وأشعري العقيدة متصوفا على الطريقة القادرية. نشأ صوفيا على منهج الشيخ عبد القادر الجيلاني. يرى بعض الباحثين أنه تأثر بالدعوة الوهابية السلفية ( الحكم بما أنزل الله، الاعتماد على الكتاب والسنة، تنقية الدين من البدع ومظاهر الشرك بالله، العودة إلى منهج السلف الصالح، إحياء الجهاد). خلفه ابنه "محمد بَللو". في جعبته أكثر من 150 كتاب (حول الإسلام والدعوة الإسلامية). إنّ دعوة ابن فودي يعتبر دعوته تنفيذا لأمر الله في قوله: (( وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُوْنَ إِلَى الخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَينْهَونَ عَنِ المُنْكَرِ)) ، ولأمر النبي محمد ""من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"".
------------------------------------

أخذ الرهائن والتفجيرات الانتحارية

يتساءل معد التقرير حول كيفية تعامل وسائل مع الظاهرة:
بخصوص الرهائن، عندما يتعلق الأمر بالأوروبيين ، لا يظهر إلا القليل من المعلومات عن مصير الجهاديين المعتقلين. علما أن القانون الدولي ( اتفاقية جنيف- 1949) لا ينص على فئة "إرهابي"، ومن جهة الشريعة الإسلامية يطرح إشكالية مصير الأسرى، ويذكر أن أفريقيا جنوب الصحراء كانت تاريخياً أرض الغارات والعبودية ( الرق).

ويقر، إذا كان أخذ الرهائن ممارسة قديمة، فإن الهجمات الانتحارية جديدة، وقد يكون ضحاياها مسلمين. لا يعتقد المؤلف بوجود تأثير من الشرق الأوسط ، بل يبني تفكيره على الأمثلة القديمة للسلوك الانتحاري في القتال.

حول "تطرف" الإسلام: خليط من الوسائل والملاغم

لطالما تم تقديم – ما ينعته المؤلف – بـ "الإسلام الأسود" على أنه "شعبي" ومرتبط بالأولياء الصالحين، هذا في مقابل ما يدعوه بـ "السلفية البيضاء والعربية"، لكن واقع الحال معقد للغاية. وينطلق المؤلف من محاولة تعريف الصوفية وعرضً تياراتها الموجودة في إفريقيا جنوب الصحراء حيث الإسلام سني أساسًا على المذهب المالكي.

الصوفيون والسلفيون: "التقارب ضمن الاختلاف"

يؤكد المؤلف أن هذه المسألة معقدة جدا اليوم ، لا سيما في نطاق فهم "الظاهرة الجهادية" المعاصرة. هناك حضور للتقليديين والمصلحين والمجددين في كل "المجموعات"، لكن خلف المنطلقات و الجذور المشتركة تكمن اختلافات كثيرة ومتعددة، علما أن مختلف المذاهب – سواء حاليا أو سابقا – هي في الأصل "تكوينات سياسية" تأثرت إلى حد بعيد بظروف العصر، إذ نفس الفكر والتيار ، من شأنه أن يؤدي إلى مواقف وأفعال مختلفة ومتباينة .

تهجين المذاهب

يصف المؤلف مرونة "مفهوم الجهاد"، ويعطي بعض الأمثلة منها: غانا والاشتباكات بين السلفيين والصوفيين في شمال البلاد منذ عام 1964 ، السنغال مع مرور الصوفيين إلى المعارضة عندما تراجع نظام الحزب الواحد.

الوحدة الإسلامية: رؤية استعمارية

في القرن التاسع عشر، كانت فرنسا قلقة من التهديد الذي يشكله الإسلام (الصوفيون السنغاليون؛ المهدية السودانية...) : رأى المستعمرون في هذه الحركات تعبيرا عن التعصب الديني (2) .
---------------------------------------------
(2) - "الدولة المهدية"، نظام سياسي حكم السودان من 1885 إلى 1899 م، منطقة سيطرتها تكاد تطابق السودان. أدى سقوطها ، إلى إنشاء ما سمي بـ "السودان الأنجلو- المصري". يُعتبر "المهديون" أحيانًا أوائل "قوميي السودان". سيطر أتباع محمد أحمد بن عبد الله المهدي - الذي لقب بـ "المهدي" – على السودان المجاور لمصر بين عامي 1881 و 1885 م. قبل وفاته في 1885، بعد ستة أشهر من الاستيلاء على الخرطوم، أضحت مهمة الحفاظ على النظام على عاتق نوابه، وهم ثلاثة خلفاء اختارهم المهدي. استمر الصراع والتنافس بين الثلاثة، كل منهم بدعم من سكان منطقته الأصلية، حتى عام 1891. توارت اختفت المهدية بعد أن أعادت الجيوش الأنجلو- المصرية ، احتلال السودان بين 1896 و 1899 م. أدخل المهدي بعض التعديل في أركان الإسلام الخمسة ليجعل منه عقيدة إخلاص إلية، حيث أضاف إلى الشهادة "لا إله إلا الله محمد رسول الله " عبارة "ومحمد أحمد مهدي الله وممثل نبيه". علاوة على ذلك، فإنه اعتبر الخدمة في الجهاد تحل محل الحج إلى مكة كركن، كما أصبحت الزكاة ضريبة مدفوعة للدولة. وقد.أكد المهدي أن هذه "الإصلاحات" ليست من اجتهاده وإنما هي "وصايا" نقلها الله إليه. وأقر المهدي أن حركته ليست عقيدة دينية يمكن قبولها أو رفضها حسب الرغبة ، بل هي "عقيدة كونية " يجب على الجميع الإيمان بها، وكل من رفضها وجب قتله.
------------------------------------------------------

يقدم المؤلف تحليلاً لفكرة الوحدة الإسلامية في السياق القومي للقرن التاسع عشر. وهو يستمد مثال الانتفاضات المهدية في نهاية القرن 19 وبداية القرن العشرين. يظهر من خلال تحليله أن هناك غياب علاقة مع الشرق الأوسط من جهة، ومن جهة أخرى الدوافع المناهضة للاستعمار التي لا علاقة لها بالدين ( الثورات ضد الضرائب ، والدوافع الاقتصادية ، وتأكيد الجماعات الإثنية).

وتساءل المؤلف: هل يمكن أن نتحدث عن "الإرهاب العالمي" من الاستقلال إلى اليوم، وهذا علما أن فترة الحرب الباردة تميزت بتنوع مراكز التشدد الإسلامي على نطاق عالمي؟ و ما هو ثقل تأثير "الوهابية السعودية" في أفريقيا جنوب الصحراء؟

ويظهر تحليله أن الوضع في السعودية – مهد وضحية تنظيم "القاعدة" على حد سواء - مدى تعقيد الظاهرة والتصاق مختلف الجماعات كسلاح للمعارضة في الدول المحافظة. وقد أعاق "التقشف الوهابي" توسع الوهابية في أفريقيا جنوب الصحراء خارج النخب الحضرية. ويقدم المؤلف مثال السلفيين في ساحل العاج، كما يظهر ضعف المعرفة باللغة العربية (العقبة اللغوية)، كما أن ترجمات القرآن إلى "اللغات الأفريقية" حديثة جدًا. علما أن الجماعات الجهادية الأفريقية تستخدم اللغات المحلية وليس اللغة العربية كلغة استخدام، ويدعي زعماؤها أنهم يأخذون تعاليمهم مباشرة من القرآن ("بوكو حرام" مثلا).

في العمق حصلت تحولات علمانية ومعها محاولات لـ "تنظيم الدين" ومحاولات الإسلام تحدي القوى الاستعمارية.

في الفترة الاستعمارية كانت هناك محاولات لإحكام السيطرة على الدين والسلطات الإسلامية ( الأمراء والسلاطين...) ومراقبة المحرضين (الوعاظ في المساجد والمدارس القرآنية). وقد اعتمدت السلطات الاستعمارية أيضًا على "الهياكل والمؤسسات" الإسلامية القائمة للإشراف على السكان. كما تم تجنيد السود في القوات الاستعمارية.
بعد الاستقلال، تأرجحت الدولة بين الاستبداد واللامبالاة والرضا بالأمر الواقع. ففي في نيجيريا أو السنغال ، سعت الدول الفتية إلى مراقبة الأئمة المحتجين ، وحظر الخطب الجماهيرية ، والسيطرة على المدارس القرآنية. وفي غانا وموزمبيق، فشلت محاولات تنظيم دين بدون رجال دين بسبب الافتقار الشديد إلى الإجماع على القواعد الإسلامية التي تولد تفسيرات متنوعة.

عموما ساد توجه نحو أشكال توفيقية رأسمالية وحضرية جديدة في المجتمعات التي يتواجد فيها مسيحيون ومسلمون.

في إفريقيا ، على الرغم من أن الأديان التوحيدية قد تبدو مهيمنة رسميًا ، إلا أن العقيدة الإحيائية لم تختف قط. ولفترة طويلة ، كان الإسلام ، حتى القرن التاسع عشر ، قادرًا على التطور كدين للتقدم والمعرفة. لقد اعتُبر التحول إلى الإسلام وسيلة إلى الحضارة ومواجهة الشهوة الجنسية والجهل (3).
--------------------------------------------
(3) - اشتهرت مدينة "تمبكتو" بعلمائها المسلمين وتشير التقديرات إلى أنه في نهاية القرن السادس عشر الميلادي ، كان بإمكان 10 في المائة من سكانها - البالغ عددهم75 ألف نسمة - قراءة القرآن.
------------------------------------------

عطل الاستعمار هذا النمط مع إدخال ديانات جديدة و اعتماد التعليم الغربي. ويتعلق الأمر - بالأساس - بتقويض سلطة الهيئات والمؤسسات الدينية القائمة برفض العبودية. وتصدت "الأرستقراطيات" لتمدرس وتعليم عبيد "الهوسا" السابقين خوفا من عدم انصياعهم لأسيادهم، وأيضا ، معاداة ورفضً محاولات تثقيف أبناء "رؤساء العشائر" وخاصة الفتيات. وهذا ما ترك هذه الفئات ، التي كانت قوية في وقت ما ، مهمشة بعد الاستقلال ، لأنها لم تكن قادرة ، بسبب نقص التعليم ، على الاندماج في المجتمع ( مثال: في نيجيريا يواجه الجنوب المسيحي المثقف الشمال المسلم غير الساحلي والإقطاعي، وأيضا تكرار رفض "بوكو حرام" للتعليم الغربي ) .

ومع ذلك، يدعو المؤلف إلى توخي الحذر في تحليل الأحداث. إنه يستحضر الأسس الاقتصادية والقبلية والعشائرية لبعض الاشتباكات (المزارعون المستقرين / الرعاة الرحل ، النزاعات على الأراضي ...) حتى لو كان الجهاديون في خطبهم يقدمون المسيحيين على أنهم جسر للهيمنة الغربية. كما يظهر المؤلف وجود تعايش سلمي بين المسلمين والمسيحيين في العديد من البلدان. لقد ساهم التمدن بشكل خاص في تناسل الزواد المختلط وأحيانا نوعا من التوفيق بين المعتقدات. تاريخياً ، ساهم الإسلام في التمدن عبر تمدين بعض البدو الرحل (كاولاك ، في السنغال ، راماتولاي في بوركينا فاسو...). كما تعد المدينة أيضًا "بوتقة عالمية" للإسلام أكثر من المجتمعات الريفية التقليدية المرتبطة بمنطقة ما. فالجماعات السلفية الجهادية تفضل المدينة عن الريف.

خلصت الدراسة إلى التساؤل التالي: هل حدث تمزق أم استمرار "الإسلام المعاصر" في إفريقيا جنوب الصحراء؟
فما يمكن الإقرار به، أن هناك تنوع واضح في المواقف، وهذا يشكل تعقيدا لن يكون من الحكمة التغاضي عنه وتناسيه.
_______________________ انتهى _________________________








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خدمة جناز السيد المسيح من القدس الى لبنان


.. اليهود في ألمانيا ناصروا غزة والإسلاميون أساؤوا لها | #حديث_




.. تستهدف زراعة مليون فدان قمح تعرف على مبادرة أزرع للهيئة ال


.. فوق السلطة 387 – نجوى كرم تدّعي أن المسيح زارها وصوفيون يتوس




.. الميدانية | المقاومة الإسلامية في البحرين تنضمّ إلى جبهات ال