الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كل سنة وأنت طيب يا بابا

فاطمة ناعوت

2023 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كالعادة مرَّ بالأمس "عيدُ الأب" دون أن ينتبه احدٌ! "الأحد الثالث من شهر يونيو" من كلّ عام، هو اليومُ العالمي للأب. وأُهدي هذا المقالَ لأبي المتصوّف الجميل الذي علّمني أن أُحبَّ جميعَ خلق الله، دون استثناءَ ودون حساباتٍ ودون سبب. لأن حبَّ "الخَلقِ" فرعٌ من حُبِّ "الخالق" ودليلٌ عليه. في طفولتي كان أبي يقول لي: الأسرةُ الصغيرة تسكنُ في المنزل، والأسرةُ الكونية تسكنُ الكون. ولهذا فجميعُ البشر أسرةٌ واحدة. فتعلّمتُ أن أذهب إلى مدرستي كل صباح لألتقي بأشقائي التلاميذ، وأمهاتي وآبائي المعلماتِ والمعلمينِ والدادات والسُّعاة وحرّاسِ البوابات وسائقي باصات المدرسة. وتعلّمتُ أن أبتسمَ في وجه جميع مَن ألتقي بهم في الطريق، فهم جزءٌ من أسرتي الكونية، وإن كنتُ لا أعرفُ أسماءهم. والحقُّ أن هذا هو أعظمُ درسٍ علمنيه أبي، وإن لم يعلمني سواه لكفاه. لهذا أُهدي حبي ومقالي عن "عيد الأب" إلى جميع آبائي الروحيين الذين علّموني ودعموني على مدار حياتي، وإلى أبي الحقيقي "أجمل أبٍ في الدنيا". وأعلمُ أن العديدَ مَمن يقرأون الآن هذه العبارة يهمسون سرًّا أو يهتفون جهرًا: “بابا هو أجملُ أب في الدنيا!” وبهذا فالمقالُ مُهدًى لكل هؤلاء وأولئك. كل عام وكلّ أبٍ حنون وداعم لأبنائه، بخير.
جميعُ الأدبيات في ثقافات العالم "دلّلت" الأمَّ ووضعتِ "الأمومة" دُرّةً على تاج العلاقات الإنسانية. وجميع العقائد والأديان والفلسفات الوضعية كرّمتِ "الأمَّ" وأسكنتها المكانةَ الأرقى بين البشر. وقصائدُ الشعراء، ورواياتُ السُّرّاد، والأغنياتُ، والأمثالُ الفولكلورية، والدراما، وغيرها من همساتِ البشر في آذان البشر، أوسعتِ الأمَّ كتابةً وتصويرًا وتمجيدًا وتخليدًا. وهي دون شكّ تستحق كلَّ هذا وأكثر. فالأمُّ رمزُ الإيثار، وهي منذورةٌ لأعسر وأجمل وأشقّ وأنبل مهمة بيولوجية وإنسانية يؤديها كائنٌ حيّ تجاه كائن آخر. أن يَخلُصَ من جسدها جسدٌ، ومن نفسِها نفسٌ، ومن قبلها قلبٌ، ومن روحها روحٌ، مثلما تتشقّقُ زهرةٌ وتتقشّر أنسجتُها ليُشرق منها برعمٌ وليد. ثم لا تكتفي الأمُّ بهذه المُعجزة الفريدة، بل تُكملُ دورَها القدسيَّ  في إنبات ورعاية براعمها؛ حتى تستوي الزهورُ على أغصانها، تسرُّ الناظرين.
وفي أثناء الرحلة، يُنسَى الأبُ. وقلّما يتذكرُ أنه يُنسى. يتواضعُ عن معرفه مكانه ومكانته. لماذا؟ لأن الأبَ كذلك يدورُ في فَلك أمّه. فقد كان هذا الأبُ طفلا يحبُّ أمَّه ويرتمي في حضنها إن غاضبه طفلٌ مشاكسٌ، أو نهره الأبُ، أو عنّفه المعلم. مبكرًا علّمته الحياةُ/ "الأمُّ" أنه سوف يأتي بعد الأم، حين يصبح مع الأيام أبًا. والشاهدُ أن الأبَ الحقيقيَّ لا يعبأُ بالتكريم، بل يهتمُّ أكثرَ بتكريم الزوجة التي صارت في بيته أُمًّا، أنجبت أطفاله وأنشأتهم التنشئة الحسنة. الأبُ الكريمُ لا يشعرُ بالأبوّة لصغاره وحسب، بل كذلك للجميلة التي جعلته أبًا، وصارت لصغاره أمًّا.
"عيدُ الأب" للآباء الحقيقيين الذين يستحقُّون التكريم، لا الآباء الذين ينجبون عديد الأطفال، كأي كائن حي، ثم ينسون صغارَهم فيما ينسون، ويتركون عبئهم للدولة. أهدي هذا المقال مع باقة زهر لكل أب يرعى صغاره حتى يصيروا رموزًا يفخرُ بهم هذا الوطن الطيب، ويحبُّ ويحترم ويحتوي زوجتَه، تلك الجميلة التي حملها إلى بيته صَبيةً صغيرة، فصارت في بيته أُمًّا يلتفُّ حولها صغارُه.
دعوني أقصُّ عليكم حكاية: "عيد الأب"، وكيف نشأ. صبيةٌ أمريكية طيبة اسمها "سونورا لويس سمارت دود" ولدت عام 1882، وقبل بلوغها عامها السادس عشر، رحلت أمُّها وهي تضعُ طفلها السادس، ليتولّى أبوها المزارع البسيط مسؤوليتها وأشقائها الخمسة، وحيدًا. كانت تستمع في أحد الآحاد من عام 1909 إلى عظة دينية عن "عيد الأم”. فوخز قلبَها أن الحياةَ نسيت أباها العظيم الذي كان لأسرتها أمًّا وأبًا يعمل في الحقل ويطهو لهم الطعام ويغسل ملابسهم ويسهر على استذكارهم. فما كان منها إلا أن كتبت عريضة مطولة تكلمت فيها عن مكانة الأب في حياة أطفاله، وأوصت في نهاية عريضتها بتخصيص يوم للاحتفال بالأب، أسوةً بعيد الأم العالمي الخالد، العابر للجغرافيات والأزمان.  واقترحت "سونورا" أن يُدشّن عيدُ الأب يومَ عيد ميلاد أبيها. قدمت الفتاةُ العريضة للائتلاف الحكومي لمدينة سبوكين، فأيدت فكرتَها بعضُ الفئات المجتمعية في ولايتها. وفي العام التالي احتفلت مدينة "سبوكين" بولاية واشنطن بأول عيد أب في العالم يوم 19 يونيو 1910. ثم جاء عام 1966 ليُصدر الرئيسُ الأمريكي "ليندون چونسون" مرسومًا رئاسيًّا بأن يكون "الأحدُ الثالث من شهر يونيو"، هو العيد الرسمي للأب. ورغم مرور أكثر من قرن على تشدينه، يظلُّ عيدًا خجولا يأتي ويمضي على استحياء، دون أن يتذكره أحدٌ.
كل عام وكلّ أبٍ "حقيقي" بخير وفرح.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مقالاتك استاذه فاطمه انسانية وتربوية ولكن لنتناقش
الدكتور صادق الكحلاوي- ( 2023 / 6 / 21 - 21:52 )
لماذا هذا الانمحاء والتدهور للعواطف بين الناس وخاصة بين افراد العائلة الواحده بالاخص بين الاوة والاخوات وبينهم وبين ووالديهم امهم وابيهم بل وليس غريبا ان نقراء من وقت لاخر -وللاسف احيانا يوميا باخبار جيلي لم يعشها في الثلاثينات والاربعينات والخمسينات بل وحتى الالفين-مثلا ابن او ابنه تقتل -يقتل اخاها او اختها او الام او الاب بسبب-الارث مثلا او نتيجة لاختلاف لم يكن يوما سببا لقتل الغريب وليس الام او الابن او الاب الخ -انا قريب جدا من ال90من العمر واتذكر النصف الثاني من ثلاثينات القرن الماضي العشرين واتذكر بحبوحة الهناءة مع الاعمام والاخوال وابنائهم وبناتهم والسرور والفرح العميق عند لقائهم وقضاء الاعياد معهم وكانت العواطف الجياشه تشمل الجيران وابنائهم بل واهل القرية بل والمدينة فيما بينهم-اتذكر في الاربعينات ووالدي صاحب دكان تجاري كان ممن استجاب لتعطيل العمل يوم الجمعه ولكن ظهر مرة اننا بحاجة لبعض السكر والشاي فارسلني لاشتري من بعض من يفتح متجره وبعد الطلب قدمت المبلغ واذا بصاحب المتجر يرفض الاستلام وهو يردد روح بابا احنه صنف-يعني كالعائله في حين ابنتي الطبيبه لاتسلم ناهيكم عن التهاني

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah