الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفكار معلبة

صليبا جبرا طويل

2023 / 6 / 21
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


"ألأفكار المعلبة، أفكار جامدة تعاند الزمن وتنفر منه لا تحتمل إخضاعها للتحليل والتفسير والنقد والنقاش، بها تزور الحقيقة وترسم بما يناسب مُنتجها".


الثورات الفكرية في العالم الثالث نادرة - ذلك لا يلغي ولا يعني عدم وجود مفكرين - ، السؤال ألأكثر إلحاحاً الى متى ستبقى هذه الدول أسيرة مقيدة تعيش في تاريخ ماضوي ؟. شعوب تحلم بعودته، لا بناؤه انطلاقا من قواعد واسس علمية تناسب روح العصر والتطور الذي يلف عالمها. الى متى سيبقى الجمود الفكري مسيطراً؟ الى متى ستبقى خارج زمانها؟... الى متى ستبقى تتعاطى أفكاراً معلبة صلاحيتها منتهية؟. دول فيها العديد من التشكيلات إلإجتماعية والحزبية والطائفية تفترض كل منها انها هي وحدها تمتلك الحقيقة والصواب والأخرون على خطاء، كيف لهكذا فكر معلب ان لا يؤدي إلى خلخلة وشرذمة المجتمع وجموده الفكري، ليطفوا بالتالي على السطح قيم غير مقبولة تكون فيها الكراهية هي المسيطرة .
لحظة الولادة تبداء مسيرة بناء الإختلاف والتمييز، نلقن أبنائنا وبناتنا نحشو ادمغتهم بتعاليم مختلفة بها خرافات وحقائق تشكل وعيهم وفهمهم وطريقهم في الحياة. نطلب منهم حفظ ما تعلموه في ذاكرتهم، محرمين عليهم النقاش فيها من منطلق أنه إرث فكري لا غبار عليه، إرث رفيع محصن. إحترام كل تراث وفلسفة وعقيدة وادبياتها واجب خاصة عندما تكون أخلاقها وقيمها وسلوكها بحجم مقدار تطبيقها ألإنساني على أرض الواقع بما يناسب -العصر - الزمان والمكان الذي يعيش فيه الإنسان، دون ذلك تعتبر أفكار معلبة تحتاج لجهود جبابرة لتصحيح مسارها وتصويبها لإخراجها من قوقعتها.
قالوا :" الله خالق الكون، هو إله محبة " . قلت: " إذن ماذا؟ لن أتقبلها، هذه فكرة معلبة جامدة ما لم يتم فهمها وتحليلها وتطبيقها وتفسيرها ونقدها عقليا وتعميمها وتفعيلها كفكرة رائدة مميزة على مستوى البشرية جمعاء بعيداُعن ألإنحياز لطرف دون أخر مع التركيز والمحافظة على كرامة ألإنسان واستقلاليته وحرياته، بعيداُ عن هذه المقاصد السامية الرفيعة النبيلة أعتبرها فاقدة لصلاحيتها يوم إنتاجها. فإن لم يكن ألإيمان الديني عامل أساسي في تحرر ألإنسان يكون عامل إسقاط في العبودية".
الأفكار المعلبة تقتل فينا القدرة على التحليل والنقد والإستنتاج العلمي والمنطقي.لذلك علينا أن لا نخلط بين مادتي العلم والدين. مادة العلم شيء ومادة الدين شيء اخر، والربط بينهما ينتقص من هدف كل منهما. ألأفكار المعلبة قد تكون ضد أو تتوافق مع أحدهما أو كلاهما. الدين قضية حيوية حين يكون له القدرة على ملائمة ومعاصرة كل زمان ينتقل اليه، وقوفه في زمن معين دليل على عدم حيويته إنسانياً وهشاشته بنائياً. العلم يتطوركذلك الدين يتطور ملائماً لزمانه محافظاً على جوهره، وإن توقف بات تقليداً يؤثر على سير الحضارة وتقدمها. تبعاً لذلك علينا التخلص والتحرر من كل المظاهر التي تلهي المرء بالقشور وتبعده عن لباب وجوهر واستقلالية رسالة كل من الدين والعلم.
ألأفكار المعلبة تتوخى العتمة لا النور، ليست سهلة الهضم عقليا كونها معقدة ممنوع الحديث فيها وعنها. لذلك نميل الى المبالغة وألإنفعال والخديعة والعصبية لبعث الثقة عند المستقبل المتشكك في حقيقة ما تطرح. كلنا يدرك أن ألإنسان لا يلد سيء الطباع والسلوك، ألإنسان صناعة المجتمع كما أن المجتمع صناعة الإنسان. ألسلاح ألأكثر فتكاً في المجتمع هووجود فكرة الشعور بتفوق ألآنا عند ألافراد والمؤسسات، شعور ولد نتيجة تعاطى أفكار معلبة بالجهل والكراهية، ليصبح بالتالي كل من يتداولها دمية بأيدي من غذاه بها وما عداه غرباء.علينا أن نتقبل، ندرك، نعي، نفهم ، نستوعب أن أي تغير مجتمعي سيحمل معه ملامح حضارية ومادية ليست من إنتاجه، وإن حجرألأفكار في الماضي وإستحضار الماضي إستخفاف في العقل، والإستخاف بالعقل لا يبعث على الابتكار والابداع والتطور.ألأفكار المعلبة تؤدي إلى إضعاف العلاقات الاجتماعية وتباعدها.
قولبتنا وتشكلنا كما يريد ويناسب المُنتج للأفكار المعلبة يسير بنا نحو الهدف الذي رسمه ليستلب عقلنا وفكرنا وحاضرنا ومستقبلنا.من المؤلم أن نكتشف أن ما نتلقنه لا يستجيب لروح العصر الذي فيه نعيش ، قصورنا في ذلك مرده نحن لأننا ارتضينا أن نتلقى الأمور على علاتها دون إخضاعها لمنطق وتحليل وتفسير ونقاش.علينا أن نرفع الغطاء عن كل ما يستر الحقائق ويمنعها ونجاهر بمصداقية وصدق كل ما يخفي داخل هذه العلب – علب ألأفكار المعلبة -التي يطلب منا أن نلتهمها حتي لو كان هضمها عسيراً على العقل، وقبولها يخالف المنطق والطبيعة.
احذروا الدول المارقة، الدكتاتورية، الاستعمارية، المهيمنة على الانتاج العالمي، من كل ما تصدره اليكم من أمور تمس احلامكم الجميلة من حريات، وسلام، وغد مشرق، وحقوق إنسان واستقلال، وعدالة الخ...، هذه الدول لا يهمها سوى أقتصادها وازدهارها وتحكمها بمصيركم ومصادركم المنتجة، ما تصدره لكم ليس إلا أفكار معلبة شهية المنظر تسعى للسيطرة عليكم لا تسقطوا في شباكها ووعودها لا تفكروا مرتين ارفضوها حتى يتبين لكم الغث من السمين في خباياها، التاريخ اثبت نقيض ما تطرح. أرفضوا الكلام والوعود المعلبة دوماً حتى لو قالوا لكم انتم شجعان وهذه حقوقكم. الشجاعة لا تعني الاقتتال، والحقوق تعني إعطاء كل صاحب ذي حق حقه. توخوا الحيطة والحذر منها، تعرفوا جيدا على مصدرها، انتبهوا لخداعهم وازدواجية معايرهم، تأكدوا أن عدم رضاكم وعدم قبولكم لطروحاتهم سيتم تصنيفكم ونعتكم بعبارات قاسية قبيحة يشتم منها رائحة العداء مستعملين الاعلام والسلاح لإرهابكم، مستغلين الهيئات الدولة لمحاربتكم.
يجدر بالبشر ويحتم عليهم قبل تبني أي معلومة يتلقنوها أن يتم مناقشتها وغربلتها وإنتقادها من أجل تصويب الفكر الحضاري على كافة الأصعدة سياسية عقائدية اقتصادية إجتماعية ثقافية ،علي البشر الحذر من ألأفكار المعلبة وإجتنابها والثورة عليها لا تجميدها، تجميدها يعني وضعها في عزلة تؤدي بالتالي الى تقوقع الإنسان على ذاته لتصبح المكونات ألإجتماعية منغلقة على بعضها البعض. من يرتضى بهذا الوهن والتراجع يطلب منه أن لا يجادل ولا يناقش بل يتقبلها كما هي مهما ألح عليه فكره وضميره. الخروج من ثقافة القطع الملتزم بألأفكار المعلبة صعبة ومعقدة تحتاج الى ثورة فكرية وقرار ثوري. فكل ما يطرح من أفكار معلبة لا يخضع للتفسير والتحليل والنقد دون ألخروج بحلول يصبح في حكم المؤجل، تئن منه أجيال وأجيال حتى يأتي زمن تهب فيه رياح التغير لمعالجته واقتلاعه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأقباط يفطرون على الخل اليوم ..صلوات الجمعة العظيمة من الكا


.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو




.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم


.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله




.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط