الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القفص

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 6 / 21
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


١ - البداية الروتينية

جان- كلود رومان Jean-Claude Romand، رجل في منتصف حياته، ٤٥ سنة، في منتهى السعادة حسب المقاييس الإقتصادية والصحية والثقافية والإجتماعية المعترف بها في أوروبا وفي العالم أجمع. يعيش في فيللا واسعة في مدينة صغيرة تسمى Prévessin على الحدود السويسرية الفرنسية، وهي منطقة، تشبه الجنة الأرضية، الخضرة والماء والأزهار والهدوء والثروة، لا يتجاوز تعداد سكانها الـثمانية آلاف نسمة، تمثلها ٦٠ جنسية مختلفة أغلبها أوروبية بطبيعة الحال. جان-كلود، يعيش مع زوجته فلورنس، وإبنتهم كارولين ذات السبع سنوات، والإبن أنطوان الذي يصغرها بعامين. هذه العائلة الصغيرة تعيش بالتأكيد حياة سعيدة وهادئة في هذا الجزء الجميل من فرنسا الذي يسكنه أغنياء الطبقة المتوسطة من مهندسين وكوادر الشركات الكبرى والبنوك ومعامل الأدوية والصيدلة، وكذلك العديد من الجراحين وأطباء الأسنان والعيون ومتخصصي جراحة القلب .. إلخ. ويشتغل العديد من أعضاء هذه البشرية المرفهة في سويسرا، حيث الرواتب عالية جدا مقارنة برواتب فرنسا، وفي نفس الوقت يعيشون في فرنسا حيث رخص الحياة والإيجار مقارنة بجحيم الأسعار في سويسرا. جاء جان-كلود وزوجته إلى هذه المنطقة في سنة ١٩٨٤، بعد تحصله على وظيفة "باحث" في أحد مختبرات منظمة الصحة الدولية O.M.S، والذي يقع مقرها الرسمي في جينيف، على بعد نصف ساعة من منطقة سكنه.
جان-كلود، كان الإبن الوحيد لعائلة من الطبقة المتوسطة والميسورة نسبيا، عقدت عليه كل آمال العائلة، وبالذات والدته ثم والده وبقية الأقارب الذين يأملون بواسطة ذكائه وعمله وعلاقاته المستقبلة، في أن يجتاز بهم الجسر، أو درجة السلم التراتبي الفاصل بين "الحال المتوسط" إلى حالة الأسر "الميسورة"، وهو أمل كل الطبقة المتوسطة، وذلك حتى لا تسقط في الإتجاه المعاكس ويجتاحها مرض الفقر والحاجة. وفعلت هذه العائلة الطيبة كل جهودها ووضعت كل إمكانياتها المادية والإجتماعية ليتمكن جان-كلود من تحصيل تعليم جيد وتربية راقية المستوى وحس أخلاقي مرتفع، ولم ينقصه أي شيء في أي لحظة، ولم يحتاج في كل حياته لشيء لم يتمكن من الحصول عليه. كانت العائلة تحبة لدرجة المرض ومبالغ فيها لدرجة كبيرة، وبالذات والدته، وكان هو أيضا يحبهم ويحترمهم لدرجة كبيرة. وعلى المستوى المدرسي والتعليمي، كان ذكيا وناجحا ومواضبا في الدراسة ومتفوقا على أغلب زملائه. ولم يكن متعاليا رغم تقدمه على رفاقه، بل كان مهذبا ورقيقا ومستعد لخدمة الجميع والمساعدة كلما أتيحت له الفرصة. بإختصار، كان يتمتع بثقة جميع أهله وأصدقاءه وزملاءه في المدرسة وفي الكلية ثم في الجامعة، ويتفق الجميع على أن جان- كلود له مستقبل باهر في أي مجال يختاره.
وقد أختار جان-كلود مجال الطب لدراسته، لأن دراسة الطب تعتبر من أصعب الدراسات من ناحية الزمن الذي على الطالب أن يقضيه في الجامعة، وبالتالي أغلاها تكلفة، بالإضافة إلى أنها مهنة مبالغ في أهميتها إجتماعيا نظرا لأن هذه السمعة المهيبة ترجع أساسا إلى النواحي المادية للمهنة وليس للفنية أو الإبداع الشخصي. إجتماعيا، الطبيب شخصية مهمة من الدرجة الأولى، ليس فقط من ناحية الدخل الضخم، وإنما من ناحية العلاقات التي يقيمها الطبيب مع الشبكة السياسية والإقتصادية والعلمية في المجتمع الذي يعيش فيه.
وقد تحصل على تعليمه العالي في جامعة ليون faculté de médecine de Lyon، حيث ألتقى وتعرف على فلورنس، التي كانت تدرس الصيدلة في نفس الكلية في السبعينات. وقد تم الزواج بينهما في سنة ١٩٨٠، لأن الزواج ما يزال قيمة إجتماعية عالية تقوم البرجوازية المحافظة على التمسك بها، رغم تراجع هذه المؤسسة الإجتماعية بعد ضربات ثورة ١٩٦٨ العمالية والطلابية وتطور الأفكار الفيمينيستية الثورية ضد النظام الأبوي. وتحصل جان-كلود على شهادته الجامعية الأولى سنة ١٩٨٣، وتحصل فورا على عمل في أحد المعامل الكبرى في جينيف، وانتقلت العائلة إلى "بريفسان" على الحدود السويسرية في السنة التالية لظروف عمل جان-كلود، ثم ولد الأطفال في السنوات التالية، كارولين سنة ١٩٨٥، وأنطوان بعد عامين سنة ١٩٨٧. أما الزوجة فلونس، فإنها لا تشتغل إلا لفترات متقطعة وعندما تشعر بالملل لتغيير الجو، ذلك أن عمل النساء في هذه السنوات ما يزال هامشيا بخصوص العائلات المحافظة، حيث تعتبر المرأة نفسها ربة بيت وإهتمامها الأساسي هو راحة الزوج وتربية الأطفال. في البداية كانوا يسكنون في شقة صغيرة نسبيا، ثم أنتقلت العائلة فيما بعد إلى فيللا كبيرة، واقتنوا سيارة فاخرة BMW، وسجلوا الأطفال للدراسة في مدرسة خاصة ذات سمعة جيدة ومستوى رفيع حسب ما يقال. وبسرعة أصبح جان-كلود شخصية محلية بارزة محترمة من جميع أعيان هذه المنطقة الصغيرة، حيث كان يتمتع بعلاقات واسعة رفيعة المستوى محليا وعالميا، وكان محل فخر وثقة والديه وعائلة زوجته فلورنس الذين يكنون له بدورهم الكثير من الإحترام والتقدير يصل أحيانا لحد التبجيل، لكونه باحث Chercheur على المستوى الدولي، يقود عدة برامج علمية وطبية شديدة الأهمية علميا وإقتصاديا، يلقي العديد من المحاضرات في المجمعات العلمية الدولية ويحضر الإجتماعات والدورات العلمية المتخصصة، بالإضافة إلى عمله كأستاذ محاضر في العديد من الجامعات. كل هذا النشاط كان يحتم عليه أن يتغيب ويسافر عدة مرات في الأسبوع، غير أن عائلته وزوجته كانت تتفهم بطبيعة الحال هذه الأمور الضرورية الناتجة عن ظروف وظيفته، وكانت تعمل كل ما في وسعها لمساعدته.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أنس الشايب يكشف عن أفضل صانع محتوى في الوطن العربي.. وهدية ب


.. أساتذة ينتظرون اعتقالهم.. الشرطة الأميركية تقتحم جامعة كاليف




.. سقوط 28 قتيلاً في قطاع غزة خلال 24 ساعة | #رادار


.. -لن أغير سياستي-.. بايدن يعلق على احتجاجات طلاب الجامعات | #




.. هل يمكن إبرام اتفاق أمني سعودي أميركي بعيدا عن مسار التطبيع