الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في إنتظار الفجر

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 6 / 22
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


القفص
٢ - موعد الحريق

وهكذا أستمرت أمور الحياة داخل هذه العائلة المثالية لمدة تقارب العشرة سنوات، حتى يوم الإثنين ١١ من شهر يناير سنة ١٩٩٣، في حدود الساعة الرابعة صباحا، وهو الوقت الذي تمر فيه عادة سيارة جمع القمامة أمام بيت عائلة جان-كلود رومان، حيث لاحظ العمال أن هناك حريق قد شب في البيت واللهب يلتهم السقف. وبعد دقائق قصيرة وصلت فرق المطافيء بسيراتهم الحمراء اللامعة، وتمكنت فرقتهم المحترفة من إخماد الحريق قبل أن تأكل النار البيت بكامله، رغم أن جزءا كبيرا من السقف كان قد ألتهمته النيران كليا، وكذلك جزء كبير من الطابق العلوي للبيت. ويعد إطفاء الحريق، أكتشف فريق الإطفاءأربعة جثت محترقة، جثة جان-كلود وزوجته فلورنس، وجثة إبنتهم الطفلة كارولين، البالغة من العمر سبعة سنوات وإبنهم أنطوان، خمس سنوات من العمر. غير أن بطل قصتنا جان-كلود، كان ما يزال يتنفس ولم يفارق الحياة كبقية أفراد عائلته، كان في حالة خطرة ولكنه ما يزال على قيد الحياة. ونقل فورا إلى أحد المستشفيات الكبرى في جنيف لمحاولة إنقاذه.
حوادث الحريق من هذا النوع ليست نادرة في فرنسا، وبالذات في فصل الشتاء، حيث تنشب الحرائق عادة نتيجة أجهزة التدفئة القديمة أو نتيجة خلل كهربائي في الشبكات الكهربائية التي لم تجري عليها أية أعمال للصيانة. وذلك يحدث غالبا في الأحياء الشعبية الفقيرة في المدن الكبرى أو في البيوت الريفية الغير مجددة والتي لم يقام تحديثها وصيانتها. أما في الفيللات الحديثة أو البيوت القديمة والتي أعيد تحديثها فإن هذا النوع من الحوادث يعتبر نادرا إلى حد ما. والحقيقة أن هذا الحريق الذي شب في فجر هذا اليوم في هذا البيت الكبير، والذي يقع على شارع Bellevue الذي يجتاز هذه المدينة الهادئة Prévessin، لم يكن حريقا عاديا، ولم يكن حادثا، بل حريق متعمد. فبعد التحقيق، أكتشف رجال المطافيء آثار البنزين في البيت، ثم أكتشفت الشرطة بعد معاينة الجثت في اليوم التالي، بأن الطفلين لم يموتا بسبب الحريق، وإنما أطلق عليهم الرصاص بواسطة سلاح ناري. أما الأم فلورنس، فقد كان سبب الوفاة هو جروح عميقة في رأسها نتيجة التعرض لضربة عنيفة بأداة ثقيلة.
وفي اليوم التالي، ذهبت الشرطة لبيت والدي جان-كلود لإخبارهم بما حدث لإبنهم، أخذوا الإحتياطات اللازمة حتى لا تصاب الوالدة بصدمة نفسية أو بسكتة قلبية، نظرا لأنها تعاني من ضعف في قلبها. وعندما لم يرد أحد من داخل البيت، أضطرت قوات الشرطة لكسر باب المدخل الرئيسي للدخول، ليجدوا جثتين غارقتين في الدماء في الطابق العلوي.
فما الذي حدث بالضبط، وكيف يمكن أن نفسر سبب خمسة قتلى من نفس العائلة وفي نفس الوقت؟ وكيف يمكن أن تتحول عائلة هادئة، سعيدة، مرفهة وبدون مشاكل من أي نوع، إلى هذه المجزرة الدموية ؟
استمر التحقيق لعدة أيام قبل أن تتمكن الشرطة الجنائية من معرفة الحقيقة، أو على الأقل بداية الحقيقة. الشخص الوحيد الذي يمكن أن يعرف ما حدث هو جان-كلود، والذي بقي في المستشفى في حالة خطرة بين الحياة والموت، غير أنه في النهاية تمكن الطب السويسري من إنجاز المعجزة، وتم إنقاذ حياته، مما سمح للشرطة في بداية التحقيق معه على سريره في المستشفى. تحقيق طويل ومعقد، حيث كان يجب إيقاف التحقيق كل ساعة أو ساعتين بسبب العلاج والفحص وقراءة المعلومات الألكترونية المتعددة على شاشات الأجهزة الملتصقة بجسده المحترق بواسطة عدة أسلاك وأنابيب، مراقبة ضغط القلب والحرارة وكذلك تغيير الضمادات .. إلخ. وبعد عدة جلسات انفتحت العقدة، وانكسرت القوقعة وأعترف جان-كلود بأنه كان يريد الإنتحار ولكنه لا يعرف ما الذي أصابه بالضبط، وأعترف بأنه هو الذي قتل زوجته وأطفاله ووالديه.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: لإحياء تقاليدها القديمة.. مدينة البليدة تحتضن معرض


.. واشنطن وبكين.. وحرب الـ-تيك توك- | #غرفة_الأخبار




.. إسرائيل.. وخيارات التطبيع مع السعودية | #غرفة_الأخبار


.. طلاب بمعهد ماساتشوستس يقيمون خيمة باسم الزميل الشهيد حمزة ال




.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟