الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (6)
محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث
(Mohamed Mabrouk Abozaid)
2023 / 6 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ذكرنا فيما سبق أن المجمع اليهودي "السندريون" كان منعقداً بصورة مستمرة في اليمن، المقر العتيق لليهود، وعند ظهور الإسلام كديانة جديدة في وسط الجزيرة العربية كان لا بد لهذا السندريون من اتخاذ قرار في هذا الشأن كرد فعل على البعثة المحمدية، أياً كان نوع هذا القرار... وعلى أثره تحرك كعب الأحبار من اليمن إلى الشام بعدما فتحها المسلمون وانحسرت سطوة الرومان عن فلسطين وغُلّت يد المسيحيين هناك، تحرك كعب إليها حيث بدأت رحلات اليهود إلى فلسطين زرافات متناثرة من أرجاء الجزيرة العربية، وبعدما استقرت سيطرة العرب المسلمين علي الشام، عاد كعب من الشام إلى المدينة حيث مقر الخليفة عمر ابن الخطاب، وتقرب منه وأعلن إسلامه، وطلب أن يهاجر إلى الشام لكن الخليفة عمر قرّبه منه واتخذه كمستشار سياسي له بحكم خبرته وعلمه. ثم اصطحبه عمر ابن الخطاب في زيارته لمدينة " إيلياء "(القدس حالياً)، وكان المسلمون متسامحين جداً مع اليهود، خاصة بشأن مسألة العودة إلى فلسطين، وهذا ما مثّل فرصة جوهرية على كعب الأحبار استغلالها والاستفادة منها بقدر طاقته أيضاً.
وكنا قد ذكرنا أن المجمع اليهودي "السندريون" قد اجتمع سابقاً في الإسكندرية في عهد بطليموس الثاني فيلادلفوس عام 282 ق.م في مشروع ترجمة التوراة من اللغة السريانية إلى اللغة اليونانية التي كانت قد انتشرت في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا الشرقية، وكان من الصعب على هذه الشعوب التعاطي مع لغة التوراة السريانية بعد أن ذابت على المستوى الشعبي ولم تعد لغة خطاب أو حديث، لهذا بدأ مشروع الترجمة إلى اليونانية باعتبارها لغة الهيمنة العصرية، ولما كان الكهنة اليهود السبعون قد قاموا بتحريف التوراة، وكان بطليموس ملكاً على إقليم وادي النيل وبعض المناطق المتاخمة له وفقاً لرواية التاريخ الغربي، كانت بلادنا وادي النيل تُعرف في هذا الوقت باسم "إيجبت " ونطقها اليونانيون "إيجبتوس" ونطقها الرومان "إيجبت" ونطقها الصينيون " إيجي " ونطقها الفنيقيون "كوبتو " ونطقها العرب "جبتي أو قبطي وقبط. وبذلك بقي الاسم القديم "كِميت " متداولاً على المستوى الشعبي فقط، بلهجة أهل الصعيد " كِميت " وبلهجة الوجه البحري " كِمي " وأما الاسم الرسمي العام للإمبراطورية البطلمية فكان " إيجبتوس " بلسان الحاكم.
فقام الكهنة السبعون أثناء الترجمة بحذف كلمة "مصرايم" من توراتهم، ووضع مكانها كلمة "إيجبتوس" كي يكون لأجدادهم وأنبيائهم بذلك وجود تاريخي في هذه المنطقة، وليكون لهم ذكر في هذه الإمبراطورية البطلمية الصاعدة، خاصة لو كانت هذه الذكرى تحمل نوعاً من القداسة الدينية؛ كونها مذكورة في الكتاب المقدس، خاصة أنه لن يستطيع أحد في هذه الظروف الاطلاع على النسخة الأصلية باللغة السريانية التي جاء بها " مصرايم"، فالجميع يتحدث اليونانية ويقرأ التوراة باليونانية. وقاموا ببعض التعديلات في أسماء مناطق أخرى واقعة في مملكة وادي النيل، أسماء مدن وقرى، ونهر النيل، وأهمها اسم العاصمة الجبتية القديمة "مانفر" الذي تم غرسه في التوراة بلفظ" موف" كي يشعر القارئ بأنه يقرأ عن البلد التي يعش فيها أو يراها واقعياً، ليخلق ذلك نوعاً من الحياة للتوراة، فأن تقرأ كتاباً سماوياً يتحدث عن البلد الذي تعيش فه أفضل من أن تقرأ كتاباً يتحدث عن قرية عربية بائدة مثل مدائن صالح وإرم ذات العماد... وقام الكهنة بتبرير بعض الاختلافات إلى كون الجغرافيا ذاتها تتغير من حيث تموت قرى وتزدهر قرى أخرى وتتغير أسماء القرى والأماكن عبر الألف عام الماضية منذ وقوع أحداث التوراة...
وبهذا تمكنوا من غرس الجغرافيا الإيجبتية في التوراة، وصارت عقيدة اليهود في الإسكندرية والدلتا والصعيد قائمة على قناعة أن بلدهم هي مسرح التوراة، ثم جاءت الديانة المسيحية، واعتنق المسيحيون العهدين معاً العهد القديم "التوراة" والعهد الجديد"الإنجيل" وبذلك يكون اليهود قد ضمنوا ثبات ذات المعتقد في طوائف المجتمع المسيحية إلى جانب اليهودية دون عناء، فقط لكون المسيحية جاءت على اعتبار التوراة عقيدة منها، دون أن يدرك أحد أن ذلك إنما من فعل اللجنة السبعونية التي وضعت اسم " إيجبت" عوضاً عن " مصرايم " العبرية البائدة في جزيرة العرب. وبعدما كانت أحداث التوراة مجتمعة تدور في إقليم وسط وجنوب غرب الجزيرة العربية، مدد الكهنة خريطة الأحداث بحيث تشمل مجموعة دول كاملة، بداية من إيجبت وادي النيل إلى الشام وفلسطين وسوريا والأردن والسعودية والعراق وليبيا وإثيوبيا والسودان، أي حولت مجموعة القرى السعودية إلى مجموعة دول تمتد بين قارتين كاملتين آسيا وإفريقيا. بعد أن حملت هاتين القارتين ذاتهما أسماء قرى يمنية، وبذلك تم طمس كل معالم الجغرافيا التوراتية القديمة الحقيقية، ولم يبق منها أثر إلا في ذاكرة بعض اليهود الذين يعتمدون على النسخة السريانية الأصلية والمخطوطات القديمة في اليمن، أو يهود الجزيرة العربية الجهلاء الذين يعتمدون على انتقال الموروث الشفوي للديانة اليهودية، وهؤلاء وأولئك قليلون. فصارت أغلبية اليهود على قناعة بالخريطة التوراتية بعد آخر تحديث لها (update)، بالإضافة إلى كل المسيحيين الذين يتلقون تراثهم التوراتي عن اليهود دون البحث فيه، لأنه لا يمثل لهم عماد الدين المسيحي وإنما مجرد خلفية ثقافية. ومعروف أن البحث في الأمور الدينية يعتبر في نظر الكهنة تشكيك في وجود الإله ! وبذلك شكل الكهنة المسيحيون أنفسهم غطاء قوي للتزوير اليهودي ..
ولما استقرت الترجمة السبعونية على استخدام لفظ " إيجبت " بدلاً من مصرايم العبرية رغم انقطاع الصلة بينهم، ولما جاء القرآن، وأشار في كثير من آياته إلى الأنبياء والرسل السابقين وتعرض لمسرح أحداث التوراة بما فيها قصة يوسف وموسى وفرعون، لكن القرآن لم يذكر "إيجبت " إطلاقاً، ولا ذكر كميت كذلك، وهما كانا الاسمين المعروفين لهذا البلد خلال عصور التاريخ كلها، وكان اسم"إيجبت" ذا شهرة عالمية، حتى أننا نجد كل شعب من شعوب العالم نطقه بلهجته، ونطقه العرب "إقبط" باللسان العربي، فإذا أراد الله أن يتحدث عن هذا البلد، هل يذكرها بالاسم العالمي " إيجبت" أم الاسم المحلي " كميت "؟ .. في الواقع القرآن لم يذكر لا إيجبت ولا كميت، وإنما أعاد حكاية الرواية التوراتية القديمة وصحح المسار الذي اتخذه الكهنة السبعون عند استبدال مصرايم بإيجبت، لكن القرآن نزل باللهجة العرباء وليست العبرية أو السريانية، ولما كانت التوراة باللسان السرياني تنطق اسم البلدة التي وقعت فيها أحداث موسى وفرعون بلفظ " مصرايم"، جاء القرآن بلسان بدو الصحراء ونطقها " مصر"، وليس فقط اسم البلد، إنما كل الأسماء، فنطق موشيه العبري؛ موسى بالعربي، وجوزيف العبري؛ يوسف بالعربي، وفرعه العبري، فرعون بالعربي، وقورح العبري؛ قارون بالعربي.
ولما كان البدو وعربان الحجاز لا يعرفون حقيقة أين كانت "مصرايم " هذه التي نطق القرآن اسمها "مصر" ولا يعرفون عنها شيئاً بقي في ذاكرتهم سوى كونها من الأقوام البائدة مثل قوم ثمود وعاد وسبأ وإرم ذات العماد الذين تناثرت بعض حكايات باهتة عنهم في الذاكرة العربية، كون هذه الأمم قد أبيدت بأسلحة الدمار الشامل من قبل الإله كما اعتقدوا عقاباً لهم على كفرهم... ولما كانت اللجنة السبعونية "السندريون" المنعقدة بمعرفة بطليموس في القرن الثالث ق. م قد تمكنت من إحياء إحدى هذه الممالك البائدة بتمكنها من وضع اسم " إيجبت " بدلاً من " مصرايم" في التوراة ومنه إلى الإنجيل، وانعقد السندريون مرة أخرى عقب بعثة النبي محمد، خاصة بعدما تحدث القرآن عن مملكة مصرايم بلفظ " مصر"، فتقرر إيفاد السيد "كعيبة ابن ماتع" الكاهن الكبير بين أحبار اليهود، في مهمة قومية، ليقوم وحده بما قامت به اللجنة السبعونية عند غرس اسم إيجبت بدلاً من مصرايم في التوراة قبل ألف عام، لكن السيد كعبيبة هذا، والذي انقلب اسمه إلى كعب ابن ماتع عند دخوله مجتمع العرب وأصبح لقبه " كعب الأحبار"، لا يمكنه استبدال كلمة من القرآن كما فعل الكهنة بالتوراة، لأن القرآن ليس بيده كما التوراة ليحذف ويضيف لشعبه، فكيف سيقوم بالمهمة ؟
الأمر إذن يحتاج إلى تكتيك خاص لتنفيذ المهمة، كان على السيد كعب الأحبار في هذه المرة أن يقوم فقط بإرفاق كلمة " إيجبت " بكلمة " مصر" الواردة في القرآن لأن استبدالها كان مستحيلاً والقرآن بيد المسلمين، فجاء دوره من خلال القصص التوراتي بأن يلفت نظر الصحابة عند تفسير القرآن إلى أن قوم فرعون هم القبط سكان " إيجبت" كما تقول التوراة، أي أن ينقل لهم نص التوراة المزورة فقط دون أي جديد، ومعروف أن المسلمين العرب أكملوا قصص الأنبياء وتفسير الكثير من آيات القرآن نقلاً عن التوراة، فهل كانت التوراة الصحيحة التوراة السبعوينة المزورة ؟! ، فكان دور كعب هو توفير مورد توراتي للمفسرين، والتركيز على التوراة المزورة السبعونية لتكون هي مورد المفسرين للقرآن دون غيرها من إخباريات العرب... وبهذا تمكن كعب من تحييد القرآن وتوجيهه وجهة التوراة السبعونية بهدوء تام ...
ولما كان اللسان العربي ينطق هذه الكلمة بلفظ " إقبط أو قبط، فكان يكفي من كعب أن يقول لهم أن مصر هذه المذكورة بالقرآن هي بلاد القبط، وأن قصة موسى ويوسف وفرعون وقعت في أرض القبط التي بجوار جزيرة العرب على بعد أميال من البحر الأحمر، ولو قرأتم التوراة ستجدونها تقول أن القصة حصلت فيها ... وأن هناك دارت أحدث القصة، وفي هذا البحر الأحمر غرق فرعون وجنوده، وفي عاصمته منف يوجد أطلال قصر العزيز " عزيز مصر" وبجواره قصر يوسف الصديق، وإلى الجنوب بالفيوم يوجد سجن يوسف حيث كان يقيم منذ ألفي عام، وفي ذات المنطقة تقع بحيرة قارون حيث خسف الله بدراه الأرض... وهذا الكلام أيده موقف الكهنة المسيحيون في إيقبط أيضاً ، فدائماً الكهنة هم أكثر فئات المجتمع استلاباً للعقل وانهزامية واستسلاماً للأوضاع والظروف ، باعتبار أن هذه الانهزامية والاستسلام هي درجة من درجات الإيمان بقدر الإله ..
فقد كان العرب جهلاء بكل ما جاء به القرآن من قصص بني إسرائيل، وجهلاء جداً بالعلوم والجغرافيا وبعيدين عن القراءة والتدوين وليس لديهم مدرسة أو مكتبة أو أي شيء يمت للعلم والمعرفة بصلة سوى كتابة أنسابهم وأشعارهم على جلود المعيز المجففة ، وكانوا يسألون بدهشة واستغراب، ففي الآية التي أقسم فيها الله بالتين والزيتون نقرأ قولين:
القول الأول: أنه ليس المراد هاتين الثمرتين، ثم ذكروا وجوهاً:
أحدها: قال ابن عباس: هما جبلان من الأرض المقدسة، يقال لهما: بالسريانية طور تينا، وطور زيتا، لأنهما منبتا التين والزيتون، فكأنه تعالى أقسم بمنابت الأنبياء، فالجبل المختص بالتين لعيسى (ع). والزيتون الشأم مبعث أكثر أنبياء بني إسرائيل، والطور مبعث موسى (ع)، والبلد الأمين مبعث محمد (ص)، فيكون المراد من القسم في الحقيقة تعظيم الأنبياء وإعلاء درجاتهم.
وثانيها: أن المراد من التين والزيتون مسجدان، ثم قال ابن زيد: التين مسجد دمشق والزيتون مسجد بيت المقدس، وقال آخرون: التين مسجد أصحاب أهل الكهف، والزيتون مسجد إيليا، وعن ابن عباس التين مسجد نوح المبني على الجودي، والزيتون مسجد بيت المقدس، والقائلون بهذا القول إنما ذهبوا إليه لأن القَسَم بالمسجد أحسن لأنه موضع العبادة والطاعة، فلما كانت هذه المساجد في هذه المواضع التي يكثر فيها التين والزيتون، لا جرم اكتفى بذكر التين والزيتون.
وثالثها: المراد من التين والزيتون بلدان، فقال كعب: التين دمشق والزيتون بيت المقدس، وقال شهر بن حوشب: التين الكوفة، والزيتون الشام، وعن الربيع؛ هما جبلان بين همدان وحلوان، والقائلون بهذا القول، إنما ذهبوا إليه لأن اليهود والنصارى والمسلمين ومشركي قريش كل واحد منهم يعظم بلدة من هذه البلاد، فالله تعالى أقسم بهذه البلاد بأسرها، أو يقال: إن دمشق وبيت المقدس فيهما نعم الدنيا، والطور ومكة فيهما نعم الدين. (التفسير الكبير: الإمام فخر الدين الرازي أبو عبد الله محمد بن عمر بن حسين القرشي الطبرستاني )
هكذا كانت اجتهادات العرب في تفسير القرآن، والمشكلة ليست في نقص العلم ولكن في فوضوية الفكر، فلا يمكن لقارئ هذه السطور أن يخرج بمعلومة مفيدة على الوجه الصحيح، وكلما وردت كلمة يذهبون مذاهب شتى في تفسيرها، ولا نجد أحد يدقق في الأمر بمعايير موضوعية عقلية، إنما فقط يطرحون آراء هي أقرب إلى الفوضى أكثر من كونها "علم ".
ونعيد هنا الطريقة التي حاولوا بها تفسير "إرم ذات العماد" حيث بذلوا جهوداً مضنية، ويميل أغلب العلماء إلى الاعتقاد بأن « إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاد»( سورة الفجر، آية 6 ـ 7.) اسم مكان فهي عندهم اصطلاح جغرافي فمنهم من قال إنها مدينة الإسكندرية (تفسير الطبري، ﺠ 30 ص 96، ياقوت ﺠ 1 ص 212.) ومنهم من قال إنها مدينة دمشق (تفسير الطبري، ﺠ 30 ص 96. وتاريخ الطبري، ﺠ 1 ص 748، وﺠ 2 ص 587. الهمداني: كتاب البلدان، ص 123، الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص 80.) ورأى غير هؤلاء وهؤلاء أنه اسم لمدينة في جنوب بلاد العرب بين صنعاء وحضرموت (القزويني: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات ج 1 ص 29، معجم البلدان، لياقوت ج 1 ص 123، قصص الأنبياء، للثعلبي، ص 100.) وذكر الهمداني أن في اليمن جبلا باسم إِرَم ذَاتِ الْعِمَادِ (الهمداني: صفة جزيرة العرب، ص 3.) ... وفي النهاية لم يتفقوا على موقع جغرافي محدد، لأن المنطقة بالكامل تاريخها شفوي، وهي ليست بلاد حضارة، فجاء كعب الأحبار في هذه الظروف ليقود البوصلة منفرداً من خلال الدس التوراتي.. إذ أن إرم ذات العماد يعلمها كعب جيداً جنوب غرب الجزيرة العربية، وكذلك مصر فرعون وموسى المجاورة لها، فقط أخبرهم بأن "إرم ذات العماد " تقع جغرافياً جنوب غرب الجزيرة قرب اليمن، وأن "مصر فرعون موسى" تكون جغرافياً هي بلاد القبط...
وقد التقط ابن كثير (في كتابه تفسير القرآن) هذا الدس التوراتي من جانب كعب، عندما كتب يقول، بأن القصص المروية عن ملكة سبأ وسليمان هي من وضع أهل التوراة مثل كعب ووهب بن منبه، أي أولئك الذين نقلوا ما أسماه ابن كثير بأخبار بني إسرائيل من الأوابد والغرائب والعجائب، مما كان وما لم يكن، ومما حرّف وبدّل ونسخ.
جاء كعب فقط ليرسم للعرب المسلمين معالم جغرافية للقصة التوراتية التي وضعها الكهنة السبعون أيام بطليموس دون أن يتدخل في تعديل أو حذفٍ أو تبديل كلمة واحدة في القرآن، وبمجرد أن رسم كعب المعالم الجغرافية للقصة التوراتية تفتحت أذهان العرب المسلمين وبدأوا يستوعبون القصة بشكلٍ أكثر إثارة، لأن أياً من القصص التوراتية الأخرى لم تكن حية وواقعية ومثيرة بهذه الدرجة، فكان العرب يسألون كعب عن قصة قوم لوط ومكانه فيقول لهم (كانت هناك تحت البحر الميت)، وعن قصة ثمود، فيقول؛ كانوا قوماً غابرين ولم يبق منهم أثر...إلخ. وعن قوم عاد، يقول؛ لم يبق منهم أثر.. وعن إرم ذات العماد، يقول طوتها الرمال في مكان كذا.. وبالتالي انحصر جهد كعب في أن ينقل من التوراة السبعونية إلى العرب ولا يدعهم يبحثون في النسخة السريانية الأصلية، وما ساعده هو أن العرب ليسوا أمة تدوين ولا يقرأون وإنما بدو جهلة، ولو قرأوا فأكثر إمكاناتهم هي قراءة مدونات عربية فقط، أما السريانية القديمة فهي محال بالنسبة لهم. خاصة أنهم (البدو العربان عموماً) مصابون بالغرور والنرجسية التي تجعلهم يتعالون على ثقافة الغير ، دون أن يدركوا أن هذا التعالي يجعلهم يتقوقعون داخل شرنقة ثقافية مغلقة ، وهذا ما مكّن اليهود من السيطرة عليهم في عقر دارهم .. ومن ثَمّ القيام بعمليات الحقن المجهري على أكمل وجه ..
وبالإضافة لذلك، فقد كان اليهود بمجرد أن استبدلوا كلمة " إيجبت " بكلمة " مصرايم" في التوراة السبعونية، فقد نقلوا بذلك ضمنياً مسرح أحداث عيسى ومريم عليهما السلام بالتبعية من "مصرايم " إلى إيجبت" وبذلك ضمنوا إتباع اليهود والمسيحيين لذات العقيدة، فلم يجد كعب عقبات من أي نوع بشأن المسلمين الذين جاؤوا إلى الإسلام من أصول يهودية أو مسيحية، بل إنه بمجرد أن تمكن من إرفاق كلمة "القبط" بكلمة مصر الواردة في نص القرآن، فكانت الكلمتان ( مصر – القبط) وكأنهما تجاذبا كـ قطبي مغناطيس في الوعي الجمعي... كانت هي مسمار العقل الذي ربطه كعب في نفوخ العرب وجرجرهم خلفه ! وتبعه فيما بعد أشياخ الأزهر وانهالوا على حضارة وتاريخ وادي النيل بالسب والقدح والازدراء باعتبار ذلك تقريرات كتاب السماء ... لم يدركوا أنه كلام الكعب .. وبذلك نجح كعب في إنقاذ التوراة من الورطة وانفضاح أمرها كونها ذكرت فرعون موسى في إيجبت والقرآن يذكرها في مصر ... وبذلك ضمن كعب أتباع الديانات الثلاث (اليهود والمسيحيين والمسلمين) واعتناقهم للرواية التوراتية، بعد أن قام بتطويع القرآن للتوراة، ليس نص القرآن ولكن تفسيره كان يكفي...
يُتبع ...
(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت )
(رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ):
https://archive.org/details/1-._20230602
https://archive.org/details/2-._20230604
https://archive.org/details/3-._20230605
#مصر_الأخرى_في_اليمن):
https://cutt.us/YZbAA
#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. تحدي اللهجة السودانية والسعودية مع اوسا وفهد سال ??????????
.. جديد.. رغدة تتحدث عن علاقتها برضا الوهابي ????
.. الصفدي: لن نكون ساحة للصراع بين إيران وإسرائيل.. لماذا الإصر
.. فرصة أخيرة قبل اجتياح رفح.. إسرائيل تبلغ مصر حول صفقة مع حما
.. لبنان..سباق بين التهدئة والتصعيد ووزير الخارجية الفرنسي يبحث