الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من هم الگوتيون ؟؟

عضيد جواد الخميسي

2023 / 6 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


الگوتيون هم أقوام من سكان غرب آسيا الذين يُعتقد أنهم عاشوا حول جبال زاگروس في منطقة يشار إليها باسم "گوتيوم". وكل ما يُعرف عنهم قد أتى من أعدائهم ، بما في ذلك السومريون والأكديون والآشوريون ، وذلك عندما اعتبروهم سبباً في تدمير بلاد الرافدين وخرابها . كما يُعدّ تاريخ الگوتيين مجهولاً لأن ليس لديهم لغة مكتوبة .

النصوص القديمة تُحمّل الگوتيين مسؤولية سقوط الإمبراطورية الأكدية وخراب سومر . حيث تم ذكرهم لأول مرة في النقوش الأكدية خلال عهد الملك "شار ـ كالي ـ شاري" (عام 2223-2198 قبل الميلاد) أحد آخر ملوك الإمبراطورية التي أسسها الملك "سرگون الأكدي" ( عام 2334-2279 قبل الميلاد) . كما ورد ذكرهم في عهد الملك "نارام ـ سين" (عام 2261 ـ 2224 قبل الميلاد) . وأُشير إليهم أيضاً في أسطورتي كوثا ، ولعنة أكد .

بعد سقوط الإمبراطورية الأكدية ، سيطر الگوتيون على مقاليد الحكم في البلاد حتى قيام "أوتو ـ هيگال"ملك أوروك (من عام 2055 إلى عام 2047 قبل الميلاد) بثورة عارمة ضدهم . وبعد حادثة غرق الملك أوتو ـ هيگال ؛انتقلت الملكية إلى "أورـ نمّو" (عام 2047 ـ 2030 قبل الميلاد) الذي واصل الحرب ضدّهم . وعندما قُتل في المعركة ؛اختتم ابنه الملك " شولگي أور ـ نمّو" (عام 2029-1982 قبل الميلاد) الحرب بطرد الگوتيين من البلاد .

تشير النصوص الآشورية المتأخرة إلى أن الميديين هم الگوتيون ، ويعتقد أن مصطلح (الگوتيون) قد استخدمه المدونون الذين كتبوا التاريخ للإشارة إلى المجاميع البدوية ذات الطباع الهمجية . وذلك لأن الگوتيين أنفسهم لم يتركوا أية سجلات تاريخية يمكن الاستدلال بها ، لذا فإن سمعتهم السيئة في قتل الناس الأبرياء وتدمير المدن وإسقاط حكوماتها ؛ قد شاعت بذلك الوصف . بيد أن العلماء بدأوا مؤخراً بالنظر في احتمال أن الگوتيين ربما لم يكونوا سيئين الى تلك الدرجة كما وُصفوا ، ولكن لا يوجد دليل على ذلك حتى الآن .

الگوتيون وأكد
أُشير إلى الگوتيين لأول مرّة عندما اُتُهموا باسقاطهم الإمبراطورية الأكدية. حيث أسس الملك سرگون الأكدي أول كيان سياسي متعدد الأجناس والأعراق في العالم ، وقد حافظ عليه من خلال قادة مسؤولون تم اختيارهم بدقة وعناية ليكونوا حكّاماً على مدن الإمبراطورية . ثمّ توسعت تلك الإمبراطورية في عهد الملك نارام ـ سين الذي يعتبر أعظم ملوك الأكديين ، وذلك عندما شنّ حملة عسكرية واسعة ضد الگوتيين انتهت بهزيمتهم . ولكن بعض النصوص قد ذكرت أن ذلك النصر كان مُكلفاً للغاية ، وأن الگوتيين كانوا قادرين على إعادة تنظيم صفوفهم استعداداً لمغامرة أخرى .

من هم الگوتيون ومن أين جاؤوا بالتحديد ! هذا أمر غير معروف . إذ تذكر جميع الروايات القديمة أنهم جاؤوا من جبال زاگروس شمال عيلام في إيران ، ولكن لا يبدو أن تلك الروايات تشير إلى نفس الأقوام .
كتب البروفيسور "مارك ڤان دي ميروپ" التعليق التالي حول هذا الموضوع :

" ذُكر الموقع الجغرافي (گوتيوم) ، ومواطنيه بالـ (الگوتيين) في سجلات بلاد الرافدين من منتصف ثلث الألفية الأولى قبل الميلاد وحتى نهايتها. لذا حسب اعتقادنا ؛ من غير المحتمل جداً أن يُقصد بالگوتيين دائماً على أنهم نفس المجتمع من البشر ونفس الموطن . إذ تشير الدلائل من الألفية الثانية والأولى قبل الميلاد في الغالب إلى ناحية الشرق حسب تصوّر الرافدينيين . ولكن لا يمكننا القول أن ذلك كان صحيحاً ؛ حيث كانوا قبل تلك الفترة هم الأكثر أهمية في تاريخ بلاد الرافدين ." ( الگوتيون،ص 1)

ورد اسم الگوتيين في السجلّات التاريخية لأول مرة على أنهم غزاة من بدو الجبال ؛ يغيرون على المدن الواقعة تحت الحكم الأكدي بطريقة الكرّ والفرّ. كما دُرجت أسماء ملوكهم في قائمة الملوك السومريين ، لذا يبدو أنهم قد تولوا الحكم في البلاد لفترة تاريخية غير واضحة. وبحلول عام 2218 قبل الميلاد ، كان الگوتيون قد أسسوا لأنفسهم كياناً في بلاد سومر، على الرغم من أن فترة حكمهم غير معروفة . وفي عام 2083 قبل الميلاد ؛ كان الگوتيون سبباً في سقوط الإمبراطورية الأكدية. وتُعرف الفترة ما بين عام 2218 وعام 2047 قبل الميلاد باسم (الفترة الگوتية) في التاريخ السومري؛ عندما كان الأغراب يتقلدون العرش قبل أن يطردهم أوتو ـ هيگال .

الگوتيون و سومر
كما هو الحال مع الجوانب الأخرى للگوتيين ، فلا يُعرف كيفية غزوهم لبلاد سومر والنيل منها ، لكن الشيء المؤكد أن المدونين اللاحقين ألقوا باللوم عليهم في دمار البلاد والعباد .
يرى البروفيسور "پول كريڤاشيك" ؛ أن التنقيبات الأثرية الحديثة في مواقع مختلفة من بلاد الرافدين لا تُظهر أية أدلّة تشير على احتلال قد حصل ما بين سقوط أكد ونهوض سومر تحت سلطة الملك أورـ نمّو . ويواصل تفسيره عن كيفية تحميل الگوتيين مسؤولية ذلك من قبل المدونين السومريين ، كما في المقطع التالي :

" أطلق القدماء اسم الگوتيين على الطرف المعتدي لأولئك الذين اجتاحوا أعالي وادي ديالى ( شمال شرق بغداد) مخلفين الدمار في أعقابهم . وتذكر قائمة الملوك: (نُقلت الملكية إلى حشود الگوتيوم الذين لم يكن لديهم ملك). وتحكي لنا مرثية شعرية متأخرة عن لعنة أكد ؛ (أن الإله إنليل أخرج من الجبال أولئك الذين لا يشبهون البشر، وهم ليسوا جزءاً من هذه الأرض . الگوتيون حشود جامحة ، لهم ذكاء بشري بغرائز الكلاب وأشكال القرود ) . كانت الكارثة التي جلبوها إلى أكد رهيبة : (لم يخرج شيء عن سيطرتهم ، ولم ينجو أحد من قبضتهم . لم يعد الرُسل يسافرون على الطرق العامة ، ولم تعد قوارب السعاة تعبر الأنهار . صار السجناء حرّاساً ، وقطع اللصوص جميع الطرقات. كانت أبواب المدينة مخلوعة ومطمورة في الأرض الموحلة ، وأطلقت جميع الأراضي المجاورة صرخات ألم من أسوار مدنها .) "(ص 129-130)

يشير البروفيسور كريڤاشيك إلى أن المؤرخين الأوائل لهذه الروايات كانوا يؤمنون في أنها هي الحقيقة المحضة ؛ ولكن حسب اعتقاده ؛ أن لتغير المناخ في حصول الجفاف وانتشار المجاعة ، وعدم قدرة الحكومات المحلية على معالجة الموقف ؛ مكنّ الگوتيون من استغلال هذا الضعف الاقتصادي والسياسي الذي كان سبباً رئيسياً في انهيار أكد. كما يرى كريڤاشيك أيضاً :
"يبدو من غير المحتمل جداً أن يكون الگوتيون قادرين على مواجهة الإمبراطورية بقوة السلاح وحده . حيث أن الأكديين لم يجدوا صعوبة كبيرة من قبل في التصدّي لأي هجوم من قبل أعداء يُعتبرون أفضل تنظيماً وإعداداً " (ص 130) .

لا توجد طريقة واضحة في فهم ما حصل بشكل قاطع . إذ تشير الأدلة الأثرية إلى تغيّر المناخ خلال تلك الفترة ، ولكن فيما إذا كان ذلك قد أدى إلى مجاعة أو اضطراب اقتصادي اجتماعي مذكور في المدونات القديمة ؛ فهو ليس واضح تماماً . حيث لم يكن الملوك الأكديون اللاحقون بنفس القوة التي كان يمتاز بها كل من سرگون ، ونارام ـ سين . حيث خاض ابن الملك نارام ـ سين (شارـ كالي ـ شاري) حروباً شبه مستمرة ضد الأموريين و العيلاميين والگوتيين طوال فترة حكمه. وقد تمكن أواخر الملوك الأكديين من الاحتفاظ فقط بالمنطقة المحيطة بمدينتهم المركزية ، ولم يُشار إليهم على أنهم ملوك إمبراطورية ، بل ملوك مملكة فقط . وكما يبدو أن أكد في هذا الوضع المتدهور ، كان من الممكن أن تكون فريسة سهلة للگوتيين ، وحتى بدون تغير المناخ أو أية ظروف أخرى .

الملوك الگوتيون وعصر النهضة السومرية
كان أول ملوك الگوتيين قد ورد ذكره في حكم بلاد سومر هو الملك "إمتا" (ويُعرف أيضاً باسم نيبيا ، أواخر الألفية الثالثة قبل الميلاد) ، ثم جاء بعده الملك "إنكيشوش" ، وهو أول من ظهر على قائمة الملوك السومريين ، ودامت فترة حكمه حوالي الست سنوات ؛ بيد أن لا يُعرف عنه الكثير . خلفه بعد ذلك الملك "سارلاگاب" الذي ربما كان نفس الملك الذي أسره الملك " شارـ كالي ـ شاري" . وهناك ستة عشر ملكاً من الگوتيين جاءت أسماؤهم في قائمة الملوك السومريين ، ولم يحكم كل منهم أكثر من سبع سنوات ، وبعضهم قد حكم سنة واحدة أو اثنتين فقط . امّا الملك "تيريگان" ، فقد حكم مدة أربعون يوماً فقط ، ثم قبض عليه ملك أوروك "أوتو ـ هيگال" عام 2050 قبل الميلاد .
وحسب نُصب النصر للملك أوتو ـ هيگال ، رفض الملك السومري التفاوض مع تيريگان وسجن مبعوثيه ؛ إلاّ أنه هرب مع زوجته وأولاده عندما أدرك أن أوتو- هيگال هو صاحب اليد العليا في البلاد، ولكن قُبض عليه وربما أُعدم بعد ذلك .
وجاءت هذه العبارة المنقوشة في جانب من النُصب :
"جعله أوتو ـ هيگال يركع عند قدميه ، قابضاً على رقبته بقدمه"، ولكنه لا يقدم تفاصيل أخرى ، غير أن أوتو- هيگال قد أعاد الملكية إلى السومريين أخيراً . كما يبدو أن الملك أوتو ـ هيگال قد ارتكب معصية ضد مردوخ الإله الراعي لمدينة بابل ، مما تسبب في غرقه "لذلك حمل النهر جثته" . ومن ثمّ انتقلت الملكية إلى الملك أورـ نمّو في مدينة أور .

بدأ الملك أورـ نمّو بما يسمّى "النهضة السومرية" في فترة أور الثالثة (عام 2047-1750 قبل الميلاد) ، حيث شارك خلالها في عدد من مشاريع البناء ، وأعاد تنشيط الاقتصاد ، وأصدر مجموعة القوانين الخاصة به "شريعة أورـ نمّو" ، وهي أقدم دستور في العالم . ثم قُتل في معركة مع الگوتيين ، وواصل ابنه شولگي من مدينة أور القتال ضدهم ، و قام بطردهم من سومر في وقت مُبكر من حكمه .

أسطورة كوثا
على الرغم من أن الگوتيين قد طُردوا من أرض سومر، إلاّ أنهم لم يُهزموا تماماً ؛ لأن سيرتهم التاريخية بقيت محفوظة في النوع المعروف الآن باسم "أدب نارو" والذي يبرز فيه شخصية معروفة من الماضي (دائما ما تكون ملكاً ) في دراما خيالية ، والتي غالباً ما كانت ترتبط بعلاقة إنسانية مع الآلهة . أصبحت هذه القصص شائعة جداً؛ ولكن بمرور الزمن يبدو أنها قد حلّت محل الأحداث التاريخية الحقيقية ؛ لتبقى راسخة في ذاكرة الناس .
في اسطورة لعنة أكد على سبيل المثال؛ يُعتبر الملك نارام ـ سين مسؤولاً عن سقوط أكد بعد أن لم يتلق أي رّد على تساؤلاته من الإله إنليل، فقام بمهاجمة المعبد ، عند ذاك رفعت الآلهة رعايتها من المدينة ، مما سمح للگوتيين بتدميرها .
الدرس المستفاد من هذه الحكاية ؛ هو أنه يجب على المرء أن يقبل ما يأتي من الآلهة (حتى صمتها كان استجابة للصلوات) ، ولا يجب التشكيك في قدراتها أبداً .

في أسطورة كوثا، يظهر الملك نارام ـ سين مرة أخرى باعتباره الشخصية الرئيسية في حكاية ذات موضوع مماثل . حيث تم غزو مملكة نارام ـ سين من قبل مخلوقات مخيفة و خارقة تدمر القرى والمدن دون سبب . ترتبط هذه المخلوقات مع الگوتيين من خلال سلوكها الهمجي حسب مدوّنات الكتّاب السومريين ، ولكن لم يتم تسميتهم بالگوتيين بشكل مباشر .
في الواقع ، أن گوتيوم هي إحدى الأراضي المذكورة التي دمرتها المخلوقات قبل وصولها إلى أكد . وتبدأ القصة حيث الملك نارام ـ سين أرسل أحد جنوده لطعن أحد الوحوش ليتأكد من أنه يحمل دماً في جسمه ويتمكن من قتله. وبمجرّد ما أن سمع بأن تلك المخلوقات تنزف دماً ، فكّر في أن يستشير الآلهة متى وأين يجب أن يبدأ هجومه عليها .
كان ردّ الآلهة في أن لايحرّك ساكناً ولايتخذ قراراً ؛ وهو ما رآه غير مقبول؛ فقرر إرسال جيشاً قوامه 120 ألف محارب لمقاتلة الوحوش ، ولكن لم يعد أي منهم سالماً . ثم ألحقه بنحو 90 ألف محارب إضافي ، إلاّ أنهم قتلوا أيضاً ، وفي الآخر دفع بـ 60700 محارب للقتال ، ولكنهم واجهوا نفس المصير .
أخيراً ؛ فهم الملك نارام ـ سين في أنه قد أساء إلى الآلهة وأذّل نفسه أمامها . وفي محاولة منه لتصحيح الأمر، ألقى القبض على 12 من أفراد العدو ، إلاّ أنه لم يقتلهم حتى يستشير الآلهة. وعندما قيل له بألاّ يؤذيهم لأن الإله إنليل لديه خطط لتدميرهم بطريقته الخاصة ؛ أمر بتسليمهم إلى معبد إنليل . ثمّ تنتهي القصة بمخاطبة نارام ـ سين شعبه مباشرة طالباً منهم طاعة الآلهة وعدم الاعتماد على أفكارهم ،لأن البشر لا يستطيعون معرفة ما تخطط له الإلهة.

يبدو أن تلك الحكاية قد حظيت بشهرة واسعة في الألفية الثانية قبل الميلاد وذلك بعد فترة طويلة من سقوط أكد ، إذ أصبح كل من نارام ـ سين والملوك الأكديون الآخرون أبطال خالدين . كما تبين لنا الأسطورة ؛ أن ارتباط الگوتيين بجيش المخلوقات الخارقة ؛ كان بُغضاً بالآلهة والانسانية ، وأن وجودهم فقط هو لتدمير الشعوب المتحضرة . ومن المحتمل أن تلك الحكاية كان لها صدىً واسع عند الشعب السومري في ذلك الوقت ؛ لأن سومر قد سقطت بيد العيلاميين عام 1750 قبل الميلاد ، ثم غزاها الأموريون الذين باندماجهم مع السكان الأصليين قد أنهوا الثقافة السومرية ، أو على الأقل كان لهم اليد الطولى في انحدارها. وكتب البروفيسور ڤان دي ميروپ التعليق التالي :

"من الصعب تمييز دور الأموريين في الإطاحة بدولة أور الثالثة بالضبط ، لكن يمكننا أن نجدهم توازياً مع دور الگوتيين في سقوط الدولة الأكدية. إذ جاءت كلتا المجموعتين من خارج المنطقة ، واكتسبتا أهمية سياسية ، ودورهما كان حاسماً في الإطاحة بالنظام السياسي القائم آنذاك ." ( تاريخ الشرق الأدنى القديم ،ص 83)

أدت القصتان مثل لعنة أكد واسطورة كوثا ؛ إلى استمرار صورة الگوتيين على أنهم "الآخر" الذين يمتازون بالرعب والقسوة . وبحلول الفترة التي كُتبت فيها أسطورة كوثا، كان يُعتقد أن القصة قد تناقلت شفاهياً لبعض الوقت ، حيث كان الگوتيون راسخين بقوة في ثقافة بلاد الرافدين كأعداء للبشر والآلهة. وأوضح البروفيسور ڤان دي ميروپ هذه النقطة من خلال المقطع التالي :

" تمّ تصوير[الگوتيون] دائماً بعبارات سلبية للغاية ومنها ؛ فهم لا يؤدون طقوساً دينية مناسبة ، ويسيئون إلى شعب بابل بفصل الزوجة عن زوجها ، والابن عن أبيه . وفي أحد النصوص الأدبية من أوائل الألفية الثانية قبل الميلاد يصفهم ( لهم ذكاء بشري ، وغرائز كلاب ، وأشكال قرود) . وهكذا يمكننا أن نستنتج ؛ أنه لفترة من الوقت كانت أجزاء من بابل تخضع تحت السيطرة السياسية من قبل أناس يُدعون الگوتيون، وكان ينظر إليهم على أنهم همج وأغراب من قبل السكان الأصليين ." (الگوتيون ،ص 3)
ويمضي ڤان دي ميروپ في رؤيته ، في أنه لا توجد طريقة لمعرفة ما إذا كان هذا التصوّر صحيحاً . وهل كان الگوتيون في الواقع سيئين كما وُصفوا ؟ أم أنهم تعرضوا للإساءة من قبل كتّاب التاريخ الذين عارضوا الهيمنة الأجنبية والتقاليد والطقوس الغير المألوفة ؟ لسوء الحظ ؛لا توجد إجابة شافية على هذا السؤال حقاً .

استمر الگوتيون في لعب دور كبير في تاريخ بلاد الرافدين بعد أن طردهم الملك شولگي من أور. كما أشار الآشوريون إلى الميديين على أنهم گوتيون ، مما يدعم نظرية العصر الحديث القائلة بأن مصطلح "گوتي" يُعدّ تعبيراً مجازياً لأي شخص أجنبي ، ويُفهم على أنه لديه نوايا خطيرة . وقد ألقى الملك الآشوري "آشور بانیپال" (عام 668-627 قبل الميلاد) باللوم على "الگوتيين" في التحريض على التمرّد في بابل . كما زعم الملك البابلي "نبوـ نائيد " (عام من 556-539 قبل الميلاد) أن الگوتيين مسؤولون عن تدمير معبد مدينة سيپار.

في عام 539 قبل الميلاد ، عندما استولى الملك الاخميني "كورش" (عام 550-530 قبل الميلاد) على بابل ، استعان بمرتزقة گوتيين ، وربما فعل ذلك في حملات أخرى أيضاً . ولكن بعد ذلك الغزو، اختفى الگوتيون من التاريخ تماماً . وكما يبدو أن تسميتهم قد ظهرت تحت لقب " البدو الهمج" ؛ولكن لوحظ ايضاً ، من غير المحتمل أن يكون "الگوتيون" اللاحقون هم نفس الأقوام المسببة في سقوط أكد أو خراب سومر .

يلخص البروفيسور ڤان دي ميروپ الفكرة من خلال تلك العبارة : "تمكنّا من جمع بعض المعلومات عن الگوتيين والگوتيوم ، إلا أنها لا تسمح لنا بكتابة تاريخ شعب أو دولة " ( الگوتيون ، ص3).
هذه الرؤية للأسف هي أدق تعريف يخصّ الگوتيين . وعلى الرغم من أن البحوث الحديثة حاولت ربطهم بالكورد ، إلا أن هذا غير ممكن ؛ لأنه لا يمكن لأحد أن يعرف على وجه اليقين من هم الگوتيين ، وإلى أن يتم كشف المزيد من المعلومات حولهم ، سيبقى الوضع على ما هو .


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مارك ڤان دي ميروپ ـ الگوتيون ـ مقالة منشورة في موسوعة إيرانيكا في 15 كانون الأول /ديسمبر 2002 .
صموئيل نوح كريمر ـ يبدأ التاريخ في سومر ـ مطبعة جامعة بنسلفانيا ـ 1988.
پول كريڤاشيك ـ بابل: بلاد الرافدين وولادة الحضارة ـ سانت مارتن گريفين للنشر ـ 2012 .
گويندولين ليك ـ بلاد الرافدين من الألف إلى الياء ـ سكاريكرو للنشر ـ 2010 .
مارك ڤان دي ميروپ ـ تاريخ الشرق الأدنى القديم ـ وايلي بلاكويل للطباعة ـ 2015 .
سوزان وايز باور ـ تاريخ العالم القديم ـ نورتن للنشر ـ 2022 .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصادر: ورقة السداسية العربية تتضمن خريطة طريق لإقامة الدولة 


.. -الصدع- داخل حلف الناتو.. أي هزات ارتدادية على الحرب الأوكرا




.. لأول مرة منذ اندلاع الحرب.. الاحتلال الإسرائيلي يفتح معبر إي


.. قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مناطق عدة في الضفة الغربية




.. مراسل الجزيرة: صدور أموار بفض مخيم الاعتصام في حرم جامعة كال