الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يحرص المعبد وكهنته على ضعف الإنسان وتهميشه؟

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 6 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


يقال في علم النفس السلوكي أن الإنسان القوي الواثق من نفسه وقدراته صعب الترويض تماما كالحيوانات المفترسة أو البرية التي لا تخضع للتدجين غالبا، لأنها تملك حس عال بأن حياتها ملكها وليس ملك من يملكها، هناك طبائع يمكن أن تتغير عند المحاولة مع وجود الحافز والدافع للتغيير، وهناك طبائع وميول تحتاج إلى الكثير من العمل كي تتأثر بنسبة ما، وقد لا تنجح في إحداث التغيير المطلوب، فيكون الكائن هذا يعاني من مشاكل نفسية وعقلية تؤثر ليس في الجوانب المراد تغيرها بل حتى على نظامه العام، وهتاك طبائع لا ينفع معها لا وسائل ولا أساليب قهرية وربما تزيدها تصلبا لكنها لم تغيير ولن تتغير الطباع، هذه حقيقة معاشه وعلى الإنسان أن يفهم لماذا يتغير البعض ولا يتغير أخرون، السبب دوما هو في بناء الشخصية الذاتية في الوعي بالتقدير الذاتي للنفس، بما يملك من مصادر قوة وقدرة على المقاومة، وبالنتيجة أن الأضعف هو دوما الأسرع للتغيير، الضعف هنا ليس بنيويا بقدر ما هو ضعف في أستخدام وتسخير مصادر القوة وأولها العقل.
ويبقى الإنسان الضعيف يبحث دائما في جواره القريب عن حلول ربما تنجح في تسكين قلقه أو تعطيه مبرر للصمت والسكون، ولكن الإنسان القوي والذي يملك أفق عقلي عال وإرادة وقدرة على تحقيق إرادته، دوما يبحث عن حلول كبرى قد تكون خارج ما يعيشه أو خارج واقعه وينجح في الغالب بذلك ، لأنه أمتلك المقومات الأربعة الرؤية والقوة والفعل والخروج من أسر الواقع، هذا الأمر ينطبق تماما أيضا على المجتمعات والمجموعات البشرية الضعيفة التي تبحث عن حلول قريبة وسهلة ولا تكلف ثم تستكين لها ، وتخضع سريعا لأول حل يصادفها حتى لو كان حلا غير حقيقيا أو متوهما، بينما المجتمعات والمجموعات القوية تكسر الحواجز وتصارع من اجل التغيير وتدفع الثمن لتتخلص جذريا من إشكالياتها، لذا يحرص رجال المعد والكهنة وتجار الدين أن يكون المجتمع ضعيفا مهزوزا لا ثقة له بنفسه ولا قادر أن يفكر بعيدا عن سجن الكهنة وأسوار المعبد.
الذي يظن أن الكهنة وتجار الدين عناصر أجتماعية تافهة قد ساهم الوضع المضطرب في وصولهم إلى القدرة على أن يستعبدوا المجتمع، بالتأكيد واهم وينظر للأمور بشكل جزئي، أن مهنة الكهنة والمعبد والتجارة في الدين ثاني أكثر مهنة وأقدم وأقذر ما أبتكر الإنسان بعد الدعارة الجنسية، ويمكن تسميتها بالدعارة العقلية، ولها تاريخ قديم جدا منذ أن عرف الإنسان معنى الربح والخسارة ومعنى السلطة والامتيازات والمغانم والمكاسب، فقد سلك البعض من أعضاء المجتمع البشري طريق الدعارة الجنسية وفقا لما يمتلك من قدرة لبيع الجسد وتقديم الشهوة بثمن، فيما سلك أخرون لا يملكون نفس المؤهلات لطريق الدعارة الجنسية ولكنهم يملكون القدرة على الكذب والخديعة والتضليل، ليقدموا الشهوة العقلية بثمن ويتحولوا معها إلى تجار بكل شيء، لأنهم تاجروا بأقدس شيء عندهم وهو العقل، قد تكون المتاجرة بالجنس والشهوة واللذة فيها جوانب شخصية تقلل من أثرها العقلي عل الإنسان، ولكن تجارة العقل والدين هي الفساد الأعظم الذي أصاب الوجود وأرهق الإنسان في ذاته ومع الأخر.
إذا الموضوع الذي يروج له البعض من أن الغباء والتخلف والكسل الذي يؤدي إلى أن يتخذ البعض من رجال الدين مواقف تحفظية تجاه المجتمع، وبالتالي التبرير هذا يسقط عندما نعلم أن كل ما يجري منهم وبعيدا عن نظرية المؤامرة هو تنفيذ أستراتيجيات ثابتة، تعتمد على أستغفال العقل البشري البسيط والمسالم والتقليدي، في الوقت الذي تخشى فيه المؤسسة الدينية عادة مواجهة العقول القوية الصلبة التي تفكر دوما ولا تسلم إلا بالقناعات الممتحنة واليقين العالي بنسبية ما يمكن أن تؤمن به، لقد حاربت الكنيسة والمعبد والمسجد العقول الواعية وحاولت أن تحرض العقول الجاهلة بشكل إيحائي من خلال تكفير التفكير، لتجد من العوام الجهال من لا يفقه شيئا من الحياة أدوات قتل وإقصاء وجيوش لمحاربة الفكر والتنوير، فعندما تحدث تلك الجرائم الفظيعة تنزوي عصابات الكهنة والمعبد بعيدا كأنها لا ترى ولا تسمع ولا تتكلم لتشجع على المزيد طالما أن الغوغاء الذين يتبعونها لم يسمعوا منها موقف ولا ردة فعل، تطبيقا لمبدا السكوت في معرض السؤال جواب.
لقد أجرم المعبد وكهنة السلطة وتجار الدين ممن جعلوا شعارهم "الدرهم مولاي والدينار ربي" في حق المعبود، كما لم يقصروا في إجرامهم أيضا بحق الإنسان، الذي يتحدثون له يوميا ويقولون أنهم في خدمة مشروع الإنسان في الوجود، والحقيقة أن لا هم لهم ولا مشروع ولا رؤية خارج أنانيتهم المريضة بالوهم والتسلط والسيادة، وحتى الذين يظنون أنهم خارد دائرة الكهنوتية ويعملون منفردين لأجل مسمى الله، فهم لا يتخلوا عن مزاعم الكهنوت الرئيسية بأنهم وحدهم أصحاب الحق في رؤية ما يرون، وكأنهم عقل المجتمع وعينه وسمعه وبصره، هذه الأنانية والشخصانية التي دمرت علاقات الرب بالإنسان وأزاحت مبادئ الفضيلة والسمو والكمال البشري، لتحل محلها مفاهيم أخرى تبدأ من غرض قيم الطاعة والتسليم وتنتهي بالعبودية والأستغلال وفرض ما يعرف بالدين الكهنوتي بدلا من دين الله ورؤيته وأمره على الناس ليكونا هم أرباب من دون الله الواحد الأحد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مبارك شعبى مصر.. بطريرك الأقباط الكاثوليك يترأس قداس عيد دخو


.. 70-Ali-Imran




.. 71-Ali-Imran


.. 72-Ali-Imran




.. 73-Ali-Imran