الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من أجل كنيسة عربية مستقلة

ابراهيم حجازين

2006 / 11 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كلما أصبح من المطلوب أن تكون المواقف التي يتخذها الجميع أكثر دقة ووضوحا فيما يتعلق بالسياسة المجرمة التي تشنها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني ومقدراته ، كلما توضح أن هذا الجميع صار أكثر صمتا، فالمواقف المغمغمة التي كان يتبعها سابقا ويغلفها بالموضوعية مساويا بين الجلاد والضحية ، صارت غير صالحة في الظروف الراهنة ، وهكذا أصبح الصمت سيد الموقف عندما حسمت إسرائيل أمرها وقررت فعليا إلغاء كافة الاتفاقات التي وقعتها مع الجانب الفلسطيني وذلك بشن حرب إبادة لم يسلم منها أحد في الأراضي المحتلة وكما قلنا الصمت أصبح سيد الموقف.
وهذا النقد الذي نسوقه للصمت والصامتين ينطبق على كافة المؤسسات الإنسانية والدولية والحركات العالمية بما فيها المؤسسات الدينية وخاصة الفاتيكان الكنيسة الأهم في العالم الذي يعد أتباعها بمئات الملايين ويتحمل أمامهم مسؤوليات ضخمة خاصة في القضايا التي تمس الحياة البشرية الروحية والمادية ، مما يترتب عليه اتخاذ المواقف المسؤولة والواضحة .
وقد ساهم الفاتيكان وبقية الكنائس بدور هام في التصدي للعديد من المسائل والقضايا التي تسيء إلى الحدث الأسمى في الكون أي الإنسان الذي خلقه الله على صورته كما يقولون ، وكان صوته مسموعا ومؤثرا في الأوساط السياسية والحاكمة وفي أوساط الرأي العام في الدول المختلفة وخاصة الكبرى منها، وكان احتجاج الفاتيكان وباقي الكنائس الأخرى ضد هدم تماثيل بوذا في داميان مثالا جديرا بالتقدير يدل على الحرص والاحترام لأصحاب الديانات الأخرى ولرموزهم الدينية والتاريخية ولو حاولنا إحصاء مختلف هذه المواقف النبيلة لما استطعنا حصرها.
ومع ذلك نلاحظ أن هذه المواقف تصبح أقل قوة وحسما عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية خاصة والقضايا العربية عامة ، حيث كان يكتفى سابقا بالطلب للطرفين أن يوقفوا العنف أو في بعض الأحيان يطلب على استحياء من إسرائيل أن تضبط نفسها مقابل ما يقوم به الفلسطينيون، وكأن ما يجري ليس عدوانا احتلاليا استمر على مدى أكثر من خمسين عاما وحوّل شعب بأكمله إلى مشردين لا وطن له كباقي شعوب الأرض، فماذا كان موقف الكنائس العالمية ؟ وماذا عملت لمساعدة هذا الشعب ؟ أو كيف عبرت الحكومات الغربية وخاصة الولايات المتحدة التي لا تفتأ تذكرنا بجذورها المسيحية عن دعمها الإنساني لهذا الشعب الذي حمل صليبه على أرض المسيح تماما كما حمله السيد المسيح قبل ألفين عام ؟ أولم يقل السيد تعالوا إلي يا جميع المتعبين وثقلي الأحمال وأنا أريحكم ؟ فكيف ساعد هؤلاء الشعب الفلسطيني؟ لقد جرى العكس تماما ، فالمساعدة والدعم كان للمعتدي والقاتل ليس لإنقاذ روحه من الجحيم بل للاستمرار في غيه ضد الشعب الفلسطيني الذي يدفع ثمن جريمة أرتكبها غرب يدعي انه بذلك يكفر عن جريمة ارتكبوها هم بحق اليهود ،فهل يقتل أو يعذب أو يشرد الطفل الفلسطيني على مدار هذه الأعوام الطويلة لهذا السبب أم لسبب أخر؟ أم أن الأمر أصبح مجرد تخريف .
اعتقدنا أن العالم سيقول شيئا ولو نقدا بسيطا عندما قصفت القوات الإسرائيلية تمثال العذراء مريم في بيت لحم وذلك لمنعها مستقبلا من التوسع في الاعتداء على الأماكن الدينية لكن هذا العالم لفه الصمت ،وعندما شنت إسرائيل بهمجيتها المجنونة هجومها على الشعب الفلسطيني توقعنا أنها لن تفلت هذه المرة خاصة عندما حاصرت كنيسة المهد وانتهكت حرمته عدة مرات مهينة بذلك المسيحية والمسيحيين خاصة وان العنصرية اليهودية لها نظرة خاصة للسيد المسيح وبولادته لا يتجرأ أحد أن يفكر بها ناهيك على أن يكتبها لما تحتويه هذه النظرة من إساءة للأديان وخاصة للدين المسيحي نفسه ، وظننا حينه نحن العرب مسلمون ومسيحيون أن الصهاينة قد تجاوزوا الحدود وأن العالم سيهب لنجدة المهد وما يمثله ، أو على الأقل أن يفعل نفس ما فعله عندما تم تدمير تماثيل بوذا في أفغانستان ،لكن لا حياة لمن تنادي ،واعتقدنا أيضا أن المؤسسات الحكومية والدينية في الغرب ستدين الاستهتار الواضح بإنسانية الفلسطيني كما جرى في مذبحة مخيم جنين إلا أنه جوبهنا بصمت مريب يصل حتى إنكار حدوثها .
إن كل من صمت أو يحاول إنكار وحشية الهجوم بصمته ، هذا الهجوم الذي يكشف عن الرغبة في القتل لدى الإسرائيليين لا بد إلا وأن يكون شريكا بهذه الجريمة وهذا ينطبق على كل الصامتين الذين ينكرون لدواعي عرقية أو مذهبية أو متعللين بالخوف من الاتهام باللاسامية تعرض شعب للاضطهاد لا ذنب له سوى مطالبته بتحقيق سلام قائم على أساس استرداد حقوقه العادلة ، إلا إذا كان العرب مسيحيون ومسلمون بما في ذلك مقدساتهم ككنيسة المهد والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة لا يدخلون كليا في حساب هؤلاء الإنسانيين جدا في الغرب.
إن الكثيرين من العرب المسيحيين تتولد لديهم القناعة اليوم أن هذا الصمت المريب يجب أن يواجه بحسم ، فهم ليسوا أبناء الضرة بل مؤسسو المسيحية الحقيقيون وعلى أرضهم ولد وتعمد السيد المسيح وفيها نشر تعاليمه وأبنائها كانوا التلاميذ الأوائل وعلى هذه الأرض تأسست أول كنيسة ومن هذه الأرض انطلقت المسيحية لتنتشر في بقاع العالم ، أفلا تستحق هذه البلاد تضامن ووقفة تعكس فعليا الأهمية التي اكتسبتها على مدى العصور؟ خاصة وقد تجلت فيها أروع وحدة بين أبنائها المسلمين والمسيحيين فانطلقت بهذين الجناحين العروبة التي أعطت للحضارة الكثير أم إن هذا مربط الفرس حيث العداء للعروبة نفسها وأن حروب الفرنجة لا نزال مستمرة ؟
أزاء هذا كله أصبح من المطلوب من العرب المسيحين أبناء هذه المنطقة أن يسعوا لبناء كنيسة عربية مستقلة تكون قادرة على التعامل من موقع الند لا التابع مع الكنائس الكبرى في العالم وأن تضع حدا لما يسمى التبشير الديني الغربي على انواعه وان ترده على اعقابه فمن الأجدى لهؤلاء المبشرين أن يعملوا بين أبناء شعوبهم الذين يعانون من اوضاع اجتماعية صعبة يحتاجون للمساعدة ويفتقدون كما هو واضح من أعمالهم وسلوكهم في العراق وفلسطين وافغانستان وغيرها من البلدان لأخلاق التسامح التي جاءت بها المسيحية .يتطلب الأمر إذا كنيسة تعيد للمسيحية رونقها واصالتها كما كانت عندما كان العرب المسيحيون ابناء كنيسة عربية واحدة وذلك قبل الاستعمار الفرنجي والسيطرة العثمانية فالاول أدخل الكنائس الغربية إلى المنطقة العربية والثاني أعطى السيطرة على اماكننا المقدسة للرهبان اليونان ولا يزالون يسيطرون على الأماكن المقدسة في القدس ، المدينة العربية الفلسطينية المحتلة والتي يجب أن يلعب العرب المسيحيون دورا كبيرا في العمل على تحررها من قبل الصهاينة ذوي التاريخ الأسود في العلاقة مع مسيحييها منذ زمن الاحتلال الفارسي لها قبل الفتوحات الإسلامية وأن يؤكدوا على الأهمية التاريخية والراهنة للعهدة العمرية التي أرست أسس العلاقة بين العرب المسيحيين والمسلمين ، وحتى يتم هذا على الكنائس العربية أن تتحد في كنيسة عربية جامعة ومستقلة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي