الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدين والعشيرة والدولة ... التجاذب والتنافر

عبدالكريم إبراهيم

2023 / 6 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


التحول من الأنظمة الشمولية إلى أنظمة يمكن إن تصنف على الديمقراطية، يحتاج إلى مدة زمنية كافية يستطيع معها المجتمع إن يستوعب حالة التغيير هذه. ولعل التحول غير متدرج، قد يقود إلى الفوضى وفقدان السيطرة على الأوضاع ،عندها تضطر بعض فئات المجتمع الفاعلة تعويض هذا الفراغ عبر وسائل أخرى لها القدرة على لعب دور الدولة في لعبة تبادل الأدوار.
يعد الدين والعشيرة من الضوابط الاجتماعية التنظيمية، فالأول يحقق للإنسان الحالة الروحية والطمأنينة التي نشدها في ظل منغصات الحياة المعقدة. وقلما نجد حضارة مهما كان مدى ريقها إلا لها جذور دينية تناغم معتقداتها الدنيوية والأخروية. استطاع الإنسان بفطرته التكوينية إن ستدل على وجود الخالق، وان اختلفت بعض المعتقدات من شعب لأخر، ولكنها تؤمن بوجود مدبر لهذا الكون الواسع الهم البشرية سبل العيش، وخلق الموجودات بدقة متناهية لا تستطيع إن تدركها بعض العقول حتى اليوم. كان دور الأنبياء(ع) الواسطة بين الخالق والبشر في ترسيخ المفاهيم الإلهية التي عبرت عنها الديانات السماوية كالتوحيد والعدالة والسلام والمساواة والمحبة والمثل العليا؛ وهي من المشتركات التي يسعى الإنسان لتحقيقها، وان اختلفت الوسيلة. إذ أرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء(ع) رحمة للعالمين، وجعلهم الطريق بين الخالق والمخلق. وقد اسُتغلت هذه الوسيلة للتحول من اختصاص الأنبياء والأئمة (ع) إلى الكهنة والوسطاء الطارئين الذين يحاولون استغلال المشاعر النبيلة لتحقيق أهداف الدنيوية تحت مبدأ خدام الإله (الخالق). هذه الطبقة عبر الأزمنة الطويلة كانت ولازالت توهم بعض الناس بمعتقدات خاطئة كي تبقى المتحكمة والمسيطرة في ان تكون هي باب الله. وتحول الدين بفعل هؤلاء من عنصر تنوري بحثي إلى الجمود والركون إلى القدرات الغبية التي يتحكم بها هؤلاء الكهنة عبر خطب ومواعظ رنانة غايتها إثارة المشاعر المتعطشة للخلاص من تبعات الحياة لذا انتشرت بعض الطقوس والعادات الدخيلة في أوساط المجتمعات للتحول فيما بعد مسلمات راسخة لا يمكن التخلي عنها، لتندرج من بمرور الوقت على أنها من الشعائر الدينية. وأصبح الخوض في هذا النقاش بصورة علمية نوعا من الإلحاد والخروج على ثوابت السلف الصالح . برغم من التقديم العلمي الذي وصل إليه العالم اليوم، فان عودة كهنة الدين إلى الساحة المجتمعات صار أسرع من ذي قبل، لاسيما بعد إن حول بعضهم الدين إلى دكاكين للاسترزاق والتكسب، واستغلال حالة الناس الروحية .فعمد هؤلاء المكتسبين إلى المغالاة لأجل إثارة اكبر قدر ممكن من الإتباع والمرديين؛ لدرجة إن وصل الأمر إلى اقتران أسماءهم بهالة القداسة المصنعة التي تخشى الناس نقدها أو مسها. إذا تحول الدين عند بعضهم من وسيلة لمعرفة الله سبحانه وتعالى وتقرب إليه من خلال الإعمال الصالحة إلى أداة مصلحية تريد إن تتحكم بسيطرتها على العباد،وان تكون هي باب الشفاعة المؤدي إلى الله وعز وجل. وهذا لا يعني عدم وجود مؤسسات دينية تحاول إن تكسر هذه القدسية المفتعلة، ولكنها تصطدم برغبة غالبية الجهلة، وبعض المنتفعين. الجهة الأولى طامعة إن تنالها المباركة، وأي تحرك علمي ضد هذه الرغبة هو مماس الثوابت المتوارثة. إما الجهة الثانية فيطيب لها إن تبقى الأمور على نحو تكون هي من تملك حظوة التأثير،وان تكون هي باب الخلاص من المشكلات الدنيوية والأخروية.
إما العشيرة، وهي ضابطة اجتماعية موغلة في القدم ،وكانت هي النواة الأولى لجذور الدولة، تحولت بمرور الزمن إلى عنصر بناء مع المحافظة على بعض العادات والتقاليد التي لا تزاحم الدولة وسبلها كيانها المعنوي. ولكن في سنوات الانهيار والانفلات وضعف القانون تغيب الدولة وتحضر العشيرة كأداة بديلة مؤقتة ثم تحاول التوسع شيئا فشيئاً كلما سمحت الظروف البلد، لتحقق مكاسب اجتماعية ومادية على حساب الدولة المنهكة.
يُعرف العراق بأنه بلد عشائري بمختلف قومياته، برغم من محاولة بعض الحكومات المتعاقبة الحد من سطوة العشيرة ،وربما نجحت في فترة معينة، لاسيما بعد الانفتاح الفكري الكبير على الثقافات العالمية، وممازجة الثقافة المحلية مع الوافدة بما يخدم المجتمع. بعد إن خبت جذوة العشيرة مؤقتا، عادت لتشعل من جديد وبطريقة متطرفة جدا، وتحول العراق من بلد يحكمه القانون إلى بلد تسوده النزعة العشائرية حتى وصل الأمر إلى السلطة التشريعية حل بعض نزاعاتها من خلال العشيرة دون اللجوء إلى القانون! . وهذا لا يعني إن العشيرة لم تكن أداة بناء في العراق بل ساهمت بشكل جيد في حل بعض النزاعات بعد عجزت الدولة عنها. ولكن ليس يراد لها إن تكون بديلة عن الدولة تسلبها واجباتها الأساسية تجاه المواطن.
المشكلة العشائرية في العراق أخذت بالتنامي بعد تعدد أقطابها، وانغماس بعض إفرادها في التمادي وتحدي القانون ،والانفلات الأمني وانتشار السلاح بكل أنواعه فضلا عن ممارسة البعض علميات تهريب المخدرات للحصول على المال، ولد تنافسا وصراعا داخل المنطقة الواحد إي من العشائر يحكم سيطرتها عليها.في حين استطاع الدولة في البلدان المجاورة لاسيما الخليجية ذات الحكم العشائري من جعل هذه المؤسسة الاجتماعية العريقة تذوب في مفاصل الدولة، وتعمل على تكون واجهة فعالة في المحافظة على القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا