الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشهادات العلميّة للمُجتمع، والعلم لمن أراد.

ازهر عبدالله طوالبه

2023 / 6 / 25
المجتمع المدني


آفة الحصول على الشهادات العلمية والتّباهي بها اجتماعيًا هي مُشكلةٌ تواجه المجتمعات اليوم. حيث يعتقد الكثيرون أنَّ الحصولَ على شهاداتٍ علميةٍ عالية يمنحهم مكانة اجتماعيّة واحترامًا مُعززًا. وقَد لا يكون هذا بالأمر السلبيّ ؛ إن كانَ مُترافقًا للأخلاقٍ الإنسانيّة، التي تُؤثّت للتعامُل الإنسانيّ المُجرَّد مِن كُلّ "أنا مُتضخِّمة، وبالتّحديد "الأنا الشهاداتيّة"، كما أنّهُ -أي التعامُل بالاحترام العلميّ- يكون واجبًا دُنيويًّا واخرويًّا إن كانَ مُتعاضِدًا مَع فكرٍ عقلانيّ مُتَّزن. وإنَّهُ لأمرٌ حميد أن يكونَ الاحترام فيما بيننا، قائم على العِلم، وعلى ما مدى توظيف هذا العِلم في سبيلِ تحقيق الرّخاء، وتقزيمِ الصّعوبات أمامَ جميع بني البشَر، وليسَ أمامَ أمّةٍ أو أفرادَ مُجتمع ضيِّق، مع التأكيد على توظيفه دونَ أن يكونَ هناكَ أيّ وجودٍ ل"الأنا المُتضخِّمة مُجتمعيًّا".

ومع ذلك، يجب أن نتساءل عن السلبيات المُحتمَلة لهذا السلوك وآثاره على الفرد والمُجتمع على المدى الطويل، خاصةً، وأنّنا، في السنوات الأخيرة، بدأنا نلحَظ ارتفاعًا بأسهُم الخِطاب الشعبويّ المُتعلِّق بالحصول على الشهادات العلميّة. إذ أنَّنا أصبحنا، اليوم، في عصرٍ أصبحَت فيه الشّهادات العِلميّة لا تتعدّى الحُدود المُجتمعيّة. وقَد غدا الجميع لا يبحثُ عن شهاداتٍ تسعى إلى سقاية حُقول العِلم، وتتزوّد مِن بحارِ المعرِفة، وإنّما عن شهاداتٍ تبحث عن أيّ "مزرابٍ" مجتمعيّ لتشرَب منهُ ما يُضخّم حاملها.


تكمُن أهمّ المشاكل الرئيسية لآفةِ الحُصول على الشهاداتِ العلميّة والتّباهي بها، بالتّركيز المُفرِط على المظاهِر الخارجية للتّعليم دون الاهتمام بالمعرِفة الحقيقيّة والقُدرات الفعليّة للفرد، ودونَ إدراك المنزِلة الحقيقيّة للعِلم.
لقد سعى (وما زال يسعى) البعض للحصول على شهاداتٍ -مرموقة وغير مرموقة- لغاياتِ الانتقال الاجتماعيّ، والحُصولَ على مكانةٍ مُجتمعيّة يختَلف ظاهِرها عن باطِنها، كما يسعى البَعض إلى الحصول على وظيفةٍ مرموقة لا يُرادُ مِنها إلّا صدىً يتردَّد في أوديةِ المُجتمعاتِ السّحيقة. وللأسف، أنَّ هاتين الفئتين، لا همَّ لهُما إلّا ما سعيتا إليه، دون أن يكونَ هناكَ اهتمامًا حقيقيًّا بالتّعليمِ، بل حتى دونَ أن يكونَ هناكَ أيّ مُثابرةٍ لتطوير مهاراتهما الفعلية التي لا يعرِف عنها المُجتمَع أيّ شيء. وبالتالي، فإنَّ هذا الأمر، أي التّركيز الزّائد على الشهادات الورقيّة، وحصر دورها مُجتمعيًّا، مِن المُمكن أن يؤدّي إلى تخفيض مُستوى التعليم والمعرِفة العميقة في المُجتمَع. وبالفعِل، لو أمعنّا النظرَ في مُجتمعاتنا اليوم، لوجدنا أنَّ هناكَ كمًّا هائلًا مِن "الشهاداتِ المُجتمعيّة" يُقبالهُ تردٍّ كبير في العِلم، ونُدرَة في أعداد مُدركيه.

وعلاوة على ذلك، فقد يؤدّي التّباهي بالشهاداتِ العلمية إلى ظاهرة التّمييز والتّفرِقة بين الأفراد بناءً على مؤهلاتهم التعليمية. وهذا ما قُلناه آنفًا، التعامُل الإنسانيّ المُجرَّد مِن الأنا المُتضخِّمة مُجتمعيًّا. إذ لا يكون هذا التعامُل إلّا على أساس ما تحمِلهُ، وليس على أساس إنسانيّتكَ، ودوركَ الفاعِل في مُجتمعكَ، بصرفِ النّظر عمّا إذا كُنتَ مِن فئة "حملَة الشهادات العلميّة" أم لا.
ففي هذه الحالة، تُحدَّد قيمتكَ كفرَد بما تحمِلهُ مِن شهادات فقط، بل الأقسى مِن ذلك، أنّ هذه القيمة، ستُحدَّد بأيّ الشهادات العلميّة "أرمَق" مِن الأُخرى، إن كانَ هناكَ عدد مِن حملَة الشهادات في المُجمَع الواحد. فالأشخاص الذين لا يملكونَ شهاداتٍ مرموقة قد يُعانونَ من الاستبعاد والتّهميش في المُجتمع، حتى لو كانوا ذوي مواهبٍ وقُدراتٍ فريدة...وهنا أتساءل، تاركًا الإجابة لكُم، كيف سيكون حال مَن لا يحملونَ الشهادات العلميّة إن كانَ هذا هو حال مَن يحملونَ شهادات "غير مرموقة"؟!

وبالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التركيز الزائد على الحصول على الشهادات العلمية إلى تراجع القيم الأخلاقيّة والمهنيّة. إذ قد يلجأ البعض إلى الغشِّ والتّلاعُب من أجل الحصول على شهادات تمنحهُم ميزة تنافسيّة، وهذا يؤثر سلبًا على مصداقيّة النظام التعليمي ويضرّ بالمُجتمع بشكلٍ عام.


نعم، هذه آفةٌ فتّكتّنا، ونتيجة للنّزقِ العلميّ الذي يصيبنا اليوم، والذي لا أرى أيّ أمارةٍ تُدلّل على أنَّ التخلُّص منهُ قريب ؛ قد لحِق بنا ضررًا، خلخلَ الأُسس البنيويّة لمُجتمعاتنا، وجعلَ أفرادها يركضونَ خلف "أنّاهم" التي "قد" لا تُعطيهم إلّا اعترافًا مُجتمعيًّا آيلٍ للسقوط.
لذا، يجب أن يكونَ هُناك تحوّل في "وجهات"نظرنا تجاه التعليم، ويجب أن نُركِّزَ على تعزيز القُدرات الفعليّة والتعلٌّم المُستمٍر بدلاً من التّركيز فقط على الشهادات.
يجب أن نكونَ مُهتمّين بالمعرفة العميقة وتنميةِ المهارات المهنيّة، بغضّ النظر عن الشهاداتِ التي نحملها.

علاوة على ذلك، يجب أن نحثَّ على تعزيز قيمِ التّساوي والعدل في المُجتمع، وعدم التمييز بناءً على الشهادات العلمية وحدها. يجب أن نُقدِّر ونحترم مجموعة متنوعة من المهارات والمواهب، سواء كانت تعليميّة أو غير تعليميّة.

في النهاية، يجب أن نتذكَّر أنَّهُ لا بُدّ مِن أن نُدرِك مرامي العِلم، وأن نحتَضنهُ كما يُريد أن يُحتَضَن لا كما نُريد نحن.
ويجِب أن نقفِز مِن فوق الفوّهة المُسامّاه "الشهادات للجميع والعِلم لمَن أراد" . غالشهادات العلميّة مجرّد وسيلة لتحقيق المعرفة وتطوير المهارات. وينبغي علينا ألّا نُخرجها مِن رحمِها إلّا إذا أكتمَلت بنيتها، وأصبحنا أكثر وعيًّا بولادتها، وذلك من حيث أنّها وسيلة للتحقُّق من الكفاءة وليس مقياسًا حصريًا للقدراتِ الفرديّة.

وأخيرًا، من الأفضل أن نُركِّز على التعلُّم المُستمِر وتنميةِ قدراتنا في مجالاتٍ مهمة بدلاً من الاهتمام الزائد بالشهادات والتّباهي بها اجتماعيًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البنتاجون كأنه بيقول لإسرائيل اقتـ.لوهم بس بالراحة..لميس: مو


.. مستشار الرئيس الفلسطيني: المخطط الإسرائيلي يتجاوز مسألة استع




.. مخيّمات المهاجرين في تونس: صفاقس.. -كاليه- التونسية؟ • فرانس


.. متظاهرون إسرائيليون يطالبون نتنياهو بإتمام صفقة الأسرى مع حم




.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن