الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (7)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 6 / 25
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


نجح كعب الأحبار في أن يزرع في عقول العرب طريقته في التفكير والإيمان، وجعل ‏التوراة هي المحور الذي يطوف حوله الإسلام ، فالتوراة جوهر كتب التراث وشكلياتها إسلام ، ‏وجعل العرب مؤمنون شكلاً بالإسلام وموضوعاً بالتوراة .. فلم يكن العرب مهتمون بمسألة ‏الدين والعقيدة وتدوين تراثهم الثقافية بقدر ما اهتموا بالسطو على الشعوب والغزو والسبي ‏وتحصيل الجزية والإتاوات ، أو الوعد بالحور العين الحسناوات بديلاً عن محصلات الجهاد ‏كما وصفها الفقهاء ... ‏

‏... نعود مجهودات كعب القومية في غرس مفاهيم لغوية وتاريخية في العقل العربي ، ‏فكلمة مصر مصدرها عربي قحّ سواء قلنا أنها مشتقة من الجذر اللغوي مصّر ومصر يعني بلد ‏وجمعها أمصار، وهذا الجذر اشتقاقي قابل للصرف، ومعناه وصفي وليس اصطلاحي، أي أن ‏كلمة مصر تعني وصف لبلد ذات تنظيم عمراني وشوارع وأسواق، وكل بلدة ذات تنظيم ‏عمراني يمكن وصفها بأنه مصر وجمعها أمصار، أي أن كلمة مصر تعادل كلمة مدينة ‏حرفياً، ومصّر تعني مدّن، لكن هذا اللفظ لم يكن يطلق كاصطلاح أو اسم على أي بلد في ‏العالم وقت نزول القرآن، فبلاد وادي النيل كان اسمها إيجبت كما ذكرنا، ونطقه العرب ‏إقبط، و قبط. وسواء قلنا أن كلمة مصر مصدرها هو لفظة مصر الواردة في القرآن ممنوعة ‏من الصرف والتي تعود إلى لفظ سرياني عبري هو " مصرايم – متزرايم " ففي كافة الأحوال ‏هذه اللفظة مصدرها عربي بينما بلاد وادي النيل كانت أجنبية اسمها إيجبت ولغتها " ‏رمنكِميت، وتُكتب بالخط الهيروغليفي والهيروطيقي والديموطيقي ثم القبطي، وما ‏حدث فقط هو تعريب كلمة "إيجبت" على لسان العرب فصارت قبط، وهذه اللفظة لا اشتقاق ‏لها في اللغة العربية ولا جذور لأنها أعجمية معربة. وكل ما أحدثه كعب الأحبار في ‏روايته للقصص التوراتية أن قرن بين "مصر" الواردة بالقرآن و بلاد القبط.‏

فصرنا نقرأ في كتب التفسير: (تفسير الطبري كمثال):" حدثني موسى، قال: ثنا عمرو، ‏قال: ثنا أسباط، عن السدي... وقوله: ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ ﴾ يقول: هذا ‏من أهل دين موسى من بني إسرائيل ﴿ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ من القبط من قوم فرعون ﴿فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي ‏مِنْ شِيعَتِهِ ﴾ يقول: فاستغاثه الذي هو من أهل دين موسى على الذي من عدوّه من القبط.‏

‏-‏ حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قَتادة ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ ‏شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ أما الذي من شيعته فمن بني إسرائيل، وأما الذي من عدوه فقبطي من آل ‏فرعون. ((لاحظ الاقتران العجيب بين كلمة "قبطي " التي هي أجنبية وأصلها إيجبت، وكلمة ‏‏" فرعون " التي هي عربية من أصل عبري وسرياني معاً، ولاحظ الانتقال العجيب من النص ‏القرآني إلى التفصيل باستخدام وصف قبط مع أن القرآن لم يكن عاجزاً أن يذكر لفظة ‏‏"قبط " ولو في آية واحدة، لفظة قبط التي وردت في مراسلات النبي للمقوقس عظيم القبط، لم ‏يستخدمها القرآن مرة واحدة وإنما استخدم لفظ "مصر").‏

‏-‏ حدثنا موسى، قال: ثنا عمرو، قال: ثنا أسباط، عن السدي‎ ‎‏﴿‏‎ ‎فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا ‏مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ﴾‏‎ ‎يقول: من القبط‎ ( ‎‏(لاحظ هنا الراوي يفسر كلمة ( عدوه) بأنها ‏تعني واحد من القبط، فعلى أي أساس!! )‏

‏-‏ حدثنا ابن حميد، قال: ثنا سلمة، عن ابن إسحاق ﴿ فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ ‏‏﴾ مسلم، وهذا من أهل دين فرعون كافر ﴿ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ ﴾ ‏وكان موسى قد أوتي بسطة في الخلق، وشدّة في البطش فغضب بعدوّهما فنازعه ﴿فَوَكَزَهُ ‏مُوسَى ﴾ وكزة قتله منها وهو لا يريد قتله، ف ﴿ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ‏‏﴾. ((لاحظ هنا المفسر لم يذكر كلمة "قبط " لا من بعيد ولا من قريب))‏

‏-‏ قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه‎ ‎‏﴿‏‎ ‎هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ)‏‎ ‎إسرائيلي‎ ‎،‎ ‎وَهَذَا ‏مِنْ عَدُوِّهِ)‏‎ ‎قبطي‎ ( ‎فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ‎ ‎‏﴾. ‏

‏-‏ حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي بكر بن عبد الله، عن أصحابه، قال: ‏ندم بعد أن قتل القتيل، فقال: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ قال: ثم استنصره بعد ‏ذلك الإسرائيلي على قبطي آخر، فقال له موسى: إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ فلما أراد أن يبطش بالقبطي، ‏ظن الإسرائيلي أنه إياه يريد، فقال: يا موسى‎ ‎أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالأمْسِ؟ " ‏انتهى

وهكذا وجدنا كل كتب التفسير العربية تذكر كلمة قبطي باعتباره من قوم ‏فرعون نظراً لأن كعب أخبرهم بأن مصر الواردة في القرآن هي بلاد القبط التي ورد ذكرها في ‏التوراة بلفظ "إيجبت" والعرب ينطقونها قبط، وهم يفسرون القرآن نقلاً عن التوراة... ‏فالصحابة نقلوا عن أهل الكتاب كل حكايات أنبياء بني إسرائيل، والتوراة تقول أن هاجر ‏جارية إبراهيم مصرية، ولم تقل قبطية برغم أن بلاد وادي النيل كان اسمها إيجبت والعرب ‏ينطقونها إقبط وقبط، فلماذا لم تحمل صفة قبطية ؟! ولماذا لجأ الصحابة عند تفسير القرآن ‏في قوله تعالى فقتل الذي من عدوه على الذي من شيعته، لماذا قال الصحابة أن موسى قتل ‏القبطي ؟! لماذا لم يقولوا قتل المصري كما وصفت التوراة هاجر بأنها مصرية ؟! ‏

ويمكن للقارئ ببساطة أن يلاحظ أن الرواة والحَكَّائين نقلوا عن بعضهم البعض، ‏برواية فلان عن فلان عن فلان ولم يصلوا إلى كعب الأحبار ولم يذكروا اسمه كونه يقع ‏في بداية القائمة وهو المصدر الأصلي والوحيد للقصص التوراتية، ولم يكن لدى العرب ‏مصدر غيره، ولو كان لهم مصدر غيره لكانوا قد فتحوا بأنفسهم كتب التوراة وقرأوها ‏بأعينهم دون حاجة لذكر عبارة (حدثنا القاسم، قال: ثنا الحسين، قال: ثني حجاج، عن أبي ‏بكر بن عبد الله، عن أصحابه، قال: كذا وكذا ..) بهذه القائمة التي يصل طولها سبعون ‏خريفاً والتي اختلفت في طريقة روايتها برغم وجود كتب التوراة الأصلية ! لكن لأن العرب ‏لم يفتحوا هذه الكتب بأنفسهم واعتمدوا على الروايات الشفوية التي انقطعت غالباً ولم ‏تصل إلى المصدر الشفوي الأول لها ربما لطول السنين من التداول الشفوي وربما حرجاً واستحياءً ‏من ذكر اسم كعب الأحبار اليهودي سيء السمعة... وكان يكفيهم عن كل هذه ‏الحكايات أن يذكروا عبارة واحدة مثلاً ( سفر التكوين، الآية رقم كذا) أو (سفر الخروج ‏الآية رقم كذا) .. لكنهم لم يفعلوا واعتمدوا على النقل الشفوي عن كعب على مدار ألف ‏وأربعمائة عام سمموا عقولنا برواياتهم هذه عن هذا الكعب وغيره... وهكذا اندست كلمة ‏قبط قرينة بفرعون وقرينة بكلمة مصر.‏

فنقرأ مرة أخرى في تفسير القرطبي:"﴿ وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ ‏مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ 51/الزخرف... " قوله تعالى: ونادى فرعون في ‏قومه قيل: لما رأى تلك الآيات خاف ميل القوم إليه فجمع قومه فقال: فنادى بمعنى قال، قاله أبو ‏مالك . فيجوز أن يكون عنده عظماء القبط فرفع صوته بذلك فيما بينهم ثم ينشر عنه في ‏جموع القبط، وكأنه نودي بينهم. وقيل: إنه أمر من ينادي في قومه، قاله ابن جريج ." ‏
أي أنهم ترجموا كلمة مصر إلى القبط، وهذا ما يدل على أن التعريف الوحيد لبلاد ‏القبط عند العرب هو "القبط" وأن اسم "مصر" في القرآن كان لغزاً في هذا الوقت، ولذلك في ‏كل آية كانوا مضطرين لتوضيح هذا حتى يفهم القارئ، ويضعون كلمة القبط بين ‏قوسين غالباً، فالقرآن لم يذكر القبط، وجاء دور المفسرين للتوضيح نقلاً عن كعب، وكذا ‏ترجموا كلمة قوم فرعون إلى القبط، برغم أن القصة التوراتية التي وردت في النص الأصلي ‏لم تذكر كلمة القبط إطلاقاً باعتبارها إشارة أو وصف لقوم فرعون، إنما استخدمت كلمة ‏‏"مصري" بالنسب إلى المملكة البائدة التي يسكن فيها "مصرايم"، وما ورد في الترجمة العبرية ‏والعربية للتوراة هو لفظ "مصر، و مصري" وليس إقبط أو قبط، وفي هذا الوقت وما قبله كانت ‏بلاد وادي النيل تحمل اسم إقبط، وشعبها قبط، بالتبادل مع لفظ " كِميت" كإشارة لاسم ‏الدولة، وشعبها " كِميتيو " أي سكان وادي النيل، فاستخدم العرب لفظ قبطي الذي هو ‏أعجمي مُعرّب، ولم يستخدموا لفظ "مصري " الذي هو في الأصل عبري وعربي ووارد حرفياً في ‏التوراة ! ... أي أن القرآن بذلك سار على نهج الترجمة السبعونية المزورة بسلام بمجهودات ‏كعب، الذي استطاع ضبط مسار القرآن على مسار التوراة المزورة في عهد بطليموس، ولهذا ‏كانت مكافأته مسجد عظيم يحمل اسمه بالقاهرة، وجراب رمل من أرضها يفرشه تحت ‏جثته في قبره ليحتفي بنصره إلى يوم القيامة !‏

ففي التوراة العربية نقرأ كلمة " مصر" كدلالة على البلد، وكلمة مصريين ‏كدلالة على سكان هذه البلد، أما التوراة العبرية فقد نطقت ذات المسميات باختلاف ‏طفيف هو ذات الفارق الطفيف بين اللسان العربي والعبري، فنطقت اسم البلد بالعبرية " ‏مصرايم " وسكانها " مصراييم "، وأما السريانية فقد حرفت اللفظ تحريفاً طفيفاً أيضاً لم ‏يخرجه عن ذات القالب الصوتي له، فالتوراة السريانية تنطق اسم البلد " متسرايم " لأن اللسان ‏السرياني لا ينطق حرف الصاد، ويستبدله بـ زَ أو ضَ، ‏ts)‎‏) ... ونقرأ في النسخة العربية للتوراة‏
‏-‏ ‏"وَأُشَدِّدُ قَلْبَ فِرْعَوْنَ حَتَّى يَسْعَى وَرَاءَهُمْ، فَأَتَمَجَّدُ بِفِرْعَوْنَ وَبِجَمِيعِ جَيْشِهِ، وَيَعْرِفُ ‏الْمِصْرِيُّمونَ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ». فَفَعَلُوا هكَذَا." (سفر الخروج 14: 4)‏
‏-‏ ‏"فَلَمَّا أُخْبِرَ مَلِكُ مِصْرَايم أَنَّ الشَّعْبَ قَدْ هَرَبَ، تَغَيَّرَ قَلْبُ فِرْعَوْنَ وَعَبِيدِهِ عَلَى الشَّعْبِ. فَقَالُوا: ‏‏«مَاذَا فَعَلْنَا حَتَّى أَطْلَقْنَا إِسْرَائِيلَ مِنْ خِدْمَتِنَا؟»" (سفر الخروج 14: 5)‏
‏-‏ ‏"وَأَخَذَ سِتَّ مِئَةِ مَرْكَبَةٍ مُنْتَخَبَةٍ وَسَائِرَ مَرْكَبَاتِ مِصْرَايم وَجُنُودًا مَرْكَبِيَّةً عَلَى جَمِيعِهَا." ‏‏(سفر الخروج 14: 7)‏
‏-‏ ‏"وَشَدَّدَ الرَّبُّ قَلْبَ فِرْعَوْنَ مَلِكِ مِصْرَايم حَتَّى سَعَى وَرَاءَ بَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَنُو إِسْرَائِيلَ خَارِجُونَ بِيَدٍ ‏رَفِيعَةٍ." (سفر الخروج 14: 8)‏
‏-‏ ‏"فَسَعَى الْمِصْرِيُّمونَ وَرَاءَهُمْ وَأَدْرَكُوهُمْ. جَمِيعُ خَيْلِ مَرْكَبَاتِ فِرْعَوْنَ وَفُرْسَانِهِ وَجَيْشِهِ، وَهُمْ ‏نَازِلُونَ عِنْدَ الْبَحْرِ عِنْدَ فَمِ الْحِيرُوثِ، أَمَامَ بَعْلَ صَفُونَ." (سفر الخروج 14: 9)‏
‏-‏
هكذا تذكر التوراة لفظ مصر صراحة، ولفظ "مصري" صراحة " ولفظ "مصريين" ‏كذلك، ولم تستخدم التوراة لفظ "قبط " إطلاقاً، وكذلك القرآن لم يستخدم لفظ " قبط" ‏فلماذا استخدم العرب لفظ القبط في حكاياتهم ورواياتهم ؟ ذلك لأنهم نقلوا عن كعب ‏الأحبار الذي نقل عن الترجمة السبعونية المزورة للتوراة، وهي التي ذكرت كلمة القبط بدلاً ‏من مصرايم. حينما نقلت تاريخ قرية مصرايم العربية اليمنية إلى دولة إيجبت وادي النيل ..‏

فعندما نقرأ: وقال أهل السير: لما بلغ‎ ‎موسى (ع)‏‎ ‎أشده وكبر كان يركب مراكب فرعون، ‏ويلبس ما‎ ‎يلبس‎ ‎فرعون وكان إنما يدعى موسى بن فرعون، وامتنع به بنو إسرائيل من كثير ‏من الظلم، فركب فرعون ذات يوم فركب موسى في أثره فأدركه المقيل بأرض يقال لها منف، ‏فدخلها نصف النهار وقد غلقت أسواقها وليس في طرقها أحد، وذلك قوله تعالى:" على حين ‏غفلة من أهلها " فبينما هو يمشي في ناحية المدينة إذا هو برجلين يقتتلان: أحدهما من بني ‏إسرائيل، والآخر من‎ ‎آل فرعون، والذي من شيعته يقال إنه السامري، والذي من عدوه كان ‏خبازا لفرعون واسمه قاتون، وكان اشترى حطبا للمطبخ فسخر السامري ليحمله، فامتنع، ‏فلما مر بهما موسى استغاث به، فقال موسى للقبطي: دعه، فقال الخباز‏‎:‎‏ إنما آخذه لعمل أبيك، ‏فأبى أن يخلي سبيله، فغضب موسى فبطش وخلص السامري من يده، فنازعه القبطي فوكزه ‏موسى فقتله وهو لا يريد‎ ‎قتله...إلخ. ‏

استخدم العرب لفظ قبط وقبطي لأن لفظ مصر لم يكن معروفاً قبل الاحتلال العربي ‏لبلادنا وادي النيل، وإلا فلماذا لم يقل العرب كما قالت التوراة أن فرعون مصري وقومه ‏مصريون بلفظ مصر، وأن هاجر مصرية؟ لماذا وضعوا لفظ القبط وبلاد القبط وقبطي ‏كتفسير تحت الآيات التي تتحدث عن مصر فرعون وموسى ؟ ذلك لأنهم لم يقرؤوا التوراة من ‏متونها الأصلية ولا حتى المزورة منها، إنما هم اكتفوا بحكايات كعب الأحبار، وساعدوه ‏بذلك في إلصاق التهمة ببلاد القبط الأبرياء، فالقبط كانوا أبرياء فعلاً لكنهم في غيبوبة ‏أعمق من غفلة العرب ! ذلك لأنهم كانوا قبط وبلادهم قبط وكميت، لكنهم رحبوا ‏بحكايات موسى ويوسف وأحدث قصص الأنبياء التي قيل لهم أنها دارت على أرض وادي النيل، ‏ولم يدركوا المغزى الذي حاول اليهود توظيف حكايات الأنبياء هذه من أجله، ولم يدركوا ‏أنهم بذلك يسيئون لأجدادهم الأبرياء، وأنهم يلبسون تاريخاً ليس تاريخهم، وأنهم يساعدون ‏اليهود في احتلال بلادهم ثقافياً ثم سياسياً ثم اقتصادياً... بدليل أنه كان اسمها القبط، وصار ‏اسمها "مصر" دون أن يدرك أي قبطي لحظة كيف تسرب هذا الاسم إلى بلادنا، فنحن نفرح ‏فقط بورود هذا الاسم في القرآن " مصر"، دون النظر فيما إذا كان اسماً ممجداً أو منبوذاً.. ‏وهكذا حملت بلادنا الطاهرة اسم بلد منبوذة مثل أبي لهب الذي ورد ذكر اسمه في القرآن ‏أيضاً، فصرنا نفرح ونرحب بالاسم حتى ولو أخبرونا أن الله قال عن هذا البلد: ﴿... وَتَمَّتْ ‏كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا ‏كَانُوا يَعْرِشُونَ�/ الأعراف. ‏

فلو نظرنا إلى الآية السابقة سندرك أن الله دمر هذا البلد، دمر فرعون وقومه ومنازلهم ‏وبيوتهم ، وهم كانوا يسكنون قرية جبلية من قرى العرب البائدة قرب إرم ذات العماد وقوم ‏لوط وثمود وصالح وغيرهم من أقوام العرب البائدة ... فعلى ما يبدو أن العرب ساروا وراء خطوات ‏كعب الأحبار بدقة ، ولم يغيروا المسار الذي رسمه لهم، حتى وإن دخل بهم جحر ضبِ دخلوه... ‏وبذلك ترسخت عقيدة أن فرعون وقومه هم قدماء القبط، فقد تغلب اليهودي كعب على ‏العقلية العربية الساذجة واحتواها فكرياً وألقى إليها بالحكايات والروايات المقدسة عن ‏الأنبياء، ولم يكن بمقدورهم إعادة البحث في التوراة بأنفسهم، لا في النسخة السريانية ‏الأصلية ولا حتى المترجمة، وتناقلوا روايات كعب شفوياً لمدة مائتي عام ثم بدؤوا يدونونها ‏عن فلان ابن فلان ابن فلان ابن علان ...إلخ. ‏

ولذلك يمكننا القول بطمأنينة أن العقل اليهودي نكح العقل العربي ولقحه بالكثير ‏والمزيد من اليهودية التي نبتت ونمت فيه بأريحية تامة .. وصار ذلك هو ما يطلق عليه اليوم تراث ‏عربي إسلامي، لم يدرك العرب من صنعه لهم لأنهم كانوا مشغلوين بالسبي والفتوحات ..‏

يُتبع ...‏‎

‏(قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ ‎‏)‏‎ ‌‎
‏ (رابط الكتاب على أرشيف الانترنت ):‏‎
https://archive.org/details/1-._20230602
https://archive.org/details/2-._20230604
https://archive.org/details/3-._20230605

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. سائق يلتقط مشهدًا مخيفًا لإعصار مدمر يتحرك بالقرب منه بأمريك


.. إسرائيل -مستعدة- لتأجيل اجتياح رفح بحال التوصل -لاتفاق أسرى-




.. محمود عباس يطالب بوقف القتال وتزويد غزة بالمساعدات| #عاجل


.. ماكرون يدعو إلى نقاش حول الدفاع الأوروبي يشمل السلاح النووي




.. مسؤولون في الخارجية الأميركية يشككون في انتهاك إسرائيل للقان