الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قتل مع سبق الإصرار

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 6 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


ثم نظف البندقية وأرجعها إلى مكانها في المخزن، وخلال ساعة تقريبا قام بترتيب بعض الأشياء في البيت، ذلك أن الطبيب جان-كلود كان من النوع المنظم الذي يريد أن تكون الأشياء دائما في مكانها كما هي. ثم شرب قهوته الصباحية وخرج إلى القرية كعادته أيام السبت ليشتري جريدته اليومية ويحي بعض معارفه وجيرانه ويلتقط بعض الأخبار العامة. وقد ألتقى بالعديد من سكان القرية في هذا الصباح البارد من العام الجديد، وأغلبهم أكد بأن جان-كلود كان طبيعيا وهادئا كما تعودوا أن يروه، ولم يلاحظ عليه أي نوع من التغيير في التصرف أو أي نوع من الشرود أو القلق. ثم عاد الدكتور إلى بيته، وقام بمكالمة والده ووالدته للإطمئنان على أحوالهم الصحية، وأخبرهم بأنه سيأتي ليتناول الغذاء معهم، كما تعود أن يفعل ذلك في بعض الأحيان أيام الأحد، غير أن والده لم يعترض. ثم قضى حوالي ساعة أو ساعة ونصف في قراءة بريده ثم تصفح الأخبار ومشاهدة التلفزيون، وأخذ سيارنه أخيرا وإتجه إلى مدينة كليرفو Clairvaux-les-Lacs حيث بيت والدية وهي القرية التي قضى فيها كل طفولته ودراسته الإبتدائية والإعدادية، وتقع على بعد حوالي الثمانين كيلومترا من بيته في Prévessin. ووصل إلى بيت العائلة حوالي الثانية عشرة والنصف، حيث كانت والدته ما تزال في المطبخ لتجهيز الغذاء، وساعد والده في إعداد المائدة ووضع الصحون. وبعد الغذاء والدردشة مع فنجان القهوة، يجد عذرا ليصعد مع والده للعلية حيث هناك رائحة غريبة ربما ناتجة عن جهاز إغلاق أنابيب التهوية حسب قوله، وأثناء صعود السلم الخشبي، أخذ جان-كلود بندقية والده التي كانت معلقة على الحائط، وعندما انحنى والده لعاين أنبوب التهوية أطلق عليه عدة رصاصات في ظهره وأرداه قتيلا، ثم عاد إلى المطبخ وطلب من والدته التي كانت تنظف بقايا الغذاء وطلب منها أن تصعد معه ليريها التسرب الذي يتحدث عنه، وهنا قام بنفس العملية، أخرج البندقية وأطلق عليها النار قبل أن تتمكن من رؤية جسد زوجها الملقى على الأرض يسبح في بركة من الدماء. ويغطي الجسدين ببطانية، ثم يفرغ ما تبقى من الرصاص في جسد كلب العائلة الذي كان قلقا مما يحدث. في حدود الثانية والنصف أو الثالثة بع الظهر، أكمل جان كلود عمله، الذي يبدو أنه جاء من أجله، ويأخذ سيارته ويتجه نحو باريس هذه المرة، على بعد أكثر من ٤٠٠ كيلومتر، حيث له موعد حدده مع صديقته وعشيقته السابقة Chantal Delalande منذ عدة أيام. ويصل حوالي السابعة مساء إلى بيت صديقته، ويذهبان معا للعشاء عند وزير سابق، وهو الطبيب برنارد كوشنر Bernard Kouchner، والذي دعاه للعشاء حسب ما يقول. ولكن جان-كلود لا يجد طريقة في شوارع باريس المزدحمة ويضيع الخريطة كما يقال، ولا شك في أن حالته النفسية والعقلية لا تسمح له بالتفكير المنطقي السليم في هذه اللحظات، بعد أكثر من أربعة ساعات وهو يقود سيارته بدون توقف حتى باريس. وأخيرا أوقف السيارة في منطقة منعزلة من غابة فونتين بلو la forêt de Fontainebleau، وهي الغابة المعروفة في باريس يرتادها العشاق وعاملي وعاملات الجنس وبعض هواة الحياة الليلية المشبوهة، وحاول أن يقتل ضحيته الأخيرة بواسطة قنينة الغاز المسيل للدموع، التي تستعمل عادة للدفاع الشخصي، ثم بواسطة جهاز التازر Taser، وهو في الأصل سلاح تستخدمه الشرطة لصعق المواطنين أثناء محاولة القبض عليهم بواسطة شحنات كهربائية عنيفة، غير أنه يوجد أيضا على صورة جهاز صغير يشبه المسدس للدفاع الشخصي. غير أن المرأة قاومت بشدة ولم تتوقف عن الدفاع عن نفسها والصراخ والصياح، مما أيقض على ما يبدو جان-كلود من جنونه أو من غيبوبته، فتوقف في النهاية عندما أدرك فشله في مهمته الأخيرة، وحاول تهدئة صديقته معتذرا بأنه لا يعرف ما الذي حل به وأنه أصيب بنوبة غريبة من فقدان السيطرة على نفسه وكأنه يعيش كابوسا مرعبا، معللا ذلك بتأثير الأدوية التي يتعاطاها لمعالجة السرطان المزمن الذي يعاني منه منذ كان في الثانية والعشرين من عمره. وهدأت المرأة أو تظاهرت بالهدوء ووعدته ألا تخبر أحدا بما حدث، ثم أخذها إلى بيتها، وقضى معها فترة من الوقت ثم أخذ سيارته وقرر العودة إلى بيته، علما بأن الرحلة من باريس إلى قريته على الحدود السويسرية تستغرق من خمسة إلى ست ساعات بالسيارة في الظروف العادية.

يتبع








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كلمات سودانية: مشروع من أجل تعزيز الصحافة المحلّية في السودا


.. فراس العشّي: كاتب مهاجر من الجيل المطرود




.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن