الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خالد نزال الشهيد الحاضر دائما

نهاد ابو غوش
(Nihad Abughosh)

2023 / 6 / 27
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية



تحكي ريما كتانة نزال في كتابها ( خالد في حياتي) قصتها مع زوجها الشهيد خالد نزال، أحد أبرز قادة العمل العسكري في الثورة الفلسطينية، ومسؤول قوات إسناد الداخل في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، الذي اغتاله جهاز الموساد الإسرائيلي في التاسع من حزيران عام 1986. ومع ذلك ليس هذا كتابا للحزن ولا للتفجع، إنما هو سرد لتجربة مميزة تتداخل فيها السيرة الذاتية بسيرة الآخر ، وتتمازجان ليشكلا نصا مفتوحا للأمل والحب والوفاء مع قليل قليل من السياسة وبخاصة حين تحلّق روح الشهيد في سماء الوطن لتسأل عما جرى للقضية من بعده.
الشهيد هو الغائب الحاضر في كل لحظة، تخاطبه ريما كل يوم وتحاوره، تسأله عما يؤرقها فيجيب، تلوذ به عند الصعاب، ويبقى السؤال الكبير قائما ومطروحا في كل سطر من سطور النص الذي بين أيدينا: هل يموت الشهيد؟ أتذهب أفكاره وعواطفه ورجاحة عقله وآراؤه هكذا من دون رجعة؟ ألن يعود ليلاعب أطفاله ويطمئن على نموهم ويتابع بحرص خياراتهم في هذه الحياة؟ ألن يتابع المهمات والواجبات التي كان يشرف عليها؟ ثم ماذا سيقول الشهيد، والشهداء حين يعودون، كما في مجموعة الطاهر وطار، عندما يعاينون ما جرى للوطن بعد رحيلهم.
دأبت ريما ومن خلال مقالة في ذكرى استشهاد خالد السنوية، على التواصل مع الشهيد، تناجيه وتخاطبه وتستفتيه وتُطْلعه على تفاصيل ما يجري، وهي كانت قد قطعت وعدا لأبنائها على أن تكتب قصتها مع أبيهم، وظلت تؤجل هذا الوعد، إلى أن انفجر هذا النص وتدفق بعد 36 عاما من استشهاد خالد الذي لم تزده السنوات التي مرت على استشهاده إلا حضورا، ولم تزد ريما إلا ارتباطا به وقضيته، تحكي قصتها مع خالد وكأنها وقعت بالأمس القريب.
قصة خالد وريما هي قصة جيل كامل، جيل رفض التسليم بهزيمة حزيران 1967 ونتائجها الوخيمة، فتمرد على كل شيء وأطلق الثورة التي اجتذبت في بداياتها خيرة أبناء الشعب الفلسطيني وطلائعه المثقفة والثورية، فكان أمرا عاديا جدا ومسلّما به تماما أن يلتحق شاب واعد مثل خالد نزال بالثورة مقاتلا في أصعب الميادين وأخطرها على الإطلاق، وهو الذي كانت كل فرص الحياة والنجاح مفتوحة أمامه على اتساعها. وكان طبيعيا ايضا أن تلتحق ريما، الابنة المدللة، والمتفوقة دراسيا، والتي يجري كل شيء في حياتها وفق الأصول، تلتحق هي الأخرى بالثورة، وتُبعد عن الوطن ثم ترتبط بعد ذلك بعريس هو في الواقع "مشروع شهيد" فلا يجد الأهل مناصا سوى الموافقة، لأن هذا الجيل يحمل الأمل لشعبه في رد الاعتبار ومحو آثار الهزيمة.
قد يعجب من يعرف ريما ويقرأ مقالاتها كيف تختبئ وراء هذه الغلالة الرقيقة من اللطف والأدب، امرأة مقاتلة، تنتضي أسلحتها وتشهر أشواكها ( مثل النيص) وتخوض معارك كثيرة ضد من يتطاول على النساء أحيانا، وضد من يمس الثوابت الوطنية، أو يحتال على أصول الديمقراطية، ودائما ضد العدو الغاصب الذي قليلا ما التقته وجها لوجه، كما جرى على جسر العودة فرأت فيه قاتل حبيبها.
لا يقتصر الوفاء على تذكر خالد، والكتابة له في المناسبات، يبدو أن شيئا يشبه تأنيب الضمير ينتابها حين تعود إلى أرض الوطن وحدها من دونه، فتعاهده أن تأخذه معها إلى كل مكان، تحمله في حدقات عيونها، تطوف معه المدن والقرى والحقول، وتعرفه إلى الينابيع والمعابد والآثار والناس وتستعيد معه الذكريات وترسم مشاريع للمستقبل.
نتعرف في هذا النص إلى خالد الفدائي، وخالد الإنسان الشاب الحالم والعاشق، والمناضل التقدمي، والقيادي الصارم، والأخ المحب لإخوته الداعم لهم، والصديق الوفي لأصدقائه ومنهم الشاعر العربي الكبير ممدوح عدوان الذي أهدى روح خالد قصيدة مؤثرة نثبتها هنا، سنتعرف على خالد ومكانته أكثر ولن نتفاجأ حين نرى ونقرأ أثر استشهاده على والده الحاج أحمد الذي يبدو مثل جبل شامخ من جبال قباطية وصخورها الصلدة، فيتصدع على وقع الخبر الفاجع.
لا تحاول كاتبتنا أن تتقمص أدوار البطولة، بل هي معارك تواصل خوضها، وفي مواقع كثيرة تعترف بضعفها الإنساني في غياب خالد، حين تواجه مواقف صعبة ومعقدة، فتضطر للقيام بدور الأب والأم معا، تتحدث عن الخسارات الكثيرة التي أصابتها وتصيب أهالي الشهداء، كالخذلان والتجاهل والفقد الذي هو ليس مجرد خسارة عابرة، بل هو حالة مقيمة تتجدد ما دام الفاقد حيا، لكن خالد الحاضر دوما يمد ريما بالعزم والقوة والدعم وهذا ما ينعكس في مجمل نشاطها الوطني والنسوي والأدبي حيث انتزعت لنفسها مكانة مرموقة ومؤثرة في بيئة العمل الوطني العام.
تحارب ريما على جبهات عديدة ومنها جبهة إعادة الاعتبار للشهداء والوفاء لهم ولأسرهم والقيام بواجبهم، والتذكير بتضحيات مناضلي الثورة الفلسطينية وبطولاتهم، ولعل أبرز الجبهات التي تحارب عليها هي جبهة حقوق النساء والحقوق والحريات الديمقراطية بشكل عام، وسوف نرى أن ذلك ليس مجرد تحصيل حاصل لموقعها في الأمانة العامة للاتحاد العام للمراة الفلسطينية، بل هو خلاصة الوعي الثوري التقدمي الذي نشأ معها منذ بداية دراستها الجامعية، ونما وترعرع بدعم وحضور خالد وكذلك في غيابه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تصريح الأمين العام عقب المجلس الوطني الثاني لحزب النهج الديم


.. رسالة بيرني ساندرز لمعارضي هاريس بسبب موقفها حول غزة




.. نقاش فلسفي حول فيلم المعطي The Giver - نور شبيطة.


.. ندوة تحت عنوان: اليسار ومهام المرحلة




.. كلمة الأمين العام لحزب النهج الديمقراطي العمالي الرفيق جمال