الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كوجيطو الصداقة -أنا لا أكره- مختارات من كتاب -الفيلسوف فتحي المسكيني-

الصادق عبدلي

2023 / 7 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


حريّ بنا القول أنّ الفيلسوف المسكيني يكتب كتابة فلسفية شاهقة تطفح على أديمها لآلئ علينا التقاطها والإنصات إليها برهافة حس فلسفي لما تتضمنه من أفكار قمينة بالاهتمام وجديرة بالنظر والتحقيق في معانيها والسفور عن خوافيها. بيد أنّه لا يكتب لنفسه، وإنّما يكتب للجميع ولكل جنس بشري آدمي من لحم وعظم ودم. ذلك هو الجنس الذي آمن به لكونه حرّا وما دام حرّا فهو "لا يستطيع أن يقتل" و"لا يستطيع أن يتركني وحيدا" بتعبير ليفيناس. فلا غرو، أنّه جنس بشري آمن بكوجيطو جديد وشمه الفيلسوف فتحي المسكيني على جبينه وشما جميلا: "أنا أفكر، إذن أنا لا أكره" و"الكره لا يفكر...الكره لا يناقش". هو كوجيطو يوسع من دائرة المحبة (البهاكتي*) ويقاوم هالة الإنطفاء (النّرفانا*) الذاتي الذي باتت الذات التي تفكّر معرضة للسّدر والحيرة والخسار المبين. لأجل ذلك نبغ هذا الكوجيطو ممهدا الطريق نحو التنوير العقلي ومشرعا لضيافة كونية يلتقي فيها "مجتمع الأصدقاء" بتعبير سلوتردايك ضمن نادي الفلسفة بلا ضغائن ولا رضّات نفسية يمكن أن تتفق الذوات المتفلسفة التي تفكر من داخل الحضيرة البشرية على نوع جديد من "سياسات الصداقة" كما أومأ إليها فحوى كتاب جاك دريدا.

فمن الآكد أنّ استحداث هذا الكوجيطو "كوجيطو الصداقة" من لدن الفيلسوف فتحي المسكيني يعدّ سابقة فلسفية تخترق كلّ التّواريخ التي أرّخت للعداوة وبذرت فضيلة الفلسفة بما هي "صداقة" منحدرة من جذر عبارة "الفيليا"(philia) اليونانية السّنخ فاستنبتها على حوافي مجرة كوكبنا الحزين بتعبير إدغار موران من أجل توطين "خيرُورة"** فلسفية أو ضربا من فنّ الإتيقا تكون أسّا فلسفيا وعمد لكلّ نادي فلسفي كوني يجتمع فيه الخلاّن والأصفياء وجميع الأصدقاء على مائدته حيث لا تنزل الأحزان ساحته ويكون خليقا بدحو حمولة الشحناء والبغضاء والعداوة والكره والضغينة التي تعطل آلة التفكير الحرّ وتحوّله إلى "حوانيت للتفكير" لا تصدر إلاّ ضجيجا ناشزا لا يورّث إلاّ طباعا فاسدة وحماقات بشرية قد تعي من يداويها.

فجدير بنا القول أنّ كوجيطو "أنا لا أكره" يعبّد الطريق نحو تأسيس نوادي فلسفية عالمية تشبه ساحة الأغورا اليونانية التي نبتت في تربتها زهرة الفلسفة وترعرعت ثمّ ينتشر عبق شذاها في كلّ شبر من أشبار الأرض وتصبح العبارة الفلسفية بحوزة الجميع وعابرة للقارات وللحدود ومرتحلة في سديم "عصر الرغوات" أو "عصر موت الكرة" بتعبير سلوتردايك.

فكثيرا من الخلق تفلسفوا ومروا من هذا "الطريق الوعر" بتعبير أفلاطون لم يبلغوا الشأو في بلوغ قُصودهم الفلسفية ولم يصلوا إلى منتهى تخومها وقضوا نحبهم وما تزالوا أطيافهم تطوف في محاريب المتفلسفين في قرنا الحالي علّها تنبت تحت ظلهم أو تجد الطريق نحو فهما واستكمال سيرها في فلاة الوجود. ولكن ليس أمرا مريبا حينما نصدح بالقول أنّه ليس كلّ من تاه في مسارب الفلسفة هو فيلسوف حتى وإن فلت لسان أفلاطون بأنّ في كلّ إنسان فيلسوف نائم يتوجب علينا إيقاظه من نومه.

فتلك فلتة لسان أو ربّما لم ينبس بها أفلاطون أصلا ولم يدوّن فلسفة على الإطلاق* وإنّما أتباعه المخلصين له نقلوا فلسفته في شكل محاورات أتى الفلاسفة على الغرف منها. لذلك نأتي على القول أنّ أغلب الذين كتبوا في الفلسفة لا يمكن تسميتهم فلاسفة، بل هم مفكرون أو موظفون في الفلسفة يعتبرهم شوبنهاور "مزعجون" "يريدون أن يتعيشوا من الفلسفة"[1] ليس إلاّ. لذلك يجب علينا التميّيز بين نوعين من الفيلسوف؛ جنس ينتمي إلى "سقراط الفيلسوف" وجنس آخر من نوع "سقراط الموظف" وفق عبارة الفيلسوف سليم دولة في كتابه الرائع والمريع "الجراحات والمدارات"[2].

بيد أنّه على كثرة الرؤوس المتفلسفة وشبه المتفلسفة يوجد زخم من الكتب تحمل على رؤوس صفحاتها عناوينا فلسفية منها ما هو جيّد ومنها ما هو يدعو للسّدر والحيرة. فحينما تتغلغل في مظانها وتقف على منتهى زواياها الخفية لا تخرج عن كونها نبشا في قبور الفلاسفة وتحريكا للحودهم تنتهي إلى وضع لحد على لحد. فليس أصحابها إلاّ جنسا من البشر احترفوا مهنة حفر القبور وتمرّنوا على رفع الأفكار الميتة التي لا تصلح لزماننا هذا ولا تمت له بصلة وإنّما هي ربّما تصلح فقط لزمان الغابرين.

لذلك يبدو من المغالطة وضع الشيء في غير موضعه كأن ندافع على الأموات بدل الدفاع عن الأحياء. فالأحياء أحق بالدفاع من الأموات. أفلم يقل فوكو ذات حين "أنّ في الأرض ما يكفي لأن نتفلسف" حتى آخر رمق من حياتنا؟ فلماذا تتكلّم الفلسفة أيّة فلسفة خارج سديم الواقع؟ ولماذا تنبس الفلسفة بكلام والواقع يلفظ ليله البهيم بكلام آخر مستعجم؟ "وكأن الفلسفة تقول شيئا والواقع يقول شيئا آخر" بتعبير سلوتردايك في كتابه "نقد العقل الكلبي"؟ أليس من الحماقة أن نفكر خارج الواقع؟ أليس على الفلسفة اليوم قبل أي وقت مضى في عصر "الما-بعديات" وانخرام المعنى وتشظي العبارة وتساقط شعيرات الفكر ولهاث لسانه ووكوكته أمام ما يجري أمامه "هذا بناقوس يدق وذاك بمأذنة يصيح، فيا ليت شعري ما الصحيح؟" كما فلت لسان المعري ذات أصيل.

إنّه لعمري عصر "التفاهة" بتعبير آلان دونو، عصر "التجاريب التافهة" بعبارة هيدغر التي على الفيلسوف أن يقرأ لها ألف حساب. ههنا على الفيلسوف الحقيقي "سقراط الفيلسوف" أن يخترق حجاب التفاهة ويقتصد في كلّ الممكن الفلسفي الذي بحوزته ليصرفه في تغيّير بنية فكرنا التي لا يكمن أن تكون منعزلة عن بنية الواقع وما يجري في ساحاته وعليه أن يميط اللّثام عن "بوْحاته" ودحْوها دحوا والتقاط ما يسقط من غرباله من استشكالات يومية ووجودية وإنسانية وكونية ونخلها نخولا ليكررها حتى تكون مستصفى من كلّ شواشية وقابلة للفهم ومن ثمّة لا يمكن أن لا تتحوّل إلى "أرشيفات إنسانية" بلا ملامح بشرية لا جدوى من التفكير فيها. فالعصر لم يعد حسب سلوتردايك يحتمل حكيما يتكلم بلسانه ولا حكمة نافعة توضع على أبواب الجامعات والمعاهد والمدارس وفي مداخل المدن ولا على الجدران الذكية، بل هو عصر يتطلب فيلسوفا جريئا في كتاباته الفلسفية.

بلا ريب، هي كتابات فلسفية تأتي على الأفكار اليابسة والخضراء وتتناول المشاكل اليومية الحارقة اللحظية والآنية و"الشوارعية" الملقاة على قارعة الطرقات السريعة التي باتت تخترق بيوتنا وتسير من فوقنا ومن تحتنا من خلال هذا "العصر الرقمي" الشبيه بكبة الغزل جميع خيوطها متشابه ولكن ثمّة "شيء ما مهمّ" بتعبير هيدغر بداخلها على الفيلسوف معاصرتها وأخذها في الحسبان. وإن كان ذلك كذلك، فإنّ الفيلسوف فتحي المسكيني لم يتوان في جعل الفلسفة قريبة من الجمهور وتمشي بينهم وتنصت إلى واقعهم وتشمشم في ترابه وتقتفي أثر المشاكل التي ينوء بها كلكلهم مثل مشكل الحرية والهوية والأنوار والثورة و"الثيموس" (الغضب) غضب الشعب والجوع خصوصا ما يجري فيه من تحولات سياسية وثقافية جرّاء الثورات الشعبية تحت سماء العالم العربي وطرح هاته المشاكل باعتبارها شأنا إنسانيا بشريا يهم مجموعة بشرية تنتمي إلى سكان العالم أو المعمورة.

بيد أنّ هذه الفلسفة النقدية تتدثر بحسّ إشكالي وتكتسي لحما بشريا ولها قِسَمات وجهية وتمتلك "يدين" ولسانا وشفتين و"شعر" بتعبير نبس به سلوتردايك في شأن الفلسفة "المستفرسة" التي هي نفسها تلتقي مع أطّاريح الفيلسوف المسكيني في كثير من الأحيان.

فجميع هذه الغمزات والإشارات والعلامات تجتمع في الكتابات الفلسفية للفيلسوف القرطاجني فتحي المسكيني الذي يسعى بقصارى جهده في استنبات فلسفة عربية تنطق بلغة الضاد وتحوز من "البيان" (المنطق بلسان ابن حزم) ما يجعلها قادرة على الوقوف على ساقيها بعد هجرة رشدية طويلة نحو الغرب ليردّها إلينا غير مغموزة النسب ومخللة بأسلوب فلسفي سلس ومن بيانها سحرا. هي بلا ريب، فلسفة نقدية تلامس الواقع وتدغدغ المشاكل فوق أديمه وتركض جنين الفكر في بطنه من أجل معالجته بكلّ ما أوتيت من قوّة. هي فلسفة ليست حزينة ولا متشائلة وإنّما يغلب عليها طابع التفاؤل لانشغالها بمستقبل الإنسان العربي ومشرئبة عنقها نحو ما يجري من تغييرات "جيو-فلسفية" بتعبير دُلوز في الضفة الأخرى من العالم.

ألم يومئ دلوز في كتابه "ما هي الفلسفة؟" إلى قيمة الفلسفة العربية ولفت الانتباه إلى انفتاح الغرب على الشرق مثلما يتساءل دلوز: "هل من الممكن الحديث عن "فلسفة" صينية، هندية، يهودية، إسلامية؟ نعم"[3]. ألا يمكن القول حينئذ بأنّ كثير من الخلق الفلسفي لم يتفلسفوا إلاّ من خلال عودتهم المحمودة إلى الشرق بدءا من ديكارت ومروره على كتابات الغزالي حسب بعض المقارنات الفلسفية بينهما التي حبذها بعض الباحثين مثل الباحث السويسري كريستوف فون فولتسوغن تحت عنوان: "هل كان الغزالي ديكارتا قبل ديكارت؟" وقد ألمع إليه محمود محمدي زقزوق في كتابه "المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت"[4] وقد نخمّن أنّ بصريات ابن الهيثم لها أثر عظيم لدى فلاسفة الحداثة كما نعتقد أنّ أرجل ليبنتز تلاقت مع ابن رشد حسب الفهّامة عباس محمود العقاد في كثير من الأحايين وليس من غريب القول وغموسه أنّ نذهب إلى القول أنّ الفيلسوف كونيسبيرغ كانْت قد اطلع على آي القرآن وربّما شغف به من خلال إعجابه بالشاعر غوته وثقافته الموسوعية آنذاك الذي كان يعرف جيدا اللغة العربية وقد ألمع الفيلسوف فتحي المسكيني إلى إمكانية إطلاع كانْت على الثقافة العربية وخاصة القرآن الذي مدحه غوته في ديوانه الشرقي ممّا تحوّل هذا الإعجاب به إلى وضع على رأس الصفحة الأولى من رسالة الدكتوراه آي من القرآن "بسم الله الرّحمان الرّحيم"[5] تيمنا به. ولا ريب، أنّ استنبات هيغل لمفهوم الروح (Geist) إلاّ لتأثره بالشرق وليس غريبا على الناظر أنّ شوبنهاور غرف من كتب "الأوبانيشاد" الهندية حدّ البشم ونيتشه الذي حرّر زرادشت من رماد التاريخ الفارسي وجعله بمثابة هرمس مثلث العظمة** أو "الهُرْمُس" أو "أخنوخ" وكارل ياسبرز الذي تأثر أيّما تأثير بفلسفات الهند وهنري كوربان وهيدغر من المؤكد أنّه نهل من "الفلسفة الطاوية"[6] وقد يذهب البعض إلى أنّه كرع من حوض الفلسفة الفارسية خصوصا فلسفة صدر الدين الشيرازي[7] التي تعود إلى القرن السّابع عشر.

المصادر والمراجع:

* انظر: الدكتور أحمد فؤاد الأهواني، المدارس الفلسفية، الدار المصرية للتأليف والترجمة، الطبعة الأولى، 1965، ص.35: "ومع أن أفلاطون حذر طلابه من تدوين الفلسفة، وأعلن صراحة أن هذه المحاورات لا تعبر عن آرائه الفلسفية، إلاّ أن المتأخرين اعتمدوا عليها في معرفة فلسفته، وبخاصة في نظرية المثل.".
[1] - آرثو شوبنهاور، العالم إرادة وتمثلا، المجلد الأوّل والمجلد الثّاني، ترجمة سعيد توفيق، مراجعة على النصّ الألماني فاطمة مسعود، المركز القومي للترجمة، القاهرة، الطبعة الأولى، 2006، ص.36 وص.46.
[2] - سليم دولة، الجراحات والمدارات، مرجع سابق، ص.47.
[3] - Gilles Deleuze, Félix Guattari, Qu’est-ce que la philosophie?, Op.Cit., p.89.
-[4] الدكتور محمود محمدي زقزوق، المنهج الفلسفي بين الغزالي وديكارت، دار المعارف، القاهرة، دون تاريخ، مقدمة الطبعة الرابعة، ص.12. وص.63 وما بعدها. را: للمؤلف نفسه؛ علم المقارنات الفلسفية، رؤية مستقبلية، مجلة الأزهر، 1931، ص.67. وقد ألمح الكاتب إلى مقال كريستوف فون فولتسوغن المنشور في صحيفة سويسرية يومية تصدر في زيوريخ. كما قدم الكاتب رسالة بحث مقارنة بين الغزالي وديكارت. أنظر:
-Christoph von Walzogen, in Neue Zuericher Zeitung, N° 281, 1993. Mahmoud Zakzouk, Al Gazalis Philosophie Im Vergleich mit Descartes Peter Lang GmbH, Internationaler Verlag der Wissenschaften (March 1, 1992).
كذلك يمكن التنبيه أيضا إلى أنّ عبد الصمد الشاذلي الذي ترجم كتاب "المنقد من الضلال" للغزالي إلى اللغة الألمانية سنة 1988 ضمن سلسلة المكتبة الفلسفية بألمانيا ألمع إلى حقيقة آكدة مفادها أنّ بعض المستشرقين الذين تربطهم وشائج قربى بديكارت كان كتاب المنقذ من الضلال بحوزتهم ممّا يرفع عنا بعض التخمين عن إطلاع ديكارت على "المنقذ من الضلال" للغزالي ويستوي القول بتعبير دلوز في كتابه "محادثات": "السرقة هي عكس الاختلاس" وقد عرف الأدب العربي سرقات مثل سرقات أبي الطيب المتنبي وهي سرقات محمودة وليس من جنس الاختلاس وهو غير محمود. را:
- Gilles Deleuze et Claire Parnet, Dialogues, édition Flammarion, 1996, p.13.
[5] - انظر فتحي المسكيني أثناء حديثه عن كانط والإسلام في محاضرة مبثوثة على موقع اليوتيوب: فتحي المسكيني، كانط والإسلام، (محاضرة)، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، المدّة الزمنية؛ (46:54)، 05/05/2014:
https://www.youtube.com/watch?v=6InFCKlExjk&ab_channel=MominounWithoutBorder
را: أ.د. محمود حمدي زقزوق، علم المقارنات الفلسفية، رؤية مستقبلية، مرجع سابق، صص.54 -55-56. أنظر: صورة للصفحة الأولى من شهادة الدكتوراه التي حصل عليها الفيلسوف كنْت وكتب على رأسها "بسم الله الرّحمان الرّحيم".
**هرمس مثلث العظمة Hermes Trismagiste "هرمس اسم علم سرياني" في "لسان العرب" لابن منظور وقد سمّاه الفرس "أنبجهد" واليهود في التوراة "أنوش" أو "أنوخ" أو "خنوخ" والصابئة "بوذا سيف" والمسيحيين باسم "أخنوخ" في الإنجيل وعرف لدى المسلمين باسم "النبي إدريس" في القرآن (سورة مريم آية 56-57 والأنبياء آية 84-85) ويقول الطبري في تفسيره عن ابن العباس: "قبضت روحه في السماء الرابعة" وهو أوّل نبي أرسل بعد آدم وأوّل من خط بالقلم وحاك اللباس وجال نظره في علم النجوم وأوّل من وضع الموازين والمكاييل للناس ويشاع القول في تسميته إدريس لكثرة دراسته ويتواتر اسمه لدى إخوان الصفاء هرمس المثلث بالحكمة هو إدريس النبي "صعد إلى فلك زحل ودار مهع ثلاثين سنة حتى شاهد جميع أحوال الفلك، ثمّ نزل إلى الأرض فأخبر الناس بعلم النجوم، فقال الله تعالى "فرفعناه مكانا عليّا" وحسب تخمينهم أنّه يعدّ أوّل رائد من رواد الفضاء. وقد تكون نسبته من "اليمن" كما تواتر لدى شاعر الرسول محمّد عليه السلام حسان بن ثابت حينما تمثل به في بعض قصائده مفتخرا بنسبه وقد روي أيضا عن الطبري حديث عن الرسول بكونه أخبر أبا ذر:"أربعة من الرسل سريانيون آدم وشيث ونوح وأخنوخ وهو أوّل من خط بالقلم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة". ويمكن أن نذهب مع القراءة الأنتروبولوجية والحفرية للمؤرخ الدكتورالفاضل الربيعي في حفرياته القيمة في تاريخ الذاكرة العربية وكشف بعض الأغاليط في التفاسير ونقل القصص التاريخية نقلا مغلوطا كما في قصة النبي إبراهيم وسارة لدى البيهقي وغيره من المؤرخين مثل تأويل آي القرآن "اهبطوا مصرا" (سورة البقرة) وهي تعني حسب المؤرخ الفاضل الربيعي "مصريم" التي توجد في اليمن وليس في بلاد مصر العربية، وأن إبراهيم وإسماعيل "رفعا قواعد البيت" وهي حسب رأيه أنّ المقصود ليس قواعد البيت في مكة، بل "قواعد البيت في إيل مقه/مكة" في الجوف اليمني" وليس مكة التي في الحجاز. وأنّ جميع الأحداث دارت باليمن قرب نهر "مصريم" بوادي السحول الذي عرف بـ(مصر اليمن) لخصوبته. وبذلك يصبح منطقيا بأنّ الربّ وعد إبراهيم أو بأن يعطيه الأرض الخصبة الممتدة من وادي السحول...وهذه هي أرض الميعاد الإسرائيلي الأول عصر ابراهيم". (أنظر: الفاضل الربيعي، إبراهيم وسارة، الهجرة الوهيمية إلى فلسطين، (إسرائيل المتخيلة: مساهمة في تصحيح التاريخ الرسمي لمملكة إسرائيل القديمة) المجلد الثاني، الكتاب الأول، رياض الريس للكتب والنشر، الطبعة الأولى، 2021، ص.39.) وليس كما ذهب البعض بأنّ أخنوخ "مصري عاش قبل الطوفان" (انظر: د. ماجد مصطفى الصعيدي، هرمس في المصادر العربية، دار الكرز للنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 2007.). أمّا هرمس الأوّل وهو المشار إليه بالنبي إدريس عاش قبل الطوفان لأنه يعتبر أبو جد نوح الذي عرف بالطوفان وهرمس الثاني كلداني بابلي وهرمس الثالث مصري عاش بعد الطوفان وهو له عدة كتب في أحكام النجوم والخيمياء والطلسمات ويعرف عند المصريين بـ"توتْ" الإله وعند اليونان بهرمس "Ερμηζ" إله العلوم الطلسمية وعند الرومان بـ"عطارد".
[6] - ديفيد تشاي، هيدغر والطاوية، من العدم إلى البحث عن جلاء الفكرة، ص.97. عن مجلة الاستغراب، المركز الإسلامي للدراسات الاسترتيجية-بيروت، العدد الخامس، خريف 2016.
[7] - نديمة عيتاني، هل تأثر هايدغر بالشيرازي..وكيف؟، ضرورة العثور على الحلقة الضائعة، المرجع نفسه، ص.317. تشير الباحثة اللبنانية إلى أنّه ثمّة خيطا رابطا بين الفيلسوفين خصوصا في تشابه المصطلحات الفلسفية مثل "الوجود العيني المتحقق في ههنا الوجود" للشيرازي سواء في كتابه "المشاعر" أو في كتاب "الأسفار الأربعة" و"الدّازين" في كتاب "الكينونة والزمان" لهيدغر رغم الفجوة الزمنية بينهما، وتذهب الباحثة إلى إمكانية اطلاع هيدغر على الشيرازي من خلال الباحث الألماني ماكس هورتن في كتابه "النسق الفلسفي عند الشيرازي" الصادر سنة 1913 بعنوانه الأصلي (Das Philosophische system von Shirazi). لكن نذهب نحن إلى أنّه رغم وجود تقارب في المصطلحات الفلسفية بين الشيرازي المعروف بـ"الملاّ صدرا" في كتابه "المشاعر" أو "الأسفار الأربعة" "مجموعة رسائل فلسفية". فإنّ ذلك يتطلب بحثا مستفيضا في مقارنة الفيلسوفين الغير متزامنين صدر الدين محمّد الشيرازي ومارتن هيدغر. (انظر: الملاّ صدرا محمّد بن براهيم بن يحي الشيرازي، المشاعر، تحقيق خالد عبد الكريم الطّرزي، دون تاريخ، ص.105: "المشعر الثالث؛ في تحقيق الوجود عينا". را: الحكيم الإلهي والفيلسوف الرباني صدر الدين محمّد الشيرازي، الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة، الجزء الأول من السفر الأول، دار إحياء تراث العربي، بيروت-لبنان، دون تاريخ، أصالة الوجود، فصل 4، في أنّ للوجود حقيقة عينيّة، ص.39: "وبالجملة فالوجود حقيقته أنّه في الأعيان لا غير". را: صدر الدين محمّد الشيرازي، مجموعة رسائل فلسفية، دار إحياء تراث العربي، بيروت-لبنان، الطبعة الأولى، 2001، إصالة جعل الوجود، ص.233: "في أنّ للوجود صورة في الأعيان، وليس بمفهوم مصدري انتزاعي، وإن حقيقة كلّ شيء هو وجوده الذي به تترتب الآثار المخصوصة، لأن موجودية الشيء وكونه ذا حقيقة معنى واحد ومفاد واحد، لا اختلاف بينهما إلا في اللفظ؛ فحينئذ لا بد أن يكون في الأعيان ما يصدق عليه هذا المعنى، أي معنى الحقيقة").








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجزائر: مطالب بضمانات مقابل المشاركة في الرئاسيات؟


.. ماكرون يثير الجدل بالحديث عن إرسال قوات إلى أوكرانيا | #غرفة




.. في انتظار الرد على مقترح وقف إطلاق النار.. جهود لتعزيز فرص ا


.. هنية: وفد حماس يتوجه إلى مصر قريبا لاستكمال المباحثات




.. البيت الأبيض يقترح قانونا يجرم وصف إسرائيل بالدولة العنصرية