الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النجاح والفشل

سعود سالم
كاتب وفنان تشكيلي

(Saoud Salem)

2023 / 7 / 2
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


التساؤل القائم هو كيف يتمكن شخص ما من إختلاق نسخة جديدة من شخصيته الإجتماعية وإعطائها الصورة التي يريد دون الرجوع إلى الواقع الحقيقي ؟ كيف يمكن الحياة بشخصية مزدوجة ؟ وهل هذا محتمل على الإطلاق ؟ نستطيع أن نقول بأن جان-كلود رومان قد نجح في تحويل حياته إلى عمل مسرحي لا مثيل له من ناحية التمثيل و من ناحية السيناريو والإخراج، وكان من الممكن أن يكون عمله المسرحي هو عمل حياته لو لم ينهار في اللحظات الأخيرة ويرفض أن ينزل الستار وينهي العرض. لقد كان خائفا من مواجهة الجمهور، ولم يكن يحتمل فكرة إنتقاده أو العثور على أية علامة من الفشل في حياته.
أثناء محاكمه جان-كلود رومان، عاينه ثلاثة من الإخصائيين في الأمراض النفسية والعصبية المعتمدين من قبل المحاكم الفرنسية، وأجمعوا بأن جان-كلود رومان ليس مجنونا ولا معتوها وغير مصاب بأي مرض نفسي أو عصبي كالشيزوفرينيا أو البسيكوز من أي نوع، ولا يعاني من ظاهرة إزدواج الشخصية أو أي شيء من هذا القبيل، لقد كان شخصا عاديا مثل بقية الناس مع فارق وحيد، هو مبالغة أهله في التركيز على مواهبه وذكاءه وكونه شخصا إستثنائيا وفريدا من نوعه بين الشباب، صورة الشاب المثالي الناجح في كل ما يقوم به بطريقة لامعة. وربما تكون هذه الصورة المتألقة هي التي كانت السبب في ضياعه، والتي قادته تدريجيا إلى محاولة المحافظة عليها بجميع الطرق الممكنة، ولو بالكذب والخداع. أهله وأصدقاءه لم يصدقوا القصة في البداية، وحتى بعد التحقيق والإدانة بقي العديد منهم يشك في مصداقية الأحداث كما نقلتها الصحافة، قد يكون القاتل فعلا، ولكن لا يمكن أن لا يكون طبيبا وباحثا في منظمة الصحة العالمية، لأن الناس لا يصدقون بأنه ضحك عليهم وخدعهم كالأطفال. ذلك أن أهله وأصدقاءه كانوا شهودا لمرات عديدة وفي مناسبات مختلفة على مواهب الطبيب في الحوار والنقاش في الأمور الطبية والعلمية المعقدة، وبالذات في آخر تطورات العلوم الطبية المتعلقة بجراحة القلب. ذلك أن جان-كلود، ليبعد عنه الشبهات ويثبت كونه طبيبا، كان مطلعا فعلا عن آخر تطورات المجال الطبي، وكان مشتركا في أغلب الدوريات والمجلات المتخصصة بالفرنسية والإنجليزية، بالإضافة إلى أنه كان يمتلك الوقت الكافي للقراءة والإطلاع على كل هذه المنشورات العلمية. لقد بقي طالبا في حقيقة الأمر طوال حياته ولكن دون أن يجتاز الخطوة الضرورية التي تعطيه الشرعية الإجتماعية والإعتراف به كطبيب أو كباحث يمكنه من ممارسة وظيفته. الفترة الوحيدة التي تمكن فيها من ممارسة الطب، هي عندما كان في السجن، حيث كان السجناء يستشيرونه في بعض الأحيان، وحسب شهادة البعض، كان نادرا ما يخطيء في تشخيص الحالات المعروضة عليه. في حقيقة الأمر، جان-كلود لم يكن يحتمل الفضيحة المقترنة في وعيه بعدم النجاح، ولم يكن يحتمل أن يخيب آمال أهله وعائلته الذين بالغوا في حبه وتوفير كل ما يحتاج إليه، ماديا ومعنويا لمواصلة دراسته. يبدو أن جان-كلود قد بدأ في إختلاق وبناء شخصيته التي يريد تقديمها للمجتمع، أي تكوين جان-كلود الطبيب والباحث في أثناء السنة الثانية من سنوات دراسته في كلية الطب بجامعة ليون، حيث لم ينجح في إجتياز إمتحاناته النهائية، تنقصه بعض الدرجات في مادتين أو ثلاث مواد. بطبيعة الحال هذا يحدث لأغلب الطلبة، وكان من السهل عليه إجتياز هذه الكبوة في إمتحانات الدور الثاني بكل سهولة، فهو يمتلك الإمكانيات الفكرية والمادية لمواصلة الدراسة في ظروف مثالية، فقد أشترى له والده الشقة التي يسكن فيها حتى لا يسكن في بيوت الطلبة المزدحمة والمزعجة، ومع ذلك ولأسباب مجهولة، لم يتقدم جان-كلود لإمتحانات الدور الثاني، وتظاهر أمام الجميع بالنجاح والإنتقال إلى السنة الثالثة. وهكذا واصل دراسته الوهمية، وقد سجل في السنة الثانية طب لمدة إثنى عشرة سنة متوالية، دون أن يتقدم ولو مرة واحدة للإمتحانات. لقد صرح في المحكمة بانه أراد أن يكون أقوى من القدر، وكأن حادثة عدم نجاحه في السنة الثانية أصبحت "علامة" هذا القدر الذي عليه تجاوزه بطريقة ما، وعدم مواجهته مواجهة مباشرة. وقد ردد أكثر من مرة أثناء المحكمة " عندما لا أستطيع إجتياز عقبة ما .. فإنني ألغيها من الوجود"، وهذا يعني بكل بساطة "التظاهر بعدم وجود هذه العقبة"، أي التظاهر بأنه نجح في الإمتحانات ولم يرسب، وهذا التظاهر يتطلب تكوين الشخصية "النسخة" التي تستطيع أن تلعب هذا الدور، وهي شخصية البروفيسور الباحث ومتخصص جراحة القلب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صورة مفجعة لفلسطينية في غزة تفوز بجائزة -أفضل صورة صحافية عا


.. وسط تفاؤل مصري.. هل تبصر هدنة غزة النور؟




.. خطوط رفح -الحمراء- تضع بايدن والديمقراطيين على صفيح ساخن


.. تفاؤل في إسرائيل بـ-محادثات الفرصة الأخيرة- للوصول إلى هدنة




.. أكاديمي يمني يتحدث عن وجود السوريين في أوروبا.. إليك ما قاله