الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارات مع بعض رواد السوسيولوجيا المغربية: ج3

نورالدين لشكر
باحث

(Noureddine Lachgar)

2023 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- في علاقة بما أشرت إليه الآن، هل يمكن القول بأن الأستاذ حمداش، كانت له اجتهادات معرفية معينة في مجال البحث السوسيولوجي؟
لن أكون مدعيا، ولكن لن أبخس حقي في القول بأنني اجتهدت نسبيا في مسارين متكاملين، الأول ربط البحث السوسيولوجي بجملة من القضايا العملية التي ارتأيت أنه لا بد للبحث السوسيولوجي أن يكون له رأي فيها، مثلا كيفية إدماج بعض الدواوير القروية ضمن تصاميم التهيئة الجارية لتطوير المجال الحضري، كما هو الشأن بالنسبة لسيدي يحيى الغرب، أو إعداد الشبكة الحضرية لمنطقة الغرب في إطار من التدرج والتكامل بين المراكز القروية والمدن الصغرى والمتوسطة والكبيرة (القنيطرة)، أو كيفية إدماج السوق القروي ضمن الشبكة الحضرية الجديدة للمدينة، أو كيفية تطوير المواسم القروية لتنخرط في دينامية اقتصادية ومجالية وثقافية جديدة حتى لا يتم تجميدها في صورتها الفولكلورية، أو كيفية توثيق بعض الممارسات الاجتماعية والثقافية حتى لا تضيع مع تراجع حضورها مثل "الطاطا"، أو كيفية تنمية المناطق القروية الهامشية، وغيرها من الموضوعات التي يرتبط فيها البحث العلمي بالتدخل التنموي..
أما المسار الثاني فقد تمثل في محاولة الإجابة عن بعض التساؤلات والتفكير في بعض القضايا التي تستلزم بعض الاجتهاد في إنتاج المفاهيم والاصطلاحات أو تجديد المداخل المعرفية والمقاربات، من ذلك مثلا، وذلك منذ إعدادي للأطروحة الأولى، هل ينبغي مسايرة الدراسات السابقة حول المغرب بخصوص تصنيفه ضمن نمط إنتاج معين (إقطاعي مثلا أو تبعي.. إلخ)، أو أنه ينبغي الخروج من القيد الذي يفرضه التفكير من داخل هذا المفهوم بالاجتهاد في طرح إطار آخر لقراءة البناء الاجتماعي والسياسي والمجالي للمغرب، فاقترحت مفهوم نمط التدبير السياسي، وميزت داخله بين نمط التدبير السياسي المخزني السابق على الاستعمار، ثم نمط التدبير السياسي الاستعماري، وبعده نمط التدبير المخزني الجديد، أي اللاحق على الاستعمار، باعتبار أن الفعل السياسي كان حاسما في تحديد غيره من العوامل بالنسبة لتشكل المجال والاقتصاد والإنسان ضمن هذه الرقعة الجغرافية.. كذلك الأمر بالنسبة لقضايا أخرى، حيث قادتني بعض الأعمال الميدانية حول الفتاة القروية مثلا، إلى استخدام مفهوم لم يكن متداولا من قبل في قراءة خصوصيات الفتاة القروية، ألا وهو مفهوم العمر الاجتماعي، حيث بينت كيف أن المؤهلات والكفايات الاجتماعية للفتاة القروية تتفوق على نظيراتها عند الفتى القروي بحوالي أربع سنوات، بحيث إن النضج الاجتماعي للفتاة القروية يتقدم على النضج الاجتماعي للفتى القروي بمسافة زمنية محترمة، تصير معها في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة أنضج اجتماعيا بالمقارنة مع أخيها، دون أن يعني ذلك طبعا تبريرا لتزويجها في سن مبكرة.. كذلك الأمر بالنسبة لمفهوم الكلفة الاجتماعية لتوصيف شروط رعاية الأسر للأشخاص "ذوي الأعذار الخاصة" (في وضعية إعاقة) أو للمسنين، انطلاقا من تحديد أربعة مؤشرات كبرى لهذه الكلفة، ومفهوم الهدر الاجتماعي الذي اعتبرته أقرب لتوصيف حالة التخلف، ومفهوم البناء المزدوج المشار إليه من قبل، واقتراح مفهوم السيادة المعرفية في مجال العلوم الاجتماعية خلال الدرس الافتتاحي لسوسيولوجيا المغرب عند انطلاق الشعبة، وغيرها من الاجتهادات التي لم تعرف التفاعل المعرفي المطلوب لكون أغلبها ظل غير منشور، وتم تقديمه ضمن لقاءات وأوراق علمية بمناسبة تنظيم ندوات أو أيام دراسية؛ وهذا عيبي الكبير، حيث لا أعمل على التعريف بأوراقي بعد المشاركة بها في مناسبات علمية..
- ما نعرفه عن الأستاذ حمداش أن له انشغالات جمعوية عديدة، فهل يعتبر ذلك مغذيا للمعرفة السوسيولوجية، أم على العكس من ذلك؟ ألا يمكن أن يكون العمل الجمعوي معيقا للباحث؟
أتذكر هنا ما كان يقوله المرحوم محمد جسوس بخصوص السوسيولوجيا المناضلة، وكيف أن الالتزامات السياسية أو المدنية عموما للباحث، تجعله أقرب إلى فهم المجريات والتطورات عبر تفاعله اليومي مع قضايا المجتمع والشأن العام، وذلك على صعيدين متكاملين، الأول يسمح بالتأثير في الفضاء العمومي بما يقدمه الباحث من مقاربات أو تحليلات أو معارف جديدة، والثاني عبر ما يكتسبه الباحث من معطيات وإفادات ورجع صدى انطلاقا من تفاعله الحي مع قضايا المجتمع، وكأنه يشتغل ميدانيا من غير أن يقوم بالبحث الميداني المنظم.
وقد تأكد لي ذلك في أكثر من مناسبة، عندما يتم تقديم مقترحات أو أفكار للفاعل المدني مثلا مبنية على خلفية معرفية من شأنها أن تكسر النماذج الجاهزة للتفكير والعمل، أو عندما يتم اقتراح العمل على قضايا مستجدة لا ينتبه إليها الفاعل المدني الكلاسيكي.. وبالمقابل فإن ذلك الاحتكاك المباشر بأنشطة الفاعل المدني والانخراط فيما يسمح بالتعرف على ما لا يمكن التعرف عليه من خلال مجرد المتابعة البعيدة للمجريات.. ينبغي فقط أن يصب ذلك في إطار عمل منظم يكون الباحث على بينة بما ينبغي تقديمه وما ينبغي أخذه.. أظن أنه بحاجة إلى تنظيم لقاء دراسي للتفكير في هذه المسألة بالذات بالنسبة للباحثين السوسيولوجيين المغاربة.
- لكن، وباعتبارك أحد من تحملوا مسؤولية إحياء الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، ما الذي يمكنك قوله بخصوص هذه التجربة؟
ينبغي الإشارة في هذا الصدد، أن عملية إحياء الجمعية المغربية لعلم الاجتماع، تحت إشراف المرحوم محمد جسوس، قد تزامنت مع العودة الجديدة لشعب ومسالك علم الاجتماع بالجامعة المغربية، ومؤسساتها الجديدة التي احتضنت هذا التكوين، وبذلك كانت مناسبة إحياء الجمعية فرصة لدعم هذا الزخم والعمل بموازاته لتأطير الفعل المهني والعلمي للباحثين المنتسبين لهذا الاختصاص بالجامعة وخارجها. وإذا كانت انطلاقة الجمعية قد عرفت سيرا محمودا في بداياتها وخاصة بتنظيمها لليوم الوطني الأول للسوسيولوجيا، فإن المراحل اللاحقة قد عرفت بعض التعثر الذي تزامن من جهة مع مرض الأستاذ م. جسوس، ومن جهة أخرى مع ما دب من داخل الجمعية من اختلافات حول الرؤية التي ستوجه عملها وطرق تدبير هذه الهيئة التي كان يفترض فيها أن تكون هيئة جامعة للأقران في مجال الإختصاص (تكوين جماعة علمية) وعاملة على توجيه وتطوير البحث السوسيولوجي بالمغرب. إلى أن أصابها الركود وما صاحب ذلك من بروز تنظيمات موازية للباحثين الشباب ولمجموعات سوسيولوجية أخرى غطى على دور الجمعية وأفقدها الأدوار التي كان يفترض أن تؤديها، الشيء الذي دعاني ودعا غيري إلى تجميد العمل داخلها، تعبيرا عن رفض الزاوية الضيقة التي تم حشر الجمعية فيها، وهذا طبعا كان يعكس اختلافا في الرؤية، لكنه لم يكن ليفسد للود بين الزملاء قضية.
- ختاما، وفي إطار تحقيبكم لأجيال الباحثين السوسيولوجيين المغاربة، ما هو توجيهكم للجيل الحالي والذي يليه؟
بادئ ذي بدء، لابد من التنويه بالعطاء العلمي الذي حققه جيل من الباحثين الجدد وخاصة من خريجي النظام الجديد، حيث انصرفت أعمالهم إلى موضوعات وقضايا مستجدة، وبطرائق عمل ميداني وتأطير معرفي يشكل إضافة هامة لرصيد الأبحاث السوسيولوجية الوطنية، وقد صارت الكثير منها مراجع حقيقية في مجال اختصاصها؛ غير أنه بقدر ما نعتز بتسجيل هذه الإضافة بقدر ما نسجل نوعا من التيهان في توجيه الباحثين الجدد نحو القضايا ذات الأولوية المجتمعية والوطنية التي من المفترض أن تكون خاضعة لخريطة طريق معتمدة من طرف الجامعات ومؤسسات البحث العلمي ككل، ومدعومة برؤية سياسية لتوجيه وتطوير البحث العلمي ببلادنا، بما من شأنه أن يحقق التراكم والتكامل ما بين الباحثين من جهة ومؤسسات البحث من جهة أخرى، وسياسات الدولة وانتظاراتها من البحث العلمي من جهة ثالثة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما هي الأسباب التي تؤدي إلى الإصابة بالتوحد؟ • فرانس 24


.. مدير مكتب الجزيرة في غزة وائل الدحدوح: هناك تعمد باستهدافي و




.. الشرطة الفرنسية تدخل جامعة -سيانس بو- بباريس لفض اعتصام مؤيد


.. موت أسيرين فلسطينيين اثنين في سجون إسرائيل أحدهما طبيب بارز




.. رغم نفي إسرائيل.. خبير أسلحة يبت رأيه بنوع الذخيرة المستخدمة