الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حوارات مع بعض رواد السوسيولوديا المغربية ج2

نورالدين لشكر
باحث

(Noureddine Lachgar)

2023 / 7 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


- سؤال: ماذا عن هذه التجربة الجديدة في مسارك المهني؟ أي بعد انتقالك من أستاذ بالثانوي إلى أستاذ لعلم الاجتماع بجامعة بن طفيل.
لا بأس من التذكير أنني قضيت قبل التحاقي بالجامعة زهاء عشرين سنة كأستاذ للفلسفة، بالمنطقة التي اشتغلت علميا ومهنيا بها، أي سيدي يحيى الغرب، ثم بمدينة القنيطرة سنوات قليلة بعدها، حوالي أربع سنوات، وقد كانت تلك الفترة الممتدة على ما يزيد من عقدين من الزمان حافلة بالاشتغال العلمي والثقافي والمدني، يغلب عليها استكشاف القضايا ذات الصلة بالمجال المدروس (أثر الغابة الاصطناعية على المجال، السوق الأسبوعي، المواسم القبلية، ثقافة الرمى والهيث، الدواوير القروية، التوسع الحضري لسيدي يحيى الغرب وتحوله إلى مدينة..)، وفي نفس الوقت مشدودة إلى القضايا التربوية التي كان يدعوني نشاطي المهني كأستاذ للفلسفة وباحث في علم الاجتماع إلى التفكير فيها (من قبيل دراسة الثقافة الموازية للتلاميذ، وخاصة الكتابة على الطاولات والجدران، قبل زمن الفيسبوك والإلتراس طبعا، والاهتمام بالاتجاه الذي بدأ يرتسم عن تفوق التلميذات الإناث على التلاميذ الذكور ومحاولة فهم هذا الانقلاب، حيث أجريت دراسة استطلاعية بخمس مؤسسات للتعليم الثانوي بإقليم القنيطرة، أكدت بداية تبلور هذا الاتجاه الذي صار ظاهرة تطبع تعليمنا في مجمل مراحله فيما بعد، وخاصة العالي منه، وإنجاز دراسة حول موضوعات التدريس ذات الأولية من وجهة نظر التلاميذ، وذلك في خضم تجديد المناهج التربوية التي كانت تشتغل عليها الأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم، وقد كانت نشيطة إبان المرحلة الأولى من تأسيس الأكاديميات، وغيرها من الأعمال، بعضها كان يقدم كأوراق عمل ضمن لقاءات دراسية أو ندوات، وبعضها الآخر كان يجد طريقه إلى النشر في الجرائد الوطنية بالأساس..
ولا بد من الإشارة ضمن هذا السياق أن المكوث بالتعليم الثانوي لمدة طويلة كان يعكس نوعا من الانكسار في مساري العلمي والمهني، كما وقع بالنسبة لغيري من الأساتذة الباحثين بالتعليم الثانوي، ليس فقط لأن الشعبة لم تكن موجودة بالكليات الجديدة المستحدثة ابتداء من نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وإنما لعوامل أخرى زادت من حرمان هذه الفئة من متابعة المسار العلمي والمهني العادي الذي كان يسير عليه باقي الباحثين في التخصصات الأخرى، أي الالتحاق بالتعليم العالي بعد مناقشة الرسالة، خاصة وأن الوزارة كانت موحدة؛ من بين هذه العوامل، حاجة الكليات الجديدة آنذاك إلى أطر التدريس والتكوين، فأطلقت الوزارة عملية "تكوين المكونين"، أي استقطاب أساتذة من التعليم الثانوي من أجل التدريس بالتعليم العالي، بعد قضاء فترة يمتزج فيها التكوين بالتدريس خلال سنتين.. وقد شكلت هذه الفئة القاعدة العريضة من الأساتذة الذين دعموا بناء الكليات الجديدة، ومع ذلك تم حرماني أنا وعدد من أمثالي، من الالتحاق بالجامعة مع هذه الفئة، رغم حيازتي مثلا لدبلوم الدراسات المعمقة، الذي لم يكن يتوفر عليه الكثيرون؛ وذلك بحجة أن تكويننا غير مطلوب في الجامعة، رغم أن شعبا أخرى كان بإمكانها أن تستقطب تخصصاتنا، مثل التاريخ والجغرافيا.. أضف إلى ذلك أننا عملنا على تأسيس إطار مدني للأساتذة الباحثين بالتعليم الثانوي، لكي يتم استثمار الكفاءات المتوفرة في الأكاديميات ذاتها، عبر تكليفها بمهام البحث والدراسة حسب اختصاص كل منها، غير أن هذا الإطار ذاته، والذي كنت من بين مؤسسيه، تم قبره زمنا يسيرا بعد ذلك، ليس المجال هنا للحديث عن خلفيات وعوامل ذلك..
أشير إلى ذلك، للتنبيه إلى استمرارية اشتغالي كباحث رغم كل الخيبات والمثبطات، وإلى كوني كنت جاهزا للقيام بالمهمة الجامعية الجديدة، سواء من حيث التجربة البيداغوجية، أو من حيث المؤهل المعرفي، أو من حيث التجربة المدنية كفاعل في عدد من الجمعيات (جمعية مدرسي الفلسفة ابتداء من 1991، أو جمعية البحث والتنمية ابتداء من 1996، أو جمعية الأساتذة الباحثين المشار إليها من قبل.. فضلا عن ارتباطاتي السياسية والنقابية)؛ ومع ذلك لا يمكن القول بأن المهمة كانت سهلة، لاعتبار أساسي هو كون العديد من الطلبة المسجلين بشعبة علم الاجتماع آنذاك، كانوا يعتبرونها قلعة للنضال ضد تيارات معينة، كانت غالبة بالساحة الجامعية، أكثر مما كانوا يعتبرونها فرصة للتكوين العلمي المتخصص، وهو ما خلق لي شخصيا الكثير من الصعاب في محاولة توجيه الطلبة إلى الأهم، أي التكوين العلمي قبل أي شيء آخر.. وينبغي التنويه بالمناسبة إلى أن نسبة كبيرة من الأساتذة الجامعيين خلال مرحلة التسعينيات وبداية الألفية الثالثة كانوا قد انتقلوا من التعليم الثانوي إلى الجامعي، وشكلوا قاعدة هامة لتطوير الدرس الجامعي، مدعمين في ذلك بتجربتهم البيداغوجية، علما أن العديد منهم سبق له وأن تلقى تكوينا بيداغوجيا بالمدارس العليا للأساتذة..
- سؤال: لكن، مازلت ذ عمار أنتظر منك تقديم بعض المعلومات عن تجربتك الجامعية هذه؟
كان التحاقي بالجامعة بمثابة تطوير لمساري الشخصي، وخاصة من الناحية العلمية، في نفس الوقت الذي كان ذلك بمثابة انخراط تام في استنبات هذه الشعبة التي لم تكن تتوفر سوى على أطر محدودة، انتقلوا بشكل متدرج خلال الأربع سنوات الأولى من ثلاثة إلى سبعة، علما أن عددا من الأساتذة من خارج الشعبة لعبوا دورا كبيرا في دعمها بتطوعهم من أجل سد الخصاص، وقد كانت مواد التدريس عديدة (12 مجزوءة بغلاف زمني أسبوعي يصل إلى 24 ساعة أسبوعيا للطلبة)، قبل أن تتقلص إلى 16 ساعة في مرحلة أولى ثم إلى 12 بعد ذلك، أي نصف الغلاف الزمني الذي كان يتلقاه طلبة الأفواج الأولى). من بينهم الأستاذ نور الدين الزاهي وامحمد الحفيان ومحمد الهجابي ومحمد ياقين وعبد الرحيم عنبي وعبد الرحيم العطري وغيرهم، ممن تحملوا مهمة دعم هذه الشعبة تضحية منهم وإخلاصا لانتمائهم العلمي، إضافة إلى تنظيم أيام دراسية لفائدة الطلبة وتنظيم دروس افتتاحية لكل موسم جامعي جديد، مما لم يعد معمولا به إلا نادرا..
وقد تمثل تطوير مساري الشخصي مهنيا وعلميا في تحمل مسؤولية تدريس عدد من المواد (سوسيولوجيا القانون، سوسيولوجيا الاقتصاد، سوسيولوجيا المغرب، السوسيولوجيا والأنثروبولوجيا المغاربية، مناهج البحث السوسيولوجي، فضلا عن التداريب الميدانية التي كنت أتحمل أعباءها من أجل تدريب الطلبة على العمل الميداني والقيام بزيارات ميدانية قصد تفعيل بعض إجراءات وتقنيات البحث.. وكل ذلك كانت له فوائده المعرفية والعلمية بالنسبة للأستاذ قبل الطالب رغم مشقته، ورغم تغطيته لكافة الزمن اليومي للأستاذ، خاصة بعد افتتاح إجازة مهنية لتكوين المساعد الاجتماعي والمربي المتخصص، التي زادت من الأعباء، ولكنها مع ذلك كانت تجربة ناجحة خلال مرحلتها الأولى بهذه الكلية، وخاصة على صعيد توظيف الخريجين..
لقد كان ذلك أيضا فرصة للتفكير في كيفية تطوير تجربة مسالك علم الاجتماع الناشئة بعدد من الكليات المغربية، وفي هذا الإطار عملت على إطلاق مبادرة اللقاءات الوطنية لمسالك علم الاجتماع من أجل تدارس القضايا ذات الطابع البيداغوجي الخاص بالتكوين، فتم تنظيم اللقاء الأول بالقنيطرة، والثاني بالمحمدية، والثالث بمراكش، وكان مقررا تنظيم اللقاء الرابع بالرباط؛ إلا أن المحطة الرابعة هذه لم تتحقق، وبذلك توقف مشروع كان من شأنه أن يشكل إطارا لبلورة المنظور البيداغوجي الأنسب لتطوير الطلبة ولاقتراح مخرجات التكوين المناسبة ولتطوير التخصص بشكل عام..
أما علميا فقد كان ذلك فرصة للانخراط أكثر في الأنشطة العلمية للكلية والمساهمة بأوراق في مجلتها أو ندواتها ولقاءاتها الدراسية، وإن كان الكثير منها لم أعمل على نشره، خاصة وأن عملية النشر في إبانها تكون ذات قيمة بالمقارنة مع نشرها لاحقا.. وأتذكر بالمناسبة عدم نشري لدراسة كنت ساهمت بها ضمن أشغال ندوة المجال والإنسان بمنطقة الغرب، المنظمة من طرف كلية الآداب سنة 1991، حيث لم يستوعب الكتاب المخصص لنشر أعمال الندوة حجم الدراسة، الذي كان يتجاوز بكثير عدد الصفحات المسموح بها (60 ص تقريبا)، فتم نشرها بشكل محدود، بينما كان ينبغي علي العمل على نشرها في كتاب مستقل، وهي بعنوان "فلاحون بدون أرض وأرض بدون فلاح".
وهنا لا بد من الإشارة أن الجامعة تسمح بالاشتغال العلمي أكثر من أي ارتباط مهني آخر، خاصة إذا كان الأستاذ يعمل على التقريب بين مجالات اشتغاله العلمي ومواضيع تدريسه، وذلك ما تحقق بالنسبة لي حينما عمقت تكويني حول الأمور المنهجية ومتطلبات الأبحاث الميدانية، التي عملت على إعداد سلسلة من الكتيبات التوجيهية والعملية للطلبة في أمور البحث الميداني، صدرت منها كراسة واحدة بينما بقيت خمسة أخرى في الانتظار الذي طال أمده، وأنوي جمعها في كتاب موحد يكون بمثابة دليل عملي للباحث السوسيولوجي الميداني.. وذلك ما تحقق كذلك عندما طورت اشتغالي على السوسيولوجيا المغربية، خلال مراحل تشكلها المختلفة، سواء قبل الاستعمار أو خلاله أو بعده، والذي سمح لي بتقديم رؤية حول ممكنات تطوير السوسيولوجيا المغربية عبر ما عبرت عنه بالبناء المزدوج لمؤسسات البحث ولخريطة البحث حول قضايا المجتمع المغربي.. يتبع في الجزء الثالث...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرنسا تلوح بإرسال قوات إلى أوكرانيا دفاعا عن أمن أوروبا


.. مجلس الحرب الإسرائيلي يعقد اجتماعا بشأن عملية رفح وصفقة التب




.. بايدن منتقدا الاحتجاجات الجامعية: -تدمير الممتلكات ليس احتجا


.. عائلات المحتجزين الإسرائيليين في غزة تغلق شارعا رئيسيا قرب و




.. أبرز ما تناولة الإعلام الإسرائيلي بشأن تداعيات الحرب على قطا