الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إشكالية تعليم الفلسفة و صفات استاذ مادة الفلسفة

احمد زكرد

2023 / 7 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الفلسفة في الأساس مادة تعليمية، يقول "دريدا": "كانت الفلسفة على الدوام ومن حيث ماهيتها، مرتبطة بتعليمها أو على الأقل ببيداغوجيا ستصبح في مرحلة معينة من التاريخ "تعليما" بالمعني الضيق للكلمة بحيث تتداخل في إطاره الممارسة التربوية بمفهوم معين أو مؤسسة معينة للعلامة" ، منذ بدأت الفلسفة أيام سقراط، كانت تنتقل بواسطة التعليم. فسقراط كان له أتباع عرفوا فيما بعد بأنهم تلاميذه، وكانوا يتلقون الفلسفة منه عن طريق حوار أشبه بالتعليم والطرق التعليمية التي تستخدمها اليوم، وجاء أفلاطون تلميذ سقراط وأسس الأكاديمية التي ما زلنا إلى اليوم تستخدم اسمها للدلالة على التعليم في مرحلته الأكاديمية، وبدوره قام أرسطو بتأسيس مدرسته الخاصة التي عرفت "باللقيون" والتي لا زلنا نستخدم اسمها حتى الآن عندما نتحدث عن "الليسه". وهكذا دواليك إلى أيامنا هذه.
إذا ارتبط إسم الفلسفة بمفهوم تعليمها، حتى إن المناهج التربوية ارتكزت في كثير من موادها التعليمية وطرقها البيداغوجية على المنهجيات الفلسفية، فإذا بنا نرى المنهجيات الحوارية والتحليلية والديالكتيكية وغيرها تستخدم في مواد مثل اللغات وبعض العلوم الإجتماعية والعلمية، إلا أن تعليم الفلسفة، لم يخل من إشكاليات وصلت إلى حد تهديده والمطالبة بإيقافه مقابل آراء تدافع عنه وتدعو إلى الإبقاء عليه.
اذن ان تعليم الفلسفة له أهمية كبيرة في حياة الأفراد والمجتمعات. الا ان هذا يواجه العديد من التحديات والاشكاليات التي يمكن ان نسلط الضوء على البعض منها .
1. ضعف التركيز على الفلسفة في المناهج الدراسية: في العديد من النظم التعليمية، يكون هناك تركيز أقل على تدريس الفلسفة مقارنةً بالمواد الأخرى. قد يكون هذا بسبب التركيز الأكبر على المواد العلمية والتطبيقية، مما يقلل من أهمية الفلسفة كمادة تعليمية.

2. صعوبة تعلم المفاهيم الفلسفية: تعتبر الفلسفة مادة تتطلب تفكيرًا معمقًا وتحليلًا نقديًا، وهذا قد يكون تحديًا للتلاميذ في فهم النظريات الفلسفية المعقدة وتطبيقها على الحياة اليومية قد يكون صعبًا بالنسبة للبعض، وهذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض التحفيز والاهتمام بالمادة.

3. نقص التدريب المنهجي للمعلمين: قد يكون هناك نقص في التدريب والتأهيل المنهجي للأساتذة الذين يدرسون الفلسفة. قد يواجهون صعوبة في تطبيق منهجية تدريس فعالة وتشجيع النقاش والتفكير النقدي لدى التلاميذ . هذا يمكن أن يؤثر على جودة تعلم الفلسفة.

4. العوائق الثقافية واللغوية : يمكن أن تواجه المجتمعات التي لديها تنوع ثقافي ولغوي تحديات في تعليم الفلسفة. قد يصعب على التلاميذ فهم المفاهيم الفلسفية والنقاش في لغة غير أمهم، وقد يكون هناك اختلافات ثقافية في النهج والتفسيرات الفلسفية.

5. انعدام التوظيف العملي للفلسفة: قد يشعر بعض التلاميذ بعدم الربط الواضح بين الفلسفة والعمل العملي والحياة اليومية. قد ينظرون إلى الفلسفة كمادة نظرية فقط دون رؤية قيمتها في فهم القضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية وتطبيقها في حياتهم.

6. الحاجة إلى التطور والتحديث: مع تطور المجتمع والتكنولوجيا والتحديات الحديثة، قد يحتاج تعليم الفلسفة إلى التطور والتحديث المستمر. يجب أن يتم تحديث المناهج والمواضيع لتتناسب مع التحديات الحديثة وتشجيع التلاميذ على التفكير النقدي في قضايا معاصرة.
صفات استاذ مادة الفلسفة :
بما أن تعليم الفلسفة هو تعليم للحياة، فإن أستاذ الفلسفة مدعو بالدرجة الأولى إلى أن يعيش ما يعلمه. وبالتالي، عليه أن يتمتع بصفات أخلاقية وتربوية تؤهله للقيام بمهمته، ولا تدفع المتعلّمين إلى التشكيك بتعليمه. لا يكفي الأستاذ أن يدرس المنهاج جيداً، أو أن تكون له خبرة كافية لإلقائه وتوسيعه في القسم، بل عليه أن يتمتع أمام تلاميذته بالسلوك الحسن، أكان بالكلام أو بالأفعال، على الأستاذ أن يراقب نفسه لأنه يشعر بأنه مراقب من قبل الجميع. إنه الإنسان الذي يصغي إليه المتعلّمون لأنه يفكر بذاته. إنه فيلسوف ولكنه لا يهمل أبدأ طلابه، لأنه يجعلهم يعملون، ويقوم بتصحيح كتاباتهم بعناية. الأستاذ الجيد يكون مثقفاً، يشرح جيداً، ولا يرفع من سقف شروحاته كثيراً إلى حد لا يفهمه الطلاب؛ إنه يستخدم الأمثلة، وبإمكانه أن يجيب عن الأسئلة التي لا تتعلق مباشرة بالدرس. وتظهر قدرته التعليمية في مدى تدوين طلابه للملاحظات أثناء شرحه ومدى قراءتهم للمراجع إلى جانب الدروس المشروحة. على المعلم معرفة أن تعليم الفلسفة ليس للفلسفة بحد ذاتها، وإنما لتحضير الإنسان. لذلك عليه أن يكون مربياً، ويضع نفسه مكان الطالب، ويساعده في أعماله. كتب "لويس سوکوندي" قائلاً : إن الأستاذ يجب أن يسيطر على موضوع تعليمه، مبتعداً عن التأثرات، خصوصاً تلك التي تأتيه من الفلاسفة الكبار، وأن يمتلك أخلاقاً رفيعة، ما دام التعليم يعتبر رسالة حقيقية، وأن يكون لديه ضمير مهني يمنعه من إهانة الطلاب .
استاذ الفلسفة هو شخص متخصص في مجال الفلسفة والذي يعمل في مجال التدريس والبحث في هذا المجال. ولكي يكون استاذًا ناجحًا في هذا المجال، هناك بعض الصفات المهمة التي يمكن أن تمتلكها. ومن هذه الصفات:

1. المعرفة العميقة بالفلسفة: يجب أن يكون استاذ الفلسفة لديه معرفة واسعة وعميقة بالمفاهيم والتيارات الفلسفية المختلفة، وأن يكون على دراية بالنظريات والأفكار الكلاسيكية والحديثة في هذا المجال.

2. القدرة على التواصل والتعليم: يجب أن يكون الاستاذ قادرًا على نقل المفاهيم الفلسفية المعقدة بطريقة سهلة ومفهومة للطلاب. يجب أن يكون لديه مهارات تواصل قوية ليكون قادرًا على توجيه النقاشات الفلسفية وتحفيز الاهتمام والفهم لدى الطلاب.

3. النقد الفلسفي: يجب أن يكون استاذ الفلسفة قادرًا على التفكير النقدي وتحليل الأفكار والحجج والنظريات الفلسفية. يجب أن يكون لديه القدرة على إشراك الطلاب في مناقشات فلسفية حادة وبناءة وتعليمهم كيفية تطوير حجج مدروسة وتحليلية.

4. الشغف والاهتمام: يجب أن يكون استاذ الفلسفة متحمسًا لموضوع الفلسفة ومهتمًا بالبحث والقراءة المستمرة في هذا المجال. يجب أن يكون لديه القدرة على إثارة الاهتمام والتحفيز لدى الطلاب وتشجيعهم على استكشاف المواضيع الفلسفية بشكل أعمق.

5. الاحترام والتسامح: يجب أن يكون استاذ الفلسفة متسامحًا ومحترمًا للآراء والاعتقادات المختلفة. يجب أن يشجع الحوار والنقاش المثمر ويحترم وجهات نظر الطلاب ويعاملهم بعدالة واحترام.

6. القدرة على البحث: يجب أن يكون استاذ الفلسفة قادرًا على القيام بأبحاث فلسفية وتوليف النظريات المختلفة وإسهامات الفلاسفة السابقين في مجال معين. يمكن أن تساعد قدرته على البحث في تطوير المناهج الدراسية والتعامل مع القضايا الفلسفية الحديثة.
إن تدريس الفلسفة يمثل تحديًا فريدًا ومستمرًا بحد ذاته. فالفلسفة ليست مجرد مجموعة من المفاهيم الفكرية، بل هي نزعة فلسفية توجهنا نحو تفسير الوجود والحقيقة. إنها رحلة في عالم الأفكار والمعنى العميق، حيث نسعى لفهم الذات والكون والعلاقة بينهما. ومن هنا، ينبغي على معلم الفلسفة أن يكون ليس مجرد ناقل للمعرفة، بل فيلسوفًا بذاته.

الأستاذ الفعال في تدريس الفلسفة ليس مجرد حاضر يعرض المعرفة المكتسبة سابقًا، بل هو رائد يدل المتعلم في رحلة اكتشاف الفلسفة والتأمل في الأفكار العميقة. فهو ينزلق برفق في عوالم الفكر والمعرفة، ويشارك المتعلمين في البحث عن الحقيقة والمعنى. يساعدهم على استكشاف تفاصيل الذات والعالم من حولهم، ويحفزهم على تحدي المفاهيم المألوفة والتفكير النقدي.

المعلم الحقيقي للفلسفة ليس مجرد حاضر لتوجيه الطلاب وتزويدهم بالأدوات اللازمة للنجاح في الاختبارات. بل هو موجود لتوليد الفضول والاستفسار والتساؤلات العميقة. فهو يتحلى بقدرة فائقة على إلهام الطلاب وتشجيعهم على التفكير الذاتي واستكشاف العالم من منظورات متعددة. يحثهم على تحليل الأفكار والقضايا المعقدة، والتفاعل مع التحديات الفلسفية المعاصرة.

معلم الفلسفة الحقيقي هو أكثر من مجرد معلم، إنه قائد يوجه الطلاب نحو الحكمة والتنوير. يعتمد في تدريسه على خبرته الشخصية ومعرفته العميقة، ولكنه يسعى دائمًا لتجديد وتحديث فلسفته الخاصة وتطويرها بما يتناسب مع التطورات الحديثة والمعاصرة. يسعى الأستاذ ليكون مثالًا يحتذى به في الفكر والأخلاق، ويسهم في بناء جيل من الفلاسفة المتميزين القادرين على التأثير الإيجابي في المجتمع.

إذاً، يجب أن يتحلى معلم الفلسفة بالقدرة على التعامل مع التعقيدات الفلسفية بأسلوب فني وجميل في اللغة. ينبغي له أن يتقن استخدام اللغة بشكل يعكس عمق الفلسفة وروعتها. وعلاوة على ذلك، يجب أن يتفهم تأثير الفلسفة على الحياة اليومية وأهميتها في تطوير التفكير النقدي والتأمل العميق.

باختصار، تدريس الفلسفة يتطلب معلمًا يتمتع بروح الفيلسوف والحكيم، وبالقدرة على توجيه وإلهام الطلاب، وإثارة حماسهم لاستكشاف الأفكار العميقة والتحديات الفلسفية تظهر لنا هنا تحديات أخرى تتعلق بدور معلم الفلسفة وتجعله يواجه صراعًا داخليًا.
بالنسبة لصفات معلم الفلسفة، فهو يحتاج إلى أن يكون مثالًا يُحتذى به. إذ يجب عليه أن يعيش ما يعلمه وأن يتمتع بالصفات الأخلاقية والتربوية التي تؤهله لمهمته وتزيد من مصداقيته في عيون الطلاب. فالمعلم لا يقتصر دوره على تدريس المنهاج بشكل جيد واكتساب الخبرة اللازمة، بل يجب أن يكون لديه سلوك حسن يُلهم الطلاب ويشجعهم على التفكير الذاتي واستكشاف العالم من حولهم. يجب أن يكون قادرًا على تحليل الأفكار والقضايا المعقدة وتشجيع النقد البناء.

المعلم الجيد في تدريس الفلسفة ليس فقط حاضرًا ينقل المعرفة، بل هو مرشد يساعد الطلاب على اكتشاف وتطوير قدراتهم الفكرية. إنه يقدم الأمثلة ويجيب على الأسئلة التي لا تتعلق بشكل مباشر بالدرس. يحرص على أن يكون الشرح مفهومًا للطلاب دون أن يفوتهم، ويشجعهم على الملاحظات والقراءة المستقلة. إنه مدرب ومربٍ في نفس الوقت، يسعى إلى تنمية الشخصية الكاملة للطلاب وتعزيز خيالهم وتنمية فهمهم العميق. إنه يدرك أن تعليم الفلسفة ليس فقط لغرض الفلسفة نفسها، بل لبناء الإنسان وتحضيره للحياة.
تعتبر تعليم الفلسفة تحديًا بسبب الأشكاليات المرتبطة بها. ومع ذلك، يمكن تجاوز هذه الأشكاليات من خلال استخدام أساليب تعليمية مناسبة وتطوير صفات مهمة في استاذ مادة الفلسفة. يجب على الاستاذ أن يكون متحمسًا للموضوع وأن يستخدم أساليب تعليمية متنوعة لتحفيز الطلاب وتشجيعهم على التفكير النقدي وتطوير مهاراتهم الفلسفية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟