الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حرب الإسرائيليات في صدر الإسلام (10)‏

محمد مبروك أبو زيد
كاتب وباحث

(Mohamed Mabrouk Abozaid)

2023 / 7 / 14
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان العرب يتحدثون عن البلد (مصر) بوصفها "جنة الله على الأرض" بينما يذمون في (القبط)! والغريب العجيب أنهم بالغوا جداً في مدحها، فما السبب وراء ذلك! هل فعلاً كانوا يحبونها لكثرة خيراتها ؟! فلماذا إذن في تفسير قول الله تعالى " وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها التي باركنا فيها "؛ قال كعب :( الأرض التي باركنا فيها هي الشام ! لأنها أرض البركة والخيرات والأشجار والثمار والأنهار ) ! برغم أننا قد أوضحنا مسبقاً أنه لا فضل لبلد على بلد بهذه الخيرات لأن الصين أيضاً بها شبكة أنهار غزيرة الخيرات، ومن حيث الخيرات والأنهار فمعروف أن وادي النيل هو الأكثر إدراراً للخيرات والثمار، بدليل أن المؤرخ اليوناني هيرودوت زار وادي النيل وزار الشام وقال" إيجبت هبة النيل" ولم يتحدث عن أنهار وثمار وخيرات الشام التي قدسها كعب هذه. وعرفنا أن كعب كان يمدح في الشام دائماً كي يرسخ عقيدة "القبلة الأولى وصخرة اليهود والهيكل أو بيت المقدس" لكن لماذا عند ذكر مصر في كل مرة نجده يمدح فيها بمبالغة زائدة برغم أنه (في نظر اليهود) بني إسرائيل عانوا الويلات والاستعباد فيها على يد فرعون، ولماذا يمدح فيها ويبالغ إلى حد الخرافة بهذه الدرجة ؟! ولماذا (لو كان يحبها فعلاً) لم يعش فيها رغم كل هذا المديح والثناء وعاش بقية حياته في الشام؟!

يذكر «جلال الدين السيوطى»، في كتابه «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة»، نقلًا عن آخرين، فيقول:
■ «.. عن عبد الله بن عمرو أنه قال: (مَن أراد أن يذكر الفردوس، أو ينظر إلى مثلها في الدنيا، فلينظر إلى أرض مصر حين يخْضَرّ زرعها وتنمو ثمارها..)، وعن (كعب الأحبار)، قال: (مَن أراد شبه الجنة، فلينظر إلى أرض مصر إذا أزهرت..)، وأورد عن على بن أبى طالب، رضي الله عنه، أنه لما بعث محمد بن أبى بكر الصديق إلى مصر، قال: إني وجّهتك إلى فردوس الدنيا» (انظر جلال الدين السيوطى، في كتابه «حسن المحاضرة في تاريخ مصر والقاهرة» ج1 ص 21 وما بعدها) .

«.. وعن سعيد بن هلال، قال: اسم مصر في الكتب السالفة (أم البلاد). وذكر أنها مُصوَّرة في (كتب الأوائل)، وسائر المدن مادّة أيديها إليها تستطعمها. وعن كعب قال: لولا رغبتي في بيت المقدس ما سكنت إلا مصر. قيل ولِمَ؟، قال: لأنها بلدة معافاة من الفتن، ومَن أرادها بسوء كبّه الله على وجهه، وهو بلد مبارك لأهله فيه»

■«وقال دانيال (ع): يا بني إسرائيل، اعملوا لله، فإن الله يجازيكم بمثل مصر في الآخرة»- أراد الجنة .
(لاحظ: الحديث هنا من دانيال لبني إسرائيل وليس للقبط أصحاب البلد، وغالباً ما ورد اللفظ في الأصل "مصرايم" بالعبرية) .
■ وعن عبد الله بن عمر، قال: «البركة عشر بركات، ففي مصر تسع، وفى الأرض كلها واحدة، ولا تزال في مصر بركة أضعاف ما في جميع الأرضين» .

كل هذه الحكايات والوهم الذي تناثر على لسان العرب جاءهم من حكايات أهل الكتاب (من التوراة) والتوراة الأصلية باللغة السريانية تتحدث عن مصرايم العربية بلد فرعون أما التوراة المزورة فقد نقل الخبر إلى القبط بدلاً من مصرايم، ولأن كعب وزبانيته كانوا يريدون تسكين مسمي "مصر" في بلاد وادي النيل فسعوا إلى نشر هذه المدائح كي يتعلق الاسم بأذهان الناس بصفة مستمرة، ولذلك كان العرب عندما يأتون إليها وكأنهم يستكشفون هذا البلد الذي ذكره القرآن باسم "مصر " وورد أيضاً في الكتاب المقدس، وقيل عنه كل هذا المديح، لدرجة أن عمر ابن الخطاب طلب من عمرو ابن العاص أن يصف له مصر (وهي عملية استكشاف واضحة لأن مثل هذا الطلب لم يرد بشأن أي بلد أخرى، وفي هذا الوقت لم تكن مصر بأفضل من العراق التي اتخذها العرب عاصمة لهم) فلماذا إذن كل هذا المدح؟!

■ وحُكي أن المأمون لما دخل مصر، قال: قبَّح الله فرعون، إذ قال: ﴿أليس لي ملك مصر﴾، فلو رأى العراق!. فقال سعيد بن عفير: لا تقل هذا يا أمير المؤمنين، فإن الله تعالى قال: ﴿ودمرنا ما كان يصنع فرعون وقومه وما كانوا يعرشون﴾، فما ظنك بشيء دمره الله هذا بقيته؟!، فقال: ما قصَّرت يا سعيد. قال سعيد: ثم قلت: يا أمير المؤمنين، لقد بلغنا أنه لم تكن أرض أعظم من أرض مصر، وجميع الناس يحتاجون إليها...» .

■ وقيل أن «نهر النيل هو نهر العسل في الجنة..»، وذكر «السيوطى» أكثر من رواية ورواية بذات الوصف. وفي حديث أبي هريرة أحد من رووا عن كعب أن النبي قال:" النيل وسيحان وجيحان والفرات من أنهار الجنة، أما ابن عباس وقد روى كذلك عن كعب فقد جعلهم خمسة أنهار"..

■ هذا عن «الجنة»، أما عن ساكنيها.. الجبتيين، ففي ذات كتاب «السيوطى»، فصل بعنوان ممجوج، هو «السبب في كون أهل مصر أذلاء يحملون الضيم» ! ومن أسباب «ذل» المصريين- عند «السيوطى»- تلك الرواية الشائعة التي تقول إن «سعد بن أبى وقاص» قد دعا على أهل مصر أن يضربهم الذل، ودعاء «سعد» مستجاب لقول النبي، «ص»: «اللهم استجب له إذا دعاك»!!.. وفي الحقيقة هم كانوا يتحدثون عن مصر العربية والمصريين العرب أما سكان وشعب وادي النيل فكان اسمهم وصفتهم (الأقباط)، بينما المؤرخون ينقلون من كتب التوراة والتاريخ العربي ويلقون على إيجبت بأحمالهم بعدما حملت اسم "مصر" ويفرغون فيها سمومهم.

■ وينقل السيوطى عن «مباهج الفكر»: «يُروى عن كعب أنه قال: لما خلق الله الأشياء، قال القتل: أنا لاحق بالشام، فقالت الفتنة: وأنا معك، وقال الخصب: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك، وقال الشقاء: أنا لاحق بالبادية، فقالت الصحة: وأنا معك».

■ وقال كعب الأحبار: أمسك الله نيل مصر عن الجري في زمانه . فقالت له القبط: إن كنت ربنا فأجر لنا الماء فركب وأمر بجنوده قائدا وجعلوا يقفون على درجاتهم وقفز حيث لا يرونه ونزل عن دابته ولبس ثيابا له أخرى وسجد وتضرع لله تعالى فأجرى الله له الماء، فأتاه جبريل وهو وحده في هيئة مستفت وقال: ما يقول الأمير في رجل له عبد قد نشأ في نعمته لا سند له غيره، فكفر نعمه وجحد حقه وادعى السيادة دونه فكتب فرعون: يقول أبو العباس الوليد بن مصعب بن الريان جزاؤه أن يغرق في البحر فأخذه جبريل ومر فلما أدركه الغرق ناوله جبريل (ع) خطه. وقد مضى هذا في " البقرة " عن عبد الله بن عمرو بن العاص وابن عباس مسندا وكان هذا في يوم عاشوراء على ما تقدم بيانه في " البقرة " أيضا.

■ ونُقل عن «محمد بن حبيب» رواية أخرى تنتهي إلى:" وقال الغِنَى: أنا لاحق بمصر، فقال الذل: وأنا معك..". ويردد «السيوطى» الآراء المغرضة لمَن سبقوه في وصف القبط بأوصاف دنيئة، من أمثال «المقريزي»، ذلك الذي وصف أخلاق القبط بقوله:" قوى النفس تابعة لمزاج البدن، وأبدانهم سخيفة سريعة التغير قليلة الصبر والجلد، وكذلك أخلاقهم تغلب عليها الاستحالة والتنقل من شيء إلى شيء، والدعة والجبن والقنوط والشح وقلة الصبر، والرغبة في العلم، وسرعة الخوف، والحسد والنميمة والكذب والسعي إلى السلطان وذم الناس. وبالجملة فتغلب عليهم الشرور الدنِيّة.. ومن أجل توليد أرض مصر الجبن والشرور الدنيئة في النفس لم تسكنها الأُسُد، وإذا دخلت ذلت ولم تتناسل، وكلابها أقل جرأة من كلاب غيرها من البلدان..».

كل هذا الجهل العربي لا يبرره إلا ما أورده البخاري في صحيحه الذي هو أصح كتاب بعد كتاب الله: (حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا الأسود بن قيس حدثنا سعيد بن عمرو، أنه سمع ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إِنَّنا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ لَا نَكْتُبُ وَ لَا نَحْسُبُ؛ فالشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَمَرَّةً ثَلَاثِينَ ...).

وأما عن مفهوم الجنة والنار في اليهودية: فالكثير لا يعلم بعدم وجود الإيمان بالجنة والنار بمفهومهما المادي في الديانة اليهودية، بل كانت الجنة التي يتحدث عنها كعب الأحبار منطقة واقعة باليمن تحديداً ، حيث بدأت الديانات السماوية من هناك، إذا تفحصنا التوراة سنجد أن الله خلق الجنة على الأرض التي نعيش عليها وليس في السماء (بالضبط في شرق عدن)، وهي تلك الجنة التي قال عنها كعب نقلاً عن التوراة: وفيها أربعة أنهار ( "وَكَانَ نَهْرٌ يَخْرُجُ مِنْ عَدْنٍ لِيَسْقِيَ الْجَنَّةَ، وَمِنْ هُنَاكَ يَنْقَسِمُ فَيَصِيرُ أَرْبَعَةَ رُؤُوسٍ: فِيشُونُ، وجِيحُونُ وَاسْمُ النَّهْرِ الثَّالِثِ حِدَّاقِلُ، وَهُوَ الْجَارِى شَرْقِيَّ أَشُّورَ. وَالنَّهْرُ الرَّابعُ الْفُرَات" / سفر التكوين 10 - 14)، المقصود بنهر حداقل هو نهر الدجلة، فاليهود لا يؤمنون بجنة مادية بعد القيامة ، بل بما يسمى بمملكة الله السماوية (فيها الملائكة، وبعد الحساب سيدخلها الأبرار والصالحون كأرواح نورانية وليس أجساد، فلا أكل ولا شراب ولا علاقات جنسية ولا منازل ولا أشجار ولا بساتين ولا خضر وفواكه ...الخ)، في هذا المعنى قال المسيح لليهود عن الحياة بعد الموت: "في الْقِيَامَةِ لاَ يُزَوِّجُونَ وَلاَ يَتَزَوَّجُونَ، بَلْ يَكُونُونَ كَمَلاَئِكَةِ اللهِ فِي السَّمَاء".

أما جهنم فهو لفظ عبري مشتق من "جي هنوم" أي وادي هنوم، وهو وادٍ كان يقع خارج أسوار أورشليم (القدس اليمنية)، حيث كان اليهود يرمون فيه جثث الموتى المجرمين، كما كان محرقة للأطفال الذين يقدمون كقرابين للإله "مولك" في عصر ملوك إسرائيل الأوائل (وثنيون)، كانت "جي هنوم" (جهنم) ذات رائحة نتنة، موضع النفايات والجثث، والنار فيها مستعرة باستمرار، ما جعل رائحة ودخان الحريق يعم المنطقة بلا انقطاع أيضا، ومن هنا نفهم استعارة العهد القديم (العهد الجديد فيما بعد) اسم جهنم كرمز للتعبير عن العذاب الذي سيلقاه من لا يؤمن بالله ولا ينفذ وصاياه، أي سيتم إلقاءه في بحيرة من نار لا تنطفئ، واليهود أدركوا معنى هذا التشبيه المجازي لجهنم مدينة أورشليم لأنهم يعرفونها جيداً وموجودة بقربهم ولهذا فهموا على سبيل المثال الرمزية في خطاب المسيح لهم قائلا: "إن كانت يدك اليمنى تُعثرك، فاقطعها والقها عنكَ، لأنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ولا يُلقى جسدك كله في جهنم".

يُتبع ...‏‎

‏( قراءة في كتابنا : مصر الأخرى – التبادل الحضاري بين مصر وإيجبت‎ (‎
‏ (رابط الكتاب على أرشيف الأنترنت ):‏‎
https://archive.org/details/1-._20230602
https://archive.org/details/2-._20230604
https://archive.org/details/3-._20230605

‏#مصر_الأخرى_في_اليمن):‏‎
‏ ‏https://cutt.us/YZbAA

‏#ثورة_التصحيح_الكبرى_للتاريخ_الإنساني‏








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا