الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


المهاجر بين الشعور بالدونية وأزمة الهوية

فراس الجندي

2023 / 7 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


عندما يبدأ المهاجر بالدخول في عملية الاندماج في المجتمع الجديد، تبدأ الصراعات لديه بين الحفاظ على ثقافته الأصلية، وهويته الثقافية، أو الدخول في عملية الاندماج مع قيم المجتمع الجديد. هذه الازدواجية تجعل المهاجر يدخل في صراع نفسي قد يصل به أحياناً إلى رفض الاندماج للحفاظ على هويته الثقافية، أو أن يقبل نمط الاستيعاب والتشابه وهذا يعني تخلي الفرد عن هويته الثقافية المحلية لصالح الهوية والثقافة الأجنبية مع تشبعه بالكثير من قيمها ومعاييرها، حيث يتعرض المهاجر لضغط أكبر للتكيف مع الثقافة المضيفة، وهذا يستلزم التخلي عن ثقافة المرء أو رفضها. من خلال التبني الواعي للغة وكذلك أنماط التفكير والسلوك للنظام الثقافي الجديد. هذا الأمر يجعل أحياناً المهاجر يشعر بالدونية وأنه أقل شأناً من الآخر، وهذا يعود إلى المسافة الثقافية والتطور والتقدم التكنولوجي بين المجتمعات الأوربية والمجتمعات الشرق أوسطية، إن الإحساس الفرد بالدونية يجعل الفرد يقبل كل شيء من الأخر، إن الشعور بالنقص هو الشعور السائد بأن الآخرين أفضل، وأكثر إنجازا، وأكثر جاذبية، وسعادة. مع وجود عقدة النقص يكافح المهاجر بشكل مزمن للشعور بالإيجابية تجاه نفسه وحياته بشكل عام، مما يؤدي إلى تعرض الفرد لمجموعة من الآثار الصحية العقلية والجسدية غير المرغوب فيها. يؤكد علم النفس الفردي أن الدافع السائد لدى معظم الناس هو السعي لتحقيق ما أسماه أدلر التفوق (أي تحقيق الذات أو الاكتمال أو الكمال). قد يُحبط هذا السعي من أجل التفوق بسبب مشاعر الدونية أو عدم الكفاية أو عدم الاكتمال بسبب العيوب الجسدية، أو الوضع الاجتماعي المنخفض، أو التدليل، أو الإهمال أثناء الطفولة أو أسباب الأخرى، واجهها الفرد في مجرى الحياة. يمكن للأفراد التعويض عن شعورهم بالدونية من خلال تطوير مهاراتهم وقدراتهم، أو قد يطورون عقدة النقص التي تهيمن على سلوكهم. من خلال أن يتخذ التعويض المفرط عن مشاعر الدونية شكل السعي الأناني من أجل السلطة وسلوك تعظيم الذات على حساب الآخرين، ولكن في حالة المهاجر الذي يشعر بالدونية اتجاه المجتمع المُضيف، يطور استراتيجية استعادة الشعور بقيمة الذات حيث يسعى الفرد ضمن ظروف معينة إلى إضفاء صفاتٍ إيجابيةٍ على الجماعات التي ينتمي إليها، ويتمّ ذلك عن طريق آلياتٍ نفسيّةٍ كالتصنيف الاجتماعي والتوحّد والمقايسة الاجتماعية. وبالتالي تبرز الهوية السلبية والتي هي عبارة عن استبطان الحكم السلبيّ، أي إخلاء الهوية السلبيّة من خلال الاستيعاب. يرى بيري (2005) أنّ نمط الاستيعاب والتشابه يعني تخلّي الفرد عن هويته الثقافية المحلية لصالح الهوية والثقافة الأجنبية، مع تشبّعه بالكثير من قيمها ومعاييرها، حيث يتعرّض المهاجرون لضغطٍ أكبرَ للتكيّف مع الثقافة المضيفة، وهذا يستلزم التخلي عن ثقافة المرء أو رفضها، من خلال التبنّي الواعي للغة، وكذلك أنماط التفكير والسلوك للنظام الثقافي الجديد، ويتمّ تراكب الهوية الثقافية للفرد تدريجياً. لذلك فإنّ الاستيعاب هو في الغالب عملية أحادية الجانب لتكييف الأقلية مع مجتمع الأغلبية. والاستيعاب يُستخدم في الأساس عند الحديث عن خلق هويةٍ ثقافيةٍ مشتركةٍ من خلال استخدام بوتقة الصهر. حيث تتبنّاه الجماعات القويّة تجاه الجماعات الفرعية أو الضعيفة لاستيعابها، فالاستيعاب يقصد بفقدان مجموعةٍ معينةٍ جزءاً مهمّاً من هويتها الأصلية لاسيما خلال ظهورها بين العامّة، فبعض الدول تسعى إلى التعامل مع وجود الأقليّات من خلال تشجيعها على اعتماد لغة الأكثرية وثقافتها، أو إكراهها على ذلك. (Berry،2005)
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا يتبنى بعض المهاجرين نموذج الاستيعاب بدلاً من الاندماج، حسب رؤية عالم النفس الكندي جون بيري (2005) الذي يعتبر الاندماج هو محاولة المهاجر التوفيق بين الثقافتين ويمثّل الجانب الإيجابي في عمليّة التثاقف، إذ يحتاج إلى وعيٍ وقدراتٍ ثقافيّةٍ عاليةٍ، وقدرةٍ معرفيّةٍ ونفسيّةٍ للتوفيق بين الثقافتين. ويفرّق بيري بين ثلاثة أنماطٍ للاندماج: القبول الفعّال للتنوّع الثقافي في المجتمع، والاندماج الاجتماعي-ّالبنيويّ في شبكة العلاقات داخل المجتمع، والتكامل الاجتماعيّ والثقافيّ مع مراعاة الاختلافات الثقافيّة. ويلجأ الأفراد إلى الاندماج عندما يكون لديهم درجةٌ من الوعي، وانفتاح الشخصيّة، والقدرات المعرفيّة والنفسية، وثقةٌ كبيرةٌ بأنفسهم وصورةٌ إيجابية عن ثقافتهم الأمّ ويعتزّون بها، وفي الوقت نفسه يعتبرون الثقافة المضيفة جديرةً بالاحترام والثقة ولا يتعاملون معها باستعلاءٍ وعنصريةٍ للحفاظ على خصائص هويتهم وثقافتهم الأم والتواصل مع الثقافة المضيفة وتبنّي خصائصها الثقافيّة للتوفيق بين الثقافتين. (Berry،2005)
للإجابة عن السؤال لماذا يتبنى بعض المهاجرين نموذج الاستيعاب بدلاً من الاندماج، يقودنا علم النفس الفردي للإجابة عن جزء هام لهذا السؤال وهو أن كل شخص يطور شخصيته ويسعى جاهدا لتحقيق الكمال بطريقته الخاصة، التي أطلق عليه أدلر أسلوب الحياة. وأسلوب الحياة يتشكل في مرحلة الطفولة المبكرة، ويتم تحديده جزئياً من خلال الدونية الخاصة التي أثرت عليه بشكل أعمق خلال سنوات تكوينه. يتعايش السعي من أجل التفوق مع رغبة فطرية أخرى، إن قبول المهاجر لنموذج الاستيعاب بدافع الشعور بالدونية يجعل المهاجر يعاني من عدم الكفاءة وانعدام الأمن، سواء كانت حقيقية أو متصورة. وهو دائم الشك المستمر في الذات والتردد وتدني احترام الذات، مما يخلق دورة سلبية تؤدي غالباً إلى الاكتئاب والميول الانتحارية، وتظهر عليه أعراض الانسحاب من المواقف الاجتماعية والمهنية والتعليمية بسبب الخجل والخوف المفرط والمبالغة في التعويض عن انعدام الأمن أو إخفائه من خلال الإفراط في المنافسة أو العدوانية أو الغطرسة ، وأحياناً تأخذ الأغراض شكل من انخفاض المزاج وعدم الشعور بأي أمل في أن تتغير الأوضاع أو تتحسن ،تدني تقدير الذات واحترام الذات والثقة الشعور بالقلق أو عدم كفاية المواقف ،الشعور بالخجل أو الذنب أو الندم على الخيارات أو الأفعال التي قام بها والتي تتعلق برفض هويته الأصلية على حساب الهوية الثقافية الجديدة وبالتالي يدخل في نفق أزمة الهوية . أنّ هناك علاقةً وثيقةً بين الهويّة والثقافة، حيث يتعذّر الفصل بينهما، فكلّ هويةٍ تختزل ثقافةً، وقد تتعدّد الثقافات في الهويّة الواحدة، وقد تتنوّع الهويات في الثقافة الواحدة، وذلك ما نعبّر عنه بالتنوّع في إطار الوحدة. أنّ التبادل الثقافي الفعّال يتطلّب التفاعل الاجتماعيّ، والتفاعل الاجتماعي يتطلّب أيضاً المعرفة والمهارة في قواعد وأعراف الاتصال الاجتماعي، في سياقٍ ثقافيّ معيّنٍ. حيث يتطلّب التكيّف الاجتماعيّ والثقافيّ فهم المعايير والقيم ذات الصلة. وهذا لا يعني أنّه يجب أن يأخذ المهاجر مجموعةً جديدةً من القيم للتكيف مع الثقافة الجديدة، لكن يجب أن يكون على درايةٍ تامّةٍ بالاختلافات في القيمة وأن يكون لديهم استراتيجياتٌ سلوكيّةٌ للتعامل معها بشكلٍ فعّالٍ. أما رفض الهوية الأصلية بسبب عقدة النقص والشعور بالدونية، لا يجعل الفرد يتخلص من اضطرابه النفسي المتمثل بعقدة النقص، فعقدة النقص كتشخيص هي اضطراب نفسي يتمثل بشعور أساسي بعدم الكفاية وانعدام الأمن، تنشأ عن أوجه قصور جسدية أو نفسية فعلية أو متخيلة". تترك عقدة الدونية ضررا هائلاً على ثقة الفرد بنفسه. ويرى كاميلري Camilleri (1996) أن الفرد يقوم باستخدام الهويات التفاعلية والتي تعني حماية النفس من الآخرين، لتأكيد السمات الموصومة بالعار، والادّعاء بالانتماء إلى المجموعة الأصليّة عندما يكون هناك رفضٌ داخليٌ لقيمها. فالهويّة ترتبط بشكلٍ أساسيّ بالانتماء، كما ترتبط أيضاً بالغيريّة وديناميات التفاعل بين الثقافات. ويعبّر أريكسون عن الهوية بقوله:” من الأنسب نقل مفهوم المنطق على علم النفس، ومن المؤكّد أنّ الحياة النفسيّة للإنسان في جريانٍ دائمٍ. ومع ذلك يوجد في كلّ نموّ وتطوير مسحة للتشبّث، ولا تتغيّر خصائص الشخصيّة على الإطلاق أو تتغيّر ببطءٍ، حيث إنّ المرء نفسه والآخرين يمكن أن يعرفوه ويعاودون التعرّف عليه بوصفه مخلوقاً باقياً على حاله في مجرى الزمن. وهكذا يمكن للمرء أن ينظر للهوية على أنّها مجموع سماته المميّزة والدائمة التي تميزه بوصفه مخلوقاً لا تُخطئه العين. فالهوية هي ما يمكن للإنسان أن يصف به الآخرين. (ايريكسون،2013)

المراجع:

1-إريكسون إريك (2013) البحث عن الهوية ترجمة سامر رضوان، ط1، دار الكتاب الجامعي، العين، الامارات العربية
.Berry, John. (2005). Immigration Acculturation and adaptation Applied Psychology. International Journal of intercultural, 5-68.
Camilleri, K. (1996). La culture et l’identité: Champ notionnel et devenir (Vol. 165-167-169 178 -179). Paris: Armand Colin.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل تهاجم أردوغان.. أنقرة توقف التبادلات التجارية مع تل


.. ما دلالات استمرار فصائل المقاومة باستهداف محور نتساريم في غز




.. مواجهات بين مقاومين وجيش الاحتلال عقب محاصرة قوات إسرائيلية


.. قوات الأمن الأمريكية تمنع تغطية مؤتمر صحفي لطلاب معتصمين ضد




.. شاهد| قوات الاحتلال تستهدف منزلا بصاروخ في قرية دير الغصون ش