الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفجار الفرنسي و اثار الاسلام السياسي

إقبال الغربي

2023 / 7 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تطرح موجة الغضب واعمال الشغب التي استمرت عدة ليالي في عموم فرنسا تساؤلات عميقة حول الاسباب والعوامل التي ادت الى تفاقم العنف بهذا الشكل الغير معهود في فرنسا.
والمعروف هو ان الانفجار انطلق بعد مقتل شاب فرنسي من اصول جزائرية في سن 17 على يد شرطي أثناء عملية تدقيق مروري وقد وُجهت إلى الشرطي الموقوف تهمة القتل العمد. وقد ادت هذه الحادثة الاليمة وانتشار فيديو
مقتل الضحية على صفحات التواصل الى اشتعال ضاحية نانتير والى امتداد الغضب الى عدة مدن اخرى والى خروج مئات المحتجين في مناطق مختلفة من البلاد، فضلا عن اشتعال حرائق وتخريب سيارات وممتلكات عامة وتم تدمير
محطات الحافلات، في المقابل استخدمت الدولة 45 ألف شرطي للتصدي للمحتجين ومكافحة هذا الغضب.
وظهرت مصطلحات واطروحات جديدة لتفسير هذه الظاهرة مثل مصطلح "نزع الحضارة "او "التوحش المجتمعي" بل ان بعض السياسيين تكلموا عن «بداية حرب اهلية وعرقية «تعيشها فرنسا.
ترجع هذه الازمة الى ثلاثة عوامل رئيسية:
1) تأزم الاندماج الجمهوري
2) تناقضات مجتمع الاستهلاك
3) خطاب الاسلام السياسي

توترات الاندماج الجمهوري

يضمن الاندماج لجمهوري اسس العيش المشترك للجميع وذلك بتوفير المساواة في الحقوق للجميع وجعل الأفراد يلتقون على المستوى السياسي حيث يتحقق الاعتراف المتبادل بينهم بصفتهم مواطنين وبقطع النظر عن خصوصياتهم الجندرية والعرقية والدينية واللغوية. ذلك أن المواطنة الكاملة تتعالى عن كل هذه الحتميات والخصوصيات وتترجم نفسها في المساواة أمام القانون والمساواة في الفرص حسب المبدأ الوحيد: الكفاءة أي الإنسان المناسب في المكان المناسب.
والجمهورية في حد ذاتها تقر بالفصل بين المؤمن والمواطن وتراعي باستمرار المصلحة العامة من وراء المصالح الخاصة والخصوصيات. وهي إذا دوما في طور البناء المستمر الذي يجب دوما على كل مواطن المساهمة فيه.
و الآليات الاندماج والانصهار الجمهوري التقليدية كانت اساسا المدرسة والمؤسسات الدينية والنقابات العمالية والاحزاب السياسية والمجتمع
المدني.
بيد ان الازمات الاقتصادية قد عطلت هذه الآليات: فالمدرسة لم تعد مصعدا اجتماعيا وفرص العمل انحسرت وغادت غير مضمونة والبطالة تتوسع والمشاركة والمساهمة في صنع القرار المحلي والوطني اصبحت
ضعيفة الخ....
ونتج عن هذا التعطيل تهميش مأساوي لفئات واسعة من المجتمع الفرنسي والتي اصبحت عاجزة عن المشاركة في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية من خلال فرص العمل القار وضمان الدخل والحصول على التعليم و
النفاذ للخدمات العامة. وقد انتجت هذه الحلقة المفرغة هشاشة مادية و سيكولوجية مقترنة بالحرمان الاجتماعي وبعدم الاعتراف والتغييب و الاقصاء والوصم المجتمعي. بل ن هذه الفئات التي انهارت ثقتها في
مؤسسات الدولة اصبحت بدورها مبعدة وتجسد في التصورات السائدة والمخيال الجمعي خطرا محدقا وكائنا غريبا يخترق الجسد الفرنسي ويهدد النسيج المجتمعي و يستوجب الوقاية منه .


تناقضات المجتمع الاستهلاكي

اكتسحت الرأسمالية العالم وطورت وسائل الانتاج وثورت وسائل الاتصال وأحلت الحريات الاقتصادية وعدت الكل بالازدهار والرفاهية وبتنمية الثروات وبالوفرة اللامتناهية وبالسعادة التي اختزلتها اعلاناتها
التجارية في متعة التسوق واقتناء السلع.
وفي الحقيقة التنمية الرأسمالية لم تعطي الرفاهية بل عكسها ونقيضها:التلوث وتبذير الموارد والمشاكل الايكولوجية والمساواة الاجتماعية وتعميق الهوة بين الطبقات في جميع الاقطار والبلدان.
اليوم 1 بالمئة من الافراد يحتكرون 50 بالمئة من الثروات ويجنون ارباحها. وفي فرنسا تحتكر اقلية اي 10 بالمئة من المجتمع 46 بالمئة من الثروات الفرنسية حسب المعهد الوطني للإحصاء.
كشف الغضب الفرنسي في الاسابيع الفارطة زيف وعود المجتمع الاستهلاكي واقصاء فئات كبيرة من الشباب الغاضب والمحبط والمحروم من حقوقه،من مجتمع الوفرة والرفاهية الموعود.
جسدت اعمال سرقة السلع وتخريب المحلات والمغازات العامة التناقض القائم بين القيمة الاستعمالية للبضاعة التي تلبي الحاجات الحقيقية والقيمة لتبادلية التي تشبع حاجات مزيفة تعكس التفوق الطبقي والامتيازات المشهدية وتلبي
فقط حاجات السوق الرأسمالية وتعيد انتاجها.

خطاب الاسلام السياسي
الشباب الغاضب الذي رأيناه في الاحتجاجات الاخيرة في الضواحي الباريسية معظمه من اصول مغاربية مسلمة وهو يتأثر حتما بخطابات الاسلام السياسي السائدة.
الاسلام السياسي ليس دينا. هو عقيدة تطمح الى السيطرة التامة والتمكن المطلق. وهو ايديولوجيا مضادة للحداثة وللعقل وللمرأة وللأقليات تريد ارساء دولة دينية شمولية يتداخل فيها المجال الخاص والمجال العام و تتحكم من خلالها في شؤون رعاياها الحميمية أي في مشربهم و
مأكلهم وملبسهم وطبعا في معتقداتهم وهواياتهم الفنية وآرائهم السياسية والفلسفية والجمالية.
وتلتقي تنظيمات الاسلام السياسي حول نواة صلبة مثل مقولة الولاء والبراء ورفع راية الانتماء الى الامة فوق اي راية وتختلف في طرق توظيفها حسب الخصوصيات المحلية وموازين القوى.
وتمثل هذه المقولات العنصرية عائقا امام الاندماج والتأقلم وتجسد حدودا وجدران رمزية تخرب النسيج المجتمعي وتعمق مشاعر الانطواء والعزلة والاغتراب

ويقول الشيخ صالح الفوزان في هذا الصدد "يجب على كلّ مسلم يدين بهذه العقيدة أن يوالي أهلها ويعادي أعداءها، فيحب أهل التوحيد والإخلاص ويواليهم، ويبغض أهل الإشراك ويعاديهم، وذلك ملة إبراهيم والذين معه، الذين أمرنا بالاقتداء بهم. "

تعطل اليات الانصهار الجمهوري وتناقضات النظام الرأسمالي مع تفشي خطاب الإسلام السياسي تستوجب التفكير في اعادة بناء العقد الاجتماعي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج


.. 101-Al-Baqarah




.. 93- Al-Baqarah


.. 94- Al-Baqarah




.. 95-Al-Baqarah