الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ولقد كتبنا في ألزبور

طلعت خيري

2023 / 7 / 16
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


مررنا في سورة الأنبياء بعدد من الطوائف الدينية المنشقة عن أصول الدعوات الحقيقية التي جاء بها الأنبياء - فحاولت كل واحدة منها الانحدار الى عمق التاريخ لضم اكبر عدد منهم ويضأ لاستنباط أصالة تاريخية لشعوبها المتدنية - فتلك الطوائف ألفت القصص والأحداث حول الأنبياء بما يتناسب مع أفكارها وتوجهاتها - وقد ظهر ذلك واضحا في المقالة السابقة التي كانت بعنوان خصوصية الأنبياء بين التراث الديني والتنزيل - ولاحظنا كيف أدخلت الطائفة اليهودية أنبياء من خارج فترتها التاريخية كإبراهيم وداوود وسليمان وأيوب وذا النون - كما أعطت لكل نبي دورا في تحقيق تلك الأهداف والتوجهات – عموما جميع الطوائف الدينية بكل مسمياتها القديمة والحديثة جعلت كل واحدة منها مكانة لنفسها عند الله دون غيرها – فشكلت تلك الطوائف أمم احتلت مكانة كبيرة بين الشعوب - ولكي يعطي الله لكل امة مكانها الحقيقي – ألغى كافة الأرباب لينفرد بربوبيته - قائلا - ان هذه أمتكم امة واحده وأنا ربكم فعبدون – فالأمم كلها متساوية عند الله من الناحية الخلقية – لكنهم قطعوا أمرهم بينهم الى قوميات وعرقيات وطوائف وملل متعددة -- الله بعيد عن ذلك التقسيم وعن تلك المسميات – ولكن في النهاية كل ألينا راجعون –المشكلة ان تلك الطوائف أحلت المحرمات تحت غطاء ديني فاختفت الأعمال الصالحة من شرائعها - فبداء الأفراد والجماعات يعملون السيئات ظننا منهم على أنها من الصالحات– فعلى مستوى الأفراد - قال الله – فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه وأنا له كاتبون –إما على المستوى الأمم - فقال - وحرام على قرية أهلكناها أنهم لا يرجعون - فمصير الأمم كمصير الإفراد كل راجع الى ربه --

إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ{92} وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ{93} فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ{94} وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ{95}

ألغت الطوائف الدينية من عقائدها مفهوم البعث والنشور الأخروي تلبية للرغبات والحريات الشخصية عن طريق فتوى تهاونت في الكثير من العبادات فما عاد لمفهوم التهديد والوعيد فاعلية عقائدية للانتباه الى النهاية المصيرية لكل إنسان ( يوم القيامة )- ولكي يعد الله تلك الطوائف الى أصل الدين دعاهم الى الإيمان باليوم الأخر- فصور لهم الوهلة الأولى للقيام من حالة الموت كقومي يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون - أي يخرجون – واقترب وعد الحق - اي وعد الحساب بمعنى القيامة أولا -- والحساب ثانيا -- فإذا هي شاخصة إبصار الذين كفروا - أي الذين نكروا البعث والنشور – قالوا - يا ويلنا - تعبيرا منهم عن المفاجئة - قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا بل كانا ظالمين –أنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم انتم لها واردون – بما ان تلك الطوائف الهت الأنبياء - فمن غير المعقول ان يدخل الله أنبيائه في النار - فالمقصود هنا منظري الأفكار الشركية والوثنية الذين جعلوا الناس يتخذون الأنبياء أربابا من دون الله– ولوا كانوا هؤلاء آلهة ما وردوها وكل فيها خالدون - لهم فيها زفير وهم فيها لا يسمعون

حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ{96} وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ{97} إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ{98} لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ{99} لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ{100}

معظم الطوائف الدينية تتبع أسلوب المغالاة في الدين فألهت أنبيائها وأقحمت أقولهم في كافة مفاصل الحياة فتشعب وشكل قيودا وأغلالا على المجتمعات فما عاد على أصوله يدعو الى الإيمان بالله واليوم الآخر - فلما نزل قول الله -- إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ -- بخصوص الطوائف التي رفعت أنبيائها الى مرتبة الإله - استثنى منهم الذين سبقت لهم منا الحسنى وهم شريحة الأنبياء والذين امنوا معهم - أولئك عنها مبعدون – أي عن النار - لا يسمعون حسيسها –أي حسيس النار وزفيرها - وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون – لا يحزنهم الفزع الأكبر- الفزع الأكبر هو يوم القيامة- وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم فيه توعدون -

إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَى أُوْلَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ{101} لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ{102} لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{103}

السماء من مشاهد يوم القيامة - فالسماء أول خلق في هذا الكون الواسع لأنها العامل الأكثر تأثيرا على الأرض - فهي مصدر الشمس ومصدر تكوين عوامل المناخ كما هي المجال الواسع لحركة السحب والرياح - بما ان السماء هي أول خلق في هذا الكون فستكون أول خلق ينطوي عن أداء وظيفته الخلقية – قال الله - يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا انأ كنا فاعلين –ولقد كتبنا في ألزبور –ألزبور ليس كتاب داوود كما يعتقد البعض- إنما هو الحديد المذاب بفعل اوكسيده - فأول من استخدم ألزبور أو اوكسيد الحديد لإذابة المعادن هو داوود ولقد أتينا داوود زبرا - كما استخدمه ذو القرنيين في بنا السد - فقال -أتوني بزبر الحديد افرغ عليه قطرا – القطر النحاس - فأقدم شعار ديني على الأرض هو-- ان الأرض يرثها عبادي الصالحون - كتبه داوود على الصناعات الحديدة من بعد ما كان قول متداول بين الناس – فالأرض هي ارض القيامة التي ستضم المجموعة الكونية في ارض واحدة – ان في ذلك لبلاغ لقوم عابدين – فما قيل في الذكر قبل داوود وما كتبه داوود على الصناعات الحديدية بمثابة بلاغ للعالمين– وما أرسلناك يا محمد إلا رحمة للعالمين – فالرحمة لا تكمن بابتلاءات الدنيوية كالدين إنما الخلاص من العذاب الأخروي والدخول الى وراثة الأرض التي سيهبها الله لعباده الصالحين – فالرحمة الاخروية لا تتحقق إلا عن طريق الصالحات


يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ{104} وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ{105} إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ{106} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ{107}

لإبعاد النبي عن الإلوهية لا بد من تحديد ماهية التنزيل لترسيخ مفهوم الوحي في عقيدة الطوائف التي رفعت أنبيائها الى مرتبة الإله - وحصر مفهوم مسلم المفرغ من محتواه الحقيقي لدى الطوائف لربطه مع عقيدة الإله الواحد - قل يا محمد - إنما يوحى الي أنما إلهكم اله واحد فهل انتم مسلمون –فان تولوا - بمعنى خالفوا هذا الرأي - فقل آذنتكم على سواء – فمثلما انتم لا تعلمون وعد الله نحن أيضا لا نعلم - وان ادري أقريب أم بعيد ما توعدون – تعبير عام عن عدم علم النبي بالموعد الحقيقي للبعث والنشور – فمن المفاهيم الأخرى المكملة لعقيدة البعث والنشور علم الله ألجهري والعلني - انه يعلم الجهر من القول ويعلم ما تكتمون – يخلي النبي علمه بإبعاد الآيات التي صححت عقائد الطوائف ومدى إستراتيجيتها على ارض الواقع - فهل هي بالنسبة لهم فتنة للعذاب الدنيوي أم هو متاع الى وقت أخر -- وان ادري لعله فتنة لكم ومتاع الى حين – مع كل الأطروحات المختلفة بشان العذاب الدنيوي يبقى الحكم لله وحده –قل يا محمد - قل ربي احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون – تصفون - هو الصف الجائر الذي بلورته الطوائف الدينية عندما رفعت الأنبياء الى مرتبة الإله -- كبديل عن الله

قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ{108} فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنتُكُمْ عَلَى سَوَاء وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ{109} إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ{110} وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ{111} قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ{112}








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الكوفية توشح أعناق الطلاب خلال حراكهم ضد الحرب في قطاع غزة


.. النبض المغاربي: لماذا تتكرر في إسبانيا الإنذارات بشأن المنتج




.. على خلفية تعيينات الجيش.. بن غفير يدعو إلى إقالة غالانت | #م


.. ما هي سرايا الأشتر المدرجة على لوائح الإرهاب؟




.. القسام: مقاتلونا يخوضون اشتباكات مع الاحتلال في طولكرم بالضف