الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الذين يرشقونَ نوافذَ القطارات!

فاطمة ناعوت

2023 / 7 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


مَن يقرأ عنوانَ المقال سوف يظنُّ لوهلةٍ أنه مقتطفٌ من قصيدة أو عبارة سابحة في قطعة أدبية. فالقطاراتُ مصدرُ إلهام للشعراء؛ لأنها سطرٌ مارقٌ في الحياة، يحملُ اللقاءات والوداعات، وينقلُ المعلومَ إلى المجهول، وقد يسرقُ منّا أحبابَنا إلى حيث لا يعودون، أو يخطفُ أحلامَنا ويمضي إلى حيث يمضي القنّاصةُ بما قنصوا. ورُبَّ عاشقٍ ينتظرُ قطارًا يحمل حبيبتَه، ورُبَّ ثكلى لا تبرحُ رصيفَ المحطة تنتظرُ عودة ابنها الشهيد. كذلك "النوافذ" مفردةٌ شِعرية. فخلف ستارة كل نافذة في هذا العالم، دراما وحكايا لا تنتهي. حتى مفردة "يرشقُ" تحمل من الشِّعر ما تحمل. فسهامُ الحب تنطلق من قوس كيوبيد لترشقَ قلوبَ العشاق، والرُّماةُ يرشقون طرائدهم بالرماح لترتسم لوحاتُ الخوف والوجل وتتلوّن صفحةُ الحياة بفرشاة العذاب. ولكنك عزيزي القارئ الذي اختطفك الشعرُّ والخيالُ، حين تلمحُ "علامة التعجّب"(!) في نهاية العنوان، سوف يُخامرُك الشكُّ، وتتلبّسك الحيرةُ، وترتدُّ إلى واقعنا ردًّا مباغتًا. لأن الشِّعرَ يتخفّفُ من علامات الترقيم، خصوصًا "علامات التعجب"! فالشعرُ نفسه "حالة تعجّب"! الشعرُ لا يطرحُ إلا العجائب من إشراقات القلوب والعقول؛ فلم يعد يثيرُ عجبَ الشِّعرِ عجيبٌ. لكلّ ما سبق، أرجو ألا أُفسِدَ عليكم نهاركم الطيبَ وأُخرجكم من تأملاتكم الشعرية لأخبركم بأن: لا شِعرَ في الأمر ولا أدبَ ولا خيالاتٍ! وأن "علامة التعجب" في العنوان، وبعد كل جملة في المقال، ضرورةٌ لُغوية لإبداء التعجب الحزين والدهشة المريرة، والاستياء المحبط!
كنتُ في المحطة أنتظرُ قطاري الجميل وأنا أعدُ نفسي برحلة مُلهمة ستقتنصُ الشِّعرَ من رؤوس الأشجار التي سترتحلُ معي عكسيًّا عبر نوافذ القطار، وأخمّنُ عدد الطيور التي ستُلوِّح لي بأجنحتها طوال رحلتي. وجاء القطارُ يتهادى مثل ملك في موكبه، ثم توقّف ليُخرجَ من جوفه ما يحملُ ليستبدل بهم مسافرين آخرين. وفيما أجمعُ حقائبي وأحكي لابني "عمر" عما ينتظرنا من بهجات وفرح في رحلتنا الوشيكة بالقطار، وعيناني تمرّان بشغف على نوافذ القطار، وجدتُ نوافذَ مموّهةً بانعكاسات الضوء كأنها من الألماس وليس الزجاج الشفاف الذي اعتدناه في النوافذ! سألتُ مَن حولي: “لماذا هناك نوافذُ شفافة وأخرى غير ذلك؟! ولم أنتظرُ الإجابة واقتربتُ من إحدى تلك النوافذ، لأكتشف أنها مهشّمةٌ دون انهيار، فيما يشبه ما نسميه في أدبيات السيارات: "كانسر الزجاج"! المدهشُ أن النوافذ المسرطنة أكثر عددًا من السليمة! هتفتُ بصوت عال: “ايه ده؟!"، ووقفتُ لأتلقى الإجابة! دهشتي من عدد النوافذ المهشمة، تضاءلت أمام إدهاش الإجابات التي تلقيتُها. المدهشُ أن الإجابة جاءتني ببساطة وكأنها من طبائع الأمور! قالوا لي: “ده بسبب العيال اللي بترمي الطوب على القطار طول رحلته.” قالوها هكذا ببساطة ودون دهشة ولا علامة تعجب! مدهشٌ جدًّا أن تنطقَ بالمُدهش دون دهشة! سألتهم: “ليه؟!” فقالوا: “ليه إيه؟" كررتُ سؤالي بدهشة أكبر: “ليه الأولاد بيرموا الطوب على القطار؟!” فتوالت الدهشاتُ كرصاصات في قلبي! منهم من قال: “كده!” ومنهم من رفع كتفيه وحاجبيه وصمت، ولم يدرِ بماذا يجبُ! ومنهم من اندهش من دهشتي ورمقني شذرًا كأنني حمقاءُ تسأل عن أشياءَ إن تُبدَى لي تسوؤهم! ومنهم من استنكر سؤالي لأنه سؤالٌ غبي! دخلتُ القطار حزينةً وأنا أقبضُ على يد ابني "عمر" خوفًا عليه من عالمٍ عجيب يرشقُ فيه الأطفالُ نوافذَ قطارات "وطنهم" دون سبب! أو لسبب مجهول لم يتوصل إليه خبراءُ علم الاجتماع! جلستُ في مقعدي، وقد نفضتُ عني كل الحكايا التي خبأتُها لأحكيها لطفلي الكبير طوال الرحلة! وفتحتُ هاتفي على محركات البحث حول رشق القطارات في مصر! فهالني أنها ظاهرةٌ مخيفة تحاولُ الدولة التصدي لها بصكّ القوانين والتلويح بالعقاب لمتهمين مجهولين! هم من "الأطفال"، أحباب الله، الذين لا جُناح عليهم ولا هم يعرفون ماذا يفعلون!
هالتني أخبارٌ من قبيل: “كشف رئيس رابطة قائدي قطارات السكة الحديد، أن القطارات تتعرض بشكل يومي لاعتداءات بإلقاء الحجارة بمداخل المحطات التي تتمركز فيها المساكن العشوائية والمدارس والأسواق وتزداد ظاهرة التعدي أثناء الدراسة، ويرشق الطلابُ القطار بوابل من الطوب والحجارة. وأكمل: "لو قلنا في يوم مفيش خساير، هيكون تكسير ٨ ألواح زجاج." رشق القطارات بالحجارة يعرض الركاب وسائقي القطارات للخطر، عطفًا إلى التلفيات التي يتم إصلاحها من ميزانية السكك الحديدية، ما يشكل عبئا على تلك ميزانية الصيانة الدورية.
علينا مواجهة تلك الظاهرة المخجلة بدراسة الأمر بجدية لمعرفة طبيعة "المتعة" التي يجنيها الصغارُ من تلك الجريمة اليومية. علينا تسليح الصغار بالأخلاق لأنها وحدها التي تواجه هذه الظاهرة المدهشة. وفي مقال قادم سأقصُّ عليكم طرفًا من أسلوب تنشئة الطفل في اليابان على قيمة "الأخلاق”.

***








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السبب
على سالم ( 2023 / 7 / 19 - 19:55 )
انا اعتقد ان هؤلاء الاطفال عندهم درجه مروعه من الكراهيه والحقد وحب الانتقام والتشفى ؟ اكيد السبب يرجع الى انهم نشأوا فى اسر فقيره معدمه بائسه ومفككه , اذن هنا الاطفال هم ضحيه ويريدوا الانتقام من مصر بسبب انها السبب فى قسوه الحياه التى يحيوها والظلم الواقع عليهم , احقاقا للحق فأن البلد يجب ان تلام والسبب انها دوله غبيه وفاشله من الطراز الاول ؟ دوله لاتحترم مواطنيها وتحتقرهم وتنغص عليهم حياتهم

اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah