الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رؤوس أقلام مدبّبة في الإستمتاع

جمال علي الحلاق

2006 / 11 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


· أنا أنتمي للإنسان ، ويهمني جدا أن يحقّق هذا الكائن حضوره اليومي في العالم ، يهمني جدا أن أتحسّس أصابعه وهي تعيد صياغة هندسة الطبيعة ، لذا أواصل الكلام في ما يبدو طوباويا ، رغم أنّه لا يحتاج الى وسائل باهضة التكاليف بقدر ما يحتاج الى أفراد يتّسمون بالعمق الإنساني وبالإيثارية .

· الجانب الكمالي هو المعيار الحقيقي للصح والخطأ في قراءة كلّ تجربة إنسانية ، لأنّه يجسّد الخروج على شروط الحياة الحيوانية ( المأكل والمسكن والأمن ) ، وهذا يحتّم علينا إعادة قراءة مفهوم ( الرفاهية ) ضمن سياق اللحظة الراهنة ، وبالتالي الإقتراب مجددا من عائلة الكلمة تحديدا كالترفيه واللهو والاستمتاع .

· لا اتحدّث عن بلد بعينه أو مجتمع بعينه ، فأنا أفترض توفّر شروط الحياة الحيوانية ( المأكل والمسكن والأمن ) ، وأبدأ في قراءة تجاوز ذلك باتجاه بناء مجتمع إنساني .

· لا تبدأ الذات الإنسانية بالتشكّل حتى يقف الفرد متسائلا عن جدوى العمل الوظيفي ، أو جدوى الطقس الديني ، أو جدوى العرف الإجتماعي ، أو جدوى كلّ ما يمتّ بصلة لحركته في العالم . ما الجدوى الذاتية والآنية من الفعل أو الحركة ؟ وما كميّة ما تقدمه الحركة من جانب كمالي يحقّق فيه إنسانيته الخاصة ؟ وما دوره الوظيفي في تأثيث إنسانية الآخر ؟ أنّ الوصول الى هذا الحدّ من التوتّر الوجودي يمكن أن يحقّق انتباه حادا يقود الى سلوكيات وممارسات إنسانية تكنس كلّ ما يقف عائقا أمام تحقّقها .

· الانسانية وعي يحقّق فيه الفرد انفصاله سلوكيا عن الحياة القطيعية ، لكنه وعي لا يمكن ان يتحقّق خارج الإقامة مع الآخرين ، فهو إذن قراءة مغايرة لمفهوم الانتماء الضيّق ، هكذا يكون الانتماء للانسان وليس الى فئة منه .

· أعتقد أنّ مفردة ( الاستمتاع ) ومشتقاتها يمكن لها أن تكشف - وبوضوح لا يحتاج الى تفصيل - سبب أزمة العالم الراهن وتنامي البؤس فيه رغم سرعة انفتاح المعرفة وتنامي صعود تقنية الحياة اليومية . لا أبالغ إن قلت أنّ الإنسانية وعي نادر في الاستمتاع ، لكنّه لم تتحقّق بعد ، لأنّ الأفراد بصيغة الجمع لم ينتبهوا اليها ، ولأنّ الأفراد بصيغة المفرد – ممن انتبهوا لها – لا يزالون بعيدين عن مناطق ( السلطة ) التي تتولّى عملية إنتاج المعرفة الحياتية وتأثيثها سلوكيا .

· الاستمتاع هو الانشغال جماليا بالعالم ، هو الشفافية التي تجعل الفرد نقيّا أمام ذاته . هو القدرة على الفرح أمام مجهولية الولادة والموت .

· العالم أعمق بكثير من التصوّرات الجاهزة ، وفيه من الامكانية على الغواية ما يجعلنا نكرّر البحث ثانية وثالثة وبلا انتهاء .

· الانسان هو الجزء الاكثر حياة في العالم لأنّه يمتلك القدرة على الخلق ، سينزل الروبوت ليعيش بين الناس ، وسيقود تظاهرات ضد العنف في العالم ، ضدّ الأميّة التي تحارب الحواس .

· غبيّ ، ذلك الذي لا يستمتع بلحظته الخاصة جدا الى أقصاها ، حياتي هي لحظتي الخاصة جدا ، والاستمتاع هنا بدلالة استنفار الحواس الى أعاليها القصوى ، تلمّس الأشياء كما لو أنّها تولد توّا ، كنس التعاريف السابقة ، والبدء عبر ولادة دائمة .

· لا يكون الانسان إنسانا حتى ينتبه الى الجانب الكمالي في حياته الخاصة جدا ، ولا يكون العالم إنسانيا حتى يمتلك تشريعا يمحو الصورة الخدمية الفجّة للفرد في العالم ، ويضمن له حقّ الانشغال بنفسه في الحياة داخل العالم . وبين ( الفرد والعالم ) تأتي غابة التدرّجات الطيفية للمجتمع الإنساني ، من عائلة فقبيلة فنقابة فحزب فدين فدولة فأمّة فتحالفات فهيئة أمم ، وكلّ هذه التدرّجات مسؤولة بحكم انتمائها للنوع البشري عن رفع مستوى رفاهية الإنسان في العالم .

· أذكر كلمة ( رفاهية ) فلا أفكّر بغير المجتمع المدني ، لذا أقول أنّ برنامجا سياسيا لا يضع أساسا للترفيه في آليات اشتغاله ، لا يمكن أن يكون برنامجا مدنيّا ، وبالتالي لا يمكن أن يكون إنسانيا . أقول هذا لأنّ الانسانية - الآن - تتجلّى في المجتمع المدني تحديدا ، وتتجلّى بشكل أكثف في نسبة الجانب الكمالي داخل بنية المجتمع المدني ، وعليه فإنّ مجتمعا مدنيّا بلا ترفيه ، لا يمكن أن يكون مجتمعا إنسانيا .

· أتحدّث عن المجتمع المدني ولا أقصد الإقامة في بنايات ذات مصاعد ، بقدر ما أقصد الإقامة داخل منظومة معرفية منفتحة على الآخر ، ولا تطرح نفسها كمعرفة مطلقة .

· المدنيّة هي الشعور بالأمان تجاه الآخر ، بل ينبغي الوصول الى معرفة أن الآخر نافذة لتحقّق الذات في العالم ، فبهذه الطريقة وحدها يمكن التعايش بحب وهذا ما يقرّب وعي الاستمتاع .

· الانسان موجود ، وهو بوجوده هذا يتساوى مع كلّ شيء موجود في العالم ، ويتساوى مع الوجود الحيواني تحديدا من حيث توفير ( المأكل والمسكن والأمن ) ، إلا أنّ الإنسان يتفوّق عليه بمقدار ما يمتلك من رفاهية ، وينحدر عن الوجود الحيواني بمقدار ما يفقد من الشروط الحياتية سالفة الذكر ، وهنا لا يختلف المساهم في خلق هذا الواقع عن المقيم فيه ، بل على العكس إنّ خالق الأزمة أكثر انحدارا في السلّم الانساني من المقيم قسرا .

· الإنسان يحقّق إنسانيته كلّما كان أقرب الى الاستمتاع بوجوده في العالم ، والاستمتاع هنا يفترض بدءا سهولة في العيش تمسح عن فكر الفرد قلق البقاء ، وسهولة العيش دلالة على إيثارية النظام الاجتماعي ، وصعوبته دلالة استئثار .

· أقرأ الايثار بدلالة التأميم ، وأقرأ الاستئثار بدلالة الاحتكار .

· يحدث أن تكون كسرة الخبز تهديدا حقيقيا بالانقراض ، ويحدث أيضا أن يتمنّى الفرد بلوغ قانون الغابة ليعرف مثلا أنّ البقاء للأقوى وليس البقاء للصدفة ، وحين يصل الفرد الى مستوى أن يكون حيّا بالصدفة فإنّ هذا يعني أنّ المستوى الإجتماعي للتكتلات التي تؤثث فضاء العيش بلغت من ( الاستئثار / الاحتكار ) حدّ أن لا يكون الفرد ملزما باتباع أيّ منها ، وهنا عليه أن يتّبع غريزة البقاء في حماية نفسه الى النهاية .

· الحديث عن ( الاستمتاع ) يعني الحديث عن مستوى من الوعي تجاوز موضوع تبرير وجوده في العالم ، واتّجه عميقا في التمتّع بوجوده أصلا ، أي أن يكون الاستمتاع تبريرا للوجود ، وهذا أقصى ما يبلغه الإنسان من تجاوز للحياة الحيوانية .

· ينبغي غسل المفردات – الاستمتاع ، التمتع ، المتعة ، الرفاهية ، الترفيه ، اللهو - من الدلالات النمطية العالقة بها نتيجة قراءات ذات قصدية عالية في تحجيم حركة الانسان وجعله أكثر التصاقا بجذره الحيواني ، رغم أنّ هذه القراءات نفسها تنفي عنه هذا الجذر ، وتجعل بدايته تحت لفظة ( كن ) فكان .

· ينبغي الصعود في قراءة ( الاستمتاع ومشتقاته ) كوجه آخر للجدّيّة في حياة الإنسان ، بل ينبغي الصعود في القراءة الى أنّها تمثّل أقصى ما بلغته الانسانية من تمدّن و ابتعاد عن الحسّ القطيعي .

· ينبغي الصعود في القراءة الى أنّ الاستمتاع هو معيار تحقّق الذات الفردية في العالم ، وهنا أتحدّث عن الفردية التي هي العمود الفقري لبناء المجتمع المدني ، ذاك أنّ هوية المجتمع المدني في النهاية تتكرّس في كميّة ما تحقّق من الجانب الكمالي للأفراد بصيغة الجمع ، أي أن يكون الاستمتاع عاما وليس خاصا منحسرا على كهنة الميتافيزيق و سماسرة رأس المال .


العالم يتّجه خطأ


هل اتحدّث عن جانب هامشي أمام ما يحدّث الآن من بؤس إنساني عام ؟ فما يبدو على شاشة اللحظة الراهنة أنّ الكثير من شعوب العالم لم تحقّق بعد شروط الحياة الحيوانية ( المأكل والمسكن والأمن ) .

· العمل الآن باتجاه الرفاهية يعني أن تقف ضد المجرى العالمي تماما .

· اللحظة الراهنة ليست لحظة ثقافية ولن تؤسّس لها ، إنّها ايغال في النمط الاستهلاكي للحياة ، وهذا ناتج عن الفجوة الهائلة بين انتاج اللحظة الراهنة والاقامة فيها .

· الحياة البائسة المتدنّية نتاج وعي بائس متدنّ ، وللوصول الى حياة أخرى أكثر إنسانية ينبغي الخروج على الوعي البائس المتدنّي .

· العالم الإنساني يسلك الطريق الخطأ ، كمن يتقدّم وغايته في قفاه ، وإنّ بؤسه الراهن ناتج عن بؤس عقلية من يساهمون في تسييره الآن فعليا .

الفرد - الآن – مستلب ومسحوق في الشرق والغرب بين رحاتين هما :-

1 - رحى نفعية ( برنامج الربّ ) : الذي تعمل على تجسيده كلّ الأطراف التي تدعو الى باطلية الحياة ، وتنهق ليل نهار في تمجيد الموت والماوراء ، وتصرّ على أنّ العالم أوشك على نهايته ، والتطرّف هنا يجعل الفرد كائنا مفترسا لا يتوقف قبل أن ينشب مخالبه في جسد المختلف ، يمكننا وصفه ( ساديا ) إن أردنا تهذيب اللغة .

2 - رحى نفعية ( برنامج رأس المال ) : الذي تعمل على تجسيده كلّ الأطراف التي تدعو الى استهلاك الأفراد وإقصائهم عن حيواتهم عبر آلية النزف اليومي ، وإفراغ الحياة من الجدوى ، والتطرّف هنا يجعل الفرد كائنا داجنا بطريقة سلبية ، يمكننا وصفه ( مازوشيا ) إن أردنا تهذيب اللغة .

· أرى سياجا هائلا من ( حب الموت / نتاج الفكر الشرقي ) ، ومن ( فقدان الحياة / نتاج الفكر الغربي ) يحيط بتفاصيل اللحظة الراهنة ، وهذا يعني أنّ خللا كبيرا في برمجة العالم البشري يأخذه بعيدا عن الجدوى الحقيقية لوجوده الفعلي في الحياة .

· وإذا ما أقرّت برامج رأس المال - بعد اعتراض بشري طويل - يومين لأفرادها كاستراحة أسبوعية ، فإنّ كهنة الميتافيزيق لا زالوا يطاردون الفرد على أيامه كلّها ، ويمنحون أنفسهم - تحت ثياب قداسة زائفة - حقّ التدخّل في التفاصيل الخاصة جدا ، كحرّية الإعتقاد وحرّية الحياة بطريقة مختلفة . أنا هنا لا أمدح رأس المال كلحظة متقدمة ، لأنّه في النهاية نمط حياة يمنح الأفراد استراحة دون أجر ، وبهذا فإنّه يقتل جانب الترفيه والاستمتاع عندهم أيضا .


آليات اشتغال

· لقد انتهى عصر الإنسان المحلّي ، وقريبا جدا ينقرض مفهوم الوطن الضيّق ، لذا استعدادا للحظة قادمة ينبغي التعامل مع أي مشكلة إنسانية بمداها العالمي ، وهذا لا يتم بتقنفذ المنظمات أو الحركات الجماهيرية وسباتها ضمن موقعها الجغرافي ، وإنّما عبر خلق علاقات دولية واسعة تقع تحت مفهوم ( التشبيك ) ، وظيفتها توفير الدعم المادي والمعنوي ، إضافة الى كونها خط حماية جاهز للاعتراض والاحتجاج ضد أي ممارسة قمعية على الأرض .

· ينبغي الصعود في قراءة مضاعفة أجور العمل في أيام الإستراحة من كونها ( تحفيز ) على العمل الى كونها ( إقرار ) رأس المال بسرقة مسكوت عنها ، لأنّها لا تتجاوز أن تكون ( أجرة الإستراحة الأسبوعية ) مضاف إليها ( أجرة العمل اليومي ) ، والإقرار بالسرقة يبلغ ذروته حين تكون ( أجرة الإستراحة ) مساوية تماما لأجرة العمل اليومي ، لأنّها تكشف بوضوح صارخ سعة الأرباح الحقيقية ، لكنّها أرباح مسروقة من الأفراد ، وممنوحة فقط لمن يتنازل عن استراحته أيضا ، إنّها آلية اشتغال رأس المال التي تجعل الأفراد يدمنون التنازل عن انسانيتهم ، وهنا ينبغي المطالبة بأجر الاستراحة المسروق ، والمطالبة بإيقاف العمل بمفهوم العمل الإضافي لأنّه تجاوز على حقّ الفرد في ( الاستمتاع ) ، كذلك المطالبة بإيقاف العمل خلال أيام الاستراحة القانونية أو المطالبة بأجور لا تقل عن ثلاثة أضعاف الأجر العادي .

· لا يمكن لمفردة ( الاستمتاع ) ومشتقاتها أن تتحوّل الى ذائقة إلا عبر تأثيث المخيّلة جماليا ، وهذا لا يتم إلا بكنس النفعية من الممارسة اليومية ، وجعل الاستمتاع هو الغاية القصوى ، ربما يبدأ التأثيث بمشهد شجرة في طريق عام ، أو بالتبرّع بعلبة ألوان لطفل .

· للعمل حقا ينبغي البدء من نقيض الإعلام الراهن ، بل ينبغي قراءة القنوات الفضائية التي تبثّ ليل نهار أخبار العنف في العالم على أنّها طرف رئيس من أطراف العنف في العالم ( أقرأ عزوف الأفراد عن مشاهدة التلفاز كردّ فعل على انتهاك - الواقفين وراء البث - انسانية المُشاهِد ) ، لقد فقد التلفاز قدرته على أن يكون وسيلة ترفيه وتثقيف نتيجة انغلاق العقليات التي تقف وراء إدارة قنواته ، والمشكلة هنا عالمية وليست محلية .

· إنّ الخروج من هذا الإتجاه الخاطىء لا يمكن أن يتمّ إن لم يصل الأفراد الى لحظة الشعور بهذا الاستلاب ، فالكثير من الناس – ونحن في الألف السادس على القراءة والكتابة – يولدون ويموتون دون أن يتحقّق لديهم هذا الشعور !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حجاج بيت الله الحرام يواصلون رمي الجمرات وسط تحذيرات من ارتف


.. حملة انتخابية خاطفة في فرنسا.. وأقصى اليمين في موقع قوة




.. استمرار جهود وحملات الإعمار في الموصل بعد 7 سنوات من القضاء


.. هوكشتاين في إسرائيل لتجنب زيادة التصعيد مع لبنان




.. أطفال غزة يحتفلون بثاني أيام العيد مستذكرين شهداءهم