الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من حصاد المعصوم والمقدس

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 7 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


عندما نكتب وتنتقد بعض الأفكار والممارسات التي يات بها البعض من المحسوبين على النخبه الفكريه الاسلامية، هذا لا يعني أننا ضد الاسلام والدين والرسول ولنا موقف معادي مع الله، هذا تفكير التكفيريون نحن مع الله والدين والمثل الصحيحة والقيم الإنسانية ومع العقل والمنطق، لكننا بالتأكيد ضد كل كهنوتية وتزييف وتحريف وتزوير للحقائق مهما كان مطلقها أو متبنيها أو المؤمن بها، الحق يعلو ولا يعلى عليه ونحن في كل ذلك نسير من أجل المقاربة والتقرب من الحق، والله من وراء القصد.
إلى وقت قريب جدا كانت العمامة واحدة من مستلزمات رجل الحكم والسياسة في مختلف أنظمة الحكم الإسلامي في البلاد التي يحكمها ما يعرف بالخليفة أو مستند إلى حق ديني، حتى جاءت عملية علمنة الدولة التي أنقلبت على أساسيات الحكم الشرعي، فنزع رجال الحكم العمامة وتأقلموا مع متطلبات الواقع المعاصر دون أن يخل ذلك أو يؤشر على عدم أنتمائهم الديني أو نقص ونقض الوظيفة الأجتماعية والسياسية، فهل يستطيع اليوم رجل الدين أن يحذو حذو رجل السياسة وينزع عنه القنبلة التي يعتمرها؟ ليعود للواقع ويمارس دوره من خلال فكره وعلمه ومعارفه دون أن يربط ذلك بالعمامة أو الإحساس بأنتمائه لعصر النزاعات والصراع الفكري والسياسي، وبذلك سيصبح عنصرا فاعلا في التوحيد الأجتماعي والديني وينزع فتيلا من فتائل الصراع المتوهجة، أم يبقى مصرا على أن يستمر في تشبثه بالشخصية التقليدية ليحافظ على القداسة المزعومة ويحافظ على أسس الصراع الديني والمذهبي المستعر.
من الحقائق التي يحاول الكثير من رجال الدين من هذا الحزب الطائفي أو ذاك تغطيتها بكلام غوغائي وعبارات منمقه وكلمات يراد منها حرف المعنى عن موضوع المبنى، زاعما أنه يعرف المعنى أكثر من رب الدين ومنشيء الكلام، من الأمثلة التي جرى بناء عمارة فكرية كبرى عليها دون أن يكون لها أساس واقعي أو حقيقي في النص الديني لا في المعلن منه ولا في المضمر، ما يعرف بفقه الإمامة والخلافة بشقها السياسي، اي جعل الإمامة والخلافة موضوع جبري مشرع ومفترض الطاعة، ولم يلحظ هؤلاء أن النبوة التي هي مصدر الإمامة والخلافة لم تكن في اعتناقها أو فرضها الجائيا أو قهريا، فعندما يكون الأساس بهذا الحال فكيف يراد للنتائج أن تأخذ وضعا اخر بزعم أن الفقيه والمجتهد رأى ذلك، حتى أن الخلفاء او ممن نعدهم ائمة لم يقول أحدا منهم أنه خليفة مفترض الطاعة، ولا أمام وجوبي للناس رغما عنهم أن قبلوا أو رفضوا هذا الامر، حتى النص القرآني يجزم بذلك فيقول إنما انت منذر... وما انت عليهم بمسيطر، فمن أين جاء كهنة المعبد الظلامي بقواعد الفرض والالجاء، سؤال لا بد من أن يدور في عقول المسلمين ليخرجوا من دائرة الاوهام إلى دائرة الحقائق المنطقه.
كل المصادر الفقهية والنصية التي يعتمدها الفقهاء والمجتهدون وعموم المفكرين المسلمين فيما يخص عصمة البشر ومنهم الانبياء، هي أدلة ظرفية تأولية يمكن أن تؤول وتفسر أيضا بالضد أو بمفهوم اخر، بينما الأدلة التي تنفي العصمة عن كل الكائنات الا ما أراد الله أن يجعله معصوما من الخطأ فهي أدلة نصية محكمة لا يمكن تفسيرها ولا تأويلها خلاف النص، من الادله الاولى قوله والله يعصمك من الناس هنا العصمة تدور بمعنى أن الله هو من يحمي الرسول لإكمال مهمته على الوجه المطلوب دون أن يناله ما يخشى عليه وعلى الرسالة من أذى الناس وضررهم، أما النص والدليل من الوجهة الأخرى أن النبي ليس معصوما بذاته عصمة تكوينية خاصة فيما يرد بالتبليغ عن الله، وانما النص هو المعصوم بدليل قول الله أنا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون، ولو افترضنا افتراضا أن الرسول أراد أن يغير أو يبدل في النص فالعصمة التكوينية للنص لا تسمح له ولا يمكن أن تكون ممكنة لانه محفوظ من عند الله، فالعصمة لأمر الله وقوله وإرادته وهي من تنعكس إيجابيا من خلال ايمان الرسول بهذه العصمة كجزء من إيمانه فيستعصم بها ويمنع نفسه من الزلل أو الخطأ، ولو كان أحدا من البشر معصوما من الخطأ لبطل أجره وتكليفه ولا ثواب له لأنه مجبر على صيغة تفصل بينها وبين سلوكه والله تعالى يقول ونفس وما سواها فالهمها فجورها وتقواها، وعندما نسند لأحد العصمة التكوينية ونقول أنه من المعصومين التكوينية، فاننا نخرجه من تسوية الله للنفس وأنه كائن مختلف عن البشر وبذلك ننفي قول الله والرسول وما أنا إلا بشر مثلكم.
هذا الكلام السابق ينسحب ليس على الأفراد والكائنات التي تعي وتدرك وتتفاعل مع وعيها وادراكها، ولكنه ايضا ينسحب على كل الموجودات في الوجود، ما عدا قواعد وقوانين الوجود الكلية ومعادلاتها التي تضمن الديمومة والبقاء الابدي، لذا لا مقدس ولا معصوم من التغيير والتبديل الا الله وإرادته، وهي ايضا معصومة باشاءته هو فقد قال هو كل يوم في شأن، بمعنى أنه الدائم مرتبط أيضا في التبدل والتغير وفقا لرؤيته هو وليس من ذاتيه المحضة، فهو كل يوم في ڜان إذا أراد أن ينفذ ما يقتضي ابديته وازليته وفناء كل شيء إلا هو، والمقصود باليوم ليس التحديد الزمني الذي نعرفه وانما التحديد المعنوي الذي يشير لكيفية التبديل، هذا هو خلاصة ما أقره الله قبل التكوين والخلقب بقانون كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام، ووجه الشيء عنوانه الأساسي وليس العضو المادي في الجسد، فوجه الله هي قوانين التمظهر الرباني ومعادلات التحكم المطلقة والكلية وقواعد البقاء والفناء التي لا تتغير ولا تتبدل لأنها سنة الله، فلا قدس ولا معصومية ولا استثناء لمخلوق كائنا من كان ليشارك الله فيما لا يجوز ومحال أن يشرك به أحد أو يسمح لأحد أن يشاركه.-
اذا مفهوم المعصومية الذي يسوقه الفقهاء والمفكرون الإسلاميون بالصيغة المطروحة يتناقض تماما مع أحقية التكليف ووجوبيته على الناس ومنهم الانبياء والرسل، الله تعالى يقول وليبلوكم أيكم احسن عملا بمعنى أن الله يضع الإنسان المكلف امام خيارات مختلفه ليبلو فيها المؤمن، ويمتخن إيمانه من خلال خياره الحر في اتباع أيكم احسن عملا، وعندما لا نضع المؤمن بشكل خاص ونحن نتكلم عن درجات عالية جدا في الإيمان أمام خيار البلاء ونضعه في خانة المعصومية التكوينية من اي خطأ، فإن النتيجة المتحصلة لهذا المؤمن لا تصلح أن تكون احسن عملا، لأنها تفتقد لحرية الاختيار وشرط الابتلاء، ويتحول المعصوم إلى مجرد روبورت ينفذ الأوامر فقط ولا يسأل ولا يوسئل، وهذا خلاف طبيعة النبي والرسول التي تنص على أنه لا تذهب عليهم نفسك حسرات ولا تجعل من نفسك مسؤولا عنهم، إنما انت منذر وهم مأمورون بالطاعة من باب فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، المهم أن تبلغ وتجتهد في التبليغ بالعناية القصوى دون أن تتبع الهوى أو تقصر في التبليغ، كما ورد في أية اليوم أكملت لكم دينكم.....، فالرسول مجتهد في مورد التنفيذ والتبليغ على أن يكون اجتهاده ليس في مورد النص، بل بمورد العمل به وتبليغه وتوضيحها للناس، وهذا هو مبدأ الاجتهاد العملي الإيماني بلا تزويق ولا معصومية ولا قدرة خارقة بلا حجة ولا سبب يعلنه الله ويبلغه للناس.
اليوم حاجتنا الكبرى ليس في بناء الدولة واعمار البلد وإظهار قدرتنا على التاقلم مع التطور المادي الكوني فحسب، بل في جانب أساسي ومهم ومرتكز عليه في كل البناءات الأخرى إلا وهو عودة الوعي الايماني لمساره الصحيح، فسبب تخلفنا المادي أننا بدون دوافع روحية نبيله تصنع لنا قواعد أخلاقية تعزز من قوة وقدرة المجتمع في اتخاذ قراره بحرية وقناعة وعقلانية منطقيه، الحقيقة التي يخشاها الكثيرون أننا كمجتمع اسلامي تائه يشبه القطيع البهائمي، لا راعي يقود ولا قيم قائدة ومساندة نستهدي بها الابضع من خرافات وأوهام وأساطير كهنوتية جعلوا منها بديلا عن دين الله ورسالته، ولأننا لا نعرف ما نريد والى أين نتوجه وما هي الوسائل المناسبة والطرق الناجحة لحياة افضل فمصيرنا أننا في القاع المظلم حتى حين، الكل يتدخل بنا وبارادتنا وقرارنا والمسار مفروض علينا من جهات نعلم أنها تريد لنا البقاء في الوحل الدائم، حتى تفكرينا مشدود بازمة اللا قرار واللا موقف واللا نتيجة، لذا اقول نحن مجرد قطيع من البشر بلا هدف ولا رساله ولا احساس بالزمن، وهذه نهايتنا ما دمنا قد سلمنا بكل خضوع أمرنا لمن لا يأمرنا الا بمزيد من النوم والكسل وانتظار غودو الذى صنعوه وهما لنعبد الوهم وننسى الله وننسى انفسنا،
من يقول إن رسول الله قال أو حدثنا رسول الله أو أخبرنا النبي أنه كذا وكذا، هذا الزاعم بالقول والحديث مسؤول أمام الله ورسوله بما قال وملزما امام الناس بإثبات ما زعم، ليس بناء على ما نقل له أو سمع به، بل بناء على جزمه أن ما ينقله عن رسول الله أو أحد أصحابه على انه حقيقي ومؤكد، فهل يستطيع أحد انك يثبت ذلك بالحجة القاطعة أو يحمل ما يظن أنه محل شك لا يمكن لأحد الجزم به، فيا ايها الناس دعوا ما يريبك إلى ما لا يريبكم واختاروا ما هو ثابت واكيد ومحفوظ كتاب الله وأمره بين الدفتين وقارنوا وقاربوا ما ينقل مع الكتاب، فإن كان منه فهو من فيض الكتاب وان لم يقترب منه روحا ولا جوهر فارموا به واتركوا ناقله فإنه كذاب مهما قال عنه أو قيل عنه.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah