الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمل في خوارزمية ذاكرة الانسان

محمد رياض اسماعيل
باحث

(Mohammed Reyadh Ismail Sabir)

2023 / 7 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الذاكرة هي المنهل الذي يستمد منه العقل الصور الفكرية المخزنة اللازمة لصنع قراراته، وكل المخزنات في الذاكرة انما هي مرافقات ومتعلقات تَكَيف لها العقل بحثا عن الأمان والامن والطمأنينة والراحة والسكينة خلال مراحل حياته. والذاكرة في الماضي دائما، وتتحكم في الحاضر وتُحدَث لتندفع نحو المستقبل وتتحكم فيه. والذاكرة هي مسيرتك انت، نفسك وانانيتك في الحياة. والذاكرة تحوي معلومات عن الاحزان والتجارب وما مررت به من معاناة وهي أيضا في الماضي وهي التي تعطيك الإحساس بالاستمرارية في الحياة ببصمتك الخاصة. كل ذلك هو انا، الانا ليس منفصلا عن الذاكرة، فالذي يستمر في الحياة هي الذاكرة، أي الذي يعيش معك دائما هي الذاكرة، والذاكرة هي الماضي الذي تعطيك الشعور باستمرارية الأمان والطمأنينة في الحياة، وتخاف من كل شيء يقف حائلا امام تلك الاستمرارية مثل الموت. الذاكرة هي مركز النفس، ولها الاستمرارية ليعطيك الشعور بالأمان، فالذاكرة تجعلك ان تتقيد بشروط المجتمع والقوانين والاعراف السائدة فيه والتي توفر لك الأمن والطمأنينة. الذاكرة ترتبط بحوادث قديمة راحت وانتهت وماتت، وما كان يصلح في الماضي لن يكون بالضرورة مفيدا وموائما للحاضر، إذن الذاكرة ليست الحقيقة لأنها مجملا هي لحوادث ماتت ولم تعد قائمة، والدروس المستنبطة منها ليست بالضرورة صحيحة بل تحقق مصلحة انانية وشعورا بالأمان والسكينة الخادعة والاحساس بالاستمرار في الوجود. مثلا فقدان معلمي الملهم تبقى بالذاكرة مستمرة رغم موته بالواقع، فانا انشد الشعور بالأمان في شيء ميت وهو ليس قائماً، فلو كان معلمي يعيش أحس معه بالأمان والحماية والسعادة، لكنه مات ولازال يؤثر في الذاكرة، فلا غطاء للأمان في تلك الذكرى الا الإحساس بالاستمرارية الفردية. عموما انا مبرمج على تلك المتعلقات، ويبقى الاحفاد عبيد للوعي المستمد من الإباء والمجتمع، هذا البرنامج الخوارزمي هو الذاكرة، فانا في ذلك ماكينة مبرمجة، ولكنني في العمل لست كذلك، انا مطور وعملي لا اتقيد بالذاكرة، أي انني اعمل في المساحة الحرة من الذاكرة، فأضيف شيئا الى الوعي العام الاجتماعي، لكنها تتحول الى ماض في المستقبل أي في المحصلة توسع سعة الذاكرة التراكمية القيادية للعقل، لتصبح تلك الذاكرة ميتة في المستقبل ايضا، وهناك بصيص من الشك داخلك لا يعمل، ليعطيك زخما لتوسيع رقعة المساحة الحرة في الذاكرة، لتضيف شيئا جديدا للوعي الاجتماعي العام، وهكذا اتطور جيلا بعد الاخر.. على سبيل المثال انا مبرمج على دين منذ الاف السنين وانت كذلك مع اختلاف الأديان لأنها اعطتنا الأمان في حياة ثانية، البرنامج لازال يعمل، ليعطيني الأمان، البرنامج يعمل وحده، وليس شيء اخر. الأديان والمعتقدات تعاقبت على البشرية، لتاتي بمواعظ جديدة في كل مرحلة وتؤكد على ثوابت، وهي في المجمل تعمل ضد فكرة موجد الخلق بالوقوف حجر عثرة امام التطور والتحديث المنشود في خوارزمية الوجود.. كما انها تمضي بعكس الاتجاه بالمراوحة والتسليم للخرافة، لن تتعامل الحياة مع المتدين بإيجابية لإعاقته تقدم البشرية خلال الركود والخنوع الى انانيتها المطلقة دون الالتفات لتحرير الفكر للخوض الى عوالم الابداع والتطور. الخالق برمج خوارزمية الانسان بأتم وجه ولا يحتاج البرنامج الى "دليل استخدام" يأتي بها المبشرين لإرشاد البشر، افعل كذا ولا تفعل كذا، كل هذه التعليمات هي فرضيات جاهلية لم تدرك قدرة الموجد في برمجته للإنسان، تلك البرمجة التي تتكامل مع عامل الزمن حصرا، وان الارشاد خلال "دليل الاستخدام" يعني الاعتراف بوجود خلل في برمجة الانسان وضعف الخالق وحاجته الى معالجة الضعف من خلال ارسال "الدليل الملحق"، اي بمعنى انتقاص لقدرة الموجد او الصانع وشك بلا اثبات علمي او منطقي او إغناء لمفهوم الحياة والموت، باستخدام الترهيب والترغيب.. كما ان الأديان وجهت بذلك "الدليل" بلا خوض وإدراك لدوال الخوارزميات البشرية، فتقاطعت معها وسارت بعكسها معطلة مسيرة الإنسانية والوجود الطبيعي، ولذلك سنحتاج الى سنين طويلة لإدراك قيود هذه الأفكار لنطفر عليها، ونضع الانسان على سكته الطبيعية دون مداخلة ليرتقي حسب البرنامج ويتوجه لهدف الكمال وما بعد الكمال..
النفس مبرمج كاملا للأيديولوجيات، التي ترسمها الأفكار، أي ان الأفكار مبرمجة بعمق، والبرنامج هو انا، فلست حرا في ذلك، انت ماكنة مكيفة مبرمجة طالما تعيش في تلك المساحة المقيدة، والفكر محدد في الاطار المعرفي كما هو معلوم، واذا زادت معرفتك زادت مكيفاتك، فليست هناك حرية خارج ذلك، فحين تسال أحدا لمساعدتك او للموعظة، فانت هنا تقدر وتعترف بانك في مأزق تريد التخلص منه، فانت تعيش على شيء ميت وتريد المساعدة لفهم طبيعة البرنامج لإخراجك من المشكل او المأزق، ولن تجد المساعدة ابدا حتى ان أتت من الغيب، انه جنون، فأننا في ذلك نعترف بان كلينا في برنامج واقعين في حفرة ونريد النجاة، لن تجد المساعدة من احد، لطالما بقينا على برنامجينا. فالذاكرة في حركة وتعطينا الشعور بالأمان، الذاكرة هي شيء ميت، فانا أعيش مع شيء ميت، عندما أدرك ذلك يحصل هناك طفرة، للتخلص من الحفرة، للقفز الى المساحة الحرة من الذاكرة، أي ان الفكر الاختياري ينحي كل الماضي الميت جانبا، ويعمل في المساحة الحرة ليأتي بحلول منطقية وفق مستجدات واقعية..
فاذا اردت ان تمحي مشكلة احدى المعاناة او الاحزان من الماضي، فإنك حين تخاطب المشكلة فان المخاطب والمشكلة هما واحد وهو انت، أي ازدواجية ذات أصل واحد. لذلك لا تتمكن من محوها الا إذا نظرت للمشكلة من خارج المتعلقات الشخصية (التي جاءت من الابوين والمعلمين والتجارب وغيرها)، خارج الانا او الذات الذي منحك الأمان، فهل يمكن ذلك؟ فمثلا الوطنية متعلقات حين تأتي دورك لإثباتها تضحي بنفسك، لأنها واجب مقدس كما خزنتها في ذاكرتك وأصبحت من المتعلقات، وكذلك يرى رؤسائك الواجب والشعور بالمسؤولية، متى تخلصت من هذا الشعور فإنك تتحرر من المتعلقات ولكن كيف التخلص؟ فالواجب في نفسك والذي يلاحظ ذلك هو أيضا في نفسك! إذا حللت المشكلة فان التحليل سقيم لأنه قائم بين الذات ومحتوى عقلك المستمد من الذاكرة وكلاهما هو انت!
ان التأمل يخرجك من عالم الذات الى ما وراء الذات، الى المساحة الحرة في الذاكرة، فتُصور لك وجود الأشياء لنفسها، ودالتها الخوارزمية قائمة لنفسها ضمن منظومة تكامل، وليس لارتقائها على الاخرين..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. التعبئة الطلابية التضامنية مع الفلسطينيين تمتد إلى مزيد من ا


.. غزة لأول مرة بدون امتحانات ثانوية عامة بسبب استمرار الحرب ال




.. هرباً من واقع الحرب.. أطفال يتدربون على الدبكة الفلسطينية في


.. مراسل الجزيرة: إطلاق نار من المنزل المهدوم باتجاه جيش الاحتل




.. مديرة الاتصالات السابقة بالبيت الأبيض تبكي في محاكمة ترمب أث