الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدار بين ظلمتين

وليد عبدالحسين جبر
محامي امام جميع المحاكم العراقية وكاتب في العديد من الصحف والمواقع ومؤلف لعدد من

(Waleed)

2023 / 7 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


" صديقنا السوري ، قال لي إنه ربما يفرج عنه عن قريب، ولهذا يود ان يعطيني شيئاً و أن أعطيه شيئاً، كذكرى لوجودنا في الزنزانة نفسها، لتثبيت هذه المعرفة التي حصلت بيننا فقال: أعطيك حذائي وتعطيني هذه الجزمة للذكرى ، وافقت في الحال و هكذا لم يمض أكثر من يومين أو ثلاثة حتى خرج صاحبنا السوري و معه الجزمة، وترك لي حذاءه القديم والقبيح و النتن الرائحة و لم يمض النهار على هذا التبادل حتى التفت إليَّ معتقل آخر كان مرتدياً ملابس ريفية تقليدية و قال هذا الحذاء ما يفيدك هل تعطيني إياه، فوافقت أيضاً، و هكذا بقيت حافياً بلا حذاء بنعل المخابرات فقط. إلا أن نعل المخابرات الذي كان من حصتي حينما استبدلوا الملابس الرسمية بملابسي الخاصة، أي البيجامة و النعل كانت إحدى فردتيه أكبر من الأخرى. فكان منظري مضحكاً و كاريكاتورياً حينما ألبسه و أذهب إلى المرحاض أو إلى التحقيق" " بعد منتصف الليل، قرقع باب الزنزانة الحديدي، و إذا ببدن ،ضخم طويل القامة، يُدفع و يُرمى بيننا رقد جامداً بلا حركة و جمدنا معه فلم لم تمض إلا دقائق قليلة حتى أراد الذهاب إلى المرحاض. فبينا له أن ذلك غير ممكن، بل ممنوع منعاً باتاً بعد وجبة العشاء و إقفال الباب الحديدي علينا قال ، لا أستطيع الاستمرار على هذه الحالة، فلا بد لي من الذهاب إلى المرحاض. أكدنا عليه استحالة طلبه و الانتظار الصباح، وطلبنا منه الهدوء و الصمت . قال سينفجر، و لا بد لي من أن أذهب إلى المرحاض (راح) أطق حسب تعبيره. فقلنا له: هنا إبريق للتبول، أجاب ليس التبول، لا بد من أن أذهب إلى المرحاض فوقف وأخذ يضرب الباب و جمدنا في اماكننا لا ندري ماذا سيحل بهذا الضيف الجديد جاء الحارس في الحال وبين أنه لا بد له من أن يذهب إلى المرحاض ، فقال له : اسكت الباب لا يفتح ممنوع » غادرنا الحارس ، فطرق الباب مرة أخرى وأخذ يصرخ بأعلى صوته راح أنفجر راح ،أطق افتحوا الباب . » جاء الحارس و صرخ بدوره اسکت» و إن طرقت الباب مرة أخرى كسرت عظامك . فتوسل الزائر الجديد و قال رحمة بالكلاب فأجابه هذه آخر مرة تطرق فيها الباب و إلا أكسر ضلوعك . لم يتمكن من الجلوس، و أخذ يردد ما في رحمة للكلاب. راح أطق رحمة بالكلاب، و لم يتجاسر أن يدق الباب مرة أخرى ، فأخذ أحدنا طاسة إضافية، غير التي نستلم فيها الطعام و قدمها له، فتغوط فيها، برازاً سائلاً، شديد الرائحة و أخرج صاحبنا منديلاً من جيبه و أخذ يمسح قاعدته و سرواله الذي تلوث ببرازه و أعادها إلى جيبه . ما العمل؟ أخذت الرائحة تخنقنا، فأقدم أحدنا و غطى الطاسة بالكيس الذي نحفظ فيه الصمون، حتى خفت الرائحة بعض الشيء، وحاولنا قدر الإمكان تحملها و الصبر عليها حتى الصباح " هذين مقطعين ليس من رواية دستوفسكي او تولستوي ولا كتبهما نجيب محفوظ او احسان عبدالقدوس ولا أي روائي اخر وانما المهندس المعماري رفعة كامل الجادرجي في سيرته الرهيبة " جدار بين ظلمتين " الذي كتبه بمعية زوجته بلقيس شراره هي كتبت فصول ما كانت تعانيه عند اعتقال زوجها و هو كتب ما يعانيه في سجون الامن فأنتجا لنا رواية حقيقية لو كانت في مصر لأُنتجت فيلم سينمائي نال اعلى الجوائز وخلّد تلك الحقبة السوداء التي نأمل ان لا تعود مثيلاتها على عراقنا المسكين ! لا سيما وهو يحكي لنا ما كان يعيشه ويشاهده مشاهدة عيانية في سجون الامن العامة في العراق في سبعينيات القرن الماضي لا تهمة له سوى انه لديه عمل هندسي مع احد الشركات الاجنبية ، وهذه المذكرات طبعا وثيقة تاريخية مهمة ، للأسف لم تأخذ حظها من الاهتمام على مستوى الاعلام العراقي او العربي ولا أرَ أحد من المهتمين بالتاريخ العراقي المعاصر قد أهتم بها ولا اعرف السبب ربما وراء ذلك اجندات سياسية وضغوط تحت بريق المال !
استذكار وقراءة هذا التاريخ لا يعني تبرئة الحاضر من وجود المظالم والاخطاء ولكن توثيق المراحل بحياد تام كفيل بأخذ الدروس والحيلولة دون تكرار هكذا ظلم فضيع ، خاصة واننا شهدنا في الآونة الاخيرة محاولات ممنهجة لزروقة صفحات الفترة السابقة وتصويرها على انها زمن جميل كله ، واي مؤرخ منصف لا ينكر وجود ملامح جمال صنعه العراقيين الا انه لا يمكن ان تغيب صفحات التعذيب والدكتاتورية والظلم وما اقتبسناه اعلاه نزر قليل من كم هائل من الاف القصص والكوارث التي عاشها العراقيين دون نجدة من مجتمع عربي او دولي او منظمات حقوقية ، ولا ادري كيف يحتفظ بخصائصه الانسانية من يريد ان يشطب بقلمه على هذه الكوارث متعللا بما يعاني الشعب الان من سوء الخدمات والفساد الاداري والمالي ، اكرر ادانة الماضي القريب لا يعني تبرئة الحاضر فلنكن شهود عدول على تاريخنا المعاصر ايها العراقيين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في