الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عنوان الموضوع: عقيدة العصمة بين النص والأفتراض ج4

عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني

(Abbas Ali Al Ali)

2023 / 7 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


أقسام العصمة
يقسم الفقهاء العصمة على مناطات متعددة تبعا لمعيار محل العصمة، فهي أما عصمة من الذنوب أو عن الذنوب من بسيطها "اللمم" إلى أعظمها "الكبائر، وعصمة من الخطأ مقصودة أو متعمده بسيطة أو يجري فيها الطغيان أختيارا، فيقولن تنقسم العصمة إذا لما يلي :.
• العصمة من الذنوب الأنبياء كلهم معصومون من ارتكاب الذنوب صغيرها وكبيرها، لأنّه لو كان مرتكباً للذنوب لأصبح ظالماً، إمّا لنفسه أو لغيره وهو خلاف العصمة التي جُعلت شرطاً في الإمامة، كما ذكرنا في قوله تعالى لإبراهيم ع (لا ينال عهدي الظالمين)، ويقول أبناء العامة من أهل السنة والجماعة لا عصمة لأحد من خلق الله كائنا من كان بخلاف النبي عليه الصلاة والسلام، بل بخلاف الأنبياء جميعاً (فإن الله تعالى قد ميزهم عن غيرهم من بقية الخلق بما عرف في الشرع بالعصمة)، والعصمة للأنبياء محددة بمعنى وحيد (هي المأمن من الزلل والخطأ، والمأمن من أن يقر النبي عليه الصلاة والسلام على خطأ أو نسيان يصدر عنه، وغير ذلك مما يعتري البشر، ولا يؤثر ذلك في رسالته أو نبوته عليه الصلاة والسلام)، فمدار العصمة هنا من الذنوب التي مصدرها الزلل والخطأ الغير عمد، أما الذنوب العمدية أو الأختيار العمدي في الإذناب فهي محالة على الرسول والرسل والأنبياء، خاصة بعد البعث والإرسال وقبلها يجوز أن تكون ولكن الله منع من ذلك على سبيل التقدير (والراجح أنهم لم يرتكبوا كبيرة قبل البعثة)، وعندهم العصمة تكون في ثلاثة أمور: الأول: العصمة فيما يتعلق بالوحي تلقياً وتبليغاً وهذا أمر مقطوع ومفروغا منه، الثاني: العصمة فيما يتعلق بالوقوع في الكبائر وهذه حالية مسلم بها بعد البعث والإرسال، الثالث: العصمة فيما يتعلق بالوقوع في الصغائر وهذه جائزة ما لم تؤثر على الرسالة ومصداقية التبليغ، فهذه ثلاثة أبواب هي أبواب العصمة التي ميز الله تعالى بها أنبياءه ورسله..
• العصمة من الخطأ والاشتباه: لأنّ النبي لو اشتبه وأخطأ يكون خلاف كونه هادياً، حيث يحتمل الاشتباه حينها في كل قول وتبليغ وحكم وهذا نقض للغرض الذي أرسل الأنبياء لأجله لأنّهم بعثوا هداة مهديين، قال تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)، وقال تعالى (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه)، وقال سبحانه وتعالى بحق رسوله الكريم (وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)، وقد رددنا هذه الشبه في أن الرسول لا يمكنه أن يخطأ ويشتبه على أمر الله وكان أمر الله محفوظا، فالأمان في الحفظ والخوف على أمر الله من الأشتباه والخطأ محال بأمر الله وتقريره، ولا دخل للرسول بما أراد ألله أن يكون.
أما رأي أهل السنة والجماعة في الخطأ فيقول أبن تيمية مجددهم والأبرز بين مدعي العصمة للنبي بقوله (والله هو الذي تولى حفظ الذكر لأن ما بعث الله به رسوله من الكتاب والحكمة هو هدى الله الذي أنزله على رسوله، وبه يعرف سبيله، وهو حجته على عباده، فلو وقع فيه ضلال لم يبين لسقطت حجة الله في ذلك، وذهب هداه، وعمي السبيل؛ إذ ليس بعد هذا النبي نبي آخر ينتظر ليبين للناس ما اختلفوا فيه، بل هذا هو رسول آخر الزمان وأمته خير الأمم، ولذا لا يزال فيها طائفة قائمة على الحق بإذن الله، لا يضرها من خالفها ولا من خذلها حتى تقوم الساعة)، فيلتقي الفريقان عند نقطة واحدة وإن أفترقوا فيها ظاهرا، وهي أن النبي لا يخطأ في موضع الدعوة والهداية لدين الله، لأن ذلك مما يجعل المحمول التبليغي معرض للشك ومحتاج للبيان فيه، وهذا لا يمكن أن يكون ولا يمكن لله أن يقبله أو يرضاه للناس، لأن لا نبي بعد محمد ولا أحد له حق التصحيح والتصويب بعد نزول آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمي ورضيت لكم الإسلام دينا).
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} المائدة:٦٧، وقال كذلك {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} الحاقة:٤٤ - ٤٦، فلما لم يأخذ منه باليمين، ولم يقطع منه الوتين أي الحلقوم تبين أنه عليه الصلاة والسلام لم يتقول على الله عز وجل بقول قط لا كبير ولا صغير، وإنما بلغ عن ربه بمنتهى الأمانة، حتى الذي عاتبه فيه ربه إنما نقله إلينا على صورة العتاب الذي عاتبه الله تعالى فيها ولامه، وكل ذلك ليس من باب أنه معصوم ولكن لأنه صادق في القول والعمل وما أداه من أداء للرسالة كان أكثر ما جاء في القرأن من لفظ (الصدق) على هذا المعنى التكريمي فـ (الصادقون) بمعنى العباد المؤمنين الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه والرسل في أعلى الدرجات منهم فيه، وهنا (الصدق) بمعنى الوفاء بالعهد، ومن ذلك قوله تعالى {ليجزي الله الصادقين بصدقهم} الأحزاب:24، قال الطبري: ليثيب الله أهل الصدق بصدقهم الله بما عاهدوه عليه، ووفائهم له به.
فالتثبيت على العهد الوارد في القرأن بخصوص الأنبياء والرسل جاء نتيجة صدقهم وإخلاصهم لله، وليس لأن الله عصمهم أن لا يكونا إلا صادقين، وقد ذكر الله هذا الأمر في ما جاء بمحاجة مؤمن أل فرعون حين بين أن الصدق ينفع الجميع والكذب مردود على صاحبه (وَقَالَ رَجُلٌ مُّؤْمِنٌ مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُم بِالْبَيِّنَاتِ مِن رَّبِّكُمْ ۖ وَإِن يَكُ كَاذِبًا فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ ۖ وَإِن يَكُ صَادِقًا يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) غافر 28، وعامة ما ينقل عن جمهور علماء السنة على خلاف غيرهم هنا أنهم أي الأنبياء والرسل غير معصومين على الإقرار على الصغائر ولا يقرون عليها، بما يعني أنها لو وقع نبي منهم في شيء من هذا عاتبه ربه على الفور فبان الحق، وفي هذا إثبات أن الخطأ إذا وقع من نبي بقول أو فعل فإن الله تعالى يصححه على الفور، مما يبين وجوب الأسوة والقدوة بهم، وأن ذلك لا يؤثر على الاقتداء والتأسي بهم، لأن خطأهم مصحح ولم يبقى على حاله بخلاف خطأ غيرهم.
الخلاصة التي يؤمن بها كل المسلمون بمذاهبهم وطوائفهم ومدارسهم الكلامية أن النبي في أقل درجات الأتفاق معصوم في البلاغ والإنذار، ليس لأنه واجب طبيعي له ومستوجب عليه العصمة أبتداء، ولكن لحماية المحمول التبليغي من أي شائبة تتصل بالمصداقية الخاصة به، فالعصمة مقررة إذا لمناسبة التبليغ وليس مقررة لذات الرسول بذاته، وهي من مكملات الرسالة حصورا وعدما معها، ولا ينبغي لأي شخص أن ينال العصمة إلا في حدود هذه المناسبة وحدها، وإلا عد خارج التكليف والسؤال والحساب أصلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah